أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محفوظ بجاوي - التجسس على الناس باسم الدين : أزمة أخلاقية أم انحراف فكري














المزيد.....


التجسس على الناس باسم الدين : أزمة أخلاقية أم انحراف فكري


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8267 - 2025 / 2 / 28 - 11:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في المجتمعات التي تعاني من التناقضات الفكرية، يظهر دائمًا من ينصّب نفسه وصيًا على أخلاق الآخرين، متجاهلًا مسؤولياته الشخصية في إصلاح ذاته أولًا. واحدة من أخطر هذه الظواهر هي التجسس على الناس، خصوصًا في أمورهم الشخصية، بحجة الدفاع عن الفضيلة وحماية الدين. لكن هل يمكن حقًا تبرير انتهاك خصوصيات الأفراد باسم الأخلاق؟

التجسس والتدخل في حياة الآخرين أصبحا ظاهرة مقلقة في بعض المجتمعات، حيث يتم استهداف الأفراد بناءً على اختياراتهم الشخصية، سواء كانت تتعلق بالمأكل أو الملبس أو غيرها من الأمور الخاصة. من المؤسف أن يصل الأمر إلى حد اعتبار هذه التصرفات "واجبًا دينيًا"، في حين أنها في الواقع انتهاك واضح للخصوصية وتكريس لثقافة الوصاية والتجسس على الآخرين بدلًا من التركيز على تحسين الذات والمجتمع. من أكثر الأمثلة التي تثير الجدل هي حملات التبليغ عن المفطرين في رمضان، حتى وإن كانوا متسترين أو قد يحاولون أخذ وجباتهم بسرية.

الجذور الفكرية لهذه الظاهرة تعود إلى التيارات السلفية الوهابية والإخوانية التي كرّست مفاهيم خاطئة حول "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". بدلًا من أن يكون الدين وسيلة لإصلاح النفس، أصبح سلاحًا لمراقبة الآخرين والتضييق عليهم، مما أدى إلى نشر الحقد والتدخل في حياة الناس بحجة تطبيق الفضيلة. هذا الانحراف الفكري جعل البعض يظن أنهم مكلفون بحماية الأخلاق، متناسين أن الأخلاق تبدأ من سلوكهم الشخصي أولًا.

لكن أين تكمن الأولويات حقًا؟ هل المشكلة الحقيقية في شخص يأكل رمضان، أم في تفشي الجريمة، والفساد، والمخدرات، والعنف الأسري؟ من العجيب أن نجد هذه القضايا الخطيرة لا تحظى بنفس الاهتمام، بينما يتم التركيز على مسائل شكلية لا تؤثر فعليًا في استقرار المجتمع. هذه الانتقائية في التعامل مع "الأخلاق" تكشف أن الأمر ليس متعلقًا بالدين بقدر ما هو وسيلة لفرض السلطة الاجتماعية والسيطرة على الآخرين.

الإيمان علاقة فردية وليست مجالًا للوصاية، فمن الخطأ اختزال الدين في المظاهر فقط وجعل الالتزام الديني قائمًا على الضغط الاجتماعي بدلًا من القناعة الشخصية. إن الإكراه في الدين لم يكن يومًا وسيلة للإصلاح، بل يخلق بيئة من النفاق الاجتماعي، حيث يخفي الأفراد حقيقتهم خوفًا من المجتمع، بدلًا من أن يكون التديّن خيارًا نابعًا من الإيمان الصادق.

في النهاية، يجب أن نعمل على بناء مجتمع أكثر وعيًا، يفهم أن الأخلاق الحقيقية لا تأتي من مراقبة الآخرين، بل من إصلاح الذات أولًا. الحرية الشخصية ليست مجالًا للمزايدة، ومن يريد الإصلاح الحقيقي، فليبدأ بنفسه قبل أن ينشغل بحياة غيره. وما يحدث في بعض الأحيان من التبليغ عن من شاهدوه يأكلون في رمضان حتى وإن كانوا متسترين، هو مثال آخر على اختزال الدين في المظاهر والضغط الاجتماعي. تلك الممارسات تشوه جوهر الدين، حيث يجب أن تكون علاقة الفرد بالله قائمة على النية والتقوى، لا على تجسس المجتمع وفرض وصايته.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قفة رمضان : بين التكافل الإجتماعي وإهانة الكرامة
- عبء التاريخ : كيف نتحرر من الماضي لبناء المستقبل ؟
- المدرسة الجزائرية : كيف شوهت الهوية الوطنية وضلّلت الأجيال؟
- العبودية الاختيارية... لماذا يتأقلم البعض مع القمع؟
- الجزائر بين الماضي والحاضر، ضرورة الإصلاح والنهضة الفكرية
- التربية السليمة للأبناء : بين التوجيه والحرية
- ملحمة ساقية سيدي يوسف : عندما امتزج الدم الجزائري والتونسي ف ...
- الفكر السلفي والوهابي : عانق أمام التقدم الفكري والتحرر في ا ...
- مامعنى أن تكون يساريًا ؟
- حين يصبح الجهل مقدسًا...لابد من التمرد ، لأن الحقيقة لا تخشى ...
- رسالة اعتذار وحب لعائلتي
- نور العقل في مواجهة ظلام الجهل والتطرف
- إضراب التلاميذ في الجزائر: صرخة من أجل حقوق مستقبلية وأزمة ا ...
- التعليم في الجزائر : أزمة التطهير وتهديدات المستقبل
- حب الجد لأحفاده الأعزاء :عاطفة صادقة تعيدني إلى شبابي
- تربية الأطفال بين الخوف من الموت وفهم الحياة: أثر الترهيب وا ...
- الهوية بين الصدق والزيف: أثر الأكاذيب على الأجيال القادمة
- التخطيط السليم للإنجاب: مسؤولية ووعي لمستقبل مشرق
- في شيخوخة الوالدين : قلوب كبيرة تحتاج إلى لمسات حب بسيطة.
- التدين المظهري في الجزائر : كيف أضاع المجتمع بوصلة التقدم؟


المزيد.....




- الاحتلال يغلق مداخل سلفيت وقراوة بني حسان ودير بلوط
- مصر.. دار الإفتاء تعلن ثبوت رؤية هلال شهر رمضان
- المسلمون في كولونيا الألمانية يستعدون لاستقبال شهر رمضان عبر ...
- أوكرانيا تستهدف رجال الدين الروس
- السعودية.. وزارة الشؤون الإسلامية توضح سبب منع تصوير وبث الص ...
- بعد أسبوعين من العلاج.. تعافي بابا الفاتيكان لا يزال بطيئا
- مقتل نجل -الأب الروحي- لطالبان بانفجار في باكستان
- مسيحيو سوريا.. حق باريس الذي تريد به باطل دمشق
- -أنا مدين للسعودية-.. مؤرخ إثيوبي يحكي لـCNN قصته مع الملك ف ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي نايل سات وعرب ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محفوظ بجاوي - التجسس على الناس باسم الدين : أزمة أخلاقية أم انحراف فكري