حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 8269 - 2025 / 3 / 2 - 02:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
12. حديث القاضي إبن أبي ليلى
ينقل السيد عبد الحسين سلمان المحترم ما نقله ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد من حديث مستطيل على لسان قاضي الكوفة ابن أبي ليلى لعيسى بن موسى يورد فيه إسماء كل من عرفهم العرب من موالى الحلف والعتق وابنائهم وأحفادهم في عصر ما قبل الاسلام وعصر النبي والخلفاء الراشدين وبني أمية ممن اشتهروا بالعلوم الدينية أو تسنمهم للمناصب الرسمية. وكل الأشخاص الذين ترد اسماؤهم فيه هم من العرب، وفق القانون العشائري السائد حتى اليوم: مولى القوم منهم. وقد عرف تاريخ العرب قبل الإسلام وبعده، وكذلك تاريخ العبرانيين حالات كثيرة جداً لحصول التحالفات بين القبائل الصغيرة وقبيلة كبرى قوية افضى في النهاية إلى ضم نسب تلك القبائل مع نسب القبيلة الكبرى فيما سمي بموالي الحلف. كما عرف التاريخ حالات كثيرة أخرى تقوم فيها القبيلة العربية سين بغزو مضارب القبيلة العربية صاد، وبعد استتباب الأمر للقبيلة الغازية، يلتحق من تبقى من سبي القبيلة صاد عبيداً وموالي عتق لدى القبيلة سين. ومثلما سبق وان عرضت، فإن كلا من موالي العتق والحلف هم من العرب صليبةً أولاً، وولاءً ثانياً.
في كتاب "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" للدكتور جواد علي (ص. 166 - 168) نقرأ ما يلي بصدد العلاقة الوشيجة القائمة بين التحالف بين القبائل العربية واخضاع بعضها لبعض مع أنسابها:
"لم يكن في مقدور العشائر أو القبائل الصغيرة المحافظة على نفسها من غير حليف قوي، يشد أزرها إذا هاجمتها قبيلة أخرى، أو أردات الأخذ بالثأر منها. لقد كانت معظم القبائل داخلة في هذه الأحلاف، إلا عددا قليلا من القبائل القوية الكثيرة العدد، يذكر أهل الأخبار أنها كانت تتفاخر لذلك بأنفسها؛ لأنها لا تعتمد على حليف يدافع عنها، بل كانت تأخذ بثأرها وتنال حقها بالسيف. ويشترك المتحالفون في الغالب في الموطن، وقد تنزل القبائل على حلفائها، وتكون الهيمنة بالطبع في هذه للقبائل الكبيرة.
وقد عرفت مثل هذه الأحلاف عند سائر الشعوب السامية كالعبرانيين مثلا، وطالما انتهت كما انتهت عند العرب إلى نسب، حيث يشعر المتحالفون أنهم من أسرة واحدة يجمع بينهم نسب واحد. ويقال للحلف أيضا "تحالف"، وعند اليمانين "تكلع" .
ويرى "جولدتزيهر" أنه لفهم الأنساب عند العرب، لا بد من معرفة الأحلاف والتحالف؛ فإنها أساس تكون أنساب القبائل، فإن هذه الأحلاف التي تجمع شمل عدد من البطون والعشائر والقبائل هي التي تكوَّن القبائل والأنساب، كما أن تفكك الأحلاف وانحلالها يسبب تفكك الأنساب وتكوين أنساب جديدة. ويرى أيضا أن الدوافع التي تكون هذه الأحلاف لم تكن ناشئة عن حس داخلي بوجود قرابة وصلة رحم بين المتحالفين وشعور بوعي قومي، بل كانت ناشئة عن المصالح الخاصة التي تهم العشيرة كالحماية والأخذ بالثأر وتأمين المعيشة؛ ولذا نجد الضعيف منها يفتش عن حليف قوي، فانضمت "كعب" مثلًا إلى "بني مازن" وهم أقوى من "كعب"، وانضمت "خزاعة" إلى "بني مدلج"، كما تحالفت "بنو عامر" مع "إياد" وأمثلة أخرى عديدة. ولما كانت المصالح الخاصة هي العامل الفعال في تأليف الأحلاف، كان أمد الحلف يتوقف في الغالب على دوام تلك المصالح. وقد تعقد الأحلاف لتنفيذ شروط اتفق عليها، فمتى نفذت أو تلكأ أحد الطرفين في التنفيذ انحل الحلف....
وطالما دفعت الحروب القبائل المغلوبة على الخضوع لسيادة القبائل الغالبة وقد تتحالف معها وتدخل في جورها، وإذا دام ذلك طويلًا، فقد يتحول الحلف والجوار إلى نسب. ثم إن تقاتل القبائل بعضها مع بعض يؤدي أحيانًا إلى ارتحال بعض هذه القبائل المتقاتلة إلى مواطن جديدة فتنزل بين قبائل أخرى، وتعقد معها حلفًا وتجاورها ومتى طال ذلك صار نسبًا، كالذي ذكره أهل الأنساب من نزوح قبائل عدنانية إلى اليمن بسبب تقاتلها بعضها مع بعض، مما أدى إلى دخول نسبها في اليمن، وكالذي ذكروه أيضا من نزوح قبائل يمانية نحو الشمال واختلاطها بقبائل عدنانية مما أدى إلى دخول نسبها في نسب تلك القبائل....
هذا وقد أرجع "ابن حزم" جميع قبائل العرب إلى أب واحد، سوى ثلاث قبائل، هي: تنوخ، والعتق، وغسان، فإن كل قبيلة منها مجتمعة من عدة بطون. وقد نص غيره من أهل النسب على أن تنوخًا اسم لعشر قبائل، اجتمعوا وأقاموا بالبحرين، فسموا تنوخًا. وذكر بعض آخر أن غسان عدة بطون من الأزد، نزلت على ماء يسمى غسان، فسميت به. فترى من هنا أن تنوخًا والأزد حلف في الأصل، وقد صار مع ذلك نسبًا عند كثير من أهل الأخبار.
وبين أجداد القبائل والأسر الذين يذكرهم أهل الأنساب، أجداد كانوا أجدادًا حقًّا، عاشوا وماتوا., وقد برزوا بغزواتهم وبقوة شخصياتهم، وكونوا لقبائلهم وللقبائل المتحالفة معها أو التابعة لها مكانة بارزة، جعلتها تفتخر بانتسابها إليهم، حتى خلد ذلك الفخر على هيئة نسب، ونجد في كتب الأنساب أمثلة عديدة لهؤلاء. "
انتهى الاقتباس، الذي يُفسِّر نفسه بنفسه.
ومثلما سبق وأن تم عرضه، فإن السيد عبد الحسين سلمان يعتبر موالي الحلف والعتق لدى العرب هم أعاجم وليسوا عرباً عاشوا بين ظهراني القبائل العربية أباً عن جد؛ كما لو كانوا قد نزلوا بالطائرات من بلاد العراق وفارس وما وراء النهر والحبشة ومصر والأناضول وقالوا لعرب الجزيرة: "نحن أعاجم أحرار، تركنا بلادنا الوفيرة المياه والأراضي الخصبة والمراعي والثروات الطبيعية وجئناكم لاراضيكم القاحلة الخالية من الأنهار والشحيحة الغذاء وذلك حباً مِنّا لسواد عيونكم، فالحقونا بنسبكم"، مثلما يتوهم المنقود!
أعود الآن إلى حديث القاضي إبن أبي ليلى: هذا الحديث ينصرف للتدليل على اشتغال العرب من موالي الحلف والعتق وأولادهم بالعلوم وفي ادارات الدولة، وليس للبرهنة – مثلما يذكر المنقود – على كونهم من الأعاجم. لذا، فإن محاولة الكاتب تزييف أنساب موالي الحلف والعتق العرب بقلبها إلى أعاجم مردودة عليه مثلما سبق وأن أوضحنا في حالة أصحاب النبي. قال ابن الصلاح: "أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان علي، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد، ومن العبيد بلال". وزيد (الكلبي) وبلال (الجمحي) هما عربيان وليسا أعجميين؛ ومثلهم من أصحاب الرسول من الموالي: عمار بن ياسر وأبوه (المذحجي) وأمه وصهيب الرومي (النمري نسبا والتيمي ولاء) والمقداد بن عمرو (من قضاعة). كل هؤلاء وغيرهم من قبائل عربية وأنسابهم معروفة ومشهورة. وقد كان على الباحث واجب توخي النزاهة بتحقيق نسب كل واحد منهم؛ ولو قام بذلك، لكفى نفسه وكفانا شر الشطط.
كما لا يجوز الاتيان بحديث لشخص يريد بكلامه تعداد أسماء كل العرب الموالي على وجه الحصر ممن اشتغلوا بالعلوم الدينية وتسنموا المناصب الرسمية للدلالة على عدم وجود آلاف العرب غيرهم من غير الموالي ممن اشتغلوا بالعلوم الدينية وتقلدوا أعلى المناصب الرسمية من كل نوع. الذي يتبع هذا المنهج السقيم في البحث هو مثل ذلك الذي يدعي أن كل الأعداد هي فردية ولا توجد أعداد زوجية، ويقدم جدولا يضم الأعداد الفردية فقط للبرهنة على صدق ادعائه الخاطيء أصلاً.
