الأبطال السفاحين.

فارس الكيخوه
(Fares Al Kehwa)

الحوار المتمدن-العدد: 8261 - 2025 / 2 / 22 - 02:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

تلك الأسماء التي نقرأها في كتب التاريخ، من يعطيها تلك الألقاب والعظمة والتمجيد ؟ السنا نحن من نعطي تلك الشخصيات تلك الألقاب ؟ ولكن ما الفرق بين الفاتح والغازي وبين البطل والسفاح ؟ الغريب أننا هنا نتحدث عن شخصية واحدة ولكن اختلفت الألقاب والأوصاف التي نالها منا نحن البشر ومن يكتب عنه ومن أية زاوية ،بين من يغدقه بالمدح واخر بالذم ،بين من يضعه في منصة الافتخار وآخر في الاحتقار…بين الذي يقدمه لنا كالبطل واخر كالسفاح.فما الذي يجري هنا ؟ أنا لا أتحدث هنا عن الأبطال الذين يدافعون عن ارضهم او يهبون لتحريرها من الغزاة ،أنا أتحدث عن الغزاة السفاحين الذين يطلقون عليهم أيضا بالفاتحين الأبطال…
هل تتخيلون أن في بغداد اليوم نصب تذكاري لهولاكو ؟ لا، كيف لهذا الغازي الهمجي أن يكون له تمثالا أو نصبا في ساحات بغداد ، أليس هو من استباح بغداد ل 40 يوما، وقتّل أهلها وسيل دمائهم في الأزقة ،ووطى جنوده نساءها وعاث فيها فسادا ودمَّرها تدميرا كبيرا،حتى ظن أهلها أن يوم القيامة قد حل،فكل من كان يعصي أوامر هولاكو ،كان يغرقه في الذلة والمهانة مع نسائه وأبنائه وأقاربه وكل ما يتعلق به...هذا السفاح عندنا في العراق الذي على يديه فقد الملايين أرواحهم هو نفسه البطل المغولي قاهر البلدان ،ونصب جده جنكيز خان الضخم في منغوليا ،يقف شاهدا على مؤسس الإمبراطورية المغولية والمعروفة لدينا بالهمجية والعنف والتدمير والحرق والقتل والسلب والنهب والاغتصاب.….. سفاح عندنا وبطل عندهم !!!!!!!!
عندما كنت قبل سنتين في زيارة لاسطنبول ،توقفت في ساحة الفاتح حيث تمثال السلطان محمد الفاتح راكبا على حصانه وبيده السيف..ذلك السيف الذي فصل الآلاف من الرؤوس عن أجسادها ،ذلك السفاح الذي غزا القسطنطينية واستباح المدينة لثلاثة أيام ،قتل فيها رجالها وسبى نساءها وأطفالها، واذل شعبها وأرضها ودينها ،وضم المدينة إلى دولته ذلك السفاح العثماني الذي مهد للدولة العثمانية أن تغزو بلداننا ويذلوا شعوبنا وينهبوا خيراتنا ،هو نفسه ،البطل فاتح القسطنطينية،والذي يفتخر به أبناء الإمبراطورية التي كانت تصول وتجول في بقاع العالم ،نصب شاهق في ساحة جميلة في وسط اسطنبول شاهدا لذلك البطل الفاتح ،ساحة بإسمه وجامع باسمه ومحلات بإسمه …..ما أغرب التاريخ وما أغرب رواياته وما أغرب الإنسان وتصوراته ؟ في بقعة من الأرض، بطلا فاتحا،وفي أخرى ليست ببعيدة ،سفاحاً غازيا .. أليس هذا هو التاريخ ؟؟
هكذا كان الحال أيضاً مع نابوليون الذي يقولون عنه انه الرجل القوي الذي وحد فرنسا..في عام 2002 قمت بزيارة قبره في باريس،وكنت مذهولا بجمال البناية واقول في نفسي ،أيعقل أن أكون هنا في زيارة قبر الامبراطور نابليون الذي قرأت عنه ما قرات ؟….مرت سنين كثيرة وها أنا في عام 2023 وفي مدينة Lucca الإيطالية، حيث احتلهم نابوليون ونصب أخته حاكمة عليهم ..هناك ،اختلفت الأمور ، أزالوا كل شيء اسمه نابوليون ،وحتى تمثاله في الساحة العامة…هناك الامبراطور نابوليون، ليس إلا غازيا ومحتلا…..
فكم بطلا سفاحا في التاريخ نقرأ عنهم؟ تمثال ونصب هنا ،اما هناك ،جثث ودماء ومآسي وهلاك واجرام ، من سيذهب ويكتب لنا ماذا حل لهؤلاء الشعوب بعد المجازر؟ كم فقدوا من آباء وازواج وابناء وأخوة ؟ أين سبوا أمهاتهم وزوجاتهم وإخواتهم وبناتهم ؟ ما ذنبهم وهم يرون على غفلة، البطل السفاح فوق رؤوسهم ،يقطعها الواحد تلو الآخر ..ما اقسى التاريخ وما أقسى الإنسان على أخيه الإنسان..وكم هدرت أرواح وزهقت في سبيل مطامع شخصية وسياسية ودينية ،ما أغرب الإنسان ،وكيف يقرأ الأشياء ،فلا فرق بين السفاح والفاتح ، لكن الغريب اننا نلقبه بالسفاح إذا قتل خمسة ولكننا نلقبه بالفاتح إذا قتل الآلاف!
وتذكر صديقي القارئ أن للرواية وجهان.. ولكن أستطيع أن أقول وبكل أريحية ،ما أتعس واتفه الأمة التي تفتخر بالسفاحين الذين غزوا أرضهم وسبوا نساءهم واذلوا كرامتهم ويقولون عنهم اليوم أنهم………….. أبطال.
دعوني أختم بمقولة رائعة للدكتور الراحل علي الوردي إذا يقول "التاريخ الذي درسناه في المدارس ،جعلنا نحفظ الملوك وفتوحاتها،دون أن نسأل عن مشاعر الشعوب المنكوبة التي عانت بعد الفتح "..

تحياتي….

#فارس_الكيخوه (هاشتاغ)       Fares_Al_Kehwa#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات