جريس الهامس
الحوار المتمدن-العدد: 1796 - 2007 / 1 / 15 - 11:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ومن علامات اللغة السريانية وسماتها المستمرة في اللغة العربية استخدام الثاء أو الثاء في نهاية الإسم للتأنيث مثل : عرنة – وتعني = الصلبة أو القاسية.. وهي إحدى قرى جبل الشيخ جنوب سورية – وجبّاثة وتعني = الموقع الجميل .. المشرف على غور الأردن وشمال فلسطين المحتلة ... و بقعاثا – وتعني = الفجوة أو الوادي .. من قرى الجولان المحتل .
- أبو الأسود الدؤلي : واضع علم الصرف والنحو ومنشئه في اللغة العربية وهو: المتوفي عام 69 ه = 688 م
لاأجزم حول مولده وقوميته نظراّ لوجود اّراء مختلفة حول الموضوع .. لكن المؤكد أنه مثل سيبويه والخليل ليس من أصول عربية بل من الشعوب التابعة لخلافة قريش الحاكمة باسم ( النصر الإلهي ) المزعوم , الممتد حتى عصرنا .. و كان يطلق علي هذه الشعوب رغم أسلمتها لقب الموالي وهؤلاء الموالي أبدعوا في شتى العلوم والمهن وهم البناة الحقيقيون لحضارة المشرق المطموسة والمغلفة بغلاف ديني غليظ .
المهم والثابت علمياّ أن أبو الأسود الدؤلي منشئ هذا العلم ذهب إلى الكوفة مركز الثقافة السريانية , واتصل بالعلماء السريان وتتلمذ على أيديهم واستعان بهم في كتابة أول نحو نظمه – كتبه – في اللغة العربية ( 43 )
ونسج في تبويبه وتنظيمه قواعد النحو والصرف في اللغة العربية على منوال اللغة السريانية وتنظيم علمائها ومبدعيها في علم اللغة .. ( 44 ) ..كما جاء في كتاب فجر الإسلام لأحمد أمين :
( ووضع أبو الأسود الدؤلي قواعده على نمط القواعد السريانية واعتمد عليها ..) ( 45)
وقد استمد تشكيل الكلمات وحركاتهاوتنقيطها اقتباساّ من النقاط والإشارات السريانية التي تتميز بها الكلمات ومواقعها في الجملة ( 46 )
وكان يعقوب الرهاوي العلاّمة السرياني قد استنبطها من اللفظ والمعنى وصاغها كتابة . وهذا الجهد الكبير والإنجاز التاريخي الهام في علم اللغة , يعتبر اللبنة الأولى في تأسيس النحو والصرف العربي قبل سيبويه
بقرون ( 47 ) وكذلك العلاّمة داوود الإنطاكي الذي نقل وألّف علم النبات والأعشاب والزراعة وطوّرها .. لكن كل ذلك مطموس في التاريخ ومشوه نتيجة العصبية الدينية العمياء التي تلغي الاّخر أو تنسب عطاءه وإنتاجه الفكري والإنساني لها .. كما فعلوا مع أول فنان راثع من العصر العيّاسي بقيت رسومه خالدة ومحفوظة في متحف مدينة ( جنيف ) وقد شاهدتها عام 1985.. هو الفنّان العراقي ( يونان بن نثنائيل ) الكلداني , الذي بدلوا إسمه في التاريخ العربي وأطلقوا عليه إسم : ( محمد الواسطي ) نسبة لمسقط رأسه مدينة واسط في العراق ( 48) ... علماّ أن معظم لوحاته الرائعة تضم صور أشخا ص من الجنسين , وتصوير الأشخاص محرّم في الإسلام .. وقال الطبيب والفيلسوف الكندي في رسائله الفلسفية مايلي : ( كان السريان لنا سبلاّ –معلمين – وطرقاّ واّلات موْدية إلى علم كثير , فإنهم لو لم يكونوا . لم تجتمع لنا هذه الأوائل من الحقائق والعلوم – الحقية – )( 49 ) ومثل هذا قال الفارابي ( بهذا يمكننا القول أن السريان هم الذين علّموا المسلمين الفلسفة أولاّ وهم الذين ترجموها لهم ثانياّ .... الخ ) ( 50) .... فأين أصبح المبدأ العنصري السائد والمسند بالحديث ( الإسلام يجب ماقبله ) – ( 51) كأن الحضارة الإنسانية بدأت وانتهت به دون مناقشة ...؟ علما أن معظم الأحكام والنظم التي كرسها كانت موجودة في المجتمع القبلي والعبودي قبله باّ لاف السنين , بما فيها الحدود والميراث والحج والبينات وحتى الكثير من الاّيات ...الخ لامجال لتشريحها هنا .... الحضارة الإنسانية متواصلة تبنيها الشعوب وتطورها مع تطور حاجاتها و وسائل انتاجها المادي والفكري وتطور نظمها الإجتماعية والطبقية والسياسية والفكرية والعلمية . وليست وقفاّ على هذا النظام أو ذاك أو هذا النبي أو ذاك ....؟
إن هذا البحث العلمي يحتاج لدراسة أوسع وتنقيب أكثر في المصادر النادرة بعد ماانتاب المكاتب والكتب المخطوطة القديمة من كوارث وحرائق ونهب وإهمال ..ومنها مكتبة دير صيدنايا الحبيبة التي كانت تضم اّلاف الكتب والمخطوطات السريانية والعربية ..التي كانت تضم حتماّ تاريخ الاّباء والأجداد في القرية الصغيرة بل تاريخ سورية كلها والمشرق كله , والدليل على ضخامة محتوياتها المدة الطويلة التي استغرت فيها جريمة حرقها في النصف الأول من القرن التاسع عشر , حيث استمر حريقها شهراّ كاملاّ بأمر من البطريرك ( فيتوديوس - - 1823 - 1850 ) وبقيت القضية مجهولة في التاريخ حيث كانت الأمية سائدة . ونشر لأول مرة نبأ حريق مكتبة صيدنايا وضياع هذا الكنز الثقافي الذي لايعوّض , في مجلة – المشرق – اللبنانية في أواخر القرن التاسع عشر ( 52 ) وعنها أخذ الحادثة بعض المؤرخين والكتّاب بعد عدة عقود . ( 53 ).. كان لابد من ذكر هذه الكارثة المؤلمة في بلدة صغيرة التي لاتقل فداحة وألماّ عن جميع الكوارث والأوبيئة التي اجتاحت الوطن كله في القرون الغابرة .... وأخيراّ : يسعدني أن تكون هذه الدراسة مقدمة لدراسة ميدانية موضوعها بلدتنا الحبيبة صيدنايا التي تتجلّى فيها جذور اللغة السريانية والاّرامية في العامية والفصحى مختلطة أو مطورة إلى العربية , حيث بقيت السريانية لغة القرية والمنطقة المجاورة كلها حتى نهاية القرن السادس عشر تقريباّ .. ولم يبق من قرى منطقتنا – جبل سنّير – أو القلمون سوى ثلاث قرى تتكلم السريانية الاّرامية ولا تكتبها حتى الاّن , وهي : معلولا – وتعني في السريانية المضيق – وجبعذين - وتعني التل المرتفع وأضيفت الياء والنون علامة الجمع كما رأينا وبهذ تصبح التلال المرتفعة - وبخعة - وتعني المكان المنقطع أو المحبوس بين الجبال – وهو ماينطبق على موقع هذه القرية التي تنقطع عن العالم في موسم تراكم الثلوج في الشتاء ... وقد حاول الشوفينيون تبديل إسمها الأصلي وأطلقوا عليها إسم ( الصرخة ) على ما أذكر لكن هذه المحاولات البائسة فشلت كما فشلت في منطقة الجزيرة السورية بتبديل الأسماء السريانية والكردية إلى العربية ومازالت السريانية مستعملة لفظاّ وكتابة إلى جانب العربية في منطقة الجزيرة وفي بعض قرى جبل لبنان ,,,,.؟ , ولاتزال السريانية موضوع بحثنا كماهي في اّلاف الكلمات المستعملة في العربية وأسماء أوابد المنطقة والنبات والحيوان والأدوات , والحرف , والطعام ... والكثير من أسماء التاس والعائلات والصفات والأفعال والأسماء الخاصّة في صيدنايا موضوع هذه المقدّمة , وبالتالي أسماء المواقع والأراضي الزراعية السهلية والجبلية المحيطة بها التي حماها الأجداد والاّباء بسواعدهم ودمائهم عبر عوادي التاريخ المختلفة وبملء الأسف أسجل هنا أن الكثير من أوابد القرية اختفت بفضل النظام الأسدي المعادي للإنسان والحضارة والمستهتر بأبسط حقوق الإنسان ,,,ومعالم حضارته حيث حفرت عصابات المافيا الأسدية ودمرت الكثير من الأوابد في سبيل الحصول على الاّثار الثمينة المدفونة تحت الأرض منذ اّلاف السنين وتهريبها إلى الخارج مستخدمين الجنود واّليّات الجيش لهذا الغرض وكلها معروفة بالأسماء والمواقع سبق ذكرها في كتابي ( مملكة الإستبداد المقنن في سورية ) . ومن الجرائم الحديثة تحريض بعض جلاوزة الإستبداد بعض ذوي القربى الجشعين والمرضى بعبادة الدولار .... لاغتصاب أرضنا التي ورثتاها عن اّبائنا وأجدادنا في الجبل والسهل المحيط بالقرية وبيعها للغرباء ..... مستغلين غيابنا وتشريدنا خارج الوطن منذ 26 عاماّ اغتصبوها بحماية المافيا الأسدية التي حوّلت 70% من القضاة إلى مرتشين إذا لم نقل أكثر , يضعون لكل مادة تسعيرة في سوق النخاسة و70% من المحامين سماسرة لاأكثرلاتهمهم رسالة المحاماة الوطنية والإنسانية . بعد حل النقابة الشرعية المنتخبة ديمقراطياّ واعتقال وتشريد أعضائها عام 1980 واستبدالها بنقابة تعينها أجهزة المخابرات والقمع ....؟ ... وبقيت أسماء مواقع وصفات أرض القرية وأهلها الطيبين الشجعان , وكل أوابدها وتاريخها محفورة في الذاكرة ووشماّ على صدورنا .أنّى ارتحلنا ...؟. وإذا كانت المصادر التاريخية نادرة باستثناء نتف وتعاريف مع النادر من الأحداث المحصورة بالدير والموقع التاريخي الهام... وردت في معجم البلدان لياقوت الحموي أو في أشعارعبد الغني النابلسي أو الشاعر إبن عنّين , أو في تعليقات بعض الرحّالة الأجانب , كذلك كتاب تاريخ الشام للخوري ميخائيل بريك الذي عاش فيها عام ( 1768 ) .....وبقيت حياة الناس السطاء الأجداد شبه مجهولةعبر اّلاف السنين لذلك كانت العودة للجذور اللغوية التي انتجها مجتمع الفلاحين والحرفيين الصغار وعاشها و التي لاتزال حيّة ومستعملة حتى جيلنا , وإن كان قسم منها في طريق الإندثار نتيجة تطور الحياة في مجتمع الإستهلاك الرأسمالي الغير منتج , الذي تعيشه الأجيال الحديثة - ومن هذه الجذور النابعة من حياة الناس نصل لرسم معالم تاريخ الأجداد انطلاقاّ من صيدنايا لتشمل أيضا معاني أسماء ومواقع دمشق وأ هم اقضيتها وقراها من البريج شمالاّ - إلى الجولان المحتل وطبريّا جنوباّ في جولة سريعة على تلك الربوع العزيزة في القسم الأخير من هذه الدراسة الشاقة .... اّملاّ أن ترى الدراسة المفصلة النور في وقت قريب عله يكون على أرض الوطن بعد سقوط الطاغوت ربما يتحقق الحلم ....؟؟؟ ليس بعنتريات أحد ولابسلع الدكاكين المعزولة والمكشوفة طبعاّ في صحراء مقفرة ليس فيها سوى عواء ذئاب جائعة بعد أن نفق القطيع .....
وفي الختام أقول : لقد كان لزوجتي الحبيبة مريم نجمة دوراّ هاماّ في إنجاز هذه الدراسة – التي تتسع لمئات الصفحات بعد هذه المقدمة – وذلك برأيها الحصيف وكتابتها الأسماء والكلمات باللغة الاّرامية والسريانية ضمن اختصاصها في اللغات القديمة ..