وسأعطي مثلاً واحداً فقط للرجال المذكورين في حديث ابن ابي ليلى حصراً عن "العرب الموالي" والذي يزيفه المنقود بقلبه إلى كونهم "من الأعاجم":
عطاء بن أبي رباح:
أبو محمد عطاء بن (أسلم) أبي رباح المكي، مولى قريش، أحد أعلام التّابعين وَكَانَ أسود أعرج أفطس أشل أعرج قطعت يَده مَعَ ابْن الزبير ثمَّ عمي وَكَانَ ثِقَة فَقِيها عَالما كثير الحَدِيث أدْرك مِائَتي صَحَابِيّ. وُلد فِي خلافة عثمان، ومات سنة أربع عشرة ومائة. وعاش تسعين سنة.
الترجمة
ع: عطاء بْن أَبِي رَبَاح الْمَكِّيّ، أَبُو مُحَمَّد بْن أسلم، مولى قريش، أحد أعلام التّابعين انْتَهَت إِلَيْهِ فَتْوَى أهل مَكَّة.
وُلد فِي خلافة عثمان، وكان إمامًا سيّدًا أسود مُفَلْفَلَ الشَّعْر، مِنْ مُوَلَّدِي الْجَنَد [باليمن]، فصيحًا، عَلامة، انتهت إِلَيْهِ الفتوى بمكة مَعَ مجاهد، وكان يَخْضِب بالحِنّاء.
وقَالَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عثمان: ما رأيت فتِيًّا خيرًا مِنْ عطاء، إنّما كَانَ مجلسُه ذِكر اللَّه لا يفتر، وهم يخوضون، فإن سُئل أحسن الجواب.
وقَالَ عثمان بْن عطاء الخراساني: كَانَ عطاء أسودَ شديدًا فصيحًا، إذا تكلّم، فما قَالَ بالحجاز قُبِلَ منه.
وقَالَ ابن عَبَّاس: يا أهلَ مكة، تجتمعون عليّ وعندكم عطاء؟
وقَالَ الأصمعيّ: دخل عطاء عَلَى عَبْد الملك بْن مروان، وهو عَلَى السرير، فقام إِلَيْهِ وأجلسه معه، وقعد بين يديه، فوعظه عطاء.
وقَالَ أَبُو عاصم الثقفي: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَر الباقر يَقُولُ للناس، وقد أكثروا عَلَيْهِ: عليكم بعطاء، فهو - والله - خيرٌ لكم منّي.
المصدر:
https://tarajm.com/people/11099
أذن، فعطاء بن رباح عربي المحتد من عرب اليمن، ولد وعاش ومات في مكة حيث كان من أفصح المتكلمين بالعربية في الحجاز؛ فمن أين تأتيه الأعجمية حسب تدليس المنقود؟ وهل أن الخليفة عبد الملك بن مروان يقوم للأعاجم الغرباء ويقعد بين يديهم ويستمع لمواعظهم، أم لأشراف العرب وحكمائهم؟ وهل أن أبن العباس عم النبي وسبطه الإمام الباقر يقولان للغريب: أنت خير مني في علوم دين عمي وجدي؛ أم يقولانها لعالم عربي مسلم فذ بزَّ غيره في سلطان علمه بدينهم ؟
تقول الوكيبيديا عن علوم بن عباس والباقر: عمل ابن عباس مستشاراً للخليفة عمر بن الخطاب رغم صغر سنه، وتولى إمامة الحج سنة 35 هـ بأمر الخليفة عثمان بن عفان، وكان يلقب بحَبْر الأمة وترجمان القرآن، والحَبْر والبحر، وله مجلس كبير في المدينة يأتيه الناس لطلب العلم، وكان يُقسِّم مجلسه أيامًا ودروسًا، فيجعل يومًا للفقه، ويومًا لتفسير القرآن، ويومًا للمغازي، ويومًا للشعر، ويومًا لأيام العرب. وقد روى حوالي 1660 حَدِيثًا، ولهُ في الصحيحين 75 حَدِيثًا متفقا عليها، وتفرد البخاري له بِـ 110 أَحَادِيثَ، وتفرَّد مسلم بن الحجاج بـ 49 حَدِيثًا.. أما الأمام محمد الباقر فقد لقب بالباقِر لبَقرهِ العلوم بقرًا (أي أظهر العلم إظهاراً) لما روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله أنّه قال: «يا جابر إنّك ستعيش حتى تدرك رجلًا من أولادي اسمه اسمي، يبقِرُ العلم بقرًا.» أو لأنّه تبقّر في العلم، أي توسّع. فهو من فحول علماء الإسلام، حدث عن أبيه علي بن الحسين السجّاد، له عدة أحاديث في الصحيحين وهما من كتب الحديث عند أهل السنة، وكان من الآخذين عنه أبو حنيفة وابن جريج والأوزاعي والزهري وغيرهم، قال محمد بن مسلم: سألته عن ثلاثين ألف حديث، وقد روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة، ووجوه التابعين، ورؤساء فقهاء المسلمين."
يُتبع، لطفاً.
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