أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حمدي سيد محمد محمود - عادة الساتي في الهند: طقس الموت المقدس ونهايته














المزيد.....


عادة الساتي في الهند: طقس الموت المقدس ونهايته


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8270 - 2025 / 3 / 3 - 21:58
المحور: حقوق الانسان
    


تعد عادة الساتي واحدة من أكثر الممارسات المثيرة للجدل في تاريخ الهند، وهي طقس ديني قديم يقوم على إحراق الأرملة حيّة مع جثة زوجها المتوفى. هذه العادة، التي استمدت اسمها من الإلهة الهندوسية ساتي، كانت تُعتبر ذروة الإخلاص الزوجي والتضحية، حيث يُعتقد أن المرأة التي تموت بهذه الطريقة تضمن لنفسها ولزوجها الخلاص الروحي والدخول إلى حياة أفضل. ومع مرور الزمن، تحول الساتي من كونه خيارًا نابعًا من العقيدة إلى ممارسة قسرية تفرضها المجتمعات المحلية، مما جعلها رمزًا للقهر الذي تعانيه النساء في ظل النظام الطبقي الصارم.

الجذور الدينية والاجتماعية لظاهرة الساتي

يعود أصل الساتي إلى النصوص الهندوسية القديمة، وخاصة بعض التفسيرات المتشددة لكتاب الـ"ريجفيدا" و"مانوسمريتي"، حيث ارتبطت بفكرة أن المرأة لا تملك هوية أو حياة خاصة بها بعد وفاة زوجها، وأنها تصبح بلا قيمة في المجتمع. هذه الفكرة ترسخت في ظل النظام الطبقي الهندي، خصوصًا بين الطبقة البراهمية التي كرست هذه الممارسة كجزء من الطقوس الدينية. وبمرور الوقت، تحولت إلى تقليد صارم، خاصة بين العائلات الثرية، حيث كان ينظر إلى الأرامل باعتبارهن مصدر شؤم وخطر اجتماعي، وبالتالي، كان إحراقهن يُعدّ تطهيرًا للمجتمع.

بشاعة الطقس ومعاناة النساء

تُظهر الشهادات التاريخية أن طقس الساتي كان يتم بطريقة وحشية، حيث كانت الأرملة تُجبر على الصعود إلى المحرقة المشتعلة، وغالبًا ما كانت تُقيد بالأخشاب لمنعها من الهروب، وأحيانًا تُدفع بالقوة إلى النار وسط هتافات دينية تحثها على "التحرر". وبدلاً من أن يُنظر إلى هذا الفعل على أنه مأساة، كان يُعتبر مشهدًا مقدسًا يحضره الكهنة والسكان المحليون الذين يرون فيه طقسًا ضروريًا لاستمرار التقاليد الدينية. بعض النساء كنّ يخضعن لهذا المصير بدافع الضغوط الاجتماعية والخوف من العار، بينما أخريات كنّ يُقتلن عمدًا تحت ستار "الساتي"، خصوصًا إذا كنّ يمتلكن ميراثًا قد يثير طمع عائلات أزواجهن.

نهاية الساتي: صراع طويل ضد الطقوس الظلامية

لم يكن القضاء على الساتي أمرًا سهلًا، فقد استمرت هذه العادة لقرون رغم المحاولات المتكررة لمنعها. بدأ التحدي الحقيقي خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية، عندما بدأ المبشرون المسيحيون والمفكرون الإصلاحيون الهنود يثيرون الجدل حول هذه الممارسة. كان راجا رام موهان روي، أحد أبرز المصلحين الاجتماعيين في القرن التاسع عشر، من أشد المناهضين للساتي، حيث استخدم الفلسفة الهندوسية نفسها لتفنيد شرعية هذا الطقس، مؤكدًا أن الكتب المقدسة لم تأمر به، بل أن بعض التفسيرات المتشددة فقط هي التي فرضته على النساء.

وصلت ذروة المواجهة في عام 1829، عندما أصدر الحاكم البريطاني العام للهند، اللورد ويليام بينتينك، قانونًا يحظر الساتي تمامًا، معتبرًا إياه جريمة قتل يعاقب عليها القانون. ورغم المعارضة الشديدة من رجال الدين الهندوس المحافظين، بدأ الحظر يأخذ تأثيره تدريجيًا، لا سيما مع ازدياد الوعي المجتمعي ودور الصحافة في كشف الفظائع المرتبطة به.

