|
الالتفاف على القضية الكردية في سوريا الجديدة: إعادة إنتاج التذويب بواجهات حديثة
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 8271 - 2025 / 3 / 4 - 02:44
المحور:
القضية الكردية
يواجه الكرد في سوريا اليوم مرحلة جديدة من محاولات التذويب، لكن هذه المرة بوسائل أكثر دهاءً وواجهات تحمل شعارات وطنية وإسلاموية، فبعد عقود من سياسات التعريب والإقصاء، تحاول بعض الأصوات العنصرية في سوريا الجديدة إدارة الظهر للكرد في الجزء الكردستاني من سوريا، والترويج لفكرة أن الكرد يمكن تمثيلهم من خلال شخصيات موالية لأنظمة فكرية أو أيديولوجية سورية عامة، دون الاعتراف بخصوصيتهم القومية. إعادة تدوير التمثيل: من الإقصاء إلى الاحتواء الموجه إلا أنه لم تعد السياسات القديمة في إنكار الوجود الكردي فعالة في ظل التحولات التي طرأت بعد الثورة السورية، ما دفع بعض الجهات إلى تبني نهج أكثر خبثًا: الاحتواء الموجه. فمن خلال شخصيات كردية موجودة داخل الأحزاب السورية التاريخية أو المستحدثة، أو الميليشيات، أو الجمعيات الإسلامية والقوموية، يتم الادعاء بأن هذه الأسماء تمثل الكرد، بينما في الواقع، فهي رغم صدقها مع ذاتها ورؤاها، وحماسها الوطني أو الأيديولوجي، واعتزاز أكثرها بكرديتها، فهي لا تمثل سوى قناعاتها الأيديولوجية الشاملة، والتي غالبًا ما تتناقض مع حقوق الشعب الكردي، وهذا لايقلل من مكانة هؤلاء، إلا في حالة التحول إلى موقع معاداة أبناء جلدتهم، لأجل مصالح ذاتية آفلة، ولا أراهم، هكذا! إن وجود كردي في حزب شيوعي سوري ، في زمن البعث، أو في حزب البعث، لم يكن يعني أنه يمثل الكرد، بل يمثل حزبه، وإن كان الشيوعيون- وفق وجهة نظري- قد دافعوا عن الكرد، ضمن دائرة وطنيتهم، بما هو متاح، بجدارة، وكذلك الكردي الذي ينخرط في ميليشيات عربية أو إسلاموية لا يمكن اعتباره ممثلاً لعموم الكرد، بل هو مجرد فرد يتبنى رؤية هذه القوى. وهذا ينطبق على الجمعيات والمنظمات التي تدّعي التعددية لكنها تذيب الهوية الكردية في قوالب سورية وإسلامية. محاولة فرض تمثيل زائف في ظل هذا النهج، نجد أن بعض الأصوات تسعى إلى تجاوز التمثيل السياسي الكردي الفعلي، عبر تقديم بدائل مصطنعة تحت مسميات سورية جامعة. إلا أن الهدف من ذلك ليس فقط إلغاء خصوصية القضية الكردية، بل أيضًا تقويض شرعية التمثيل الكردي الحقيقي الذي ينبع من البيئة الكردية ذاتها، وليس من القوى المسيطرة عليها. وكلنا يعلم أن ذلك يتم ذلك عبر تسويق خطاب مزدوج: الخطاب الداخلي: الإيحاء بأن الكرد ليسوا بحاجة إلى مشروع سياسي خاص، بل يمكنهم الاندماج في مشاريع سورية عامة" وطنية أو إسلامية". الخطاب الخارجي: الادعاء أمام المجتمع الدولي بأن الكرد ممثلون عبر هؤلاء الأفراد، وبالتالي لا حاجة للاعتراف بالكرد ككيان سياسي مستقل في سوريا المستقبلية. حرب جديدة على الكرد: التمزيق الذاتي بأيدٍ كردية هناك حرب جديدة على الكرد من خلال تمزيق الصف الكردي من قبل الكرد أنفسهم عبر التهكم على أولئك الذين سعوا للتجسير مع دمشق، حتى وإن كنا غير موافقين على هذا النهج. شخصيًا، أرى أنه من حق أي كردي أن يحلم بالتجسير على الصعيد الفردي، لكن هناك ممثلين عن حركة كردية عمرها سبعون سنة، وهؤلاء يمثلون الحركة رغم نقدنا لهم. إن أي تشويه لهم من قبل الكرد أنفسهم يقع في خدمة أعداء الكرد الذين يلتقطون حالة التقاذف والتشاتم الكردي ويديرون نفاياتها لمواجهتهم بها. وهذا تحديدًا ما تفعله بعض الجهات التي تستخدم أدوات النظام الأسدي السابق، حيث لم نسمع