من يستغل الثروات الطبيعية بالأقالبم الجنوبية المغربية؟

أحمد رباص
كاتب
(Ahmed Rabass)

الحوار المتمدن-العدد: 8266 - 2025 / 2 / 27 - 06:56
المحور: الادارة و الاقتصاد
    

على المحور الطرقي الرئيس الرابط بين مدينتي العيون والداخلة بمسافة تفوق 500 كيلومتر، تمر شاحنات لا تحصى وهي محملة بالأخطبوط والسمك الأبيض. تشمل الصحراء المغربية ما مجموعه 1200 كيلومتر من الشواطئ، وتعد مياهها الأكثر غنى في العالم من حيث الثروة السمكية. ووفق التقرير الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للمغرب يوفر قطاع الصيد البحري 74 ألف منصب شغل بالإضافة إلى أنشطة مهمة غير معلنة. وفي الأقاليم الجنوبية – التسمية الرسمية في المغرب للصحراء الغربية – ينتج هذا القطاع ثروة هائلة، ويمثل وحده 17 % من الناتج المحلي الإجمالي لهذه المنطقة، و31 % من مناصب الشغل المحلية و78 % من المحاصيل السمكية المغربية. وقد أصبحت هذه الثروة من نصيب المملكة المغربية منذ عام 1975، حين أدمجت هذه المنطقة التي يدعى أنها غير مستقلة منذ التصويت على القرار رقم 2072 في الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في العام 1963,
على هذه الطريق الوحيدة والخطيرة، نصادف شاحنات أخرى محملة بالطماطم والخيار والبطيخ التي يتم إنتاجها بالقرب من الداخلة. بحسب المنظمة غير الحكومية (مرصد موارد الصحراء الغربية)، بلغ تعداد المواقع الزراعية المتواجدة بضواحي المدينة أحد عشر موقعا بما فيها موقع شركة تاوارتا. ففي بيت بلاستيكي محاذ للطريق على طول 500 متر على الأقل، يتم إنتاج الطماطم الكرزية التي يتم تسويقها تحت اسم (نجمة الجنوب)؛ وهي ماركة تابعة لشركة إيديل الفرنسية. هذه المنتوجات الزراعية التي تحمل تجاوزا ختم إنتاج المغرب، والتي تطلبت استغلال حوالي 600 هكتار قبل تصديرها إلى أوربا عبر أكادير، يعتبرها المجلس الاقتصادي، الاجتماعي والبيئي للمغرب مصدر قيمة مضافة عالية. ويتوقع برنامج المغرب الأخضر بالنسبة للصحراء الغربية الانتقال من 36 ألف طن من الحوامض في العام 2008 إلى 80 ألف طن في العام 2013 ، ثم إلى 160 ألف طن في العام 2020، على مساحة قدرها ألفي هكتار، وإن مجمل تلك المنتوجات مبرمج للتصدير. أما عدد العاملين المحدد حاليا في 6000 ، فسيتضاعف ثلاث مرات في الوقت الموعود.
