أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - الطغاة ... لا يولدون في بلادي طغاةً ...!















المزيد.....

الطغاة ... لا يولدون في بلادي طغاةً ...!


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 1800 - 2007 / 1 / 19 - 11:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وضع القانون العراقي يوم أمس النهاية المتوقعة لحياة رجل لم يشهد تاريخ العراق الحديث طاغية مماثلاً له من الناحيتين النوعية والكمية, إذ كان قد تسبب, خلال حكمه الذي قارب الـ 35 عاماً, بعدد وحجم هائل من المآسي والكوارث والآلام والمحن والخراب والمجازر البشرية والحروب والموت في كل زاوية من زوايا العراق للمجتمع العراقي بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية, بل كان وراء الغدر حتى بأفراد عائلته وبزوجي بنتيه رغد وحلا. وبعد سقوط النظام, الذي كان رأس رمحه طوال تلك السنين, تسبب المستبد بأمره في موت الكثير من البشر والكثير من الحرائق والتدمير وإعاقة عملية إعادة البناء, إذ كان قد نظم قبل سقوطه جماعات إرهابية واسعة من فدائييه وأجهزة أمنه ومريديه في العراق, وتسبب في إشعال نيران فتنة طائفية مقيتة في البلاد ما يزال أوراها متصاعداً, كما أدخل إلى البلاد قبل سقوطه قوى الإسلام السياسي المتطرفة والإرهابية التكفيرية بحجة الدفاع عن "حياض الوطن" من الحرب الأمريكية, في وقت كان العراق قد فقد استقلاله وسيادته الوطنية قبل الحرب بسنوات كثيرة بسبب سياساته العدوانية والعنصرية ورغباته في التوسع حتى على أرض العرب, كما حصل في غزو الكويت.
وكان الدكتاتور صدام حسين يعمل بشكل منظم ودؤوب على خلق شخصيات تابعة وخاضعة له, ولكنها في الوقت نفسه مشابهة له في الذهنية وفي السلوك الاستبدادي من خلال تصرفاته اليومية والإعلام الذي سخره لهذا الغرض وفي عمليات التثقيف ومقاعد الدراسة وفي أجهزة الدولة وفي أحاديثه اليومية التي كانت تبث من على شاشات التلفزة والإذاعة حتى لم يعد العراق يعرف صورة غير صورة الدكتاتور النرجسي العاشق لذاته والمغرم بأفعاله والمتطلع لمزيد من قصائد المديح للقائد الضرورة والباذخ بإفراط بأموال الشعب!
لقد حول الدكتاتور صدام حسين العراق إلى جحيم حقيقي لا يطاق, وسعى لأن يكون كذلك حتى بعد مماته. وهو ما يعيشه الناس اليوم حتى في يوم إعدامه, إذ تسبب الإرهابيون القتلة بموت ما يزيد عن 60 شخصاً, إضافة إلى العشرات من الجرحى والمعوقين.
لقد أعدم الدكتاتور الذي يعتبر أكثر حكام العراق عتواً وأشدهم شراسة وسادية وأبشع من مرغ جباه العراقيات والعراقيين بالتراب وداس بقدميه على كرامتهم الإنسانية وحول الملايين منهم إلى فقراء يستجدون الصدقة وهم في بلاد تملك خيرات مادية طائلة. ويفترض أن يفهم الرأي العام العالمي, بغض النظر عن مدى اتفاقه أو عدم اتفاقه مع أحكام الإعدام عموماً, بأن هذا الطاغية لم يترك عائلة في العراق دون أن يلحق بها ضرراً, سواء أكان قد تسبب بتهجير أو تعذيب أو سجن أو قتل واحد أو أكثر من أبناء وبنات العوائل. بل أن بعض العشائر فقدت الآلاف من نسائها ورجالها بسبب عمليات القتل والتغييب الجماعية, كما حصل في مأساة العشيرة البارزانية أم في عمليات الأنفال, وبضمنها مجزرة حلبچة, أم في انتفاضة الربيع في العام 1991, أم مثلما حصل للكرد الفيلية من عمليات تهجير وقتل وسبي وسلب وسطو على أموالهم المنقولة وغير المنقولة, بتجفيف وتهجير سكان الأهوار العراقية, أم بقتل الكثير من أفراد عوائل دينية محترمة, كما حصل لعائلتي آل الحكيم وآل الصدر في النجف, على سبيل المثال لا الحصر, أو ما لحق بأعضاء الأحزاب السياسية العراقية وبشكل خاص الحزب الشيوعي وحزب الدعوة والأحزاب الديمقراطية الكردستانية, أو ما حصل لعدد غير قليل من البعثيين والعسكريين العراقيين.
