|
الأبارتهايد أصل الداء وتصفيته هي الدواء
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 8268 - 2025 / 3 / 1 - 14:11
المحور:
القضية الفلسطينية
نجحت حملات التحريض العنصرية في شحن الجمهور اليهودي بفلسطين بالكراهية العنصرية؛ بلغ التحريض حد الإقناع بضرورة تهجير العرب من ديارهم لجلب الراحة المنشودة لجمهور الاستيطان الاستعماري. جميع رواد الاستعمار الاستيطاني حملوا معهم أهدافهم الخاصة وقوانينهم الخاصة وحملوا الكراهية للسكان الأصليين والتحريض على إقصائهم. كان التحريض ضد سكان البلاد الأصليين احد ضرورات الاستعمار الاستيطاني للأوروبيين في قارات اميركا الشمالية وإفريقيا وأستراليا ونيوزيلندة. بهذه التجارب استرشد هيرتزل حين تعهد بدفع السكان الأصليين الى معازل نائية في البلد الذي سيقيم فيه الدولة. لم يكن الاختيار قد وقع على فلسطين حين أصدر هيرتزل مؤلفه "الدولة اليهودية". أقر المؤتمر الصهيوني الأول إقامة الدولة العتيدة بفلسطين. الاستعمارالاستيطاني أسسَ للأبارتهايد من الخطأ اعتبار إسرائيل دولة يهودية، بل صهيونية اخرجتها ضرورات الاستعمار الاستيطاني عن تعاليم الديانة اليهودية، حسب تأكيدات العديد من اليهود خصوم الصهيونية. انشق عن الصهيونية مباشرة بعد مؤتمرها الأول أحد هعام، الذي توفي عام 1928، وظهر له اتباع في عقد الثلاثينات قبل النكبة عارضوا قيام دولة لليهود بفلسطين من بينهم مارتن بوبر، أستاذ الفلسفة بالجامعة العبرية بالقدس، وكان يرى ان العلاقات مع العرب أمر حاسم بالنسبة للإنسانية اليهودية، وهنريتا شولتز شاركت في معارضة إقامة دولة إسرائيل، وهي إحدى مؤسسات حركة هداسا للنساء. وقبيل إعلان دولة إسرائيل نشر يهودا ماغنيس، رئيس الجامعة العبرية، مقالا في نيويورك تايمز بمثابة نداء للسلام في فلسطين. وعارض آينشتين وحنه أرندت، الفيلسوفة الألمانية، إقامة الدولة. عنصرية الصهيونية هي المرجل المولد لطاقة العدوان المتواتر على الشعب الفلسطيني على مدى ازيد من قرن. والعنصرية من مقتضيات الاستعمار الاستيطاني. تماثلت مظاهر العنصرية في مؤلف هيرتسل عام 1895، ولما يتم الاتفاق بعد على فلسطين موضعا للدولة الحلم. كتب هيرتزل ان السكان الأصليين سوف يحشرون في معزل بعيدا عن العمران الصهيوني. توفي هيرتزل بأزمة قلبية عام 1904. خلفه كتاب تحدثوا عن التعاون مع الفلسطينيين والأخذ بأيديهم والعيش المشترك معهم الى ان أسكتهم الزعيم الصهيوني، كلاوزنر، في مقال نقدي نشره عام 1907 بمجلة يشرف على تحريرها. كتب كلاوزنر نحن اليهود عشنا الفي عام وسط أقوام متحضرين ولا نقبل العيش مع أشباه متوحشين. وأضاف إذا كان لا بد من الاندماج فليكن مع مجتمعات متحضرة. علق أوري أفنيري في كتابه " إسرائيل بلا صهاينة"، الذي لم يترجم الى العربية، على مقال كلاوزنر واعتبره أساس الموقف التناحري للحركة الصهيونية مع شعب فلسطين. وصل كلاوزنر الى فلسطين عام 1919 ونشأت علاقة حميمة بينه وبين تلميذه بن زيون نتنياهو، والد رئيس الوزراء الحالي وسكرتير جابوتينسكي، وشاركه في إصدار كتاب "الجدار الحديدي" عام 1923، يحرض على اتباع نهج العنف ضد الفلسطينيين؛ ثم كتب بن زيون نتنياهو عام1935 في مجلة أصدرها ان الفلسطينيين أشباه وحوش، ودعا الى الاستيطان في عموم فلسطين للحصول على دولة مترابطة. بفكر زميت شن الصهاينة