أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - أبو عرب: صوتُ الأرضِ وحارسُ الذاكرة الفلسطينية














المزيد.....


أبو عرب: صوتُ الأرضِ وحارسُ الذاكرة الفلسطينية


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8270 - 2025 / 3 / 3 - 16:01
المحور: القضية الفلسطينية
    


على تلالِ الشجرة، بين زيتونةٍ عجوزٍ وتينةٍ تَحرُسُ ظلالها، وُلدَ إبراهيم محمد صالح عام 1931م، ليكونَ لاحقاً الاسم الذي اختصرَ وجعَ فلسطينَ كُلَّهُ في صوتٍ واحدٍ: أبو عرب.



طفلٌ فلسطينيٌّ يرى الثورةَ تكبرُ في العيونِ عامَ 1936، يسمعُ الهتافاتِ الأولى، ويُراقبُ بنادقَ الفلاحينَ وهي ترتجفُ عشقاً في أيديهم.

هناك، في تلك القريةِ الصغيرةِ جنوبَ غربِ طبريا، انغرست في قلبِهِ أولى الأغاني وأولى الدموع.



ثم جاءتِ النكبةُ، فكسرت قلوبَ القرى، ودفعت أهلهُ نحو المنافي.

في حمص، حيثُ مخيمُ العائدين، كان الشتاتُ يزرعُ وجعاً آخرَ في قلبِ الطفلِ الذي أصبحَ شاباً يبحثُ عن وطنهِ في وجوهِ اللاجئين. استُشهدَ والدُهُ عام 1948، لكنَّ الوصيةَ لم تمت.

حملها أبو عرب كمن يحملُ وطناً على كتفيهِ، وسارَ بها بين خيامِ اليأسِ، وغنّى.



في الخمسينياتِ، وقفَ أمامَ ميكروفونِ صوتِ العرب في القاهرةِ، وقلبُهُ ممتلئٌ بالعروبةِ والأملِ. هناكَ سَمِعَهُ الناسُ لأولِ مرةٍ، ومن هناكَ وُلِدَ اسمُهُ الجديد: أبو عرب.

صارَ الصوتَ الذي يقودُ المسيراتِ، والحنجرةَ التي تفتحُ للثورةِ نافذةً في كلِّ قلب.



حينَ أنجبت زوجتُهُ ابنهُ الثاني، سمّاهُ عرب، ليكتملَ الحلمُ في اسمهِ وأسماءِ أبنائهِ، وكأنَّ فلسطين كلَّها تختصرُ في بيتِهِ، في صوتِهِ، في عينيهِ اللتينِ لا تريانِ سوى طريقِ العودة.



أبو عرب لم يكن شاعراً عابراً، بل صارَ حنجرةَ المنفى، وأرشيفَ الذاكرةِ الفلسطينيةِ، ورفيقَ اللاجئينَ في ليالي الوحدةِ الطويلة. غنّى لدمِ عبد الرحيم محمود في معركةِ الشجرة، وغنّى للشهيدِ وللمعتقلِ وللأرضِ المسروقة. غنّى لبحرِ حيفا، وزيتونِ الجليل، وتينِ صفد، وسماءِ فلسطين.



في بيروت، التحقَ بإذاعةِ الثورةِ، وكان صوتُهُ طريقاً آخرَ للمقاومةِ.

في كلِّ خيمةٍ، في كلِّ بيتٍ فلسطينيٍّ، كانت أهازيجُهُ كالماءِ والخبزِ والزيتِ. لم يكن مجردَ صوتٍ من الإذاعةِ، بل كان الأبَ والرفيقَ والمقاتلَ الذي يحملُ بندقيتهُ أغنيةً، وأغنيتهُ بندقية، لكنَّ عام 1982 كان عاماً قاسياً في حياةِ أبو عرب، فقدَ ابنهُ معن في اجتياحِ لبنان. كانت تلكَ المأساةُ هي الصدمةَ الأكبرَ في حياتِهِ، حيثُ اغتالَ الحزنُ قلبَهُ، وتركت ذكرى معن جرحاً عميقاً في روحِهِ.

أبو عرب، الذي كان دائماً يُشحذُ الأملَ في وجوهِ اللاجئين، وجدَ نفسَهُ غارقاً في حزنٍ لا ينتهي؛ حزنِ الأبِ الذي يفقدُ ابنهُ، وحزنِ الفلسطينيِّ الذي يخسرُ جزءاً من أرضِهِ.



وحينَ اغتيلَ ناجي العلي، بكى أبو عرب طويلاً، وحملَ اسمَهُ إلى فرقةِ الفنونِ الشعبيةِ، ليبقى ناجي حياً في رقصةٍ ودبكةٍ، كما بقيَ حياً في خطوطِ الريشة.



غنّى أبو عرب أكثرَ من 300 أغنيةٍ، صارت كلُّها جزءاً من ذاكرةِ الشعبِ. من "سجن عكا" إلى "يا ظريف الطول"، ومن "يا موج البحر" إلى "هدّي يا بحر هدّي"، كان صوتُهُ الجسرَ بينَ الجرحِ والأمل.