لقد انتهت حياة طاغية شرير دون أن يحس بالذنب أو الخطيئة ودون أن يندم على ا فعاله الدنيئة أم يعتذر للمجتمع في العراق بكل مكوناته. لن يحزن أو يبكي على موت الدكتاتور سوى من كان أو لا زال يلتقي معه بالفكر والممارسة الاستبدادية والسادية وجنون العظمة. ولقد تنفس الشعب الصعداء بانتهاء مرحلة من أشد مراحل التاريخ العراقي مرارة وبؤساً ودماراً. ولكن السؤال الذي كان وسيبقى يلح عليّ وربما على غيري من البشر في العراق أو على الرأي العام العربي والعالمي هو: هل انتهى عهد الطغاة في العراق؟
يحدوني الأمل في أن يكون عهد الطغاة بموت المستبد بأمره قد انتهى, إذ بدون هذا الأمل يكون المجتمع قد خسر المعركة سلفاً, بأن العراق سيسير تدريجاً نحو الديمقراطية وستستغرق المسيرة الديمقراطية سنوات وعقود, وهي حالة طبيعية وضرورية. ولكي نسير على هذا الطريق علينا أن نفهم ثلاث حقائق جوهرية لا يمكن بدونها كسب معركة الديمقراطية في العراق ولا حتى في أي بلد من بلدان العالم النامي, وأعني بها ما يلي:
1. الطاغية لا يولد في بلادي طاغية أو يرضع من ثدي أمه حليب الطغاة, بل الطاغية يصنع محلياً ويغذى إقليميا ودولياً وفق الأوضاع السائدة محلياً وإقليمياً ودولياً. وهذا يعني أن المجتمع الذي يعيش فيه الفرد هو الأساس في خلق الطاغية أو الطغاة بتعبير أدق.
2. لا يمكن الخلاص من بروز طغاة جدد في مستويات مختلفة, ابتداءً من البيت ومروراً بالمدرسة والمعهد والجامعة والمعمل والمزرعة والحزب والمنظمة وانتهاءً بأجهزة الدولة, في السلطة التنفيذية كرئيس وأعضاء مجلس الوزراء والمؤسسات العسكرية وبقية أجهزة الدولة, وفي السلطة القضائية وأجهزتها, وفي السلطة التشريعية ومجلس النواب أو في أعلى السلطة أيضاً, ما لم نبدأ بتغيير الواقع الاقتصادي والبنية الاجتماعية للمجتمع العراقي, إذ بهذا التغيير يتسنى العمل على تغيير البنية الفكرية والثقافية والقيم الأخلاقية والسلوكية اليومية وتغيير الوعي الاجتماعي وتحقيق التنوير الديني.
3. وعبر ومع هذا التغيير في البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تتوفر الأرضية الصالحة لبناء المجتمع المدني الديمقراطي الحديث القائم على أساس دولة الدستور والقانون الديمقراطي والمؤسسات الديمقراطية التي تساهم في خلق الإنسان الحر الديمقراطي القادر على استيعاب "أن حريته تنتهي حين تبدأ حرية الآخرين", و "أن يده يمكن أن تمتد إلى حيث يريد شريطة أن لا تمس أنف غيره",. وأن حريته هي من حرية الآخرين وأن حقوقه هي جزء من حقوق الإنسان, أي ضمن حقوق الآخرين. إن الاعتراف بالآخر وبحقوقه, أو بالآخرين وحقوقهم, لا يشمل جانباً واحداً, بل يشمل الجوانب القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية, كما يشمل عدم المساس بكرامة الإنسان بأي شكل كان.
