|
عبد الرزاق كميل شاعــــرا ومنـــاضـــــلا
محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8267 - 2025 / 2 / 28 - 20:11
المحور:
سيرة ذاتية
تربطني بالشاعر عبد الرزاق كميل (أبو قمر) علاقة طويلة بدأت في أوائل سبعينيات القرن الماضي، ومرت بفترات انقطاع بسبب الظروف المعروفة التي مر بها العراق، وكانت لقاءاتنا بين فترات متباعدات. وبعد سقوط النظام السابق، وعودة الحياة الطبيعية، التقيت به في مقر الحزب الشيوعي العراقي في الحلة، وكانت الأيام قد فعلت فعلها وغيرت تلك الوجوه الزاهية بنضارتها وشبابها، وبدأت العلاقة مجدداً وأخذت طريقها للتواصل والنمو والازدهار بحكم الأعمال التي تربطنا سواء في العمل الحزبي أو الثقافي. ولد الشاعر في قضاء المحاويل سنة 1942 ودرس في مدارسها حتى أكمل دراسته الثانوية في العام الدراسي 1965-1966، وكان في طليعة أقرانه تفوقا ونشاطاً وحاز أعجاب أساتذته الذين وجدوا فيه قابليات أدبية حضت منهم بالتشجيع والرعاية فكان الخطيب والمنشد في الاصطفاف الأسبوعي والحائز على أعلى الدرجات في دروس العربية، وبدأت بواكير نشاطه بمساهمته في تحرير النشرات المدرسية التي كانت المجال لنمو وتطوير التوجهات الأدبية والفنية للطلبة، ولكن الأحداث العاصفة بعد ثورة الرابع عشر من تموز، والإسهام في الأنشطة الطلابية أثر على مواصلته الدراسة فتعثر فيها بسبب الاعتقالات والمضايقات والاختفاء. بدأت مسيرته الشعرية بالنشر في الصحف فكانت جريدة الراصد وصحيفة المجتمع وابن البلد والمنار وغيرها من صحف تلك الفترة ميدانه الواسع للنشر وأسهم في المهرجانات الشعرية المحلية التي تقام في محافظة بابل أو المهرجانات الوطنية التي تحتضنها المحافظات الأخرى – الناصرية – الديوانية – السماوة – البصرة ومنها المهرجان الوطني الذي أقيم برعاية مديرية الموانئ العراقية في البصرة سنة 1973 وكذلك المهرجان الوطني للشباب الذي أقيم في السماوة، وغيرها من المهرجانات. تأثر الشاعر برائد المدرسة الحديثة في الشعر الشعبي الشاعر الكبير مظفر النواب وقرأ عليه بعض قصائده في لقاءات خاصة، واحتفظ معه بعلاقات استمرت حتى وفاته، وقد انتمى لجمعية الشعراء الشعبيين وأسهم في أماسيها ومهرجاناتها ولكنه أبتعد عنها بعد أن تحولت إلى واجهة للسلطة ،وهيمن عليها أزلام النظام البائد، وعزف عن المشاركة في النشاطات الشعرية مكتفيا بالكتابة لنفسه، ومعالجة الهموم الاجتماعية. عمل مع الشيوعيين مؤازرا منذ العام 1956 عندما شارك في التظاهرة المنددة بالعدوان الثلاثي على مصر، واستمر في علاقته مع الحزب عاملا في اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية فكان هذا طريقه للانتماء للحزب، فكان الانتماء لهذه المنظمات البدايات الأولى للترشيح الى الحزب وهي من المراحل الضرورية في السلم الحزبي. لذلك ما أن انبثقت ثورة الرابع عشر من تموز 1958 حتى بادر لحزب للاستفادة من كوادره الشبابية التي كانت تعمل في هذه المنظمات فزج بالجيدين منهم للعمل في صفوفه وحصلت استثناءات للبعض ممن لم يبلغوا الثامنة عشرة من عمرهم لقبول عضويتهم نظرا لأهميتهم وما قدموه للحزب سابقا وكان من هؤلاء عبد الرزاق كميل الذي اكتسب شرف العضوية في ذلك العام وعمل بنشاط ودأب في المنظمات الحزبية والجماهيرية ناشطا متحمسا له مكانه بين المميزين من الرفاق. وبعد الفتور في العلاقة بين الحزب والزعيم عبد الكريم قاسم ، وخصوصا بعد أحداث 1959 وما جرت من مؤامرات رجعية لإفساد العلاقة مع حكومة الثورة ، وقيام الحكومة بالتضييق على الشيوعيين واغلاق صحفهم ومحاربة نشاطهم، واضطرار الحزب للعمل السري، كان للفقيد دوره المؤثر في العمل التنظيمي والتحرك بين الخلايا الحزبية في المدينة والريف ما جعله عرضة لمراقبة رجال الأمن، فاعتقل على خلفية توزيع منشورات في المدينة وارسل إلى أمن الحلة، واستطاعت أسرته بفضل علاقاتها ومكانتها الاجتماعية اطلاق