الإرث المتبقي والواقع المعاصر

رغم الحظر القانوني، لم تختفِ الساتي تمامًا، بل استمرت بعض الحالات النادرة حتى القرن العشرين، وكان آخر حادث مسجل في عام 1987 عندما قامت أرملة شابة تُدعى روبا كانوار بإحراق نفسها في ولاية راجستان، مما أثار غضبًا وطنيًا وأدى إلى تشديد القوانين ضد تمجيد الساتي.

اليوم، يُنظر إلى الساتي كرمز للحقبة المظلمة التي عانت فيها المرأة الهندية من القهر الاجتماعي، وتعمل الحركات النسوية والإصلاحية في الهند على ضمان عدم تكرار مثل هذه الممارسات، حيث تحولت الهند إلى ساحة صراع بين التقاليد العريقة ومتطلبات الحداثة وحقوق الإنسان.

الساتي، إذن، ليس مجرد ممارسة انتهت، بل درس تاريخي يعكس كيف يمكن للطقوس الدينية المتطرفة أن تصبح أدوات لقمع الإنسان، وكيف يمكن للتغيير أن يحدث عبر الوعي والنضال القانوني والاجتماعي.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فارس الخوري: رجل الدولة الذي انتصر للعقل والوطن
- اليهود في إيران بعد 1979: بين الهوية الوطنية وشبهة الصهيونية
- مستقبل الأمن الأوربي في ظل التحولات الجيوسياسية العاصفة
- استشراف الأزمات: كيف يفكر جون كاستي في انهيار الحضارات؟
- موت الإله عند نيتشه: فلسفة ما بعد المقدّس وتداعياتها على الف ...
- إشكالية الحرية الدينية بين الإسلام والليبرالية: جدلية الهوية ...
- التحول الكبير: كيف فتحت زيارة نيكسون للصين الباب لصعودها كقو ...
- الدولة والدين: تحديات الولاء في عالم متغير
- الخطاب السياسي الاستشراقي: قراءة نقدية لانعكاساته على الثقاف ...
- الفلسفة العربية وإشكالية العقل الجمعي: قراءة في مفاهيم الترا ...
- الذاكرة الجماعية: دور المعرفة التاريخية في فهم الهوية والتغي ...
- الفلسفة المدرسية وقيم الحكم الرشيد: جدلية السلطة والأخلاق
- الدين والفلسفة في فكر أنطون فيلهلم: جدلية التكامل والتوازن
- مذبحة المحيط الأطلسي: مأساة سفينة زونغ وتجسيد البربرية الاست ...
- شركة الهند الشرقية: صعود الإمبريالية الاقتصادية وبدايات الاس ...
- كيف تعيد الخوارزميات تشكيل الأخبار؟ الصحافة التنبؤية في عالم ...
- المنهج الفينومينولوجي وتطبيقاته في العالم الإسلامي
- العدالة كإنصاف: قراءة معمقة في نظرية جون رولز
- السيادة بين القانون والاستثناء: قراءة فلسفية في كتاب اللاهوت ...
- كيف نعرف ما ليس كذلك؟ قراءة تحليلية في فكر توماس جيلوفيتش


المزيد.....




- أنصار الله: الشعب الفلسطيني له الحق في مقاومة الصلف الصهيوني ...
- ما وراء لعب إسرائيل بورقة حماية الأقليات في سوريا
- برنامج الأغذية العالمي يعلن إغلاق مكتبه في جنوب إفريقيا بعد ...
- -قسد- تنفذ حملة اعتقالات واسعة في الرقة والحسكة
- الأمم المتحدة: العراق يشهد تطوراً إيجابياً في مكافحة المخدرا ...
- الأسرى والحرب.. لماذا يحرق نتنياهو كل الأوراق؟
- -تلفزيون سوريا-: -قسد- تنفذ حملة اعتقالات واسعة في الرقة وال ...
- بن غفير يدعو لقصف مخازن الغذاء بغزة وإعدام أسرى فلسطينيين
- الأمم المتحدة تعلن إجلاء 24 لاجئا أفريقيا من اليمن
- -قطعة من جهنم-.. هكذا يعمق الاحتلال عذابات الأسرى في رمضان


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حمدي سيد محمد محمود - عادة الساتي في الهند: طقس الموت المقدس ونهايته