صفاء الصافي
الحوار المتمدن-العدد: 8271 - 2025 / 3 / 4 - 22:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا زال الاعلام العربي يسوق لنا شخصيات تاريخية اسلامية ملغمة بالروايات والقصص الخرافية من خلال الافلام والمسرحيات والاعمال التلفزيونية ولاسيما في شهر رمضان حيث تصرف الاموال الطائلة من اجل تجيسد تلك الشخصيات ليقدمون لنا صورة بغاية الروعة حيث النبل والرحمة والشرف والتدين والشجاعة, من منظورهم الفكري ولا يقدمون ما يعارض افكارهم او يقدمونها كما هي بايجابياتها وسلبياتها.
ومن هذه الشخصيات, الشخصية الاكثر جدلا في التاريخ معاوية ابن ابي سفيان صاحب الالقاب الكثيرة والمناقب المتعددة الذي وصف بخال المؤمنين وكاتب الوحي واول مولوك العرب وعرف ايضا بالدهاء والمكر والخداع والشجاعة والفصاحة والقيادة تلك الشخصية المفعمة بالتناقضات وعليها خلافا كبيرا الى يومنا كما وصفه لنا السرد التاريخي بانه غير مجرى التاريخ وقسم الاسلام الى قسمين دينيا وسياسيا قسم علي ابن ابي طالب رجل الدين وقسم معاوية رجل السياسة الابرز حيث بدأ هذا الامر بخلافا سياسيا ليتمدد عقائديا ويتفرع مذهبيا وينتج عن هذا الانقسام حروبا طاحنتا ازهقت فيها الاف الارواح .
ويروي لنا السرد التاريخي, بان معاوية اسلم قبل ابيه ابو سفيان سرا (1) قبل فتح مكة, وهذا كله يأتي في اطار ايديلوجي يريد ان يعطي لمعاوية شرف الاسلام الذي يفتقده ، ويغطي عن افعال ابويه الذين كانا من اكبر معارضي الدعوة المحمدية ومحاربة مشروع الاسلام بكافة السبل ناهيك عن الحروب الدموية التي دارت بينهما , وهذه القصة انما هي لتلميع صورته الاسلامية فقد عمل معاوية ابان حكمه بتوثيق الاحداث الاسلامية لمصلحته من خلال اعطاء الاموال للكتاب والعلماء وكسب اقلامهم لكن بعض معارضيه قد وثقوا سيرته كرها بأفعاله الغير شرعية او تعاطفا مع خصومه وما اكثر خصوم معاوية ومملكته الاموية .
ويبن لنا التاريخ العديد من الخصومات التي ادت الى حروب سياسية التي استعمل بها كل شي من اجل طموحاته الملكية ومن اهم الحروب السياسة هي حرب صفين مع علي ابن ابي طالب التي فرقت الامة الاسلامية الى فريقين تلك الحرب السياسية التي راح ضحيتها الاف القتلى من المسلمين وبينهم اعداد كبيرة من الصحابة حرب كان طرفيها يقيمون الصلاة ويتلون القران معركة استمرت ايام 10 دون حسمها لعلي او لمعاوية وبعد ان احس معاوية بخطر الهزيمة جعل القران على اسنة الرماح وهذه خطة عبقرية سياسية بامتياز لهزيمة علي وجيشه وبعدها تم الصلح لكي يحفظ دماء المسلمين وكان العشرة ايام من القتل لم تذكرهم بحقن الدماء.