حرب تصفية ضد اليهود المعارضين لتوجههم العنصري واحتكروا التمثيل اليهودي بدون منازع في خضم حروبهم المدعومة من قبل الاحتكارات والتوسع الامبريالي بالمنطقة والعالم؛ غير ان معارضة أوساط يهودية مثقفة للصهيونية راحت تتسع باضطراد بسبب ممارسات دولتها وخروجها على قيم الديانة اليهودية. امتثالا لخطة هيرتزل حظر بن غوريون السماح بتشغيل العرب في المشاريع الصهيونية، وشدد في الحظر رغم ان قانون الانتداب المتحيز للمشروع الصهيوني وكذلك وعد بلفور منعا التمييز ضد السكان الأصليين. أشاع نظام التربية والإعلام المسندين الى صهاينة قادوا الوكالة اليهودية داخل فلسطين التعصب العرقي المقيت ونظرة ازدراء العنصر العربي. الكراهية العنصرية نتشت بذرة الأبارتهايد في الدولة الصهيونية منذ الأيام الأولى لقيامها، نمت ومدت فروعها في مجمل الحياة الاجتماعية، خاصة الأنماط السياسية والثقافية والتعليمية. بنزاهته وحصافته لاحظ اينشتين، عالم الفيزياء المشهور، دور عدوان العناصر الصهيونية في تفجير ثورة البراق، وانطلاقا من قناعته طالب المندوب السامي إلغاء عقوبة الإعدام عن الفلسطينيين الثلاثة، فؤاد حجازي ومحمد جمجوم وعطا الزير. قدم شهادة بذلك عام 1946 أمام للجنة الدولية لاستقصاء الحالة بفلسطين مؤكدا على دور الانتداب البريطاني في تأجيج العداء العرقي بفلسطين، وقال ان الأوضاع الفلسطينية لن تهدأ طالما الانتداب البريطاني على فلسطين قائم. وبالمثل لن تهدأ الاضطرابات بالمنطقة طالما النفوذ الامبريالي موجود. الأبارتهايد يدين إسرائيل الجمهور الأوروبي والأمريكي الشمالي يصدق حكايات التوراة بصدد الدولة اليهودية القديمة بفلسطين، وان الدولة الصهيونية المعاصرة مواز للقديمة واستمرارا لها. هناك نخب ضيقة بنت مواقفها المضادة بناء على فشل التنقيبات الأثرية في العثور على آثار للدولة العتيقة. ولهذا من الصعب إقناع الجمهور على نطاق واسع بمظلمة قيام الدولة على أنقاض مجتمع فلسطيني متطور؛ لكن من اليسير إقناع ملايين البشر بفظاعة نظام الأبارتهايد العنصري وانه السبب الأول لحالة العداء المستشرية على أرض فلسطين. رفع شعار الديمقراطية لتصفية الأبارتهايد أجدى وأشد جاذبية للتضامن مع العدالة الفلسطينية. إخلال إسرائيل بالاتفاقات المبرمة يوازيه ويتفاعل معه قدرة على المراوغة والخديعة واستغلال الثغرات. نتنياهو، الذي يفبرك ببساطة مبررات جرائمه الفظيعة، لم يدخل جديدا على أساليب الصهيونية ووسائلها. جاء في مذكرة داخلية بوزارة خارجية الولايات المتحدة قبل انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين باثني عشر يوما ان اليهود سيكونون المعتدين الفعليين على العرب؛ لكنهم سيدّعون انهم لا يفعلون شيئا سوى الدفاع عن النفس." نقلها الكاتب البريطاني توماس سواريز في كتابه "إسرائيل دولة إرهاب"(299). ونقل أيضاعن تقرير مخابراتي بريطاني ان "الآلة الداخلية الإسرائيلية تكاد تكون مكتملة، وتضم موظفين لرقابة الصحف وكل ما يحتاج اليه النظام الشمولي."