حسين علي محمود
الحوار المتمدن-العدد: 8261 - 2025 / 2 / 22 - 16:07
المحور:
المجتمع المدني
النضج ليس مجرد مرحلة عمرية، بل هو حالة من الإدراك العميق لما هو أنسب في مسيرة الإنسان، بعيدًا عن إغراءات "الأفضل" التي قد تكون سرابًا في بعض الأحيان، كما إن القدرة على التروي والتأني هي سمة العقول الواعية، فمن يدرك أن كل لحظة لها وقتها، وكل خيار له تبعاته، سيمتلك مفاتيح الاستقرار والنجاح.
أجمل ما في النضج أنه لا يجعل الإنسان رهينة اللحظة، بل يمنحه بصيرة يرى بها المستقبل، ورزانة تعينه على اتخاذ قرارات تصب في صالحه على المدى الطويل. حقًا، الحياة ليست سباقًا نحو البريق، بل هي فن اختيار الأنسب، لأن ما يناسبنا هو ما يصنع اتزاننا وسعادتنا الحقيقية.
هناك أشخاص في المجتمع يتبعون السلوك الإيجابي في حياتهم، حيث يستطيعون تحقيق جميع الأهداف التي وضعوها في حياتهم بشكل ناجح وفعال، والبعض الآخر من الأشخاص يتبعون السلوك السلبي في جوانب كثيرة من حياتهم، فاتباع هذا السلوك نتيحة عدم النضج الكافي مما يعمل على فشل هؤلاء الأشخاص في تحقيق الأهداف التي تتعلق بهم، وعدم قدرتهم على التفاعل والانخراط مع الآخرين في النظام الاجتماعي.
يصبح الموضوع أكثر خطورة عندما تتحول ضحالة النضج إلى ظاهرة جماعية، حيث يرفع الماضي إلى مقام الموروث المقدس، ويتم إدانة كل ما هو مختلف أو جديد.
هنا تظهر أزمة الثقة التي تؤثر سلبا على قبول التعددية، وتدفع المجتمع إلى التقوقع والانغلاق، بدلا من الانفتاح على الآخرين، مما يؤثر على العلاقات بين الأفراد، وقدرة المجتمع ككل على الاندماج مع العالم والتعرف على الشعوب والثقافات الأخرى، فتبقى هذه المجتمعات معزولة وغير قادرة على مواكبة التغيرات العالمية.
فالبتالي هذه المجتمعات ستكون متخمة بافراد تعاني الفقر الروحي ويعيش فيها الانسان حياة محدودة ومقتصرة على جانب واحد فقط، سواء من حيث الأعمال أو الهوايات أو التجارب الحياتية وفي مقدمتهم التقوقع في تقديس الموروث، فالتركيز على عمل واحد أو الاهتمام بجانب واحد من الحياة يجعل الإنسان يفقد تنوع التجارب التي تثري حياته مما يؤدي إلى ضيق في المشاعر والمعرفة.
الحياة المتنوعة تمنح الإنسان عمقا اكبر وثراء روحيا، بينما الحياة المحدودة تستنزف طاقاته وتحرمه من تحقيق ذاته بشكل كامل ومتوازن.
مع تطور الحياة وتقدم التقنية التكنولوجية، اصبحت الامور اكثر تعقيدا وطفت ضحالة النضج في وسائل التواصل الاجتماعي.
نعم، التكنولوجيا غيرت طعم الحياة بسبب الاستخدام السلبي في جوانب كثيرة وتقوقع الوعي في تقديس مسارات من الموروثات، لكن لا تزال هناك مساحة لإعادة إحياء القيم التي فقدناها.
ربما يكون الحل في أن نعيد النظر في علاقتنا مع الأشياء، أن نستعيد الطقوس المثالية التي تمنحها معنى الحياة الناضجة.
الموازنة بين التكنولوجيا والقيم الإنسانية ليست مستحيلة، لكنها تتطلب وعيا ونضجا في القرارات.
أن نستخدم التكنولوجيا دون أن نسمح لها بأن تستخدمنا، وأن نستلهم من الماضي دون أن نتقوقع فيه، وأن نصنع حاضراً يحمل نكهة الأصالة مع مزايا الحداثة.
لا يزال بإمكاننا أن نحافظ على روح الأشياء، فقط إن اخترنا أن نفعل ذلك.
#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