وقد بين لنا المادحون لمعاوية العديد من المناقب المثيرة للجدل اهمها كاتب للوحي رغم انه اسلم 8 هـ وعاصر النبي فترة اسلامه ثلاث سنوات، ويذكر الذهبي كان معاوية كاتبه فيما بينه وبين العرب(2) اي يكتب رسائل النبي للملوك وامراء الدول العربية كونه كان يمتلك الثقافة الادارية في تلك الفترة وان لقب كاتب الوحي كان من نصيب زيد بن ثابت، كما واطلق عليه بخال المؤمنين لان اخته أم حبيبة تزوجت النبي وهذا اللقب الاكتسابي فنده الكثير من العلماء ابرزهم الشافعي الذي قال " تزوج الزبير بنت ابي بكر وهي اخت ام المؤمنين، لم يقل هي خالة المؤمنين" (3) – أي انه النبي تزوج الكثير وجمهن أمهات المؤمنين فلم لم يطبق على اخوانهن واخواتهن بخالات واخوال المؤمنين كما أيضا لقب بملك الدولة الإسلامية ، فهذه الألقاب اشتريت بأموال معاوية الذي عرف كثير العطاء والبذخ، معاوية الذي كان الجميع يتكلم عن طعامه الدسم حيث قال أبو هريرة الصلاة خلف علي أقوم وطعام معاوية أدسم، وهناك حادثة في معركة صفين كان بعض المقاتلين عند وقت الصلاة يتركون جيش معاوية ويدخلون في جيش علي وعند وقت الطعام يتركون جيش علي ويذهبون لمعاوية فظن الفريقين انهم كانوا عيونا وجواسيسا وعند مواجهتهم قالو الصلاة مع علي اتقى والطعام مع معاوية اشهى وهذه الحادثة تبين ماهية المسلمين في تلك الفترة ,
استطاع معاوية في حنكته السياسية ودسومة طعامه بخسارة علي لجيش الشام ومصر وبقي يقود جيش العراق الى ان قتل علي فخلف ابنه الحسن ابن علي الذي ابرم الصلح معه وهنا اصبح معاوية هو ملك الإسلام حيث غير مبدأ الشورى الى ملك كسرويا كما قال الجاحظ " استوى معاوية على الملك، واستبد على بقية الشورى ، وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين فى العام الدى سموه عام الجماعة ، وما كان عام جماعة بل عام فرقة وقهر ، وجبرية ، وغلية ، والعام الذى تحولت فيه الامامة ملكا كسروياً والخلافة غصباً قيصرياً ، ولم يعد ذلك اجمع الضلال والفسق ، ثم ما زالت معاصيه من ما جنس ما حكينا ، وقد انشأ معاوية مملكته الاسلامية على حساب دماء المسلمين وشراء الذمم وبدأ الانقسام المذهبي وكل من كتب عنه كان اما كارها له او مغاليا فيه يقول ابن الجوزي " قد تعصب قوم ممن يدعى السنة فوضعوا في فضله أحاديث ليغضبوا الرافضة وتعصب قوم من الرافضة فوضعوا في ذمه أحاديث، وكلا الفريقين على الخطأ القبيح" فعند البحث عن معاوية في كتب التاريخ والآثار والقصص والأدب , فالقارئ لهذه الكتب يجد أمامه كما هائلا من الأخبار المنقولة عن معاوية إما مدحا فيه وإطراءً من قِبَل الغالين في حبه حيث يصورون لنا شخصا سماويا مقدس , وإما ذما فيه وتقبيحا له من قِبَل الغالين في بغضه.
معاوية كان سيد الاقدار حيث لعبة القدر في شخصية حين توفي أخيه يزيد ليوليه عمر ابن الخطاب خلفا له على الشام لا لورعه وتقواه كما يصفه المادحون بل وجد فيه ضالته السياسية التوسعية الإسلامية فقد كان سياسة عمر هي توسع رقعة الإسلام باي ثمن والتوسع كان يحتاج الى قادة دهاة ويجيدون السياسة لا زهاد وورعين أمثال الصحابة من المهاجرين وعند وفاة عمر وتولي عثمان الخلافة فقد لعب القدر في ذلك ليكون اهم ولاة المسلمين وقد انشـأ دولة عميقة واصبح عثمان يحكم الاسلام شرفيا وجعل معاوية الشام ملكا له من خلال المال والقوة والمكر حتى مقتل عثمان الذي لعب القدر ان يطالب بدمه من علي ويتنج مانتج عن مطالبته في القصاص من قتلة عثمان .
وخلاصة القول ان معاوية رجل السياسة الأول والسياسة فيها كل شيء مباح لكن لا تستطع القول ان معاوية امير المؤمنين وخالهم كونه شخصية طفيلة وانتهازية ولا يعرف أي شيء سوى الوصول لصولجان الملك على حساب كل شيء ولايعرف شرف الخصومة بل كان بارعا في محاربة خصومة إعلاميا وكان دكتاتوريا دمويا لا حمامة سلام كما يصفها البعض.
لابد لنا ان نعيد قراءة التاريخ ليس من المنظور الفكري العقائدي بل من خلال النقد الفكري المحايد لكي نفهم الأجيال من هم قادة التاريخ الحقيقيون تاركين التعصب الفكري المذهبي، والابتعاد عن تقديس الشخصيات التاريخية وتحريم نقدها، وعند إعادة شخصتها فنيا لابد ان تكون واقعيتا بكل ايجابياتها وسلبياتها لا تقدم على انها شخصيات لولاها لما بقي الإسلام، والعجيب هناك شخصيات غيرت مجرى التاريخ منى حيث الإنجازات العلمية العظيمة التي اثرت في العالم بعلمها واسهاماتها وتجاربها العلمية والفكرية في مختلف المجلات لكن للأسف لاتزال العقلية تذهب الى الإنجازات الدموية ولاتزال الامة تتبع الادسم لا الاتقى.
المصادر
1. تاريخ دمشق - أبو القاسم ابن عساكر- ج59 ص67
2. تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤ - الصفحة ٣٠٩
3. تفسير البغوي شرح اية (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)
4. الموضوعات - ابن الجوزي -ج 2 - ص249
#صفاء_الصافي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