(282). الصهاينة لا يحاورون ولا يتعايشون مع معارضة، وطبيعي ان لا يتعايشوا مع قومية عربية؛ عدم احترام الاتفاقات المبرمة ناجم عن عدم احترام من ابرمت معهم الاتفاقات وإحدى أدوات الاستعمار الاستيطاني. نهج اغتصبته الحركة الصهيونية منذ البدايات وثابرت عليه بدعم دول الامبريالية. أحد مظاهر غطرسة القوة أن بن غوريون رأى "علاقات اليهود بهذا البلد (فلسطين) لا يمكن الحكم عليها بتطبيق قاعدة تنطبق على بلد آخر". واتهم كل من لا يتفق معه بانه نازي. • علقت الإيكونوميست على اغتيال لورد موين بالقاهرة (نوفمبر 1944)،" يمثل قتله صلب المشكلة الراهنة التي تتمثل في ان الصهاينة الذين تدعمهم أميركا، يريدون فلسطين كلها، وأن اي شخص يعرض عليهم ما هو أقل من ذلك يعد عدوا لهم."(73) • أحد عشر عاما خلت قبل صدور قرار التقسيم، والصهاينة يعتدون على مواقع الفلسطينيين ويقتلون بانتظار ان يستدرجوا العرب الى عنف مضاد. نجحوا في استفزاز بعض الفلسطينيين الى الصدام المسلح. في اواخر كانون أول 1947 قذف إرهابيون صهاينة قنبلة من سيارة أجرة مسرعة قتلت 11 عربيا وشرطيين بريطانيين وجرحت ما لا يقل عن 32عربيا. وكانت "القنبلة التالية في حيفا الشرارة قبل الأخيرة ألقيت على قرابة مائة عامل بالمصفاة. هدف الهجوم استثارة الأعمال الانتقامية بدون مواربة، وهذا ما حدث ضد العمال اليهود بالمصفاة وقتل منهم41 في غمرة الهياج، بعدئذ أدمنت البروباغاندا الصهيونية ادعاء الدفاع عن النفس. • فجر الإرهابيون الصهاينة فندق سميراميس في 7 يناير/كانون ثاني 1948 اخرجت من تحت الأنقاض امراة تحتضن طفلها. لفقت الإرغون، التي قادها ميناحيم بيغن، ان الفندق كان قاعدة للإرهاب العربي، الأمر الذي نفاه البريطانيون. سابقة للمزاعم الحالية في التدمير والقتل الجماعي. تابع الإرهاب عملياته ونسف 14 بناية. • ادلى سير اليكسندر كادوغان، الوكيل الدائم لوزارة الخارجية البريطانية، بشهادته امام الأمم المتحدة في ضوء التطهير العرقي المتنامي بالقول: "القصة اليهودية القائلة ان العرب هم المهاجمون وان اليهود هم المعرضون للهجوم لا يمكن قبولها"(285) "البريطانيون والأميركيون كانوا واثقين ان خروج بريطانيا من فلسطين سينتج عنه انشاء دولة يهودية ليس وفق قرار التقسيم، بل وفق مساحة الأراضي التي ستتمكن الميليشيا الصهيونية من السيطرة عليها بالقوة. (سواريز:21 ) أجل كانت الدولتان الامبرياليتان واثقتين ومطلعتين ومتواطئتين مع الصهاينة بانتهاك القيم والقوانين والاتفاقيات ، تماما على غرار الامبرياليين في تصرفاتهم تجاه الشعوب المضطَهَدة. في تقريرا لوكالة المخابرات المركزية قدم بعد أحد عشر شهرا على إعلان الدولة، ورد " لا يتحرج الزعماء الإسرائيليون الآن من التعبير، وإن بشكل غير رسمي عادة، عن مطالبتهم بامبراطورية تتوسع باستمرار، وحدودهم الحالية (خط الهدنة وليس قرار 181) ليست في نظرهم سوى موطئ قدم. (315) • تكشف تقارير المخابرات البريطانية التي يعود تاريخها الى منتصف ديسمبر1947 ان البريطانيين أنفسهم اعترفوا بعد وقت قصير من التصويت على التقسيم بان وعد الأمم المتحدة بإنشاء دولة فلسطينية كان من قبيل الخداع. • وفي تقرير آخر بعد مرور أسبوعين على قرار التقسيم ان "الدولة الفلسطينية الموعودة لن تظهر الى الوجود... ولا يبدو ان دولة عربية فلسطينية سيكون لها كيان". (سواريز:278) وبعد إعلان الدولة الصهيونية " اعادت المخابرات المركزية تحذيراتها من ’ تزايد التصلب الإسرائيلي‘، وتنامي الشعور بالاكتفاء الذاتي والثقة بالنفس لدى الإسرائيليين، وهو ما يشي باستعدادهم أخذ زمام الأمور بأيديهم من دون التزام بقوانين الأمم المتحدة‘، لا