سراحه. ووقف الحزب الشيوعي موقفا مؤيدا للحركة مطالبا بالديمقراطية للعراق والسلم في كردستان وسرعان ما انتشر هذا الشعار في جميع المدن العراقية. كان الفقيد حينها يعمل في منظمة المحاويل للحزب ، وكلف مع مجموعة من الرفاق بكتابة الشعار المذكور على الجدران في المدنية ليلا، فتوزع الرفاق على مناطقها المختلفة يخطون هذه الشعارات، وعندما كان الفقيد يقوم بكتابة احد الشعارات فاجئه أحد الحراس الليليين بإطلاق رصاصة أصابت يده اليمنى بجرح أدى إلى حدوث عوق ظاهر فيها ظل ماثلا حتى اليوم، واعتبره الراحل وسام شرف لإسهامه في نصرة الشعب الكردي والدفاع عن قضيته. وفي اليوم التالي سارعت القوات الأمية إلى القاء القبض على البارزين من الشيوعيين المعروفين لديهم ومن ضمنهم فقيدنا الراحل وارسل مخفورا إلى أمن الحلة حيث تعرض للتعذيب الشديد لتقديم اعترافات عن المنظمة وزملاءه المشاركين في لصق المنشورات إلا انه صمد صمود الابطال ولم يفش اسرار الحزب وبعد فترة اطلق سراحه بكفالة بعد وساطات مؤثرة. وعند قيام انقلاب 8 شباط الاسود عام 1963، علمت المنظمات الحزبية بحدوث الانقلاب وتبعاً للتعليمات الصادرة لها بتنفيذ خطة الطوارئ خرجت المظاهرات الشعبية المنددة بالانقلاب وشملت المظاهرات معظم المدن العراقية ومنها مدينة المحاويل التي كانت قلب الحركة الوطنية، وقاد التظاهرة الكوادر الحزبية بمشاركة كبيرة من أبناء الشعب من الشيوعيين والمتعاطفين معهم، وكان الراحل في صلب التظاهرات ومن (المهاويل) الذين الهبوا مشاعر الناس، وتمكنت القوى الأمنية من تفريق المظاهرة والقاء القبض على بعض المشاركين فيها، وهرب آخرين، ولاحقت القوى الأمنية والحرس القومي الشيوعيين والقت القبض على كثير منهم فيما أستطاع البعض الإفلات والاختباء. اعتقل الفقيد صبيحة يوم 10-شباط1963 من قبل الحرس القومي في المحاويل وأرسل مخفورا إلى مقر الحرس القومي في الحلة، وتم نقله إلى سجن الحلة ومكث فيه تسعة أشهر واطلق سراحه بكفالة بعد انقلاب عبد السلام عارف في 18تشرين الثاني 1963. واعتقل عدة مرات خلال فترة حكم الأخوين عارف لأيام وأسابيع أثر كل نشاط يقوم به الحزب الشيوعي العراقي. ثم أسهم في ايصال الشيوعيين الى الأهوار في مرحلة الكفاح المسلح ، وتمكن من نقل العشرات منهم وخصوصاً من الهاربين من سجن الحلة عام 1967، منهم مجموعة من أبناء الموصل الذين أوصلهم إلى المحطة المتقدمة في مدينة النعمانية. وقد أختفى الشاعر الكبير مظفر النواب في (الصباغية) عدة أيام تمهيداً لإيصاله إلى مناطق الأهوار، وكان الفقيد الراحل قد هيئ له مكاناً مناسبا للاختفاء في دار أحد الرفاق وهيئ الوسائل اللازمة لنقله منها إلى مدينة النعمانية لوجود مركز لاستقبال المقاتلين هناك. بعد فشل الحركة والقاء القبض على المنتمين اليها أستطاع الفقيد الاختفاء عن أنظار الشرطة مبتعداً عن مدينته المحاويل ، وبعد انقلاب 17 تموز 1968 القي القبض عليه من قبل القوى الأمنية واودع السجن ، وأستمر معتقلا لمدة تزيد على احد عشر شهراً، قضاها متنقلاً بين سجون بغداد في الفضل والصدرية والحيدرخانة، وبعد الحملة الكبيرة التي نظمها الحزب الشيوعي لإطلاق سراح المعتقلين من الشيوعيين أطلق سراحه من السجن، ولجأ إلى الاختفاء عن عيون السلطة للأعوام 1970-1971-1972. وكان الفقيد الراحل قد أحيل إلى محاكم أمن الدولة عن القضايا السابقة التي أوقف بسببها، وبعد صدور القرار القاضي بالعفو عن السجناء السياسيين والغاء التعقيبات القانونية والدعاوى المحالين بها إلى المحاكم شمله القانون المذكور واغلقت الدعاوى السابقة، وعاد لعمله الطبيعي. وبعد سقوط النظام في 9-4-2003 التحق الفقيد بالحزب، وعمل في منظمة المحاويل، ثم انتخب عضوا في محلية بابل لعدة دورات، كما تم انتخابه مندوبا في مؤتمرات الحزب السابع والثامن والتاسع والعاشر، وظل يمارس نشاطه الحزبي حتى رحيله بتاريخ 26-12-2020. والفقيد من