أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضيا اسكندر - الإيزيديون في سوريا: تاريخهم ومعتقداتهم ومعاناتهم من الاضطهاد















المزيد.....


الإيزيديون في سوريا: تاريخهم ومعتقداتهم ومعاناتهم من الاضطهاد


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 8260 - 2025 / 2 / 21 - 09:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم تكن معرفتي بالديانة الإيزيدية في سوريا تتجاوز حدود الإلمام البسيط، حتى أتيحت لي فرصة الإقامة في مدينة القامشلي، حيث التقيت بعدد من الإخوة الكرام الذين ينتمون إلى هذه الديانة العريقة. كانت تلك اللقاءات بمثابة بوابتي الأولى للتعمق في عالمهم الروحي، الذي أثار فضولي المعرفي ودفعني إلى الغوص في قراءات مكثفة عنهم. ومن خلال هذه الرحلة المعرفية، أودّ أن أقدّم فيما يلي نبذة عن هذه الديانة العريقة: تاريخها، وأهم معتقداتها وطقوسها، ومعاناة من يعتنقها.

تُعدّ الإيزيدية واحدة من أقدم الديانات في العالم، بجذور ضاربة في عمق التاريخ. يعيش الإيزيديون في مناطق متفرقة من الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا، حيث يشكلون جزءاً أصيلاً من نسيجها الاجتماعي والثقافي. ومع ذلك، فقد عانوا عبر عقود من الاضطهاد والتهميش، خاصةً في ظل الصراعات السياسية والطائفية التي اجتاحت المنطقة في السنوات الأخيرة.

يعود وجود الإيزيديين في سوريا إلى قرون طويلة، يتركز الإيزيديون بشكل رئيس في محافظة الحسكة ومدنها وقراها، مع وجود تجمعات صغيرة في بعض قرى محافظة حلب، بالإضافة إلى أعداد محدودة في دمشق ومدن أخرى، خاصة بين أولئك الذين نزحوا بحثاً عن الأمان.

بعد عام 2011، هاجر العديد من الإيزيديين إلى دول أوروبية أو استقروا في مناطق أكثر أماناً داخل سوريا، بعد أن تعرضت قراهم للتدمير جرّاء هجمات تنظيم داعش والجماعات المسلحة، وخاصة في ريف مدينة الحسكة وسري كانيه/ رأس العين، ولا توجد إحصاءات رسمية دقيقة عن عددهم الحالي، لكن التقديرات تشير إلى أنهم يتراوحون بين 50,000 و70,000 شخص، وهو عدد أقل بكثير مما كان عليه قبل الأزمة.

الإيزيدية ديانة توحيدية تؤمن بإله واحد خالق للكون يُدعى “خودا”. ويُعدّ “طاووس ملك”، زعيم الملائكة، من الرموز المحورية في هذه الديانة. تتميز الديانة الإيزيدية بطقوسها الدينية الفريدة، ومن أبرز هذه الطقوس زيارة معبد لالش، الذي يُعدّ أقدس مكان لديهم، حيث يتجلّى فيه الإرث الروحي للإيزيديين.

يصلي الإيزيديون خمس مرات يومياً، ويتوجهون خلالها نحو الشمس، التي تُعدّ في معتقداتهم رمزاً للضوء والحياة، مما يعكس تقديسهم لقوة الطبيعة وارتباطهم بها. ويصومون عدة مرات في السنة، وأهمها الصوم الكبير الذي يستمر ثلاثة أيام قبل عيد رأس السنة. بالإضافة إلى ذلك، يقدم الإيزيديون القرابين، مثل الأغنام أو الدجاج، خلال الأعياد الدينية أو عند تحقيق النذر، ويتم توزيع لحم هذه القرابين على الفقراء والمحتاجين تعبيراً عن التضامن الاجتماعي والإحسان.