بل ان الدولة الجديدة بدأت تعد الأمم المتحدة مصدر إزعاج "يمنعها من التوسع". (302) الثقة مستمدة من نفوذ الصهاينة في الإدارات الأميركية كافة. • اغتيال كونت برنادوت، الوسيط الأممي دافع عنه ميناحيم بيغن، أثناء زيارته الأولى لمعقل الصهيونية بالولايات المتحدة، محملا مسئولية الاغتيال ببساطة على عاتق “الأمم المتحدة لأنها لم تعط فلسطين بكاملها مع شرقي الأردن للصهاينة عام 1947، ما جعله مطلوبا لمنظمة ليهي للتخلص منه". واعتبر بيغن مجزرة دير ياسين "جريمة القرويين قاوموا عندما غزتهم منظمته، الأرغون"؛ علما ان الضحايا صرعوا داخل بيوتهم، وجال مندوب الصليب الأحمر البيوت واطلع على الاغتيال الوحشي للأطفال والنساء والرجال. • في الفصل الثامن " إسرائيل بلا حدود" يورد توماس سواريز في مؤلفه" لوعينت حدودا لدولة إسرائيلية، مهما كانت، وضمنتها الدول الكبرى، فلربما عاد السلام الى المنطقة"(317). قبلت إسرائيل عضوا بالأمم المتحدة، رغم سلوكها "الوحشي" وتحديها للأمم المتحدة؛ لكنها نكثت بوعودها بالالتزام (من جملة الوعود قبول عودة اللاجئين) بعد اربع وعشرين ساعة، إذ نقلت مكاتب الحكومة الى القدس مباشرة بعد منع الأمم المتحدة هذا الأمر. (318) اتخذ مجلس الأمن القرار رقم 194 يقضي بعودة اللاجئين الى ديارهم؛ ردت إسرائيل بأن "قتلت في سنواتها الأولى نحو خمسة آلاف فلسطيني حاولوا العودة"(328) على نهج السابقين يدمن نتنياهو نقض الاتفاقات والضغط لتعديلها دلالة على الرفض القاطع للوصول الى تسوية في فلسطين، ويفرض سياسات الإرهاب والاضطهاد الفظيع لجماهير الشعب الفلسطيني وعموم شعوب المنطقة؛ يشيع ثقافة الفظاظة. هي سمة مشتركة بين القيادات الصهيونية. يحتفظ بدلالة نشر خارطة إسرائيل التوراتية مع تكرار إعلان نتنياهو عن تغييراته الاستراتيجية. فتحت الأعين أخيرا على ان فلسطين ليست وحدها محل أطماع الصهيونية، فالمنطقة بأجمعها مهددة منذ الأمس البعيد؛ لكن قصيري النظر يحبون ان يدسوا رؤوسهم بالرمال. مخطط التغيير حسب الخارطة التوراتية يطابق خطة "الولايات المتحدة الأبراهامية" و"الدبلوماسية الروحية" اللتين دفع ترامب باتجاههما أثناء فترة إدارته الأولى، مخططا لتذويب الكيانات القومية لعربية، لحساب الدولة الصهيونية الكبرى ما بين النيل والفرات. يستند نتنياهو الى نفوذ الحركة الصهيونية ودولتها داخل الولايات المتحدة؛ أشار الصحفي الأميركي، بول جونسون، المختص بالتاريخ الأميركي "كان توسع وتوطيد يهود الولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين مهمًا في التاريخ اليهودي مثل إنشاء إسرائيل نفسها؛ في بعض النواحي أكثر أهمية"، وفسر الأهمية، بسيرورة "نمو يهود الولايات المتحدة كان بمثابة انضمام إلى سلطة نظام مختلف تمامًا، أعطى اليهود مكانًا مهمًا ومشروعًا وقويًا. دورا دائما في تشكيل سياسات أعظم دولة على وجه الأرض".