لهم موقفًا في زمن ما قبل الثورة السورية في آذار 2011. استغلال الكرد في مشاريع الإقصاء الجديدة ثمة كرد من جسر الشغور، جرابلس، الباب، حماة، اللاذقية، حمص، دمشق، وغيرهم، انخرطوا في صفوف الفصائل السورية التابعة لتركيا أو سواها، مكرهين، أو عن قناعة أيديولوجية، وكذلك في جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام، حيث برهنوا على صدقهم وشجاعتهم وولائهم، مستلهمين في ذلك صورة جدهم البطل صلاح الدين الأيوبي، الذي فكر إسلاميًا فقط، متجاهلًا قوميته، كما تقتضي روح الدين الحنيف الذي لم تبال به الأمم الأخرى: الفرس- الترك- العرب، ويتم حاليًا إعادة تكليف هؤلاء بمهمات سبق أن استخدمها الأسد، لاسيما مع كرد همهم الديني أو المشترك العربي أعلى من همهم القومي. يتم توزيعهم في مواقع حساسة داخل دمشق مثل: رئاسة مجلس الشورى رئاسة المراسيم الحرس الجمهوري وغيرهم، لاسيما أن بعض المهرولين الذين تسللوا عبروساطات: تركية، أو عبر أرقام هواتف، أو من خلال صفحات التواصل الاجتماعي، في محاولة لتقديم الذات، في خدمة المخطط المرسوم. بالإضافة إلى دعوة كرد أبناء المحافظات غير الكردية لحضور مؤتمرات على أنهم كرد، في عملية خداع ممنهجة تهدف إلى طمس الوجود الكردي الحقيقي. هذا-تمامًا- ما فعلته وتفعله تركيا وإيران وبغداد ودمشق، حيث يتم تحييد الكرد الذين يحملون همًا قوميًا، واستغلال الكرد البعيدين عن محرقة المناطق الكردية التي تُعامل كمستعمرات يجري فيها إذابة الكرد ومسخ هويتهم. تذويب جديد بأدوات حديثة قد تكون هذه المحاولات أخطر من سياسات الإنكار الصريحة، لأنها تأتي بغطاء يبدو أكثر قبولًا وتسامحًا، لكنه يخفي في جوهره إنكارًا مقنعًا للوجود السياسي الكردي. فبدلًا من حرمان الكرد من حقوقهم بشكل مباشر، يتم الالتفاف على هذه الحقوق عبر فرض تمثيل لا يعبر عنهم، واستخدام شخصيات كردية كأدوات في هذا المخطط. بعد كل هذا ترى"ما المطلوب؟" من جهتي أرى ضرورة تسليط الضوء على ما يجري من سياسات تغلف بغطاء وطني براق، مزيف، والتأكيد على أن التمثيل الكردي يجب أن ينبع من الإرادة الكردية، لا من قوى تحاول إعادة تدوير الإقصاء بوسائل حديثة. كما أن رفض فكرة أن صوابية تمثيل أي كردي في حزب سوري أو إسلامي الكرد، لأن ذلك من حق كل فرد، والتأكيد على أن هذه الشخصيات تعبر عن خياراتها الفردية وليس عن القضية الكردية. إذ لابد من تعزيز حقيقة وواقع الهوية القومية الكردية في مواجهة هذه المحاولات، وعدم السماح للخطابات المراوغة بطمس المطالب الكردية الحقيقية، لاسيما أننا نجد سعاراً من محاولات تشويه صورة الكردي، وتقديمه على أنه ضيف على آباء وجدود بعضهم، في دور لاوطني، يسعى عملياً لهدم الرباط الوطني، ودفع سوريا إلى التفكيك المعنوي، ومن ثم الجغرافي الذي لايريده الكرد، رغم تأكيدي كشخص أن هناك: كردستان، وثمة جزء مسمى منها في الجمهورية السورية، ويمكن إعادة إصلاح أي عطب تركه الفاشيون والعنصريون ضد الكرد، استجابة لثقافة مبيتة، أو نتيجة ترتيب أو أجر -راتب- عيني أو معنوي أو مرتبي. إن الالتفاف على القضية الكردية عبر شخصيات كردية موالية لتيارات سورية أو إسلاموية أو مستعربة ليس سوى إعادة إنتاج لسياسات التذويب، على نحو أشد خبثاً، ووفق: تدبير آخر، مكمل لممارسات البعث الشوفيني المجرم، و بأسلوب أكثر دهاءً. وإذا لم يتم التصدي لهذا المخطط بوعي وذكاء، فقد نجد أنفسنا أمام واقع يتم فيه إلغاء التمثيل الكردي الحقيقي باسم الوحدة الوطنية، بينما تستمر سياسات الإقصاء بأدوات جديدة.
