محمد رضا عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8268 - 2025 / 3 / 1 - 14:04
المحور:
السياحة والرحلات
السياحة الداخلية تعّرف ابن البلد على إنجازات بلده الحاضرة والماضية , وكلما كانت هذه الإنجازات عظيمة كلما كان انجذاب المواطن للبلد اعظم , خاصة اذا كرست وسائل الاعلام الوطنية بعض من برامجها بدعم السياحة الداخلية وتعريف أبناء البلد بالمواقع الاثرية و الزيارات الدينية و الأماكن الترفيهية وخصوصياتها . السفر الى هذه الأماكن تعلم المواطن المحلي تاريخ بلاده القديم , جمال طبيعته و تنوعها , وعظمت رجالاته في القلوب. زيارة مواطن للمواقع سواء كانت دينية او اثرية او بيئية يزيد من أواصر العلاقة بينه وبين وطنه , بينه وبين أبناء وطنه , التعرف من قريب عن عادات وتقاليد مكونات شعبه , و تحريك الاقتصاد المحلي .هناك مدن كبيرة في العالم يعتمد اقتصادها على موقع اثري او ترفيهي او ديني .
وانا أتكلم عن العراق ما بعد التغيير. كنا نامل ان يكون التغيير السياسي مناسبة للتواصل بين المكونات العراقية الذي قتلها النظام ما قبل التغيير. كنا نامل ان الديمقراطية سوف توحد العراقيين , ومن خلالها يأخذ كل ذو حق حقه , ويتم السلام والوئام و يستطع ابن بغداد ان يتناول فطوره في ديالى وغداءه في أربيل وعشاءه في البصرة . يستطيع , ولكن سوف لن يكون له سبب اخر للبقاء خمسة أيام في مكان واحد , عدا اللهم محافظات إقليم كردستان لغرض الراحة والاستجمام . المحافظات العراقية الأخرى تفتقر الى الكثير من مستلزمات السياحة وعلى السيد عمر حسن العلوي مستشار رئيس وزراء العراق لشؤون السياحة الانتباه لها, خاصة بعد ان اختيرت بغداد عاصمة السياحة العربية هذا العام , عام 2025.
واذا فرق النظام ما قبل التغيير بين المكونات العراقية على الأساس القومي والطائفي , فان تداعيات التغيير كانت عليها اعظم حيث هجر الأخ اخية و قاتله في ظل ساسة طارئين تخندقوا بساتر القومية والمذهبية , وليست الوطنية . الوطنية وضعت على الرف وانتعشت روح الطائفية والقومية . فمازالت المدن الشيعية شيعية والسنية سنية والكردية كردية ولم يتم حتى الان التمكن من العثور على أدوات تشجع على الاختلاط بين المكونات , خاصة وان الحكومات المتعاقبة بعد التغيير فشلت من جلب استثمارات كبيرة يعمل فيها خليط من مكونات الشعب العراقي. او بناء مشاريع كبيرة يشترك فيها أبناء المكونات العراقية المختلفة . ما زالت المشاريع في العراق صغيرة يديرها أبناء البلدة دون انتظار العون من خارجها , على العكس فان المشاريع الكبيرة تجمع أبناء المكونات سواء من الجنوب او الشمال او الغرب او الشرق .
