أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سعيد مضيه - إدارة ترامب تستثمر الليبرالية الجديدة فاشية جديدة















المزيد.....


إدارة ترامب تستثمر الليبرالية الجديدة فاشية جديدة


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 8263 - 2025 / 2 / 24 - 18:16
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


" في عصر ترامب، تصبح القسوة مبدأ منظما للعنف كما هو واضح في مفاهيم الفاشية الناشئة محليا، التي تحدد المواطنة بمصطلحات عنصرية تقتصر على المسيحيين البيض، وتقر مبدأ الإبادة الجماعية في غزة، وتروج للفقر الجماعي، وتدعم التدمير البيئي للكوكب"، وذلك الى جانب ترحيبه بارتفاع حصيلة اليمين المتطرف بألمانيا، ضمن جملة تغيرات أخرى يوردها الأكاديمي الأميركي، هنري غيروكس لدى تعمقه في انماط سياسة ترامب ، وهو ما يتضح في المقال التالي:

الليبرالية الجديدة تتجشم الفظاعات وتعتدي على الروابط الاجتماعية
كانت الليبرالية الجديدة دائمًا أكثر من مجرد مشروع اقتصادي [تأكيد الكاتب]؛ إنها سلاح سياسي وتعليمي مصمم لتآكل التضامن الاجتماعي وتفكيك أسس الديمقراطية؛ لا تقتصر على حجب التمويل عن المؤسسات العامة مثل الرعاية الصحية والتعليم والرعاية الاجتماعية، بل وتنزع الشرعية عنها، وتعيد صياغتها على أنها أعباء بدلاً من خدمات عامة أساسية. نظرا لكونها هجومًا بيداغوجيا وأيديولوجيًا، دافعت الليبرالية الجديدة عن الجشع الجامح، والمصلحة الذاتية غير المقيدة، ومفهوم الحكومة المعفية من أي شعور بالمسؤولية الاجتماعية. سعت لتكييف الناس كي يروا في الرعاية المتبادلة ضعفا والمنافسة هي النظام الطبيعي الوحيد للمجتمع. عندما يضطر الأفراد إلى التنافس بلا هوادة من أجل البقاء، فإنهم يفقدون أي شعور بالمسؤولية المشتركة، ما يجعلهم أكثر عرضة للقسوة التي تحدد السياسة المعاصرة. الليبرالية الجديدة مقدمة للفاشية، وخاصة في وقت لم يعد فيه بوسعها الدفاع عن نفسها كقوة لتحسين نوعية الحياة [تأكيد الكاتب]. في الحقيقة أن ترويجها للتفاوت الشديد، وتركيز السلطة في أيدي قِلة من الناس، ونظرتها إلى الديمقراطية باعتبارها أداة سامة للمساواة والإدماج، كل هذا يخلق الظروف المؤاتية للعنف الشديد والفظاعة.
كي نفهم السياسة الفاشية، يتعين علينا التعامل مع أوضح نماذجها ــ ثقافة الفظاعة(القسوة). فهذه ليست فكرة مجردة؛ إنما هي محفورة على الأجساد والعقول، تدمر الأرواح بدقة محسوبة. وكما يذكرنا براد إيفانز، لا ينبغي لنا أبدا أن ندرس العنف "بطريقة موضوعية وغير عاطفية"؛ ذلك انها تقتضي الحساب، أخلاقيا وسياسيا. ثقافة الفظاعة لا تكشف فقط عن كيفية تحمل الجور الممنهج، بل كذلك عن كيفية تحول آلية السلطة في الحلم الأميركي الى ما يسمى محنة بائسة، حيث يكافح الملايين لمجرد البقاء على قيد الحياة.
