أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - عبدالرزاق دحنون - الشيوعيون والنوم في العسل














المزيد.....


الشيوعيون والنوم في العسل


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 8260 - 2025 / 2 / 21 - 12:02
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


إلى روح الرفيق فؤاد النمري

الشرذمة التي تعبدُ لينين، والتي ازدراها لينين حتّى في شكلها المبدئي، كان لها تأثير كارثي على أفكاره. حنّطت نصوصه، التي لم يكن المقصود منها على الاطلاق أن تكون تعاليم، ولم تُكتب من أجل ذلك، وأدى ذلك لصعوبة فهم تكوين لينين وفكره السياسي.
المفكر الباكستاني طارق علي في كتابه مآزق لينين

الشيوعيون، على ندرتهم هذه الأيّام، وأنا منهم، نستطيع القول عنهم: إنهم في نومٍ عميق، وأين يا رفيق؟ في العسل! هل يحتاج هؤلاء القوم يا تُرى إلى من يوقظهم؟ وهل هم في غفوةٍ أم في غفلةٍ حقيقية، مع أنّ شخيرهم وصل إلى عنان السماء؟ وقد يسأل سائل: ولماذا تأمل منهم أن يستيقظوا إذا كان نومهم في العسل؟ حيث يزعم بعضهم (من النيام طبعاً) بأنّ الشيوعية ستسود العالم مهما حاول هذا العالم الإعراض عنها. هل تجد من يُصدّق أضغاث الأحلام هذه؟ نعم، بكلّ تأكيد تجد من يُصدّقها، لأنّ الشيوعية تحوّلت في مائة عام إلى عقيدة مُقدّسة تبعتها الأحزاب الشيوعية العالمية.

لما حاول بلاشفة روسيا بقيادة حكيمهم لينين قلب الدنيا لصالح العمال والفلاحين، نزلت عليهم نازلة من بينهم. وكان لينين قد وعدهم في مقالٍ خطير، منشور في جريدة البرافدا في العدد 251 بتاريخ السابع من نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1921، أنه حين ننتصر في النطاق العالمي، سنصنع من الذهب، كما أعتقد، مراحيض عامة في شوارع بعض أكبر مدن العالم، وسيكون ذلك أعدل استعمال للذهب وأوضحه دلالة للأجيال التي لم تنس أنه بسبب الذهب ارتُكبت أبشع المجازر بحقّ الإنسان.

مآزق عديدة وقع فيها أهل الشيوعية خلال مئة عام تتلخص في التناقض بين جوهر الشيوعية، وبين ظاهرها، أي شكلها، مظهرها، والذي يتبدّى في الأحزاب الشيوعية التي تحتكر هذا المدى الفسيح للفكر الشيوعي وتجعل منه عقيدة، شريعة، راية حمراء، مطرقة ومنجلاً، لا يأتيها الباطل، لا من بين يديها ولا من خلفها، شعارات، أيقونات، معبودات، مثل شجرة الزقوم التي لا تُسمن ولا تغني من جوع.

في الواقع، أو على صعيد الواقع، والرفيق لينين يؤكّد بأنّ الواقع أشياء عنيدة، تذهب الشيوعية في تصنيفها إلى شراذم. والشرذمة ليست شتيمة كما يُظن، بل هي في اللغة القليل من الناس، وفي التنزيل العزيز: "إن هؤلاء لشرذمةٌ قليِلون"، وتشرذم الناس تفرّقوا بشكل فوضويّ، تشرذمت الأمّة فصارت ضعيفة مستباحة. وتشرذمت الأحزاب الشيوعية فصارت مزقاً، ويقال: ثوبٌ شراذمُ، وثياب شراذمُ: ممزّقة خَلَقة.

يغيب الجوهر الحقيقي للفكر الشيوعي، ويصبح المتخيّل أكثر حضوراً من الواقعي، وبذلك يتوقف قلب الشيوعية عن الخفقان، بوصفها حركة ثورية، وتتحول إلى شبح مُهجّن، كسول، لا يُرعب أحداً، ويُصبح حامل الفكر الشيوعي متجهّم الفكر والوجه، ثقيل اللسان، كئيباً، عابساً، يميل إلى الانطواء، والخوف من الآخر، ويتمترس خلف متاريس من أوهامه، ويفقد صفة العطاء، ويطرح الديالكتيك من حياته، ويعيش في عزلة، فينفضّ الخلق من حوله، لا يطاول بلح الشام ولا عنب اليمن. وهذا عملياً حال الأحزاب الشيوعية في أغلب دول العالم، ومنها الدول العربية. ما العمل يا رفيق لينين؟ أعتقد أنّ العودة مفيدة بهذا الشأن إلى كتاب المفكر الباكستاني البريطاني طارق علي "مآزق لينين"، الذي صدرت ترجمته العربية من دار الكتب خان بمناسبة الذكرى المئوية لانتصار الثورة البلشفية عام 1917.