اذن , من اجل ان يجمع العراق مكوناته في بودقة واحدة , يحتاج البلد الى مشاريع اقتصادية كبيرة تجمع العراقيين بكل قومياتهم ودياناتهم ومذاهبهم , وان وجود مثل هذه المشاريع تزيد من الترابط بين أبناء المجتمع الواحد, والتي لا توجد الان , واحسن الطرق وابسطها هو تبني الدولة برامج تشجيع المواطن العراقي على السياحة الداخلية , و بغداد يجب ان تكون على راس الأولويات , لكونها العاصمة السياسية للبلد , وانها المدينة التي تربط العربي والكردي والتركماني والاشوري واليزيدي و الشبكي و الصابئ بالوطن . ولكن المشكلة هذه الأيام , هي ان ابن بغداد اصبح لا يرغب البقاء في بغداد بسبب كثرة الازدحام المروري , وفقدان الأماكن الترفيهية العامة فيها . الزائر الى بغداد يحتاج الى طريق سالك واماكن لوقوف السيارات و أماكن تتمتع بها افراد عائلته . الزائر الى بغداد لا يريد ان يصرف نصف نهاره في الازدحامات وبدون وجود مكان ليتمتع هو وعائلته فيه.
في بغداد أماكن تاريخية و دينية كثيرة ولا يمكن عدها , ولكن هذه المواقع أصبحت ضحية لفوضى الجنابر والبسطات والمحلات التجارية , فلا يرى منها الا حيطانها الخارجية او قببها و مآذنها من بعيد . بغداد تحتاج الى متاحف يحبها الصغار والكبار . في مدينة مونتريال الكندية العوائل تقضي على اقل نصف يوم في متحف يعرض دمى Barbe ,وهو متحف لا يكلف كثيرا ولكن العائلة وجدته مكانا جميلا يلهي الأطفال مع الدمى يوما كاملا , وللمدينة حب الأطفال لها , كما يحب أطفال أمريكا مطاعم مكدونالد التي تقدم وجبة الهمبركر . يحج ما يقارب 60 مليون زائر واشنطن , العاصمة الامريكية, من داخل البلاد وخارجها لزيارة معالمها . في واشنطن اكثر من عشرة متاحف يزورها المواطنين من كل انحاء العالم وبإعداد هائلة . ومن هذه المتاحف هي متحف التاريخ الطبيعي , متحف الفن الحديث, متحف للأمريكان من الأصول الافريقية , متحف ضحايا الهولوكوست , متحف الطيران وعربات الفضاء, و متحف للزجاج , عدا الحدائق الموسمية والدائمة والمتاحف المؤقتة ,والبيت الأبيض والكونغرس والوزارات , وبذلك أصبحت هذه الأماكن مكان جذب لكل الاعمار والاذواق والفنون والسياسة . وطبعا , مصدر دخل لألاف العمال والمهن , وشعور المواطن سواء كان أمريكيا او اجنبيا بعظمة البلد وهيبته.
العراق يستطع من تحقيق كل هذا , فلديه المال والخبرات والأرض لبناء ارقى المعالم السياحية , لتكون هذه الأماكن محل جذب ابن البلد وخارجه , مؤشرا للتطور العمراني و الفني , ولكن الأهم هي زيادة الرابطة الوطنية بين المواطن وبلده , شعور المواطن العراقي , بغض النظر عن هويته القومية او المذهبية او الدينية , ان بلده يستحق الاحترام والتقدير والتضحية من اجله , وكتم افواه من يتجاوز على سمعته.
ولماذا الاهتمام ببغداد ؟ كما ذكرت انها العاصمة , ولابد للمواطن العراقي , اينما كان , ان يحمل الشعور بان بغداد تمثل رمز العراق ووحدته وادارته وانها المدينة التي تقود العراق , ففيها دار الحكومة وفيها برلمان العراق , وفيها وزارات العراق , وفيها المتاحف العلمية والثقافية , فلابد ان تكون مختلفة من أي مركز اخر. مختلفة بشوارعها , بأبنيتها , وحدائقها . وهنا ومع مساعدة الاعلام الوطني الحر و البرامج المدرسية والجامعية تصبح بغداد ملك الجميع وملتقى الجميع , الجميع ينظر لها بعين الاحترام والشموخ والاعجاب ,والمكان الذي يأخذ الجد و الجدة الأطفال وقضاء أيام جميلة فيها , بعيدا عن متاعب الحياة الرتيبة .
#محمد_رضا_عباس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