في الولايات المتحدة انتهك دستور البلاد لمنع انتقاد إسرائيل والصهيونية. وفي الولايات المتحدة اضطهد طلبة الجامعات وأساتذة أعلنوا استنكارهم لحرب الإبادة الجماعية في غزة. يتلقى نتنياهو الدعم لمشاعره ومواقفه في الوقت الراهن، في عنصرية قوى الامبريالية في الغرب، وبالذات عنصرية التفوق العرقي للمسيحيين البيض، تتفاعل مع تنامي تيار اليمين المتطرف وفاشية الليبرالية الجديدة في مجتمعات الغرب. يتصرف نتنياهو بحوافز الاستعمار الاستيطاني وما يلازمها من نظرات عنصرية تتجسد في مواقف تتراوح بين عدم الاكتراث والازدراء تجاه الفلسطينيين والعرب عموما. ضمن حملات التضامن مع الشعب الفلسطيني يهب جمهور غفير من اليهود الذين لم تلوثهم الدعاية العنصرية ولم تخدعهم اكاذيبها. مثقفون يهود تتزايد أعدادهم باضطراد يتصدون للصهيونية يساندون مقاومة الشعب الفلسطيني للعدوان: ديبورا كوين، الباحثة بجامعة تورنتو الكندية، كتبت: “تتمتع الحكومات الاستعمارية الاستيطانية في أمريكا الشمالية بتاريخ طويل في تهجير السكان الأصليين، وليس لديها مشكلة في التحالف مع دولة تفعل الشيء نفسه مع الفلسطينيين. فالإمبريالية ما زالت حية، وبصحة جيدة في العالم، وهذا ما نراه عبر هذه المعايير المزدوجة...هناك أيضًا لوبي مؤيد لإسرائيل نشط ومزود بموارد جيدة يعمل على تشكيل وسائل الإعلام والعديد من المؤسسات الأخرى في كندا والسياقات الغربية الأخرى". وغاري فيلدز، الأستاذ بقسم الاتصالات بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، كتب: وفقاً للمحكمة [العدل الدولية]، أنشأت إسرائيل في الأراضي الخاضعة لاحتلالها نظاماً من القوانين والسياسات والممارسات أدى إلى الفصل العنصري والمعاملة القانونية التمييزية ضد الفلسطينيين. ومن خلال هذه التدابير، فإن مثل هذا النظام يشبه نظام الأبارتهايد، يُخضع الناس لمجموعات مختلفة من القوانين والسياسات والممارسات وفقا للجنس أو العرق أو الدين. منذ عدة سنوات، أدانت منظمات حقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة حقوق الإنسان، إسرائيل باعتبارها دولة فصل عنصري. أخير لا آخرا يوآف ليفين، الدكتور في سيكولوجيا علم الأعصاب السلوكي، استعرض ممارسات الدولة الصهيونية مستذكرا "ما بدأ كنداء ’ دفاعا عن النفس‘قد تحول إلى مغامرات عسكرية ذات أهداف هجومية صريحة وما يرتبط بها من بروباغاندا، تشمل احتمال ضم غزة وربما أماكن أخرى في لبنان؛ بينما يتم تغطية هجمات المستوطنين المتزامنة وعمليات السطو واسعة النطاق التي يقوم بها المستوطنون على الأراضي في المناطق المحتلة بالضفة الغربية. بل إن ’ الدفاع عن النفس ‘استُخدم كذريعة للتعذيب". وأضاف: يعتمد الاستعمار الاستيطاني في كثير من الأحيان على تصوير المناطق مستهدفة على أنها مأهولة ببرابرة بدائيين مجردين من إنسانيتهم ولا يستحقون الأرض. سمح هذا التصوير للصهاينة بتهجير السكان الفلسطينيين الأصليين دون أي هواجس أخلاقية، وتأطير إنشاء المستوطنات "لليهود فقط" كأمر واقع، وحق إلهي. ضمن هذا السياق، باتت أي معارضة للجماعة الصهيونية المصطنعة تهديدا وجوديًا، يُستخدم لتبرير الرد ’ الدفاعي ‘الوحشي في الغالب، المتضمن إبادة جماعية للسكان الأصليين، ’ الآخر‘الفلسطيني. تعاقبت الأجيال والشعب الفلسطيني يكابد ثقافة الأبارتهايد، ثقافة العنف والكراهية . استثمار طاقة الجماهير الثورية يرى الأكاديمي الأميركي، هنري غيروكس، ان "النضال ضد ثقافة الفظاعة لا يمكن أن يتم من خلال السياسة الانتخابية فقط؛ بل يتطلب إعادة تصور جذرية للمصالح العامة باعتبارها الأساس للديمقراطية. إن الدعوة إلى الرعاية الصحية الشاملة والتعليم العام المجاني والأجور المعيشية والحماية القوية للعمال لا تقتصر على السياسة الاقتصادية، إنما هي