محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8263 - 2025 / 2 / 24 - 12:56
المحور:
القضية الفلسطينية
الأرضُ لا تنسى مَن عمّروها، وسقَوا ترابَها بعرقهم، وزيَّنوها بزيتونهم وتينهم.
الأرضُ تعرفُ أهلَها، وتلفظُ الغريبَ وإن طالت به الأيام. كما أن الأرضَ لا تخونُ من يُخلصُ لها، بل تبقى وفيّةً لمن يرعاها ويحميها.
هنا فلسطين، حيث تمتزجُ رائحةُ الزعترِ بنسيمِ الحرية، وحيث يغرسُ الفلاحُ يده في الترابِ كأنَّه يُعانقُ أمَّه.
في فلسطين، لا تسألِ الجبالُ عن هويتها، فهي شاهقةٌ كشموخِ أبنائها، صامدةٌ رغم الأعاصيرِ. وعلى سفوحِها، تنحني أغصانُ الزيتونِ إجلالاً لمن زرعوها، أولئك الذين كتبوا تاريخهم على حجارةِ القدس، وبكوا فرحاً في رحابِ المسجدِ الأقصى، مسرى النبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
هنا، يحملُ الأطفالُ حقائبَهم المملوءةَ بالكتبِ، وقلوبهم المملوءة بالأملِ، وأحلامَهم المغلَّفةَ بعبقِ التاريخِ. يقفون أمام أسوارِ القدسِ كأنهم حُرّاسُ الزمنِ، يروونَ للعالمِ حكاياتِ البطولةِ.
والزيتونُ، هذا الشيخُ الحكيمُ، ما زال صامداً يروي حكاياتِ الماضي، يشهدُ للحقِّ، ويتلو على العابرين تراتيل الصبرِ. إنَّه رمزُ البقاءِ، تماماً كالفلسطينيِّ في أرضِه، متجذِّرٌ كأنَّه قطعةٌ من صخورِها، يُعانقُ الأرضَ كما تُعانقُه السماءُ.
أمَّا البحرُ، فيحكي قصَّةَ المنفيِّ الذي لم ينسَ، والمهاجرِ الذي تتوقُ روحُه للعودةِ. وكلُّ موجةٍ ترتطمُ بالشاطئِ كأنَّها رسالةٌ من أجدادِنا، تهمسُ في آذانِنا: "كونوا كما كنَّا، لا تنكسروا".
فلسطين، يا أرض الأنبياءِ، ويا موطن العزَّةِ والإباءِ، سيظلُّ شعبُكِ كالنخيلِ: لا ينحني إلَّا للهِ، وكالسنديانِ: لا تهزُّه العواصفُ، وكالمآذنِ: صوتُه يعلو رغم كلِّ القيودِ.
سيبقى الزيتونُ شاهداً، والتينُ راوِياً، والزعترُ عطراً لا يزولُ.
فوق جبالِ فلسطين، حيث يُعانقُ الضبابُ القِممَ العالية، يروي جبلُ الجرمقِ حكاياتِ المجدِ، وترتفعُ جبالُ الجليلِ شاهدةً على صمودِ أهلِها، إذ تحملُ بين صخورِها أنفاسَ الأجدادِ.
هناك، في الجليلِ الغربيِّ، حيث تمتدُّ أرضُ عشيرة عرب السَّمنيَّة، يُعانقُ الزيتونُ جذورَه الضاربةَ في أعماقِ الأرضِ، ويُثمرُ العنبُ كأنَّه عقدٌ من اللؤلؤِ يُزيِّنُ هذه الأرض المباركة.
يا فلسطين، يا قصيدةً كتبتها السماءُ، ويا وطناً يُنشَدُ في كلِّ صلاةٍ، لن تضيعَ الحقوقُ ما دام فيكِ شعبٌ يعرفُ كيف تكونُ الكرامةُ، وكيف يكونُ الصمودُ، وكيف تبقى الأرضُ تعرفُ أهلَها...
وكما يبقى التينُ والزيتونُ شامخينِ في جبالِ فلسطين، يبقى شعبُها متجذِّراً في أرضِه، لا تُزعزعُه العواصفُ ولا تنالُ منه المحنُ. فهذه الأشجارُ المباركةُ ليست مجرَّد نباتاتٍ، بل هي رمزٌ للعزَّةِ والكرامةِ، تشهدُ على التاريخِ، وتحملُ في أوراقِها حكاياتِ الأجدادِ. من جذورِها الضاربةِ في الأعماقِ إلى أغصانِها الممتدَّةِ نحو السماءِ، تروي قصَّة وطنٍ لا يموتُ، وشعبٍ لا ينكسرُ.
فسلامٌ على جبالِ فلسطين، وسلامٌ على زيتونِها الذي يروي بدمعِه تراب الوطنِ، وسلامٌ على كلِّ من حملَ بين ضلوعِه عشقَ هذه الأرضِ الطاهرةِ.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