وإذا ما اتجهنا أكثر نحو الشمال، على بعد حوالي عشر كيلومترات عن مدينة العيون، نكتشف المرفأ الفوسفاطي الذي يستغله المكتب الشريف للفوسفاط . غبارخفيف يشوش الرؤية، ناتج عن الفوسفاط الخام الذي يتم نقله من منجم بوكراع بواسطة " سمطة " متحركة تمتد على مئات الكيلومترات عبر الصحراء. تتراءى لنا فقط مطامير التخزين وخيالات الشاحنات الضخمة الآتية من كافة أقاصي العالم لتحميل الفوسفاط. تعتبر هذه الثروة أساسية للمملكة، فالمكتب الشريف للفوسفاط هو المنتج الثاني والمصدر الأول للفوسفاط الخام والحامض الفوسفوري عبر العالم، إضافة إلى كوته أحد المصدرين الأساسيين للأسمدة الفوسفاطية. ففي عام 2012 جنت المملكة منها 6 % من ناتجها المحلي الإجمالي. كما أنها تملك أهم الاحتياطات العالمية. محمد علي بوبيت، نائب رئيس لجنة تشتغل على مسألة المصادر الطبيعية في الصحراء الغربية، الذي استقبلنا بأحد المنازل بمدينة العيون، يتحدث بهدوء. إنه يعي جيدا أهمية موقع بوكراع بالنسبة للمغرب. فهذا المنجم يوفر 10 % من مجمل كمية الفوسفط التي يستخرجها المكتب المغربي الذي ينوي مضاعفة إنتاجه مع حلول العام 2020. ويصرح بوبيت بأن ذلك يشكل نهبا للمصادر التي يملكها الشعب الصحراوي. فهو يخاطر بنفسه عندما يحدثنا علنا في الموضوع : لقد تم توقيف أحمد المجيد رئيس جمعية (غير شرعية) في 25 دجنبر 2010، مباشرة بعد حركة الاحتجاج الواسعة في مخيم اكديم إزيك، وحكم عليه بالسجن المؤبد من قبل محكمة الرباط العسكرية.
منذ أكتوبر 2010 ومظاهرة اكديم إزيك، شكل مطلب وقف استغلال المصادر لما تعذر إيجاد حل للنزاع من خلال تنظيم استفتاء حول الحكم الذاتي أساس النزاع القائم ين المغرب وجبهة بوليساريو. ويعتبر إبراهيم، الأمين العام للجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات التي يقال إن الدولة المغربة قد اقترفتها، أن صدور قرار عن منظمة الأمم المتحدة من شأنه منع استغلال المصادر من طرف المغرب قد يخلق شروطا مناسبة لتسجيل تقدم ملموس في اتجاه تسوية النزاع.
في الحقيقة، رتب المجتمع الدولي للمغرب ظروفا سانحة لاستغلال خيرات هذه الأرض التي تبيلغ مساحتها 270 ألف كيلومتر مربع. وهكذا تمكن بذلك من السيطرة على موقع بوكراع بالتراضي مع المحتل السابق الذي ظل يستغله منذ العام 1962 والذي بقي يملك أسهما فبه حتى العام 2002، علما أن الحرب مع جبهة بوليساريو كانت قد اندلعت، وكان اسم الصحراء الغربية حاضرا ضمن لائحة بالمناطق غير المستقلة، الخاضعة للمادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة. لقد كرست الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1962 حق الشعوب في استخدام المصادر الطبيعية التي تشتمل عليها أراضيهم لضمان تطورهم وازدهارهم. بعد ذلك، جاء التشريع الدولي ليتحدث عن الحقوق التي لايمكن التصرف فيها والتي تملكها شعوب الأراضي غير المستقلة على مصادرها الطبيعية إلى جانب حقها في ان تكون وأن تبقى سيدة على التقييم المستفبلي لتلك المصادر.
يتمحور السجال الحالي في مجمله حول مسألة المنافع التي قد تعود للصحراويين من الاستثمار الاقتصادي الذي يتصوره خطط له المغرب. لقد أتاح التوقيع، في أكتوبر 2001، على عقود التنقيب على النفط بين المغرب وشركتين إحداهما شركة Total Fina Elf، منظمة الأمم المتحدة فرصة لإصدار إعلان يسلط الضوء على الفوارق في المبادئ الكبرى التي تم الإعلان عنها سابقا. فقد صرح الأمين العام المساعد في الشؤون القانونية بما يلي:
المسألة تقضي بمعرفة ما إذا كان مبدأ السيادة الدائمة (على المصادر الطبيعية) يمنع السلطة الإدارية من أي نشاط مرتبط بالمصادر الطبيعية للمنطقة موضوع النزاع التي تديرها، أو يمنع فقط الأنشطة التي بوشرت بها والتي تتعارض مع حاجات ومصالح سكان هذه المنطقة دون أن تستفيد منها. إلا أنه لم يتم تحديد أية آلية تقييمية لتلك المصالح. فالشروط التي في ظلها يمكن السماح للشعوب " الاستعمارية" (المزدوجتين من وضع المترجم) في المناطق المتنازع عليها بممارسة حقوقهم الشرعية على المصادر الطبيعية غير محددة. أصبحت المسألة بالتالي عنصرا من ميزان القوى بين أطراف النزاع. من جهتها، تدين جبهة بوليساريو نهب المصادر واحتقار شعب الصحراء الغربية. وقد باشرت في نونبر 2012 بإجراء قضائي أمام محكمة العدل الأوربية للمطالبة بإلغاء اتفاقية التبادل الحر التجارية والزراعية بين الاتحاد الوربي والمغرب الذي تم التوقيع عليها في مارس 2013 والتي تشمل الصحراء الغربية، وكانت الحجة الولى التي عرضت هي استشارة جبهة بوليساريو.