هذه الثقافة، في جوهرها، تحرم من الكرامة والأمل والحق في حياة كريمة كلا من العمال والفقراء ومجتمعات السود، والملونين الآخرين، والمهمشين. ورغم أن الفظاعة كانت منذ فترة طويلة خيوطا في نسيج التاريخ الأميركي، فإن إدارة ترامب الثانية سوف تكيفها أداة حكم ــ فتفرغ الروابط الاجتماعية، وتقوض التعاطف الأخلاقي، وتخنق المقاومة الجماعية. في مقامها سوف تهيئ المسرح لسلسة لا نهاية لها من المشاهد الوحشية، وأنشطة سياسية تحمل المكابدة، تنطوي على الخوف والعنف الوسيلة والرسالة.
ليست الترامبية انحرافا، بل هي امتداد منطقي لنظام نيوليبرالي يزدهر على التسلسل الهرمي والبشر فضلات والخوف. يفضي تدمير الصالح العام الى تسريع ظهور ما يسميه إتيان باليبار "الانتقال من الدولة الاجتماعية إلى دولة العقوبات " - حيث يحل القمع محل الخدمات، والشرطة محل الرعاية الاجتماعية. ليس بالصدفة تمضي إجراءات تدمير برامج المساعدات الفيدرالية، والهجوم على مبادرات التنوع والمساواة والإدماج، وسحب التمويل من المؤسسات التي تدعم الفئات الأكثر ضعفا؛ فهي تشكل جوهر استراتيجيا لليبرالية الجديدة المتمثلة في السلب والنهب. في عصر ترامب، تصبح القسوة مبدأ منظما للعنف كما هو واضح في مفاهيم الفاشية الناشئة محليا، التي تحدد المواطنة بمصطلحات عنصرية تقتصر على المسيحيين البيض، وتقر مبدأ الإبادة الجماعية في غزة، وتروج للفقر الجماعي، وتدعم التدمير البيئي للكوكب. وكما يلاحظ بانكاج ميشرا، فما نشاهده هو بروز ثقافة متشنجة بالكراهية والحقد، تستحثها عملية مستمرة من نزع الصفة الإنسانية و"التراجع إلى أوهام عظمى عن القدرة المطلقة". ان وجود ترامب في السياسة الأميركية بمثابة النقطة النهائية الحالية التي "بلغت فيها الكراهية والتعصب والقسوة المعتمدة ذروة جديدة من الشراسة"[تأكيد الكاتب].
سوف تتجسد هذه القسوة في ميزانية ترامب المقبلة؛ فلا شك أنها سوف تخفض التمويل المخصص "للرعاية الصحية من خلال برنامج ميديك إيد [المعونة الطبية]، وتخفض الحصول على المساعدات الغذائية من خلال برنامج سناب[المساعدة الغذائية التكميلية ] ".[تاكيد الكاتب] . يضاف لذلك، سوف تفرض تخفيضات أخرى في الرعاية الطبية [ميديكير] وإسكان ذوي الدخل المنخفض، والتدريب المهني، وبرامج شبكة الأمان للأطفال، وذلك لتمويل الإعفاءات الضريبية للميليارديريين بقيمة 4.5 مليون دولار، وتمويل أعظم إنفاق عسكري منذ ثمانينيات القرن العشرين. وكما أشار روبرت رايش، فإن هذه ليست مسألة مسؤولية مالية، بل مسألة أولويات: فالفقراء والطبقة العاملة يضحى بهم على مذبح العسكريتاريا وأرباح الشركات الكبرى. [تأكيد الكاتب] وكما يلاحظ آدم سيروير، فإن أيديولوجيا الفظاعة تسري في الثقافة الأميركية مثل التيار الكهربائي، ما يضمن ليس فقط التسامح مع المكابدة، بل الاحتفاء بها كذلك. في قبضة رأسمالية العصابات، وخاصة مع تكشف إجراءات إدارة ترامب الثانية، فإن جوهر السياسة لا يبهت فقط، بل يُمحى، يشطب على الإمكانية الأساس للمجتمع البشري والقوة التحررية للمصالح الاجتماعية والعامة والمشتركات العالمية.