الشعراء الذين تركوا أثرا في مسيرة الشعر الشعبي في بابل، وقد أصدر ديوانه الأول (طشني شوف) الذي جمع فيه ما وجد من قصائده التي فقد أكثرها لاضطراره بسبب موقفه السياسي وبحكم عمله الوظيفي إلى التنقل بين مختلف المحافظات العراقية، والشاعر الملتزم في عهود التسلط لا يستطيع الاحتفاظ بما يكتب مدونا وليس له إلا أن يحفظ شعره خشية أن يقع بأيدي غير أمينة تودي به إلى غياهب السجون لذلك فان أكثر قصائد الديوان هي من محفوظاته وليس من مدوناته أو مما أحتفظ به زملائه ومحبيه. عرف الشاعر عبد الرزاق كميل باسمه الشعري "أبو قمر" وأشتهر به منذ أواسط ستينيات القرن الماضي، وشارك فيما شارك فيه أبناء جيله من أحداث عاصفة في تلك الفترة متأثرا بالشارع السياسي وتوجهاته الوطنية التي فرضت وجودها على ما كتب من شعر. وشاعرنا عرف بمفرداته المميزة التي لا تزال تحمل روح الشعر الستيني ومدرسته الأثيرة التي عرفت بمفرداتها النابعة من رؤى وطنية وشعبية غابت عن الشعر في الوقت الحاضر بعد أن لبس الشعر أردية تمثل الرؤى والأفكار القديمة التي عادت بالفكر الشعبي إلى وراء. ورغم محدودية القصائد وقلتها إلا أننا لا نعدم ومضات أبرزت القدرات البلاغية والفنية للشاعر، فهو يمتلك ذائقة معاصرة تقتنص جميل المعاني ورائع المفردات، ولديه صور تفرد وعرف بها ولم يسبقه إليها شاعر. لا أريد الإطالة وأكتفي بما قدمت ولعل القارئ سيتلمس ما في قصائده من جميل ورائع، وفي أفكاره من رؤى تنزع للخير والحب والجمال، ولعل النماذج المختارة تمثل بعضا مما أراه في شاعريته وإبداعه. جرح من الشمس عتني ... وجرح بيّه يدليني شتاني وعثر بيّه الجرح غناوة حديثة... وشفت بيه الجرح..صاير جسر بين الجفن والعين وقصيدة نجتزئ منها: يالمبحر بفكرك زود...ولمدك أصير حروف هاك أخذ گلبي ربابه أودگ طبل ودفوف شتلت الگلب بدروبك عيون تشوف ولون وازاك حچي المندعه والحچي المحيوف ها شوف المبطن وين والملفوف ها شوف آنه النذرت العمر من زغري الفد راي وتحمليت العطش شوگ النهر للماي وألما تلفحه الشمس لتظن يدور أفياي أخذوني چلمة محب ما ريد جنة عاد واللي يخون الملح يحرم عليه الزاد
#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وقفية مملكة أودة
-
مطالعة لمرويات ذياب آل غلام
-
نظرات في مذكرات الدكتور مكرم الطالباني الحياة لا تجري دوماً
...
-
الاسكندر المقدوني في بابل عرض وتحليل
-
قراءة في رواية (لقد قصدها يوما)
-
قراءة في كتاب المعلم حازم سليمان الحلي
-
عدنان الجزائري الواله الغارق بالحنين
-
مشاهدات للدكتور عبد الرضا عوض
-
نقد الفكر والممارسة الدينية لدى المسلمين
-
باسم عبد الحميد حمودي وأثره في تدوين الموروث الشعبي العراقي
-
الشيخ البهائي وكتابه الكشكول: بين الزهد والتناقضات الأدبية
-
الشاعر عبد الحسين الحيدري ونزعته في التمرد والانطلاق
-
الدكتور عبد العظيم السلطاني وآراؤه النقديةم
-
كناية الديالكتيك نزهة ثانية في المعرفة
-
لقد قصدها يوما
-
قطف الثمر في التاريخ والتراث والفكر
-
نبيل الربيعي باحثا ومقاليا
-
دار الظالم خراب
-
سجلت ضد مجهول
-
كلاوات حجي علي
المزيد.....
-
بعد ضجة زيلينسكي بالبيت الأبيض وإن كان عليه الاستقالة.. روبي
...
-
جملة قالها زيلينسكي أشعلت الجلسة مع ترامب قبل أن يطلب منه ال
...
-
هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها زيلينسكي للتوبيخ!
-
اليونان: احتجاجات واشتباكات عنيفة في الذكرى الثانية لكارثة ا
...
-
صوت في أذنك قد يكشف حالة تهدد حياتك
-
Tecno تدخل عالم النظارات الذكية
-
لأول مرة منذ 230 عاما.. إعادة بناء وجه موزارت تكشف ملامحه ال
...
-
روبيو: على زيلينسكي الاعتذار عن إضاعة وقتنا
-
-البديل من أجل ألمانيا-: فانس صفع أوروبا وأصاب الأشخاص المنا
...
-
إنقاذ 374 صيادا عالقين على كتل جليدية في أقصى شرق روسيا
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|