للإيزيديين أعياد دينية متنوعة، إلا أن أبرزها على الإطلاق هو عيد رأس السنة الإيزيدية، المعروف بـ “الأربعاء الأحمر”، والذي يُحتفل به في أول أربعاء من شهر نيسان. يُعدّ هذا العيد، الذي يجمع بين الفرح الروحي والتجديد، مناسبة للتعبير عن الولاء للعقيدة والاحتفاء ببداية عام جديد مليء بالأمل والبركات.
على مر العصور، تحمّل الإيزيديون وطأة الاضطهاد بسبب معتقداتهم الروحية، التي عدَّها البعض “غير تقليدية”، بل ووصل الأمر إلى اتهامهم زوراً بـ “عبدة الشيطان”. وعلى الرغم من أنهم عاشوا لقرون في سلام مع جيرانهم من مختلف الطوائف في سوريا، إلا أنهم واجهوا تحديات جسيمة خلال القرن العشرين، خاصة في ظل حكم نظام البعث، الذي عمل على تعزيز الهوية العربية والإسلامية، متجاهلاً بذلك التنوع الديني والثقافي الغني الذي تتمتع به المنطقة. أدى هذا الوضع إلى تفاقم معاناتهم، حيث تعرضوا للتهميش والإقصاء، مما زاد من صعوبة الحفاظ على تراثهم وهويتهم المميزة.

أهم ما يعانيه الإيزيديون في سوريا:
معاناة الإيزيديين في سوريا ليست مجرد تاريخ أو إحصاءات، بل هي مأساة مريرة يعيشونها على أرض الواقع. فخلال العقود الماضية، وخاصة في السنوات الأخيرة التي أعقبت الأزمة السورية، تعرضوا لويلات لا تُحتمل.

في عام 2014، شهد الإيزيديون واحدة من أبشع المجازر في العصر الحديث، عندما استهدفهم تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق بعنف وحشي. في شنكال، تعرضت قرى إيزيدية لهجمات مروّعة، حيث اختُطفت النساء والأطفال وبيعوا كعبيد، بينما أُبيد الرجال بشكل ممنهج. حتى اليوم، لا تزال عائلات إيزيدية تبحث عن أحبائها المفقودين، فيما تعاني النساء الناجيات من أسر داعش من صدمات نفسية عميقة، ويواجهن صعوبات في العودة إلى مجتمعاتهن بسبب وصمة العار الاجتماعية.

كما تعرضت المقدسات الإيزيدية في سوريا للتدمير الممنهج على يد الجماعات التكفيرية المسلحة، مثلما حدث لمزارات الإيزيدين في عفرين ونبش مقابر الإيزيديين في قرى رأس العين.
إلى جانب ذلك، واجه الإيزيديون تمييزاً قاسياً في الحصول على حقوقهم الأساسية، مثل التعليم والعمل. ففي المناطق التي كان يسيطر عليها نظام الأسد أو الجماعات المسلحة، حُرم العديد من الأطفال الإيزيديين من التعليم بسبب انعدام المدارس أو الفقر المدقع، بينما عانى البالغون من صعوبات في الحصول على وظائف بسبب انتمائهم الديني.

هذه المعاناة ليست مجرد سرد لأحداث، بل هي نداء استغاثة من شعب يحاول الحفاظ على وجوده وهويته في وجه الظلم والنسيان. وبفعل التهجير القسري والاضطهاد المتواصل، بدأ العديد من الإيزيديين يفقدون صلتهم بثقافتهم العريقة وتقاليدهم الأصيلة، خاصة في مخيمات النزوح المكتظة أو المناطق الحضرية التي تفتقر إلى الفرص لممارسة طقوسهم الدينية أو تعلم لغتهم الأم، التي تُعدّ جزءاً أساسياً من هويتهم.

هذه الأمثلة المؤلمة ليست سوى لمحة بسيطة من معاناة الإيزيديين في سوريا. فكل قصة من هذه القصص تحمل في طياتها مأساة إنسانية عميقة، وتذكيراً صارخاً بضرورة العمل الجاد لإنصاف هذه الطائفة التي تحملت وطأة الظلم عبر القرون.
إن إنصاف الإيزيديين ليس مجرد مسألة عدالة أو حقوق إنسان فحسب، بل هو واجب إنساني وأخلاقي يفرض علينا جميعاً أن نعمل من أجل ضمان عيشهم بسلام وكرامة، جنباً إلى جنب مع بقية الأقليات، بعيداً عن الخوف والاضطهاد. فحماية تنوعنا الثقافي والديني هي حماية لإنسانيتنا المشتركة، وضمان لمستقبل أكثر إشراقاً للجميع.
اليوم، يطالب الإيزيديون، الذين يشكلون جزءاً أساسياً من نسيج هذا البلد الغني بتنوعه، بالتمتع بعدد من الحقوق الأساسية، منها:

