أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - التضخم وارتفاع الأسعار في المغرب: أزمة ظرفية أم تحول بنيوي؟














المزيد.....


التضخم وارتفاع الأسعار في المغرب: أزمة ظرفية أم تحول بنيوي؟


عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 8263 - 2025 / 2 / 24 - 14:01
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


شهدت أسعار المواد الغذائية في المغرب ارتفاعًا حادًا خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا خلال شهر رمضان، الذي عادةً ما يشهد زيادة كبيرة في الطلب على المواد الأساسية. بين رمضان 2021 ورمضان 2025، تفاقمت الضغوط الاقتصادية على الأسر المغربية نتيجة عوامل محلية ودولية متشابكة، مما جعل الغلاء عبئًا ثقيلًا، لا سيما على ذوي الدخل المحدود.

بدأ هذا الارتفاع مع تداعيات جائحة كوفيد-19، التي أثرت على سلاسل التوريد العالمية وأدت إلى نقص بعض المواد الأساسية. إلا أن الأزمة لم تتوقف عند هذا الحد، بل تعمقت مع ارتفاع أسعار المحروقات عالميًا، وتأثير التغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي المحلي، إضافة إلى الأزمات الجيوسياسية التي أدت إلى زيادة أسعار الحبوب والزيوت النباتية.

إلى جانب هذه العوامل، شهد العالم تحولات كبرى في بنيته السياسية، حيث تعززت سيطرة الأوليغارشيات الاقتصادية والمالية والتكنولوجية على مراكز القرار، ليس فقط في الدول المتقدمة، بل حتى في العديد من الدول النامية. هذا الوضع أتاح للفئة الاقتصادية استغلال الأوضاع العالمية غير المستقرة لتحقيق مكاسب خاصة على حساب المواطنين. في المغرب، انعكس ذلك في ضعف آليات المراقبة وغياب دور المجتمع المدني، مما أدى إلى استمرار ارتفاع الأسعار رغم استقرارها أو تراجعها عالميًا. فعلى سبيل المثال، ظلت أسعار المحروقات تتراوح بين 12 و14 درهمًا للتر رغم انخفاضها دوليًا، مما أثر بشكل مباشر على تكاليف الإنتاج وأسعار السلع الأساسية.

في السياق نفسه، كشفت التغيرات المناخية عن هشاشة الاستراتيجيات المتبعة في القطاعات الزراعية والحيوانية والغابوية. ورغم تصنيف المغرب ضمن الدول الأكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي، استمر الاستغلال العشوائي والمفرط للموارد المائية، خصوصًا في المناطق المهددة بشح المياه، مما أدى إلى تراجع الإنتاج الفلاحي وتفاقم معاناة سكان البوادي والواحات والجبال. ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار المنتجات الزراعية والحيوانية، مما أثر على مداخيل الفلاحين الصغار ودفع العديد منهم إلى النزوح نحو المدن بحثًا عن فرص اقتصادية أفضل. وقد انعكس ذلك على الأسعار في الأسواق الأسبوعية، التي تعد المصدر الرئيسي للتسوق بالنسبة لمعظم الأسر ذات الدخل المتوسط أو المحدود.

نتيجة لهذه العوامل، سجل التضخم ارتفاعًا ملحوظًا خلال الفترة الممتدة بين 2021 و2025، مما زاد من الضغوط الاقتصادية على المواطنين. وكانت اللحوم الحمراء والدواجن من بين أكثر المواد الغذائية التي شهدت ارتفاعًا غير مسبوق، حيث لم تفلح إجراءات الحكومة، بما في ذلك استيراد اللحوم، في كبح الأسعار، بل استمرت في الارتفاع، مثقلةً كاهل المستهلك المغربي. كما ارتفعت أسعار العديد من المواد الأساسية الأخرى مثل الحبوب والزيوت النباتية والخضر والفواكه، حيث تجاوزت نسبة الزيادة 50% في بعض الحالات. والمفارقة أن المغرب، رغم تمتعه بساحل طويل، لم يعد يوفر الأسماك بأسعار معقولة للمستهلكين، مما كان يمكن أن يخفف الضغط على أسعار اللحوم والدواجن، ويعزز الأمن الغذائي والصحي للمواطنين.

في ظل هذا الواقع، وجد المواطن المغربي ذو الدخل المحدود نفسه أمام خيارات صعبة، إذ اضطر كثيرون إلى تقليل استهلاك بعض المواد الأساسية أو البحث عن بدائل أقل تكلفة وأدنى جودة. كما أثرت هذه الأزمة على نمط الاستهلاك خلال رمضان، حيث باتت الأسر تركز على شراء الضروريات فقط، متخلية عن العديد من العادات الغذائية التقليدية المرتبطة بهذا الشهر الكريم. وقد تترتب على هذا الوضع آثار اجتماعية ونفسية وحتى سياسية، فضلًا عن تداعيات صحية سلبية، خصوصًا على الأطفال والمسنين والنساء الحوامل.

ورغم أن الحكومة أقدمت على تخفيض الضريبة على الدخل وإقرار إعفاء ضريبي تدريجي للمتقاعدين، إلا أن هذه الإجراءات تظل غير كافية ومحدودة التأثير على النمو الاقتصادي، خاصة أنها لا تشمل جميع الفئات، مثل العاملين في القطاع غير الرسمي، الذين ازدادت أعدادهم مع تصاعد معدلات الفقر والهشاشة والبطالة. وهو ما يبينه الإحصاء العام للسكان والسكنى لعام 2024 الذي يؤكد استمرار الفوارق المجالية وتفاقم التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية بين الجهات؛ والواقع المقلق للبطالة، حيث سجلت معدلات مرتفعة بين الشباب وحاملي الشهادات، مما يعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. فالتحديات المستمرة، إلى جانب ضعف القدرة الشرائية، تزيد من الضغوط على الأسر المغربية، التي تواجه صعوبة متزايدة في تدبير شؤونها اليومية. وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية حول توجهات الدولة الاجتماعية في المغرب: هل تهدف إلى حماية كرامة المواطنين وضمان اندماجهم الاقتصادي والاجتماعي، أم أنها تُكرِّس التفاوتات وتزيد من الأعباء الاقتصادية والنفسية عليهم؟ وهل بات التضخم في المغرب ظاهرة بنيوية قد تهدد استقرار الدرهم وما يترتب عليه من انعكاسات على السياسات الاقتصادية والمالية، أم أنه ظرفي ما يلبت أن يختفي إذا توفرت الإرادة السياسية لذلك؟

في ظل هذه الأزمة العالمية المستمرة والمقلقة، يبقى دور المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني محوريًا في إيجاد حلول مستدامة تضمن الأمن الغذائي وتحافظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، كما تعمل على تشديد الرقابة على الأسواق، ومحاربة الاحتكار، وتشجيع الإنتاج المحلي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، إلى جانب توسيع برامج الدعم الاجتماعي وتعزيز الوعي المجتمعي بالاستهلاك المسؤول. وإلى أن تتحقق سياسات أكثر فاعلية لضبط الأسعار وتحسين القدرة الشرائية للمغاربة، سيظل التضامن المجتمعي والوعي الاستهلاكي عنصرين أساسيين لمساعدة الأسر على التكيف مع هذه التحديات المتزايدة.

إلى ذلك الحين، أختم مقالي بالقول: الله يكون في عون الأسر المغربية ذات الدخل المتوسط والمحدود في هذا الشهر الكريم.
عائشة العلوي، أستاذة ـ باحثة وخبيرة في الاقتصاد والتنمية، 24 فبراير 2025



#عائشة_العلوي (هاشتاغ)       Aicha_El_Alaoui#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غنى وفقر مدن وقرى المعادن بالمغرب!
- حكاية من وحي المجتمع... لبيك تَمُورتْ إنُو (وطني)... -المسير ...
- شذرات اقتصادية... هل يمكن الوثوق بمجموعة بريكس+؟
- شذرات اقتصادية... المغرب والجزائر، -اليد الممدودة-...
- شذرات اقتصادية... التحول السريع الى أنظمة استبدادية…
- شذرات اقتصادية ... أية تداعيات لقرار بنك المغرب
- شذرات اقتصادية… الكرة -الهجينة- …
- شذرات اقتصادية ... التعاون جنوب ـ جنوب وسيادة الدولة
- شذرات اقتصادية… بناء الدولة الاجتماعية في زمن الأزمات...
- شذرات اقتصادية… أزمة الدولة أو الدولة في أزمة…
- شذرات اقتصادية... لا أصدقاء في الاقتصاد (1)
- شذرات اقتصادية... منطق السوق يسيطر على المؤسسات
- شذرات اقتصادية... التعليم وسؤال الجودة
- حكاية من وحي المجتمع... أنا شاب، عالة على أسرتي...
- شذرات اقتصادية... -المتحور- الكوفيد الاقتصادي في المغرب
- شذرات اقتصادية... بعد السكتة القلبية، الناتو يعلن عن -مشروع ...
- أقصوصة من وحي المجتمع... لقاء خاص مع أطفال هُم لَنَا
- كوفيد19، الحرب ما بين المعلومة والمصلحة
- إما أن -نكون او لا نكون-...
- شذرات اقتصادية. التعليم، لا يمكن تطبيق سياسة النعامة...


المزيد.....




- ألمانيا ـ استمرار عدم اليقين السياسي قد يطيل فترة الركود الا ...
- حافظ سلطة النقد يبحث مع الرئيس التنفيذي لشركة Ooredoo فلسطين ...
- ترامب: أجري محادثات جادة مع بوتين حول إنهاء النزاع الأوكراني ...
- -رجل استثنائي-.. فينغر يقيم حظوظ محمد صلاح للفوز بالكرة الذه ...
- موديز: اقتصاد السنغال محفوف بالمخاطر
- واشنطن تفرض عقوبات جديدة على -أسطول الظل- الإيراني وشركات نف ...
- الكونغو تعلق صادرات الكوبالت 4 أشهر بسبب فائض المعروض
- وزارة الخزانة الأمريكية: فرض عقوبات جديدة على أسطول الظل الإ ...
- سلطة النقد توقّع اتفاقية مع شركة -مدى العرب- لتوفير شبكة بنك ...
- مجموعة -علي بابا- تعتزم استثمار 53 مليار دولار في البنية الت ...


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - التضخم وارتفاع الأسعار في المغرب: أزمة ظرفية أم تحول بنيوي؟