نشاط مباشر لمقاومة منطق الاستبداد، الذي يختزل الحياة البشرية في مجرد البقاء على قيد الحياة." وأضاف: "بدون المصالح العامة، تنهار الحياة المدنية، وبدلا منها يحل اليأس. في هذا السياق، لا يكون الأمل تفاؤلاً ساذجًا، بل دعوة إلى المقاومة المنظمة - رفض قبول ظروف الفظاعة باعتبارها أمرا محتما؛ فقط من خلال النضال التربوي والسياسي يمكننا تفكيك ثقافة العنف والفظاعة ونموذجها الأساسي " لتعزيز الديمقراطية. الاحتلال الصهيوني يستعين بالحرمان والتجويع وبقرصنة الأراضي في التضييق على الفلسطينيين وحملهم على الهجرة "الطوعية". وهذا يطرح على المقاومة الشروع قبل كل شيء بنضال تربوي يبدد ثقافة الحرمان والفظاعة، ويستنهض جماهير الشعب للنضال من أجل الصالح العام ورفض فظاعات الاحتلال. يتحدد مصير فلسطين وعموم المنطقة بنهج يحشد ويعبئ الطاقات الشعبية، يطورها ويغني قدراتها بالتثقيف السياسي والفكري. إن كسر السياسات العدوانية الهادفة إخضاع المنطقة للسيطرة الامبريالية الصهيونية يتم عبر استنهاض الشعب من خمول. النضال المسلح ليس مجرد مزاج او رغبة، وليس هو الرد الحتمي على الاحتلال الأجنبي او حكم الطغيان، كما ان الشروع به دون إنجاز مقدماته لا يحيله الشكل الأرقى للسياسة. للنضال المسلح شروط نجاحه ممتدة داخل المجتمع وعبر الإقليم والوضع الدولي. يجب عدم إغفال ان الصهيونية مغرمة بالصدامات العسكرية، نظرا لإمدادات السلاح من دول الامبريالية؛ حدث مرارا ان استدرجت فصائل الى الصدام المسلح. كانت ترمي لتحقيق هدفين متلازمين: تدمير النشاط السياسي باشتراك الجماهير؛ يعزو باروخ كيمرلينغ، عالم الاجتماع في الدولة الصهيونية نجاح الصهيونية في الإبادة السياسية للمجتمع الفلسطيني الى نجاحها في استدراجه الى الصدامات المسلحة، بغية إلحاق الهزيمة به لقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية. وجهت حماس النداء تلو النداء للجماهير بالضفة كي تتحرك وترفد مقاومتها المسلحة بمقاومة المحتلين، ولم تستجب الجماهير للأسف؛ بل ان عدم التحرك ظل سائدا والعدوان العسكري يسدد ضرباته على مناطق الشمال الفلسطيني ويهدد بالانتقال الى بقية مناطق فلسطين. يتوجب إعداد كوادر سياسية واعية ومدربة في أوساط الجماهير كي تتحرك. لم تكن حماس والفصائل المسلحة معنية بالنشاط في أوساط الجماهير، بل إنها حظرت على جماهير غزة الحراك السياسي ومنعتها حتى من انتخاب البلديات او النقابات، بينما كانت تنافس وتنجح في انتخابات الضفة. في الصدامات العسكرية العديدة كانت الغلبة للدولة الصهيونية نظرا لوقوف الولايات المتحدة بجانبها وإمدادها بأرقى منتجات التكنولوجيا العسكرية. وما قدمته إدارة بايدن من أسلحة متطورة مكن الدولة الصهيونية من السيطرة في ميدان القتال؛ أسلحة بايدن هبي المسئولة عن اغتيال حسن نصر الله وأركان المقاومة المسلحة، ولسوف يتكرر تفوق إسرائيل العسكري وسيطرتها بالنتيجة. الشعب الفلسطيني تتهده مخاطر التهجير، ويتوجب إعداده معنويا وفكريا عبر إشراكه في الحياة السياسية كي تستثمر طاقاته الكفاحية ويملك جرأة التمرد على أوامر المحتلين، وبسالة التصدي لنهج تضييق سبل العيش للوصول بالجماهير الى “التهجير الطوعي". طبيعة الحال ان الجماهير معتادة على الإذعان للقوة الغاشمة، ولم تمر الجماهير الفلسطينية بتجربة ديمقراطية تفتح