كما لايسعني سوى تقديم الشكر للقائمين على المجمع العلمي العراقي الذين فتحوا لنا خزائن مكتبتهم الرائعة الغنية وخصوصاّ الأستاذين الجليلين بنيامين حداد رئيس قسم اللغة الاّرامية والسريانية في هذا المجمع والمؤرخ العراقي الشهير – كوركيس عوّاد – عضو المجمع العلمي العراقي وغيرهم اللذين قدموا كل مساعدة أخوية لإنجاز هذه الدراسة الهامة . .اّملين أن نكون قد أدينا جزءاّ من واجبنا نحو مسقط رأسنا و شعبنا اليتيم المعذب ووطننا الأسير الممزق الذي يعيش في صدورنا أنىّ ارتحلنا ..
وإذا كانت المصادر التاريخية المكتوبة شبه غائبة او لاتزال مدفونة تحت الأرض تنتظر منقبين أمناء وشرفاء لإخراجها إلى نور المعرفة فلابد لنا من تطبيق المثل السائد في أفريقيا ( إذا كانت النمور الشجاعة لاتستطيع كتابة تاريخها . فإن قصص الصيّادين تقدم لنا بعضاّ من هذا التاريخ ) .....كذلك قصص الماضي القريب والأبعد التي كان يرويها الأجداد والجّدات جول مواقد الشتاء باعتزاز حول ماضي صيدنايا ومنطقة الجبل عموماّ هذا الماضي الذي يحمل عنوانا واحداّ ( التجذر بالأرض ) رغم كل محاولات الإقتلاع و همجية الإستبداد وفقر الطبيعة عبر اّلاف السنين تلك القصص الشعبية المتواترة تؤ شر الخطوط العامة لماض شعبي بسيط وفقير لكنه عنيد وشامخ بحق الحياة ورائع , ولبعض صنّاعه وأبطاله المحفورة في الذاكرة الشعبية رغم كل عذابات الماضي ونكباته ... تقدم لنا جزءاّ من هذا التاريخ المجيد الصغير , .. إلى جانب الجذور اللغوية التي تساعدنا لاستكماله ضمن الواقع المعاش . كلنا أمل أن نكون قد أدينا جزءاّ صغيراّ من واجبنا المقدس نحو مسقط رأسنا صيدنايا ونحو وطننا الأسير اليوم سورية الحبيبة التي تعيش في صدورنا ما دمنا أحياء ..
أخيراّ نشكر جميع الأصدقاء الذين اتصلوا بنا مشجعين ومقدرين من مختلف البلدان, أثناء نشرنا هذه الحلقات كما نرحب بأي نقد وحوار حولها لأننا نتعلم من الأخطاء دوماّ , لندرك مصادرها ونصححها لأن الإنسان الذي لايخطئ غير موجود على هذه الأرض ......كما نشكر الحوار المتمدن منبر أحرار العالم العربي والعالم الذي أتاح لنا هذه الفرصة الذهبية – وشكراّ
لاهاي : 14 / 1
المصادر
( 43) المؤرخ التركي أحمد رفيق – التاريخ العام ج5 ص364
( 44) جرجي زيدان – تاريخ أدب اللغة العربية ج1 ص 241
( 45 ) أحمد أمين – فجر الإسلام ص183
( 46 ) حسن عون – اللغة والنحو –طباعة الإسكندرية عام 1952 ص 215
( 47 ) المطران إسحق ساكا المصدر السابق ص 85
( 48 ) من دراسة خاصة للفنان الكبير الصديق المرحوم : فرج عبّو أحد روّاد الفن التشكيلي وأستاذ أكاديمية الفنون في بغداد
( 49 ) رسائل الكندي الفلسفية ص 102
( 50 ) تاريخ الفرق الإسلامية ونشأة علوم الكلام عند المسلمين , للفارابي ص 139
( 51 ) صحيح البخاري وصحيح مسلم
( 52 ) مجلة المشرق الشهرية – بيروت – عدد تموز 1899
( 53 ) 1- حبيب الزيّات – خزائن الكتب في دمشق ص 97 وما بعدها
2 – تطور الصحافة في مئة عام : 1865 – 1965 – جوزيف الياس
#جريس_الهامس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