أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راش أودين - لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (16).















المزيد.....


لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (16).


راش أودين
أحد أعضاء مبادرة مسلمون سابقاً التطوعية لخدمة المجتمع اللاديني في العالم العربي.

(Rush Odin)


الحوار المتمدن-العدد: 8261 - 2025 / 2 / 22 - 00:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اسمي سلمى، وهذا كل ما أستطيع قوله عن نفسي. لا يهم عمري، فالعمر مجرد رقم، لكن ما مررت به جعلني أعيش ألف سنة في بضع سنين.


أنا ابنة رجل سعودي مسلم وامرأة سورية مسيحية. منذ أن كنت جنينًا، لم أكن مجرد طفل مُنتظر، بل كنت ساحة معركة. أبي وأمي لم يختلفا على مستقبلي، دراستي، أو حتى اسمي، بل اختلفا على روحي. كأنني لم أكن إنسانًا، بل جائزة يفوز بها من يستطيع جذبي إلى دينه.


ولكن، حتى قبل أن أعي شيئًا، حُسمت المعركة لصالح الدولة. وُلدت في السعودية، وكُتب في وثائقي الرسمية "مسلمة"، كأن الأمر لا يحتاج إلى نقاش. لم يسألني أحد، لم ينتظروا حتى أتعلم نطق اسمي، فقط قررت الحكومة أنني مسلمة، وأُغلق الملف. أمي لم يكن لها رأي، لا يهم أنها أنجبتني، أو أنني قطعة منها، فالدولة كانت ترى أنها تعرفني أكثر منها.


لم يكن هذا ظلمًا عابرًا، بل كان قانونًا مستندًا إلى أحكام إسلامية تمنع أن يُنسب الطفل إلا إلى دين الأب المسلم بإجماع الفقهاء، بغض النظر عن معتقد الأم. لم يكن هذا مجرد وجهة نظر دينية، بل كان قانونًا يُفرض بقوة الدولة، يمنعني من أن أكون أي شيء آخر غير مسلمة، حتى وإن كنتُ أشعر أن هويتي سُرقت مني قبل أن أتمكن حتى من تشكيلها.


أما أمي، فلم يكن لها أي حقوق تقريبًا. فالإسلام يسمح للرجل المسلم بالزواج من كتابية، لكنه يمنع المرأة المسلمة من الزواج بغير المسلم، بحجة أن "الزوج هو القوّام على المرأة". كما تقول الآية: "وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا" (النساء: 141). لا يوجد أي مبرر منطقي لهذا التمييز، فقط خوف قديم من أن تخرج المرأة عن السيطرة.


ثم جاءت الطعنة الكبرى. كنت في الرابعة عشرة عندما رأيت أمي للمرة الأخيرة. جلبت لي قلادة صغيرة عليها صليب، مجرد هدية من أم لابنتها، لكنها كانت بالنسبة لأبي جريمة لا تُغتفر. قال أبي إن "الصليب يمثل عبادة غير الله، وهو شرك بالله الواحد"، مستندًا إلى الآية: "إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ" (النساء: 48). لكنني لم أفهم كيف يمكن لقطعة معدنية صغيرة أن تكون خطيرة إلى هذا الحد. كيف يمكن لشيء يرمز إلى حب أمي أن يكون شركًا؟


لم يكن الأمر مجرد خلاف عائلي، بل كان حكمًا بالإعدام على علاقتنا. في غضون أيام، تم ترحيلها، وكأنها تهديد للأمة. لم يكن أبي بحاجة إلى رفع قضية، فالقانون كان في صفه. يقول الفقهاء إن "الحضانة للأب المسلم إذا كان الطفل مميزًا"، وأنه "لا ولاية لكافر على مسلم"، مستندين إلى الحديث: "الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه" (سنن الدارقطني). وكأن الإيمان شيء يُحسم بقرار محكمة، لا بقناعة قلبية.


لم يُسمح لي بالاحتفاظ بتلك القلادة، لم يُسمح لي بالاحتفاظ بآخر شيء يربطني بها. أذكر كيف وقفت في زاوية غرفتي، أنظر إلى يدي الفارغة، حيث كان يجب أن تكون تلك القلادة، وأشعر بأنني فقدت أمي مرتين؛ مرة حين تم ترحيلها، ومرة عندما انتُزع مني آخر أثر لها.


