عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8264 - 2025 / 2 / 25 - 10:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كأننا في العشرية الثالثة من القرن الحادي والعشرين ما نزال نعيش أجواء معركة صفين، بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان. وكأن بيوت العزاء بضحاياها، البالغ عددهم على عهدة الرواة حوالي سبعين ألفًا، ما تزال قائمة تستقبل المعزين، ولكن ليس على الأرض وإنما في تلافيف أدمغتنا.
قضى القائد المقاوِم حسن نصرالله شهيدًا في مواجهة مع العدو التاريخي لأمتنا، نُصرة للمقاومة الفلسطينية في غزة، بدأها حزب الله بقيادته في اليوم التالي لملحمة الطوفان، أي في الثامن من أكتوبر 2023. وعلى درب الشهادة سار خَلَفُه، هاشم صفي الدين. وبذلك، تنسحب على الرجلين معايير الشهادة بمقاييسها كافة، وبشروط الرجولة في زمن التخاذل والنكوص.
حزب الله بقيادة حسن نصرالله، يكاد يكون القوة العسكرية العربية الوحيدة التي أثخنت في العدو أكثر من مرة وأذلَّته، ولم تُذعن قيادتها له وتستسلم تحت العنوان المُخاتل "اتفاقية سلام" أو ما يشبهها. قاوم الشهيد حسن نصرالله ضغوط أميركا واسرائيلها وعربها، ورفض إغراءات التخلي عن غزة وقبل ذلك عن نهج المقاومة، وهو يعلم عِلم اليقين الثمن. وعلى الكيان اللقيط ألا يتباهى، أو يتبجح باغتيال الرجل. فستثبت الأيام إن لم تكن قد أثبتت، أن أجهزة قوى دولية معروفة بانحيازها الأعمى لعدونا التاريخي ونظيرة لها "إقليمية" كان لها الدور الأكبر في تهيئة ممكنات الإقدام على ارتكاب الجريمة، ثم أوكلت مهمة التنفيذ لجيشه النازي. الأولى، أي الأجهزة الخارجية، فعلت ذلك في محاولة منها لاستعادة ثقة انهارت يوم الطوفان لدى كيان ما تزال دولها بحاجة لخدماته الاستعمارية في منطقتنا. والثانية، أي الأجهزة "الإقليمية"، لها مصلحة ولكن الهدف مختلف. فأكثر ما يقلقها تكريس المقاومة فعلًا جماهيريًّا يتمدد في الواقع العربي، ويتوسع حضوره في الوعي الجمعي لأسباب لا نظنها تخفى على القارئ.
ودليلنا على ما ذهبنا اليه، لا يُنازع فيه ذو تفكير سوي سليم. فلا ريب أن قائدًا مقاوِمًا بحجم حسن نصرالله كان على رأس قائمة الإستهداف الصهيوني، منذ زمن بعيد، لكن محاولات العدو للنيل منه باءت بالإخفاق وانتهت إلى خسران، إلا جريمة الاغتيال الغادرة يوم السابع والعشرين من أيلول الماضي. أما أسلوب التنفيذ، فينهض دليلًا فاقعًا على همجية العدو وتوحشه فضلًا عن حجم حقده المتراكم ضد الشهيد. فهل ثمة معنى آخر غير ذلك لإلقاء 84 طنًّا من المتفجرات، من أجل اغتيال رجل واحد؟!
قاوم حسن نصرالله العدو الصهيوني دفاعًا عن وطنه وأمته، وليس حماية لمكون مجتمعي بذاته أو مذهب ديني بعينه. وكان خطابه السياسي على رِفعة في المستوى، كما أنموذجه المقاوِم. لم يُسجل عليه التلفظ بكلمة لا تليق بمثله، سواءٌ بحق خصومه السياسيين أو المختلفين معه في الرأي. وعليه، فمن الغريب المخجل المعيب تجاهل غالبية الحكومات العربية ووسائل إعلامها لاستشهاده ومراسم تشييعه وخلفه هاشم صفي الدين. ولا يكف بعض الأبواق عن هجاء الرجل، والتطاول على حزبه بما احتوته قواميس البذاءة من سقط الكلم وفحش القول. أما التهمة الجاهزة دائمًا، فهي التبعية لإيران وتنفيذ مشروعها في
المنطقة!
وما درى الأبواق أنهم بهذا الإتهام الغبي إنما يدينون مُستخدميهم، من حيث أرادوا خدمتهم بشيطنة قوى المقاومة نزولًا عند رغبة الحليف الصهيوأميركي. فالهذر أمام العالم، في عصر الفضاء المفتوح عن اختراق إيران للدول العربية، يشكل إدانة مكتملة العناصر للنظام الرسمي العربي كأساس لدمغه بالإخفاق في إدارة بلداننا المبتلاة به، مع أن هذا هو واقع الحال فعلًا. وهل كانت المقاومة ستتلقى الدعم من إيران أو غيرها، لو أن النظام الرسمي العربي في وضع مختلف عما هو عليه من تبعية وتخاذل بلغا حد تواطؤ بعض مكوناته مع العدو؟!!!
ومنذ متى كان الحصول على السلاح لغاية سامية نبيلة، هي الدفاع عن الأوطان ضد المحتلين والمعتدين، مَعرة يُرمى بها الأحرار والمقاومون؟!!!
وفي السياق نسأل أيضًا، والسؤال مفتاح المعرفة: هل كان عمر المختار ورجاله "أدوات" للدول التي واجهوا عسكر الاستعمار الإيطالي بأسلحة من صنعها؟!!!
وإذا قرر العدو الصهيوني، وهذا متوقع بالمناسبة وقد يحدث في وقت أقرب مما نتوقع، الإعتداء على بلدنا الأردن ولم نجد سوى إيران تمدنا بالسلاح، فماذا نفعل؟!!!
أمامنا حينها خياران لا ثالث لهما، إما الأخذ بما من شأنه تعزيز قدراتنا على المقاومة المشروعة، أو العكس، كي لا نُتهم بأننا "أدوات إيرانية"، فنقف متفرجين على قوات العدو تنتهك سيادتنا وحرماتنا!!!
مقصود القول تأسيسًا على ما تقدم، شيطنة المقاومة والتحريض ضدها هما الهدف. والإندفاع بهذا الإتجاه على جري العادة، يمتح من بئر مياهها آسنة لا تفوح منها غير الروائح الكريهة، تُعرف بإسم النزوع المذهبي الإنقسامي. بمعايير العصر، لا مِرية أن التفكير بوحي من ثنائية مذهبية لتحقيق أهداف سياسية غير نظيفة، ينهض دليلًا فاقعًا على أن ثقافتنا مأزومة. ولا بد أن تنعكس أزمة الثقافة على واقع أهلها، لجهة شقائه بأنماط تفكير بائسة غير مؤهلة لبناء دول مدنية حديثة لكل مواطنيها. ففي مقدمة شروط تحول تاريخي من هذا النوع، تحرير العقول من كل ما يكبلها ويعتقلها في أقبية القرون الوسطى.
معيب أن يردد كثيرون كالببغاوات وبالحرف ما يصدر عن العدو بحق المقاومة، وعلى وجه التحديد استخدام تعبير "أذرع إيران". هذا الإستخدام يذكرنا بإطلاق وصف شيوعي على معارضي الأنظمة الاستبدادية الفاسدة، ذات أزمنة ليست بعيدة. وهما معًا، يصلحان دليلين على سهولة التلاعب برؤوس الكثيرين منا، وبرمجتها لتردد من دون تفكُّر ما يتغيَّاه أصحاب المصلحة في تزييف وعي الإنسان العربي وتوجيهه ضد مصلحته. بالمناسبة، إذا كان الكيان اللقيط هو مُنتِج أسطوانة "أذرع إيران" اليوم لشيطنة المقاومة، فإن الدول الاستعمارية الغربية هي مصدر قوانين "مقاومة الشيوعية" لملاحقة الوطنيين في بلداننا خلال الأمس القريب بإسم الدين. وإذا شئنا التحديد، فالمقصود بريطانيا زارعة الكيان في فلسطين وأميركا متعهدته بالدعم المطلق، وذلك في سياق جهود تعزيز الهيمنة على منطقتنا ونهب ثرواتها وإفقار شعوبها.
إذن، العدو واحد وهدفه لم يتغير وإن اختلفت الظروف وتغيرت المصطلحات. في الأمس استَخدَم وصف شيوعي، واليوم يوظف كلمة شيعي، لغسل الأدمغة والتعمية والتضليل والتشتيت والإضعاف. وفي الحالتين، كان الدين الوسيلة المفضلة لتسهيل اختراق الرؤوس والعبث بالوعي. فكم هو مؤسف، أن وعينا الجمعي ما يزال فاعلًا فيه خلاف عشائري بين البيت الأموي والبيت الهاشمي القُرَشِيَّين، تمتد جذوره إلى ما قبل الإسلام. ولم يلبث أن اتخذ بعده الثنائية الإنقسامية، سنة شيعة.
الحل الذي لا حل سواه طال الزمان أم قصُر، إخراج الدين من ملعب السياسة والمجال العمومي، كوصفة مضمونة لشفاء ثقافتنا من توظيف المُقدَّس في خدمة أباطيل المُدنَّس.
الدين لله والوطن للجميع، ومن آكد الأمور وأبده الحقائق أن أرقى ما توصل إليه العقل الإنساني بخصوص الدين التعامل معه كشأن معتقدي تعبدي خاص مكانه دور العبادة.
رحم الله الشهيد الكبير حسن نصرالله وخلفه هاشم صفي الدين، ولتخجل أبواق الفِتَن.
#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