الترامبية وتسييس الفظاعة
ليست الترامبية مجرد استجابة للانحطاط النيوليبرالي؛ إنما هي أداء صريح للقسوة كمبدأ أيديولوجي. بخلاف الرؤساء السابقين، ممن تمظهروا على الأقل بالالتزام بالمثل الديمقراطية، على الرغم من عيوبهم، فإن ترامب يعتنق سياسة الإذلال والانتقام. في مسلسل من الإجراءات التي ترمز إلى الانتقام الاستبدادي، استهدف ترامب بشكل منهجي الأفراد الذين يعتبرهم خصومًا، مستخدمًا آليات الدولة في انتقامه الشخصي. من الجدير بالذكر أنه ألغى التصاريح الأمنية للرئيس السابق جو بايدن، وليتيتيا جيمس، مدعي عام نيويورك، وألفين ل. براج، المدعي العام لمنطقة مانهاتن، وكلاهما قدماه للمحاكمة. [تأكيد الكاتب] في إطار تكثيف هذه الحملة من الخوف والإرهاب والترويع أقدم وزير الدفاع، بيت هيغسيث، بتوجيه من ترامب، على سلب الجنرال المتقاعد مارك ميلي وأنطوني فاوتشي، ضمن آخرين، من حق دخول المباني والمناطق الحكومية وإشغال وظائف عامة. السلب لا تشكل إهانة فقط لمن تحدوا الإدارة أو انتقدوها في السابق، بل تعرضهم للخطر كذلك. [تأكيد الكاتب] في هذا المقام يغيب التمسك بأفضل مُثُلنا الأخلاقية والديمقراطية. تكتسب مقاربة الحكم هذه القوة بالانتقام، وتسليح قوة الدولة لإشاعة الخوف، وقمع المعارضة، وابتذال المبادئ الديمقراطية. هذه أيديولوجيا الهمجية الفاشية، مع عدم اكتراث مزرٍ ب "كل ما هو تأملي وانتقادي وتعددي". [تأكيد الكاتب]
إن الإجهاز على سلطة الأخلاق في السياسة يغذي مناخ القسوة، وفيه يغدو كل ما لا يمكن تصوره أمرا عاديا. على سبيل المثال، تحولت يد المساعدة المزعومة للولايات المتحدة الآن إلى قبضة وحشية، مصحوبة بسخرية زومبيات مليارديريي التكنولوجيا، امثال مارك زوكربيرج ، إيلون ماسك وجيف بيزوس، الذين يرددون مقتطفات من مشاعر نازية بدائية. [تأكيد الكاتب] وإلا فكيف نفسر إلغاء ترامب للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (يو إس إيد) الأمر الذي أدى الى تعليق الخدمات الأساسية، بما في ذلك علاج فيروس نقص المناعة البشرية في أوغندا والوقاية من الكوليرا في بنغلاديش، وتتسبب في تفاقم الأزمات الصحية العالمية؟ كيف نفسر ضغوط ترامب للتطهير العرقي للفلسطينيين بغزة من أجل بناء عقارات على شاطئ البحر، وكذلك بذل الجهود المكثفة لترحيل ملايين المهاجرين غير المسجلين، والتخطيط لعمليات الترحيل الجماعي على نطاق غير مسبوق في التاريخ الأمريكي الحديث؟
يضاف للك، استهدفت الإدارة بشكل عدواني المدن التي يجد فيها المهاجرون الملاذ الآمن ــ تشريعات تحد من التعاون مع السلطات الفيدرالية لإنفاذ قوانين الهجرة ــ من خلال التهديد بحجب التمويل الفيدرالي وملاحقة المسؤولين المحليين الذين يدعمون سياسات الملاذ الآمن. لا يقتصر مفعول هذه التدابير على تقويض السلامة العامة وتآكل الثقة بين مجتمعات المهاجرين وسلطات إنفاذ القانون، بل يتعدى الى توضيح أسلوب حكم يمد جذوره عميقا في الانتقام، يتخذ جهاز الدولة تكئة للترهيب والعقاب، ومن ثم تآكل المعايير الديمقراطية وتكثيف مناخ الخوف.