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تشويه صورة الأقليات في سوريا: وهم الأكثرية وصناعة الإقصاء
-
تشويه الصورة المصطنعة ل- الأقليات- في سوريا: وهم الأكثرية وص
...
-
الكرد في سوريا بين الإقصاء الممنهج ووعود الخداع
-
أول رمضان سوري دون حكم البعث والأسد
-
سحر أنقرة ينقلب على رؤوس طباخيها.1
-
ضدَّ إعادة تدوير نظام البعث – الأسد
-
الشاعرة البوطانية ديا جوان: حياة مترعة بالكفاح والحلم
-
بيان استنكار لماسمي بمؤتمر الحوار الوطني
-
ملك العود ملك المقامات: رشيد صوفي ما كان عليك أن تغادرنا الآ
...
-
زمن الزور زمن التزوير: إلى روح الموسيقار الكردي الكبير رشيد
...
-
الكتابة عبر الذكاء الاصطناعي وسلطة الكاتب
-
أبواق الفتنة والتهليل لقرع طبول الحرب!
-
فيمن ينتظرون حرباً تركية ضد الكرد السوريين: من يخرج بسواد ال
...
-
العهد الجديد وتحريض الشوفينيين ضد الكرد والدروز والعلويين
-
ضيف جديد الليلة على مقبرة خزنة
-
انتقام وتشفٍّ بالجملة: عنصريون يستثمرون خلافاتنا ويحرضون علي
...
-
وسائل التواصل الاجتماعي في وجهها الإيجابي: دعونا نستفد منها
...
-
الانقلاب الثقافي والتنمر الديسمبري
-
الثورة السورية و تشريح التشريح بين المسار والانحراف
-
شارع مشعل التمو تخليد لرمز الحرية!
المزيد.....
-
تقرير لـ اليونيسيف: مسلحون بالسودان أجبروا عائلات على تسليم
...
-
استشهاد أسير من جباليا البلد شمال غزة في سجون الاحتلال نتيجة
...
-
استشهاد أسير من جباليا نتيجة التعذيب في سجون الاحتلال
-
المعارضة السعودية في الخارج تطلب إطلاق سراح المعتقلين لإثبات
...
-
-اليونيسف- تحذر من عواقب منع دخول المساعدات الإنسانية إلى غز
...
-
الضفة الغربية.. القوات الإسرائيلية تعيد اعتقال أسيرة محررة ف
...
-
-الأونروا-: 260 ألف طفل من غزة يلتحقون ببرنامج التعلم عن بعد
...
-
-الأونروا-: 260 ألف طفل في غزة التحقوا بالتعليم عن بعد منذ ب
...
-
هل تنجح تركيا في دفع الأمم المتحدة لمكافحة الإسلاموفوبيا؟
-
مقتل فلسطيني في جنين والجيش الإسرائيلي يشن حملة دهم واعتقالا
...
المزيد.....
-
“رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”.
/ أزاد فتحي خليل
-
رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر
/ أزاد خليل
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
المزيد.....
|