كتاب "مآزق لينين" تأريخ شديد العمق والجدية لحياة وعصر لينين، بوجهيه الشخصي والسياسي، ولعلّ التاريخ لم يرتبك في توصيف شخصيّة تاريخية كما فعل مع لينين، إذ يراه البعض ديكتاتوراً، ويراه البعض الآخر ثائراً وزعيماً، ومُخلّصاً. وبين الديكتاتورية والزعامة، تظلّ ملامح الحقيقة ضبابية وغائمة، وهذه تحديداً هي المهمّة التي حملها الكتاب على عاتقه. يرصد طارق علي في كتابه شخصية لينين بكلّ تقلباتها وتناقضاتها، فيقدّمه في تجلياته المختلفة: لينين الثوري والسياسي، قارئ الأدب وعاشق الموسيقى الكلاسيكية، ربّ الأسرة ورجل الدولة. وعبر مئات الكتابات والوثائق، يتتبّع طارق علي صورة لينين، نافضاً الغبار عن سيرته ونصوصه، لكي ينقذها من التحنيط، ومن استغلال الأعداء والأصدقاء، ويعيد وضعها في سياقها التاريخي الملائم.

كلّ شيء كان لينين يخشى حدوثه حدث بالفعل، بداية مما فعله تلميذه جوزيف ستالين بالجسد الميت، مع أنّ عائلة لينين، وخاصة أرملته، عارضت بقوة تحنيط جسده حتى لا يتحوّل لينين الثوري إلى قديس بيزنطي. حيث وقفت الأرملة إلى جانب نعش زوجها في الجنازة وألقت خطاباً هادئاً، قالت فيه: أيها الرفاق، العاملون والعاملات، والرجال والنساء الحاضرون، لدي طلب عظيم منكم: لا تنصبوا تماثيل له، أو تُسمّوا قصوراً باسمه، أو تنظموا احتفاليات وقورة وفخمة لذكراه، لم تكن لهذه الأشياء قيمة كبيرة في حياته، بل حتى كانت عبئاً عليه. تذكروا عدد الفقراء والمشردين في بلادنا. إذا كنتم تريدون تكريم اسم لينين، فأنشئوا بيوتاً للأطفال ورياضاً لهم ومنازل ومدارس ومكتبات ومرافق إسعاف ومستشفيات ومنازل للمصابين، وقبل كلّ شيء، كونوا شهادات حيّة على مُثُله.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات سورية
- متلازمة البطة العرجاء
- الشّعب معصِّب
- هل كان ألبرت أينشتاين اشتراكياً؟
- السعي لفهم أسرار الكون
- كيف سيغير ترامب العالم؟
- بقايا كلام في جمهوريّات العسكر
- هل تحتاج إلى الدّين كي تكون إنساناً أخلاقيّاً؟
- في التفكير المستقيم والتفكير الأعوج
- اليسار العربي حاطب ليل
- عطس الأسد فخرج السنور من أنفه
- حسيب كيالي يشكو أمره إلى رئيس الجمهورية
- احتفظ بأصدقائك قريبين وبأعدائك أقرب
- الميسور يأكل ثلجاً في جهنم
- لينين وابن عمي نضال
- كيف أحبَّ جدّي سميرة توفيق؟
- على هامش يوم ميلاد لينين
- كيف ظهر البشر على كوكب الأرض؟
- إرث كونفوشيوس فاق في تأثيره ميراث لينين
- نساء في السجون الأمريكية


المزيد.....




- في إجراء -غير مسبوق-.. الإطاحة بعدد من قيادات الجيش الأمريكي ...
- -الامتناع عن دفع الإيجار، والدفاع عن النفس في حال الطرد-، ما ...
- الغارديان: ما المعادن النادرة في أوكرانيا ولماذا يريدها ترام ...
- ترامب يقيل رئيس الأركان الجنرال تشارلز براون
- زعيم حزب فرنسي يدعو إلى مظاهرة من أجل خروج بلاده من الاتحاد ...
- وزير الخارجية الأوكراني يبحث التسوية السلمية للنزاع مع نظيره ...
- -ديلي تلغراف-: بريطانيا تعلن عن مساعدات عسكرية لأوكرانيا وعق ...
- فيتسو يقترح إنهاء الأزمة الأوكرانية على أعتاب ذكرى يوم النصر ...
- -نفتوغاز أوكرانيا- تعلن عن صعوبات كبيرة بسبب الأضرار التي لح ...
- إعلام: أوروبا تستعد لتوجيه ضربة مرتدة للولايات المتحدة


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - عبدالرزاق دحنون - الشيوعيون والنوم في العسل