يرى ترامب ان الحوكمة ام تكن يوما خدمة الجمهور، بل استخدام السلطة هراوة ضد الضعفاء؛ جسدت مسيراته على الدوام مسرحًا للقسوة والاستعراضات التي شجعت أنصاره على ان يروا بهجة في معاناة الآخرين، واحتفاؤه بالعنف موثق تماما أداة مشروعة للسلطة السياسية. سواء في السخرية من مراسل صحفي غير كفء، أو إذلال النساء، أو اعتبار المهاجرين غير المسجلين حثالة، أو تشجيع وحشية الشرطة، [تأكيد الكاتب] فلترامب تاريخ مديد في استنبات القسوة ليس كمنتج سيء الحظ، إنما كغراء يشد حركاته بانسجام. بموجب وجهة النظر العالمية هذه التعاطف ضعف، والهيمنة قوة.
تبنى ترامب بشكل كامل منطق العنف برعاية الدولة والحكم المدعوم بالقوة المسلحة، مؤكدا العزل الاجتماعي وسياسات الفضلات البشرية والإبادة البشرية سمة إيديولوجيا الدولة، وليست مجرد منتج ثانوي للسياسة النيو ليبرالية. هذا الشكل المنسق من الإرهاب المحلي يستهدف المجتمعات المهمشة وكل من لديه ما يكفي من شجاعة لوضع الدولة موضع محاسبة، يخوضون بذلك حربا لا هوادة فيها ضد دعاة العدالة والمساواة والحرية. إن أميركا في حرب مع نفسها.
صناعة العمالة غير المؤهلة والتسلح بالاستياء
الخراب الذي أحدثته فاشية النيوليبرالية أوجد على نطاق واسع عمالة غير مؤهلة(بريكاريا)، تجبر الناس على العيش في ظروف مستدامة من انعدام الأمن. فعندما يتم تفكيك شبكات الأمان الاجتماعي ويصاب الحراك الاقتصادي بالركود، يزداد البحث الملهوف عن الاستقرار، ما يجعل الناس أهدافا رئيسة للديماغوجيين اليمينيين ممن يقدمون أضحيات بدل الحلول. تستغل الترامبية هذا التلهف الاقتصادي؛ بدل ان توجهه ضد الشركات الكبرى والنخب السياسية المسؤولة عن التدهور الاجتماعي، فإنها توجهه ضد أعداء مصطنعين ــ المهاجرين، ومتلقي الرعاية الاجتماعية، والأفراد المتحولين جنسيا، والسود والملونين والمجتمعات المهمشة.
يقبع في مركز التسلح بالاستياء الاستحواذ على تلك الأجهزة الثقافية القديمة والحديثة التي تشكل الوعي الجماهيري، والفاعلية الجماعية والفردية والقيم الاجتماعية. تتم تربية المواطنين بصورة تزداد باضطراد عبر لغة تنتج على صعيد جماهيري تنم عن ازدراء الضعفاء والفقراء وغيرهم ممن يعتبرون غير مستحقين للاحترام. سيلً متدفق باستمرار يعج بالكراهية والتعصب يشيع بقوة تسونامي من خلال المقابلات، الميديا الخاضعة لسيطرة الشركات الكبرى، والمنابر اليمينية، وكلها تشرعن أيديولوجيا المشقة والقسوة والأكاذيب، ما يفضي الى إضعاف متانة العلاقات الاجتماعية وشخصية الفرد، والتعاطف الأخلاقي والنشاط الجماعي. هؤلاء الذين تورطوا في شرك ثقافة الجهل يندفعون مع ضباب التجهيل، حيث التفكير غير مطلوب وغير مرغوب، والاختلاف يغدو لعنة، و -الآخر- عدواً سمًّا يحسن الخلاص منه. هم أسرى اللغة، محاصرون داخل ما أسمته زادي سميث سجن الذات، [تأكيد الكاتب] حيث الكلمات تقيد لا تحرر، وحيث الفكر ذاته يختزل إلى سم الجهل وتقبل يعمي. ينبسط عالمهم إلى ثنائيات بدائية ــ الخير والشر، نحن وهم، النقاء والتلوث؛ والضحية الأولى يكون التركيب، يُضحى به على مذبح البساطة، حيث تشكل الفروق الدقيقة خطرا مهددا وتُعاد كتابة التاريخ كي يخدم السلطة. ليست هذه مجرد قضية سياسية، بل قضية وجودية. إنها الشطب البطيء والمنهجي للقدرة على التساؤل، والاختلاف، ورؤية ما يختفي خلف الجدران المبنية حولهم؛ إنه انتصار للفاشية الأ شد غدراً: ليس سحق المقاومة وحسب، بل هندسة الأشخاص الذين لم يعودوا يعرفون إطلاقا انهم مكلفون بالمقاومة.