إن الطاغية لا يولد طاغية ولكنه يصنع, يربى في البيت والشارع والمدرسة والدولة والمجتمع. فالدولة غير الديمقراطية تخلق أناساً غير ديمقراطيين. هكذا كان الوضع في العراق في العهود القديمة, وهكذا كان الوضع في العراق في العهود الأموية والعباسية والعثمانية والفارسية والعهد الملكي والعهود اللاحقة, وهكذا سيبقى الوضع ما لم نع مهمتنا ودورنا كمثقفين وكسياسيين وكأفراد في المجتمع ونعمل من أجل تغيير الأوضاع. وتتحمل المنظمات غير الحكومية والأحزاب السياسية والشخصيات العامة, وخاصة فئات المثقفين, دوراً كبيراً في هذا الصدد. ولا يمكن للأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية أن تلعب دورها ما لم تع أن عليها أن تغير نفسها وتعمل وفق أسس غير تلك التي عملت بها حتى الآن. فلم تكن أحزابنا ولا منظماتنا غير الحكومية تعي حقها وحقوق القوى الأخرى, بل كانت وما تزال تريد الحرية لها وليس لغيرها, وتريد الحقوق لها وليس لغيرها, وتريد العمل لها وليس لغيرها, وهكذا تصطدم الاتجاهات والمصالح وتتصارع ثم تتنازع, ثم تبدأ الدماء تسيل في الشوارع دون أن تعي أن بعضها يفترض أن يستكمل البعض الآخر أو يتنافس معه دون أن يسعى للخلاص منه أو القضاء عليه.
على الإنسان العراقي في الداخل والخارج أن يلقي نظرة فاحصة ومدققة على الغالبية العظمى من سياسيينا في العراق, على النهج والفعل السياسي لهؤلاء, على حركة الأحزاب السياسية, سيجد أنها لا تتناغم مع مبادئ الديمقراطية والحداثة, وأنها بحاجة إلى تغيير حقيقي لكي تستطيع أن تغير العراق بالوجهة الديمقراطية المنشودة.
الساحة السياسية العراقية مليئة بالطغاة الذين إن توفرت لهم الفرصة المناسبة لن يكونوا غير صدا حسين آخر. أشعر بالحزن الشديد لهذه الحقيقة, ولكن الصراحة في المكاشفة والمجاهرة هي الطريق الوحيد لمعالجة أوضاعنا الراهنة وضمان المستقبل للأجيال الحالية والقادمة.
31/12/2006 كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مات الدكتاتور ... فهل ستموت لدكتاتورية في بلادنا؟
- كيف يفترض أن يدار الحوار في إطار قوى اليسار العراق؟
- ما المهمات التي تستهدفها المصالحة الوطنية؟
- لو كانت زمرة صدام حسين البعثية جادة لقدمت اعتذاراً إلى من غد ...
- هل أن العلمانيين ملحدون حقاً؟
- هل من إستراتيجية جديدة في السياسة العراقية؟
- تعقيب على تعقيب الأستاذ القاضي زهير كاظم عبود حول مقالي النق ...
- سعيد قزاز وإعادة كتابة التاريخ في العراق!*
- هل انتصرت هستيريا القتل الطائفي السياسي المتبادل في العراق؟
- هل من أمل وطريق لإنقاذ لبنان من حلبة الصراع الإقليمي؟
- العراق وغياب الدولة المؤسسية!
- ما الدور الذي يمارسه الشيخ الضاري في أحداث العراق الراهنة؟
- هل من سياسة جديدة للولايات المتحدة في العراق؟
- هل من علاقة بين التحالف الإيراني- السوري وتدهور الوضع الأمني ...
- هل من جديد في العلاقات العراقية الأوروبية ؟
- أقتلوني ومالك!
- هل بعض حكامنا في العراق هم من القتلة؟
- لجنة دعم الديمقراطية في العراق والمهمات الجديدة
- نعم للحوار والمصالحة, لا للإرهاب والموت اليومي في العراق!
- لكي لا نسمح لعصابات الجريمة السياسية والقتل بالجملة أن تربح ...


المزيد.....




- هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش ...
- القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح ...
- للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق ...
- لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت ...
- مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا ...
- رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
- الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد ...
- بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق ...
- فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
- العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - الطغاة ... لا يولدون في بلادي طغاةً ...!