في عامِ 2012، وبعدَ 64 عاماً من النفي، عادَ أبو عرب إلى فلسطين. وقفَ هناكَ، أمامَ توتةِ الدار، وغنّى لها كما يُغنّي العاشقُ لمحبوبتِهِ الغائبة.

دخلَ قريتَهُ الشجرة، ووقفَ على ترابِها كأنَّهُ طفلٌ يعودُ إلى حضنِ أمِّهِ بعدَ ضياعٍ طويل.



وفي 2 مارس 2014، في مخيمِ العائدينَ بـ حمص، غادرَ أبو عرب هذهِ الحياةَ، لكنَّ صوتَهُ بقي.

خرجت فلسطينُ كلُّها في جنازتِهِ، خرجَ الزيتونُ، والتينُ، والحنينُ، واللاجئون، خرجَ الحلمُ الذي لم يمت.



أبو عرب لم يكن مغنياً، بل كان أرشيفاً حياً للوجع. لم يكن شاعراً، بل كان سفيرَ المخيماتِ إلى العالمِ. لم يكن مجردَ فنانٍ، بل كان وجهَ فلسطين الذي لا يغيب.



رحلَ الجسدُ، وبقيَ الصوتُ.

بقيتِ الأغنيةُ.

وبقيتِ الوصيةُ.

"يا ظريفَ الطولِ زور بلادنا..."



رحمك اللهُ يا أبا عرب...

صوتُك سيبقى زيتونةً في جبالِ فلسطين،

وتينةً على بابِ الشجرة،

ونشيداً على شفاهِ العائدين.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طائرُ السُّنُونُو.. صوتُ الشَّرفِ الفلسطينيِّ في زمنِ العارِ ...
- ثورةٌ بدأَت بالبنادقِ... وانتهت بالتَّنسيقِ الأَمنيِّ المُقد ...
- أمنٌ يَحرُسُ الكُرسيَّ... لا الوطنَ!
- صلاح الدين الكردي: سيفُ المجدِ في وجهِ خيانةِ العرب
- فلسطين.. أرضُ التينِ والزيتونِ وصمودِ الجبالِ
- قناةُ -كتب فلسطين-... حصنُ الثَّقافةِ والمُقاومةِ الفِكريَّة ...
- نمر فيّاض نمر (أبو فيّاض): رجلٌ من زمن الأمجاد!
- عبد الله كلَّم: الحنين الذي لم يُعانقه الوطن!
- فلسطين التي سلبها الزَّمنُ... ذكرياتٌ لا تمُوتُ
- فلسطين... الأَرضُ التي لا تقبلُ المُساومةَ ولا تنحني للغُزاة ...
- سليمان الشيخ: غريبٌ في المنافي، مُقيمٌ في ظلالِ الوطن
- محمود... أرهقهُ الانتظارُ وخذلهُ القدرُ
- حين لا يُمهلُ القدرُ الطُّيُورَ الأَصيلة.. وداعاً سليم فرحات
- الفنَّان شربل فارس: مِثالُ الإبداعِ وعِمَادُ الوطن
- حِينَ يَبكِي المَساءُ... على أَجنِحةِ الطُّيُورِ
- المقاومةُ قدرُ الأحرارِ: قاوِم حتى لو كنتَ أعزلَ
- علي عبدالله علي، أَبو عاطف: رجلٌ من ذهبٍ تاهت به الأَزمنةُ
- غزَّة: بين أَنقاضِ الصَّمتِ وخيباتِ الأَملِ
- غوَّار الطُّوشة: أَيقُونةُ الخداعِ والتّلوّن
- صُلحُ الحُديبيةِ: اتفاقيَّةُ الهدنةِ التي مهَّدت لفتحِ مكَّة


المزيد.....




- بعد مشاجرة البيت الأبيض.. ترامب: لن -نتحمل- زيلينسكي لفترة أ ...
- قيادي بحماس: إسرائيل تسعى إلى إبرام اتفاق جديد ينتهك ما تم ا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يوجه بوقف الهجوم السيبراني ضد روسيا
- مقتل شخص على الأقل وإصابة آخرين في حادث دهس بمدينة مانهايم ا ...
- أردوغان: لا يمكن إيجاد حل بشأن أوكرانيا بدون مشاركة موسكو وك ...
- وزير الداخلية الفرنسي: نعمل على إعداد قائمة بمئات الأشخاص لت ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: زيلينسكي يكرر سلوك بطل مسلسل -خ ...
- بين مطرقة ترامب وسندان بوتين.. هل يمثل الدعم الأوروبي لأوكرا ...
- لماذا استقال جواد ظريف من منصب نائب الرئيس الإيراني؟
- الجيش السوداني يتقدم شرقي الخرطوم


المزيد.....

- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - أبو عرب: صوتُ الأرضِ وحارسُ الذاكرة الفلسطينية