أما السلطة المغربية فخاضت من جهتها حملة إعلامية مكثفة لإقناع الرأي العام بأن الاستثمار الاقتصادي يصب في مصلحة شعوب المنطقة. وبادرت إلى مضاعفة الإعلانات عن برامج استثمارية عديدة تم الترويج لها باستمرار في الصحافة الفرنسية، وبشكل وفير في الصحافة المغربية. في هذا الخطاب جرى الحديث عن السكان المحليين دون أن نعلم ما إن كانوا الصحراويين أو مئات المغاربة المقيمين بتلك المنطقة. أما جبهة بوليساريو فتتحدث بدورها عن شعب الصحراء الغربية.
يبذل المخزن(القصر الملكي) كل ما بوسعه لتعميم فكرة أن سكان الصحراء يستفيدون من المصادر الطبيعية. وسينهج المكتب المغربي للفوسفاط في هذا السياق سياسة اجتماعية. وهكذا نقرأ في تقرير النشاطات لعام 2012 الخاص بالمكتب ما يلي: سيعاد استثمار كافة الأرباح الصافية لموقع بوكراع في المنطقة، وستخدم مصلحة سكانها. بعد أحداث اكديم إزيك مباشرة، تم تشغيل ما لا يقل عن 530 شابا صحراويا في هذا الموقع المنجمي . لقد اقتضى المر تشغيل أبناء المتقاعدين الذين كانوا يعملون فيه خلال الحقبة الاستعمارية، والدين لم يكونوا راضين عن معاش التقاعد الذي كانوا يتقاضونه. لكن إديا سيدي أحمد موسى، أحد الشخصيات النقابية المحلية، والأمين العام للاتحاد النقابي للعمال الصحراويين (المحظور)، يعبر عن أسفه على الوضع. فقد تم التوصل إلى اتفاقية، لكن تم تشغيل الشباب في ظروف لا إنسانية وبرواتب هزيلة.
في إطار تلك السياسة الاجتماعية، تندرج بطاقة الترقي الوطني، وهي مساعدة اجتماعية تبلغ قيمتها حوالي 150 أورو شهريا، يظهر أنها تمنح بشكل واسع. وتعزز عدة روايات استقيتها من أناس تحدثت إليهم أن هذه المساعدة تسمح، فيما يتعلق بالصحراويين، بشراء السلم الاجتماعي وتنظيم الاضطراب السياسي من خلال توزيع المال من قبل رؤساء القبائل، ويمكن للسلطات أن تسحب المساعدة من أي شخص شوهد في مظاهرة مؤيدة للصحراويين.