كما أوردت في مكان آخر، فإن "الاستبداد الخوارزمي و ’آلات تجميد الخيال‘ المعتمدة من قبل الليبرالية الجديدة قد أفرغت المجال العام من محتواه، وتسببت في تآكل الفكر النقدي المطابق للواقع، وحولت الحقيقة إلى عدو للسياسة وللحياة اليومية. والآن يُنظَر إلى الوعي التاريخي باعتباره خطيرا، ويُوصَم الاختلاف بأنه خيانة". والآن تتقارب أمور الحياة والموت والسياسة في حزب "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا"[ماغا] الذي تشكله منظومة غير اجتماعية وبصرية تتسم بمفهوم عسكري وكاره للنساء ، والاحتفاء بالربح على حساب الاحتياجات الإنسانية، والإدمان على العنف. لقد أفسحت القيم والحقائق المشتركة الطريق للفساد السياسي وإغراء الهروب من المسؤولية الأخلاقية.
يقوم ترامب ومتملقوه من الشركات بإنشاء آلة ثقافية ضخمة مصممة لتشكيل الأفراد إلى رعايا صالحين للحكم الاستبدادي. هذا هو الموضوع الذي يحكمه الخوف، ويجرد من الفاعلية، ويشكل بنموذج أعمى - جسدا مستسلما لقبضة الرجل القوي الحديدية؛ عقلا مستسلما لجاذبية اليقين المخدرة.
في هذا الوقت “شخصية ترامب الفاسدة التي لا يمكن إصلاحها" [تأكيد الكاتب] تكتسح أميركا بطريقة تشبه الوباء، فتضعف الجسد السياسي وتحط من قيمة اللغة نفسها. إن هجومه القاسي على الرياضيين المتحولين جنسياً، وزعمه أن اصطدام مروحية تابعة للجيش بطائرة ركاب تجارية كان نتيجة "لإدارة الطيران الفيدرالية... توظيف أشخاص معوقين كمراقبين جويين - قائلين إنهم يعانون من "إعاقة ذهنية وإعاقة نفسية وقزامة"[تأكيد الكاتب]، وزعمه الكاذب بأن الوكالات الحكومية تمول "كتبًا مصورة عن المتحولين جنسياً" و"تغييرات جنسية" في دول أجنبية، كل هذا يفعل أكثر من مجرد إضفاء الشرعية على التغييرات السياسية السامة. إن ما يجري في الواقع هنا هو حملة أيديولوجية مصممة لتعزيز التسلسل الهرمي العنصري الأبيض والبطريركي. ويصف باليبار هذا بأنه "الثورة المضادة الوقائية"- وهي استراتيجيا يئؤستخدم فيها العنف الشديد وانعدام الأمن الجماعي بشكل منهجي لمنع الحركات الجماعية للتحرر.
من التدهور النيوليبرالي إلى استعادة الفاشية
لا تفشل الليبرالية الجديدة ببساطة؛ بل إنها تخلق الظروف لاستعادة الاستبداد. ومع تدمير المصالح العامة وتآكل الحياة المدنية، فإن الوظيفة الوحيدة المتبقية للدولة هي القمع. ولهذا السبب تزامن صعود الترامبية مع توسع الدولة البوليسية، وتجريم الاحتجاج، والاستخدام المتزايد للقضاء أداة للحروب السياسية. الانهيار الاجتماعي يخلف فراغًا، تملأه نزعة الاستبداد بذريعة استعادة النظام بالقوة.
إحدى السمات المميزة للحكم الاستبدادي تتمثل في انحياز الدولة للعنف غير القانوني. ففي ظل إدارة ترامب الأولى، شهدنا احتضان الميليشيات العنصرية البيضاء، والتحريض على العنف السياسي، وجعل الهجمات على الصحفيين والمعلمين والناشطين أمرا مألوفا؛ وهذه التكتيكات ليست شاذة؛ بل هي السمات المميزة لنظام في مرحلة انتقالية ــ من الفوضى النيوليبرالية إلى التوحيد الفاشي. والواقع أن تحذير باليبار من أن العولمة قسمت العالم إلى "مناطق حياة ومناطق موت" واضح في سياسات ترامب، التي منحت امتيازات للنخب التجارية في حين جرمت الفقراء والمحرومين والمهمشين.
النضال من أجل الصالح العام باعتباره نضالا من أجل الديمقراطية
ليس بالإمكان خوض الكفاح ضد ثقافة القسوة هذه من خلال الانتخابات فقط؛ بل إنه يتطلب إعادة تصور جذرية للمصالح العامة باعتبارها الأساس المتين للديمقراطية. فالدعوة للرعاية الصحية الشاملة والتعليم العام المجاني والأجور المعيشية وحماية العمال القوية لا تتعلق بالسياسة الاقتصادية فحسب، إنما هي عمل مباشر من أعمال المقاومة ضد المنطق الاستبدادي الذي يختزل الحياة البشرية في مجرد البقاء على قيد الحياة. وبشكل أكثر تحديدًا، إنها رفض للمساواة الزائفة بين الديمقراطية والرأسمالية - وهو نظام مدفوع بشكل شبه حصري بالمصالح المالية ومدين لحزبين سياسيين مصممين لإنتاج وإعادة إنتاج العنف النيوليبرالي. تبدأ المقاومة باللغة، وبفضح القوة، وفي هذا العصر من الفاشية المتجددة، فإن المهمة الأكثر إلحاحًا هي توضيح أن الرأسمالية النيوليبرالية ليست إحدى ركائز الديمقراطية، بل الغدر بالديمقراطية وخيانتها - بوابة للفاشية، وليس الحرية.

النضال ضد ثقافة القسوة لا يمكن أن يتم من خلال السياسة الانتخابية فقط؛ بل يتطلب إعادة تصور جذرية للسلع العامة باعتبارها الأساس للديمقراطية. إن الدعوة إلى الرعاية الصحية الشاملة والتعليم العام المجاني والأجور المعيشية والحماية القوية للعمال لا تقتصر على السياسة الاقتصادية، إنما هي نشاط مباشر لمقاومة منطق الاستبداد، الذي يختزل الحياة البشرية في مجرد البقاء على قيد الحياة. وبتحديد أدق هي رفض المساواة الزائفة بين الديمقراطية والرأسمالية - نظام يتحرك حصريًا تقريبًا بالمصالح المالية ومرهون لحزبين سياسيين مصممين لإنتاج وإعادة إنتاج العنف النيو ليبرالي. تبدأ المقاومة باللغة، وبفضح القوة؛ في عصر الفاشية المتجددة هذا، فإن المهمة الأكثر إلحاحًا هي توضيح أن الرأسمالية النيو ليبرالية ليست عمود خيمة الديمقراطية، بل خيانتها – بوابة تفضي الى الفاشية، وليس الحرية.
يرى باليبار أن الديمقراطية تحتاج الى "عنصر انتفاضي" - نضال مثابر ضد القوى التي تسعى إلى الاستثناء وشطب لطابع الإنساني. النظام السياسي هش على الدوام، ويحتاج دائما إلى تجديد جذري. إعادة البناء الاجتماعي لا تنحصر في إلغاء سياسات النيوليبرالية، بل تتعلق أيضا بإعادة تأهيل السياسة بتخليصها من أولئك الذين تسلحوا بها اداة هيمنة.
لا يمكن للديمقراطية أن تستديم في مجتمع يضطر فيه الناس إلى المنافسة المستمرة على موارد تتناقص. بدون المصالح العامة، تنهار الحياة المدنية، وبدلا منها يحل اليأس. في هذا السياق، لا يكون الأمل تفاؤلاً ساذجًا، بل دعوة إلى المقاومة المنظمة - رفض قبول ظروف القسوة باعتبارها أمرا محتما؛ والتحدي المنتظر لا يقتصر على فضح منطق التدمير النيوليبرالي، بل النضال كذلك من أجل مستقبل لا تمليه الحياة العامة بالربح، ولا يرفض التضامن الاجتماعي باعتباره من مخلفات الماضي.
مع حلول فترة ولاية ترامب الثانية، لا يمكن للمخاطر ان تكون أعلى؛ فالفاشية لم تعد خطرا في البعيد، إنما واقعا بات يبرز للعيان، يعجل انهيار المؤسسات الديمقراطية ويوسع عنف الدولة. وما يشكل خطرا بشكل خاص في هذا النظام الدولي الجديد أن ترامب وعملاءه الأثرياء من حكومة فيشي التكنولوجية لم ينبروا ببساطة في مسعى للحصول على المزيد من التخفيضات الضريبية؛ فالخطر الذي يشكلونه أعظم بكثير؛ فما يجري الآن عودة ظهور أداة شمولية، والتي كما لاحظ مايك بروك في مقال حديث بعنوان "المؤامرة ضد أمريكا"[تأكيد الكاتب] لا تتعلق بالكفاءة، بل تتعلق بالشطب. فالديمقراطية يجري إلغاؤها بحركة بطيئة، واستبدالها بتكنولوجيا احتكارية ونماذج الذكاء الاصطناعي. هذا انقلاب - ليس بالبنادق، ولكن بالهجرات التراجعية وحذف قاعدة البيانات، تطهير بالنظام الرقمي مصمم لإعادة كتابة التاريخ وتعزيز السلطة". في إدارة ترامب، سوف تتسارع عملية الشطب جنبًا إلى جنب مع أعمال العنف المكشوفة. إن مواجهة هذه المرحلة الجديدة من وحشية الدولة لا تتطلب فقط فهم الجذور العميقة للفاشية الجديدة في الولايات المتحدة، بل تفكيك القوى الاقتصادية والسياسية والثقافية التي تحافظ عليها.
في مقال نشرته سوزان شنايدر بمجلة "ذا نيو يوروبيان"، وجهت نقداً لاذعا لاحتضان الإيديولوجي اليميني المتطرف، كيرتس يارفين لـ “رأسمالية التوربو". تلاحظ في المقال ان "المهندسين... يمثلون انتصار العقل الآلي في قرننا الجديد. إنهم يقدسون الكفاءة ويفهمون الدولة الديمقراطية باعتبارها عقبة في طريق نمط ‘التقدم’ الذي يرغبون ". القضية لا تتعلق بالتحكم في أنظمة المعلومات؛ إنه مؤشر واضح على أن التعليم بالذات أصبح ميدان معركة سياسية؛ في هذا الإطار، لم تعد المعرفة وسيلة تنوير، بل أداة تمكين السلطة المستبدة.
فقط من خلال النضال التربوي والسياسي يمكننا تفكيك ثقافة الفظاعة ونموذجها الأساسي المتمثل في "رأسمالية التوربو"، والتي مدت جذورها داخل المجتمع الأميركي. والهدف من هذا النضال أشار اليه بيتر ثاييل. فقد كتب عام 2009: "لم أعد أعتقد أن الحرية والديمقراطية متوافقتان". اما يارفين، وهو أحد الشخصيات البارزة في المشهد الإعلامي اليميني، فيمضي أبعد من ذلك ويزعم أن "الديمقراطية الأميركية لابد وأن تحل محلها ما يسميه "مَلَكية" يديرها ما أسماه "رئيس تنفيذي" ــ وهو مصطلحه المحبب للإشارة إلى الديكتاتور". [تأكيد الكاتب] أدى اندماج رأسمالية العصابات والفاشية التقنية لحركة إعادة أميركا عظيمة من جديد إلى تعميق أزمة الديمقراطية، ولكنها لم تسحق بعد إمكانية التجديد. فهذه الإمكانية تصمد – لكن ليس إلا إذا رفضنا الاستسلام وكافحنا لإعادة تأهيل المستقبل.
السؤال المطروح على الأميركيين هو: هل نستسلم لقوى البشر فضلات والاضطهاد ــ أم هل سنعيد تأهيل إحساس بالفاعلية الجماعية والمعارضة، والخيال السياسي، والنضال المتجدد من أجل عالم حيث الديمقراطية ليست مجرد وعد أجوف، بل واقعاً معاشا وجماعياً؟ نحن نعيش في زمن يلح بقوة للتخلي عن الأمل بمستقبل أكثر عدالة وراديكالية. امامنا مهمة عظيمة، في الإقرار بأن الأمل اصيب بجرح لكنه لم يتلاش، وكما قال آلان باديو ما ينتظرنا الأن “إظهار كيف أن مساحة الممكن أكبر من المساحة المنظورة - وأن شيئًا آخر ممكن، ولكن ليس كل شيء ممكنً [تأكيد الكاتب]". المهمة أمامنا ليست مجرد مقاومة، بل توسيع أفق الممكن - ورفض الحدود الخانقة التي فرضتها القدرية النيوليبرالية وحكم الاستبداد؛ بدلاً من ذلك، النضال من أجل مستقبل حيث العدالة ليست حلمًا مؤجلًا، بل نضالًا نتجشمه، وحيث الديمقراطية ليست من مخلفات الماضي، بل الأساس لما يتوجب ان يأتي تاليا.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترمب يرى غزة عقارا للاستثمار وليس ضحية إبادة جماعية
- هذه فاتشية، يجب إيقافها
- بالإرادة الصلبة المتماسكة تُفشل مخططات التهجير ويدحر الاحتلا ...
- سياسات سوقية تنتهجها إدارة ترامب
- ثقافة استسلمت لأسوأ غرائزها في مجتمع يعول على النسيان
- الميديا الرئيسة في عالم الرأسمال تزيف الوقائع وتحتفي بقتل ال ...
- الاستعمار الاستيطاني سينتهي في فلسطين وإسرائيل
- نظام يمارس الخداع بمهارة وعلة الدوام
- ذئاب ترامب شرعت العواء على فلسطين
- تنديد بتجار الموت – التحذير النبوئي للدكتور مارتن لوثر كينغ
- ألكابوس لن ينتهي، حتى لو توقف قصف القنابل.
- الدروب تنتهي بالوساطة الأميركية
- خطر حرب إقليمية ماثل بعد الانقلاب بسوريا
- الصهيوينة والامبريالية كيان واحد يفيض كتلة وينحسر ويزول كتلة
- تاريخ من العذابات المتواصلة
- عقم الخطاب المدني مع سلطوية المصالح والامتيازات
- في ذكرى رفعت العرير.. قلسطين خالدة في قصائد شعرائها
- ليزلي أنجيلين: نفاق حكومتنا يفطر القلب
- هل كان 7 أكتوبر شركا للإيقاع بغزة في حرب الإبادة؟
- آلية دولية للعلاقات العامة تشجع على الإبادة الجماعية


المزيد.....




- -واشنطن بوست-: إيران دربت مسلحي البوليساريو
- تونس.. ذكرى نزع السوفييت ألغام الاستعمار
- استرخاص حياة العمال /ات ، ملخص حوار مع “الحضري نورالدين” عام ...
- نداء نقابة العمال الزراعيين بالاتحاد المغربي للشغل من أجل وض ...
- جريدة النهج الديمقراطي العدد 600
- الأمن الأردني يمنع وصول متظاهرين إلى الحدود وجبهة العمل تستن ...
- توجيه تهم جنائية للمتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين الذين احتلو ...
- قفز فوق سياجين وركل الباب حتى تحطم.. شرطي يسارع لإنقاذ مقيمي ...
- م.م.ن.ص// لماذا يتحركُ النظام كالبرقِ حين يتعلق الأمر بإنقا ...
- نظرة عامة حول اتفاق الشراكة المغربي البريطاني: «شراكة» استعم ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سعيد مضيه - إدارة ترامب تستثمر الليبرالية الجديدة فاشية جديدة