جيلاني الهمامي
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8267 - 2025 / 2 / 28 - 07:09
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
أعلن خماسي المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل يوم الثلاثاء 18 فيفري 2025 في بيان تم تداوله في وسائل الاعلام وبين النقابيين تعليق الاعتصام الذي كانوا شرعوا في تنفيذه منذ حوالي أسبوعين في المقر المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل ببطحاء محمد علي بالعاصمة. ودعا "الخماسي" في ذات البيان إلى انعقاد الهيئة الإدارية الوطنية التي لم تنعقد منذ حوالي ستة أشهر وذلك في أجل لا يتجاوز منتصف مارس القادم. كما أعلن عن "إطلاق مبادرة للإنقاذ تحترم ضوابط القانون الأساسي للمنظمة ونظامها الداخلي يتم طرحها داخل الأطر القانونية لضمان نجاحها".
إثر ذلك وبعد ثلاثة أيام، أي يوم الجمعة 21 فيفري 2025، أعلن معتصمو "المعارضة النقابية" بساحة الاتحاد فض اعتصامهم الذي انطلق يوم 26 جانفي الماضي. وصرح أحد قادة الاعتصام لجريدة "الشروق" أن اعتصامهم حقق أهدافه وساهم في "إعادة ألق الاتحاد وإشعاعه" لذلك قرروا وضع حد له لـ"يسترجعوا انفاسهم لمواصلة النضال بأشكال أخرى وبكل الاشكال المشروعة" معتبرا أن الاعتصام مجرد "محطة من المحطات ستليها محطات عديدة".
حصيلة الاعتصامات
للتذكير، شرع عدد من النقابيين المعارضين للقيادة النقابية يوم 26 جانفي الماضي في اعتصام في ساحة الاتحاد، معولين على رمزية هذا التاريخ في كسب تأييد نقابي أوسع للتحرك في وجه قيادة أنهكها الانقسام. وانتظر المعتصمون من وراء ذلك نجاحا "شبه مؤكد" وهو ما دفعهم إلى رسم سقف مطالب مرتفع يتلخص في "انسحاب كافة أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد وتشكيل هيئة تسييرية من المعارضة تتولى قيادة الاتحاد بصفة مؤقتة تشرف على تجديد هياكل الاتحاد وتعقد مؤتمرا جديدا وتراجع قوانين الاتحاد بما يمحو مظاهر النهج البيروقراطي في تسيير الاتحاد".
بعد حوالي شهر على انطلاق هذا الاعتصام اتضح وأن الأهداف المرسومة له صعبة المنال وأن القيادة أقوى مما كان المعتصمون يتصورون. أكثر من ذلك اضطر البعض منهم إلى التنكّر لشعار "الهيئة التسييرية الوقتية". ورغم ما بذلوا من جهد لم تتمكن المعارضة النقابية من حشد القوة العددية اللازمة لزعزعة كيان البيروقراطية التي تستند إلى جهاز ضخم وتقاليد بيروقراطية عريقة وامكانيات مادية تسمح لها بالسيطرة على الهياكل القاعدية وحتى القطاعية والجهوية. قبيل الإعلان عن فض الاعتصام أعلن في الندوة الصحفية التي أريد لها أن تعطي للاعتصام نفسا جديدا عن "المرور إلى أشكال أخرى" بما يفهم منه تصعيدا ضد القيادة. وكان الاعتقاد سائدا في أوساط المعتصمين من المعارضة أن دخول شق "الخماسي" في اعتصام موازي داخل مقر الاتحاد يشكل دعما معنويا وماديا ومؤشرا على أن المهمة أصبحت أيسر في الإطاحة بفريق الطبوبي. ولكن الحقيقة غير ذلك.
أما بالنسبة لـ"الخماسي" فقد سقطوا هم الآخرون في تقدير خاطئ لموازين القوى الداخلية في الصراع مع شق الطبوبي. ورغم أنهم، أي الخماسي، كانوا "يتمتعون" بدعم أقوى مما تتمتع به "المعارضة النقابية" في أوساط الهياكل الوسطى والقاعدية فإنهم لم يتوصلوا بعد أكثر من أربعة أشهر من المجلس الوطني الذي كرس رسميا الانشقاق إلى حسم الصراع لصالحهم. وظلت موازين القوى على حالها بل وتراءت عليها، في بعض الأوقات، تقلبات لصالح فريق "العشرة" جراء تردد وارتباك بعض الاتحادات الجهوية التي تذرّعت باستقلاليتها عن جهة صفاقس الساعية الى تزعم "المعارضة الداخلية" لتتقارب مع الطبوبي. ومثله مثل الاعتصام الأول فقد وضع اعتصام "الخماسي" الذي انطلق يوم 6 فيفري 2025 كهدف له "عقد المجلس الوطني وتحديد موعد المؤتمر الاستثنائي في غضون النصف الأول من السنة الجارية". وعلى هذا الأساس تم رفض كل الاقتراحات والاقتراحات المضادة التي توصلت إليها الاتصالات والوساطات. وكان في ظن "الخماسي" أن فريق الطبوبي أضعف من أن يصمد كل هذه المدة. وكان من المتوقع قبل أيام أن ينتقل "الخماسي" إلى إجراءات تصعيدية ولكن يوم 18 فيفري جاء بالجديد وهو فض الاعتصام وإصدار بيان جوهره "النزول إلى حالة من التهدئة" بدل نبرة التصعيد السابقة. فعلى العكس من ذلك جاء في البيان المذكور أن اللجوء إلى الاعتصام لم يكن "بهدف التصعيد وإنما تعبيرا عن استيائنا ورفضنا لانتهاك قانون المنظمة ونظامها الداخلي". أما الجزء المتبقي من أهداف الاعتصام وهو فرض "عقد مؤتمر استثنائي ينهي حالة الوهن والارتباك والانقسام" فواضح أنه يتطلب ضغطا أكبر وسيستغرق وقتا أطول لذلك وبالنظر إلى اقتراب شهر رمضان انتقلوا من موقع الضغط والتصعيد إلى "التعقل" والظهور بمظهر "إيجابي" ورمي الكرة في ملعب الأمين العام الذي وكما جاء في بيانهم "فضل مغادرة مكتبه عكس ما يدعيه بل ويستعد للسفر إلى الخارج في مهمة طويلة (12 يوما) تاركا المنظمة في هذه الحالة من الأزمة...".
ومهما كان من أمر فالأكيد أن كلا الاعتصامين كشفا من جهة عن ضعف وهشاشة كل الأطراف المتصارعة على حد السواء "العشرة" و"الخماسي" وكذلك "المعارضة النقابية" ومن جهة أخرى أنهك القيادة بشقيها أكثر وحط من مكانة الاتحاد في نظر الرأي العام الداخلي والخارجي. ومهما يرى البعض من حكمة في قرار فض الاعتصام (خاصة اعتصام "الخماسي") فإنه في الحقيقة لم لا يعني أنه سلّ فتيل النزاع. وستثبت الأيام أن أزمة الاتحاد إنما انتقلت من طور إلى طور جديد بخصائص جديدة.
وتبقى دار لقمان على حالها
الآن وقد هدأت العاصفة نسبيا فقد بدأت مؤشرات مصالحة فوقية تلوح في الأفق. وبدأ الحديث عن هيئة إدارية وطنية في الأيام القليلة القادمة وراجت أنباء حول أجل المؤتمر القادم دونما يقع تصنيفه لا في خانة "الاستثنائي" ولا "عادي مع تقديم تاريخ انعقاده". ومن غير المعلوم ما سيكون لشهر رمضان و"عيد السماح" من أثر في النزاع الذي خَفَتَ ولم يُدْلِ بما يفيد أنه قد انتهى. لكن الامر الأكيد كما سبق قوله إن أزمة الاتحاد لم تَنْتَهِ بَعْدُ. فالاتفاق حول موعد الهيئة الإدارية وحتى حول موعد المجلس الوطني (لاستكمال اشغاله أو في نسخة جديدة لا صله لها بالنسخة السابقة) وحتى حول موعد المؤتمر (استثنائيا كان أم عاديا) لا يعني بالمرة معالجة الأزمة. ولا يمكن حتى اعتباره مقدمات لمعالجة الأزمة لأن هذه الرزنامة على أهميتها لا تتناول بالحل إلا النتائج ولم تعالج الأسباب.
إن الأسباب الحقيقة للأزمة هي المغالاة في الأساليب البيروقراطية المنغلقة والمتخلفة في تسيير المنظمة النقابية. ويشمل ذلك التسيير الإداري والمالي ومركزة القرار وتهميش هيال القرار التمثيلية لصالح هياكل التنفيذ العليا وصولا إلى "مؤسسة الأمين العام" إلى جانب سياسات صنع الزبائن والأتباع التي تشمل تدليس المؤتمرات والتلاعب بمواعيدها وبالنيابات وتصفية الخصوم والمعارضين وأشكال التوريث في المسؤوليات وتنصيب الموالين وفوق كل ذلك تطويع القوانين لهذه الأساليب المقيتة وعلى رأسها محو الفصل 20 (الفصل 10 قديما) الذي جاءت به أزمة سنة 2000 ومؤتمر جربة 2002 أو ما سمي كذبا وقتها "التصحيح النقابي".
ومن جانب آخر فإن الرزنامة المشار إليها، على أهميتها، وعلى فرض تم الاتفاق بشأنها وتطبيقها فمن الممكن بل من الوارد أو قل من المتأكد أنها لن تَأْتِ بالجديد بخصوص خيارات الاتحاد الأساسية فيما يتعلق باستقلاليته عن السلطة خصوصا وأن عناصر من القيادة وطائفة أخرى من المسؤولين النقابيين من مختلف المستويات باتوا لا يخفون انحيازهم إلى جانب ما يسمى بـ"مسار 25 جويلية" الذي يعلم الجميع ما يُكِنُّهُ للاتحاد بصفته "جسم من الاجسام الوسيطة". كما أن هذه الرزنامة لا تتضمن شيئا بخصوص دور الاتحاد في الدفاع عن مطالب منظوريه. وسيكون من المستحسن العودة لهذا الموعد على حدة و"تفكيك" الحديث عن سياسة القيادة الحالية (مثلها مثل القيادات البيروقراطية السابقة) في مجال الدفاع عن الشغالين والسياسة التعاقدية مع السلط العمومية والأعراف.
لقد فاقمت الأزمة الأخيرة في اهتراء صورة الاتحاد لدى الجميع تقريبا، سلطة وأعرافا وجمهورا وقواعد وهياكل ومناضلين، بحيث بات من اللازم القيام بمجهود جبار لتدارك الوضع. ولا يمكن أنْ يَتِمَّ ذلك إلا على أساس برنامج يقوم على إيمان صادق باستقلالية الاتحاد وديمقراطيته ونضاليته لا كمجرد خطاب ديماغوجي بات يحذقه ويتفنن فيه أشد أعداء الاستقلالية والديمقراطية والنضالية في مختلف مستويات المسؤولية صلب منظمة حشاد "المسكينة".
تونس في 27 فيفري 2025
#جيلاني_الهمامي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