مداركها على حقوقها الإنسانية والوطنية. ولهذا فالنشاط السياسي بين أوساط الشعب المقرون بالتثقيف بات ضرورة ملحة والتلهي عنها تلاعب وتفريط بالمصالح الوطنية. حذر نيلسون مانديلا شعوب الجنوب العالمي من التورط بالحروب الأهلية، نظرا لمسارعة الامبرياليين على استغلالها وإطالة أمدها الى جانب تبديد الثروات الوطنية؛ وهذا ما نشهده بالسودان في الوقت الراهن. الكفاح المسلح لا يكتسب صفة النشاط السياسي الأرقى إلا حين يتطور عن نهوض جماهيري عارم تبدي فيه الجماهير الإقدام والشجاعة، بحيث يستحيل إخماد حركتها الثورية. الكفاح المسلح يتغذى من النهوض الشعبي ويغذيه؛ علاوة على مراعاة توقيت الكفاح المسلح بأزمات مستعصية لنظام الحكم، كي يتواصل وينجز هدف الإطاحة بالاحتلال او حكم الطغيان. حينئذ لا يتطلب الأمر مناشدات للجماهير بأن تهب، يغدو البديل العسكري انتفاضة قصيرة تقهر مقاومة السلطة المفلسة والعاجزة عن التغلب على أزماتها. يلحق الدمار بالمجتمع إن فرض عليه خوض كفاح مسلح مديد يشل الحياة الاقتصادية ويلغي بقية الأنشطة الاجتماعية الحيوية كالتعليم والإدارة والنشاط الاقتصادي ألخ. النضال الشعبي ضرورة وواجب قوى التغيير الديمقراطي، وهو الضمانة بأن لا تجنح الانتفاضة المسلحة الى طغيان جديد.
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مرتزقة امريكيون في ممر نبتساريم بغزة
-
إدارة ترامب تستثمر الليبرالية الجديدة فاشية جديدة
-
ترمب يرى غزة عقارا للاستثمار وليس ضحية إبادة جماعية
-
هذه فاتشية، يجب إيقافها
-
بالإرادة الصلبة المتماسكة تُفشل مخططات التهجير ويدحر الاحتلا
...
-
سياسات سوقية تنتهجها إدارة ترامب
-
ثقافة استسلمت لأسوأ غرائزها في مجتمع يعول على النسيان
-
الميديا الرئيسة في عالم الرأسمال تزيف الوقائع وتحتفي بقتل ال
...
-
الاستعمار الاستيطاني سينتهي في فلسطين وإسرائيل
-
نظام يمارس الخداع بمهارة وعلة الدوام
-
ذئاب ترامب شرعت العواء على فلسطين
-
تنديد بتجار الموت – التحذير النبوئي للدكتور مارتن لوثر كينغ
-
ألكابوس لن ينتهي، حتى لو توقف قصف القنابل.
-
الدروب تنتهي بالوساطة الأميركية
-
خطر حرب إقليمية ماثل بعد الانقلاب بسوريا
-
الصهيوينة والامبريالية كيان واحد يفيض كتلة وينحسر ويزول كتلة
-
تاريخ من العذابات المتواصلة
-
عقم الخطاب المدني مع سلطوية المصالح والامتيازات
-
في ذكرى رفعت العرير.. قلسطين خالدة في قصائد شعرائها
-
ليزلي أنجيلين: نفاق حكومتنا يفطر القلب
المزيد.....
-
العراق يعلن منع بث مسلسل -معاوية- ويكشف السبب
-
مستشار ترامب يروي كواليس ما حدث خلال الاجتماع -العاصف- مع زي
...
-
كتائب القسام تعرض تسجيلات مصورة حديثة لرهائن إسرائيليين في غ
...
-
الأمن السوري ينفذ عمليات ملاحقة في جرمانا وطرطوس بعد هجمات م
...
-
مصر.. ضوابط جديدة للبرامج الرياضية في رمضان
-
ماسك: ترامب أصر على وقف إطلاق النار بينما زيلينسكي ركز على ط
...
-
تحقيق لـ-الغارديان- يوثق لحظات مقتل الطفل أيمن الهيموني برصا
...
-
جاكارتا: صلاة المغرب وإفطار جماعي في أول أيام شهر رمضان بأكب
...
-
-فشل سياسي لأوكرانيا-.. هكذا علّقت روسيا على المشادة الكلامي
...
-
برلماني أوروبي: بعد خلاف ترامب وزيلينسكي من الممكن حل النزاع
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|