• الاعتراف الرسمي بديانتهم: إذ لا تزال الإيزيدية غير معترف بها رسمياً في سوريا، مما يحرمهم من حقوق دينية وقانونية.
• الحماية الأمنية: يطالبون بحماية مناطقهم من الهجمات المسلحة والتهجير القسري.
• تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية: يعاني الإيزيديون من الفقر ونقص الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية.
• المشاركة السياسية: يسعون لتمثيل عادل في المؤسسات الحكومية والمحلية لضمان حقوقهم والإسهام في صنع القرار.

وحيث إننا مقبلون على مؤتمر وطني يضم كل المكونات السياسية والقومية والدينية، كما وعدت به إدارة العمليات العسكرية في الأسابيع القادمة، نأمل من اللجنة التحضيرية التي ذكرها السيد أحمد الشرع في كلمته عقب تنصيبه رئيساً للبلاد، أن تتم دعوة الإيزيديين للمشاركة وتقديم مطالبهم المحقة والمشروعة، وأن يلمسوا تحولاً إيجابياً في أوضاعهم.
فهل سنرى خطوات فعّالة نحو تحقيق العدالة والمساواة لهذا المكون الأصيل والمسالم، الذي ظلّ لسنوات طويلة يعاني في صمت؟



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من التطرف إلى الاعتدال.. حقيقة التحول أم ضرورات البقاء؟
- ثقافة التصفيق والتهليل: متلازمة الاستبداد والتبعية
- دور الخوف في تخلّف الشعوب
- الغطرسة لا تُهزم إلا بمثلها
- الساحل السوري بعد فرار الأسد.. فرح عابر وتحديات مستمرة
- خطة ترامب لتهجير غزة: بين المخطط الأمريكي وإرادة الشعوب
- هل يشكل نظام اللامركزية تهديداً للوحدة السورية؟
- مذاهب مختلفة وقلوب واحدة
- العلمانية في سوريا.. خيار الخلاص من الطائفية
- إسقاط سلطة أم إسقاط نهج؟
- ترامب وفلسطين.. صراع مفتوح وأمل لا يموت
- دعوة للعيش المشترك واحترام التعدد الديني والطائفي
- لماذا لم يلقِ قائد إدارة هيئة تحرير الشام خطاباً حتى الآن؟
- التضامن الأممي.. سلاحنا ضد الظلم والتعتيم الإعلامي
- مستقبل غامض لملايين السوريين تحت حكم هيئة تحرير الشام
- وحدة القوى الكردية في سوريا.. مفتاح لضمان حقوق مستدامة
- دعوة لبناء الدولة المدنية والعيش المشترك
- مستقبل الأحزاب الموالية بعد سقوط البعث.. هل يغفر الشعب السور ...
- هيئة تحرير الشام.. مساعي الهيمنة في خضم الفصائل السورية المت ...
- عودة اللاجئين السوريين أم هجرة المقيمين إلى الخارج؟


المزيد.....




- الفاتيكان: صحة البابا في -حالة حرجة- بعد أزمة تنفسية
- الانتخابات الألمانية: صراع القيم بين الكنيسة وتوجهات الأحزاب ...
- يهود ألمانيا: هجوم الطعن في برلين يكشف عن عالم فكري أيديولوج ...
- علمانية الجامعات في العراق على المحك
- الفاتيكان: البابا فرنسيس يلغي صلاة التبشير الملائكي التقليدي ...
- لجنة رئاسية فلسطينية: إسرائيل تصعّد حربها ضد الكنائس في القد ...
- لجنة متابعة شئون الكنائس: إسرائيل تصعّد حربها ضد الكنائس في ...
- بابا الفاتيكان لا يزال في المستشفى.. أطباء يوضحون آخر تفاصيل ...
- ولايتي: اميركا هي العدو الاكبر للمقاومة والامة الاسلامية
- لاجئ سوري مشتبه به -خطط لقتل يهود- عند نصب الهولوكوست في برل ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضيا اسكندر - الإيزيديون في سوريا: تاريخهم ومعتقداتهم ومعاناتهم من الاضطهاد