بعد ترحيل أمي، تزوج أبي بامرأة مسلمة أخرى. كانت زوجة أبي الجديدة تعاملني بلطف، ولم يكن هناك ما أشكو منه في تعاملها معي. لكنها لم تكن أمي. كانت مجرد امرأة تعيش في نفس المنزل، تحاول أن تملأ فراغًا لا يمكن ملؤه. كنت أعيش معهما، لكنني كنت أشعر بالغربة حتى في منزلي.


كنت أرى أمي في أحلامي، أحيانًا كنا نتحدث، تخبرني عن أيامها في صغري، عن أشياء كنت قد نسيتها. ثم فجأة، تتغير نبرة صوتها وتسألني بحزن: "متى أستطيع أن أحتضنك؟" كانت عيناها تمتلئان بالدموع، وأنا، ببراءة الحلم، أجيبها: "نحن معًا الآن، يمكننا فعل ذلك متى نشاء." لكنها لم تستجب، فقط بكت بصمت، دموعها تنساب، وعيناها تحمرُّ، وكأنها تعلم شيئًا لا أعلمه. أحاول الاقتراب منها، لكنني لا أستطيع. قدماي ثقيلتان، ذراعاي جامدتان، كأن قوة خفية تمنعني من الحركة. أبدأ في الذعر، أحاول الصراخ، لكن لا صوت يخرج. ثم أستيقظ فجأة، أنظر حولي، وأتذكر: لقد كان مجرد حلم. لكن الحزن يبقى، والذعر لا يزول.


في بعض الليالي، كنت أحلم أنني أسمع باب المنزل يُفتح، خطوات حذرة تتسلل في الممر، ثم صوت أمي يناديني. قلبي ينبض بسرعة، أشعر أنها إذا لم تجدني فورًا، ستختفي من جديد. أركض لأفتح الباب، لكنني أستيقظ في سريري، في منزل لا تسكنه أمي.


وأحيانًا، كنت أحلم أن أمي تُنتزع مني بطرق مختلفة: مرة يخطفها رجال بزي رسمي، مرة تختفي في زحام السوق، مرة أبحث عنها في المنزل فلا أجدها، فقط فراغ بارد حيث كانت تقف.


ثم يأتي الصباح، وأستيقظ لأجد نفسي في سريري، وأشعر بالفراغ ذاته، لكن هذه المرة في قلبي. لم أكن بحاجة إلى حلم يذكرني أنها ليست هنا، لأن الواقع كان كافيًا.


تمكنت أخيرًا من التواصل مع أمي هاتفيًا. كانت تعيش في بلد آخر، بعيدة عني آلاف الأميال. صوتها كان يشبه صوت الأحلام التي كنت أرها كل ليلة. كنا نتحدث لساعات، تخبرني عن حياتها الجديدة، عن الأشياء التي تفعلها، عن الأماكن التي تزورها. كانت تحاول أن تعطيني الأمل، أن تخفف من ألمي، لكنني كنت أشعر بالمرارة كلما تذكرت أنها لم تعد هنا. كانت تسألني عن حياتي، عن دراستي، عن أحلامي، وكأنها تحاول أن تعيش معي كل لحظة تفوتها.


كنت أرى الأمهات مع بناتهن في الشارع، في السوق، على شاشة التلفاز، وأشعر بمرارة تملأ حلقي. لماذا حُرمت من هذا؟ لماذا يُعتبر وجود أمي في حياتي خطرًا؟ لماذا يجب أن تكون علاقتي بها موضع شك فقط لأنها تنتمي إلى دين مختلف؟


لم تكن هناك إجابات، فقط ألم. بكيت مرات كثيرة بصمت، في غرفتي، في الحمام، في أماكن لم يكن أحد يستطيع رؤيتي فيها. كنت أبكي لأنني كنت أفتقدها، ولأنني كنت عاجزة عن تغيير أي شيء.


من الخارج، كانت حياتي تبدو طبيعية، لكن داخلي كان ساحة قتال مستمرة. من سيدخل حقا النار أمي أم أبي؟ إذا كان الإسلام هو الحق، فأمي ذاهبة إلى جهنم، وإذا كانت المسيحية هي الحق، فأبي هالك. ماذا عني؟ هل سأختار أن أكون الابنة التي خسرت أحد والديها في الآخرة؟


قررت أن أبحث، أن أجد الحقيقة وحدي، بدون تأثير أي منهما. تسللت بين الكتب والمقالات والفيديوهات، أبحث عن إجابات، عن دليل يجعلني أرتاح. كنت مسلمة صباحًا، ومسيحية مساءً، وأحيانًا لا شيء في منتصف الليل. كانت رحلة البحث تلك مثل حرب داخل عقلي، ثلاثة أشهر من الشك، من الرعب، من الكوابيس، من الإحساس بالذنب، من الشعور أنني أخون الجميع، أبي، أمي، نفسي. كنت أبحث عن الحقيقة، لكن كل إجابة كنت أجدها تفتح بابًا جديدًا من الأسئلة.


ثم، في ليلة صامتة، بعد كل هذا العذاب، وصلت إلى الحقيقة التي لم أكن أتوقعها: لا شيء من هذا صحيح. لا الإسلام، لا المسيحية، لا أي دين. كلها كانت قصصًا تُروى، لا أكثر.


لم أحاول إقناع أحد، فهذه ليست رحلة يمكن أن يُدفع إليها شخص، بل هي شيء يسير فيه الإنسان وحده. كنت أفكر بكلمات المتنبي: "ذو العقل يشقى في النعيم بعقله... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم"، وأفهمها كما لم أفهمها من قبل. كلما عرفت أكثر، كلما صار من الصعب أن أرى الجانب الجميل في الحياة، لكنني لم أعد أريد أن أخدع نفسي.


واليوم، أحاول أن أركز على الحاضر وليس الماضي، أحاول أن أركز على ما يمكنني فعله، وليس على ما هو خارج نطاق تأثيري. لا أريد أن أعيش حياتي رهينة لما فُرض عليّ، بل أريد أن أسعى نحو مستقبل أكثر سعادة.


أحلم بالسعودية التي لا تفرض دينًا على أحد، حيث يستطيع الأطفال أن يختاروا معتقداتهم عندما يكبرون، حيث لا يُحرم طفل من أمه فقط لأن قوانين الدولة قررت أنه يجب أن يكون تابعًا لأحد والديه دون الآخر. أحلم بوطن لا يخشى التنوع، بل يحتضنه.


قد لا أرى هذا التغيير في حياتي، لكنه حلم يستحق أن أؤمن به.



#راش_أودين (هاشتاغ)       Rush_Odin#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجلاد الرحيم: أفكار بين العقاب والعذاب
- أكاذيب التوحيد وإنصاف التعديد
- التعقيد والوجود والتخبط في الظلام
- لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (15).
- لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (14).
- لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (13).
- لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (12).
- لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (11).
- لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (10).
- لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (9).
- لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (8).
- لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (7).
- لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (6).
- لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (5).
- لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (4).
- لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (3).
- لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (2).
- لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (1).
- هل يمكن إثبات وجود الله؟ الجزء الثالث.
- هل يمكن إثبات وجود الله؟ الجزء الثاني.


المزيد.....




- بجودة عالية ثبت تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 على نايل سات ...
- الاحتلال يمعن في وأد محاولات إعمار المسجد الأقصى بذكرى هبّة ...
- قائد الثورة الاسلامية:الحفاظ على النهج الثوري اهم ما يميز وز ...
- إسرائيل تتكتم على هويات يهود اعتقلتهم على خلفية انفجارات تل ...
- -هآرتس-: السلطات الإسرائيلية تتكتم على هويات يهود اعتقلتهم ع ...
- أميركي يهودي ينضم للمقاومة وترامب يبكي الأوروبيين
- باقة من أجمل أناشيد رمضان.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد ...
- بداية جديدة؟ يهود سوريا يرغبون في إحياء إرثهم بعد انتهاء الح ...
- 40 ألفا صلوا الجمعة في المسجد الأقصى
- 40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راش أودين - لهذا تركت الإسلام، قصة رقم (16).