هل يمكننا التحدث عن منافع فعلية؟ في غياب معطيات موثوقة عن المنطقة، من المستحيل أن نعرف بالتأكيد ما إن كان المغرب غير ملزم بالتزود بالموارد لكونه لا يعتبر سلطة إدارية من قبل الأمم المتحدة. بالمقابل، ليس هناك شك حول استغلال هذه المسألة لأجل خدمة السياسة الملكية.في نونبر 2013 كان الهدف من تحديد نموذج جديد لتنمية الأقاليم الجنوبية تم تطويره من طرف المجلس الاقتصادي، الاجتماعي والبيئي تأمين مشاركة المجتمع المدني في إنجاح المبادرة المغربية لأجل الحكم الذاتي. منذ العام 2007 عرض الملك محمد السادس هذه المبادرة على أنها المشروع المضاد للاستفتاء حول الحكم الذاتي الذي تطالب به الأمم المتحدة كل سنة، وذلك منذ العام 1991.
الامثال الأحدث على ذلك: في 10 دجنبر 2013، صادقت غالبية البرلمان الأوربي على اتفاقية الصيد الجديدة التي يفترض فيها أن تشكل بين العامين 2014 و2017 امتدادا لاتفاقية2007-2011، وفي هذه المرة أيضا، أباح المغرب لنفسه استغلال مياه الصحراء الغربية، دون الإشارة إلى ذلك في البروتوكول. وقد نصت الاتفاقية من جديد على منح المغرب مساعدة سنوية ( قيمتها 30 مليون أورو، بدل 36 مليون، لغاية تطوير القطاع الصناعي) يمنح نظيرها تراخيص لبواخر أوربية وحصصا للصيد تتعلق بكل جنس على حدة. بعد رفض الجمعية نفسها فب دجنبر 2011 تجديد الاتفاقية الأولى، بدا هذا التصويت المؤيد الجديد إشارة دعم واضحة موجهة إلى السلطة المغربية وسياستها الإصلاحية.
ولهذا السبب، أجلى القسم القضائي للبرلمان الوربي بسرعة قياسية مسألة الأرباح، معتبرا أنه يحق للمغرب أن يحوز على مياه الصحراء المغربية وأن اتفاقية كهاته شرعية طالما احترمت المملكة واجباتها حيال الصحراء الغربية. لا يهم إن كان البرلمانيون الأوربيون الوحيدين الذين يسمح لهم المحتل بدخول هذه المنطقة ما داموا ينتمون لمجموعة الصداقة بين الاتحاد الأوربي والمغرب. في الواقع، لا يخطئ النائب الفرنسي جيل بانيو(Gilles Pagneaux) عن الحزب الاشتراكي ورئيس هذه المجموعة حول هذا الموضوع عندما يصرح قائلا: إن السعي لحل مشكلة الصحراء الغربية من خلال رفض اتفاقية الصيد هاته كان محاولة واهية. أذكر بأن اقتراح الحكم الذاتي للصحراء الغربية الذي عرضه المغرب على الأمم المتحدة في عام 2007 هو الحل الوحيد الممكن.
تعمل فرنسا، المستثمر الأجنبي الأول في المغرب، بنشاط للمحافظة على هذا الوضع الراهن الذي يخذل مصلحة الصحراويين. ففي نونبر المنصرم، تم السماح بتدشين ميناء للصيد جديد في بوجدور المدهش سده الرئيسي بقياس 780 مترا وسده العرضي بقياس 260 مترا، بفضل الدعم المالي لوكالة التنمية الفرنسية، التي ارتفعت مساهمتها في المغرب من 380 مليون أورو في عام 2011 إلى 831 مليون في عام 2012. وفي بوجدور دائما، أسست سلطانة خايا، وهي شابة صحراوية ومناضلة حقوقية، عصبة حماية المصادر الطبيعية. إنها تتخوف من استغلال البترول من قبل شركة Total، التي كانت تنفذ منذ يوليوز 2013، أي بعد إثني عشر عاما على الاتفاقية الأولى في المنطقة، مهمة تنقيب جوفي في منطقة تفوق مساحتها ألف كيلومتر مربع أطلق عليها اسم " أنزران خارج الحدود" (Anzarane Offshore ).
ترجمة: أحمد رباص
بتصرف عن لوموند دبلومتيك ( مارس 2014)

#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات