أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عمار السواد - هو الهنا كما هو الهكم...















المزيد.....

هو الهنا كما هو الهكم...


عمار السواد

الحوار المتمدن-العدد: 1795 - 2007 / 1 / 14 - 07:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لم اكن اتوقع يوما ان يكون ما درسته، في علم المنطق خلال دراساتي الاسلامية، حول الفرق بين الوقائع الخارجية والصور المكتسبة منها اهمية كما بدت لي الامور الان. كنت اضحك، احيانا، من اتعاب ارسطو نفسه في البحث بهذه الاشياء، وطالما بحثت له عن المبررات، بالقول ان العلم كان في مراحله الاولى. لكن، في الحقيقة، تبقى استهانتي انذاك ناجمة عن ان العقل النقدي غير المحدود لدي لم يكن متبلورا بعد، وهذه التفاصيل، تحتاج الى عقل نقدي يستخدمها بالطرق المناسبة ويستكشف قيمتها من خلال تطبيقاتها. طبعا انا لا اتحدث عن كل المنطق الارسطي، فهو في نهاية المطاف منهج تمكنت مناهج منطقية وفلسفية حديثة ومعاصرة من تجاوز العديد من تفصيلاته، بل ومفاصله المهمة. لكن بعض المبادئ الاساسية في منطق ارسطو تبقى مهمة وجذرية في اطار التعاطي مع مجمل الشؤون المعرفية والفلسفية وحتى الايدلوجية.
الفرق بين الوقائع الخارجية والصور المكتسبة منها، من اهم القضايا التي استخدمها علم المنطق بصيغته الارسطية، وتحدث عنها، ونظّر له جميع الفلاسفة والمنطقيين اللاهوتيين وغير اللاهوتيين بعده. لكنها لم تستخدم، في اكثر الاحيان، الا للتعامل مع بعض التفصيلات الكلامية والفلسفية (والفقهية لدى فقهاء الشيعة بعد القرن العاشر)، وهي في الغالب تفصيلات نظرية ليس لها قيمة عملية مهمة، بحيث رجمت من قبل بعض "الناقدين" بانها لا تعدو بحوثا ترفيّة ليست ذات قيمة ثقافية او عملية.
وعلى الرغم من ذلك السفه والسطحية في تطبيق هذه الفقرة المنهجية على المعطيات الدينية، فان هذا لا يقلل من اهميتها، كونها تساهم الى حد كبير في وضع حد لرؤية ايدلوجية جعلت من الله وسيلة اقصاء وتهميش، ففكرة الله مهما قيل عنها، تبقى فكرة مقدسة ومركزية لدى الغالبية من الناس. واتهام اي جهة او شخص بالكفر بالله يعني في نهاية المطاف نسف لهذه الجهة وافكارها ومتبنياتها، وقتل للفرد وقناعاته.
ان الدينيين استفادوا من مغالطة مهمة فيما يتعلق بالله، وهي انهم وضعوا الدين الطريق الوحيدة لتفسير الاله، وبالتالي جعلوا الايمان بالله نتيجة لابد من اتباع سبيل الدين للوصول اليها. فهم اصحاب التفسير السائد لفكرة الله، وعلى الانسان الايمان بالله وفق التصوير الديني. وساهمت التيارات الفلسفية والفكرية والايدلوجيات الاخرى في نمو هذا التصور، من خلال اللجوء الى انكار وجود الله كخطوة اساسية لتجاوز حقبة الدين وتفكيك القيود على حرية الفكر.
وبالنتيجة اصبح الله حكرا على الدينيين، واضحى الكفر به تهمة ضد اصحاب التصورات والرؤى النقدية خارج السياقات الدينية. وهي تهمة تكون احيانا حقيقية، لكنها في اغلب الاحيان لا تعدو كونها اتهاما اوقع نقاد الدين انفسهم فيه، وارتاح له الدينيون.
ان الله، الذي نؤمن به نحن البشر مهما كان وجوده الحقيقي هو بالنسبة الينا صورة انتزعتها اذهاننا او اطبقت عليها قلوبنا. ان الاله الذي نبحث عنه، او نحارب من اجله، او نجادل لاثباته، او يقتل بعضنا البعض في سبيله... ما هو الا الصورة التي اكتشفناها من خلال تصورات محددة او من خلال معلومات مكتشفة او منقولة او استدلالات ما. فلم يره احدنا، ولم يسمع اي منا كلماته مباشرة، ولم ولن نعرف مكانه، وما السماء بالنسبة الينا الا تعبير عن العلو الذي نر الرب فيها، اننا في النهاية نجادل ونحاور ونتقاتل ونموت للدفاع عن الصورة الموجودة لدينا عنه، ونكذب ان قلنا ان ما نفعله هو في سبيل الموجود الحقيقي الذي لم يره اي منا. نحن ندرك وجود الله، لكننا لم نكتشف من هو وكيف هو وكيف يكون وجوده حتى الان.
الصور الموجودة في القلوب او في العقول عن الخالق هي في نهاية المطاف صور وليست حقائق. ان الله الموجود في حقيقة ما، يبقى غير محسوس، فهو يتمظهر في تكوينات داخل الذات البشرية فتؤمن به، وهي في النهاية تؤمن بما هو في ذاتها.
التفسير الديني للاله بنصوصه القرآنية او الانجيلية او التوراتية... هو تصوير، يبقى باعتراف اللاهوتيين الدينيين انفسهم، تصويرا عاجزا عن ادراك الموجود الاعلى الخارق لكل التصورات والمتعالي عن كل الكلمات. صحيح ان المتدينين يقولون ان ذلك التفسير يبقى الاسلم والاقرب الى الحقيقة، لكن مهما صح هذا الكلام فانه لا يعني انه التفسير الوحيد لله، او الايمان الاوحد به.
لذلك عندما ينكر البعض صحة الوحي، او ينقد البعض امكانية استمرارية فاعلية الديانات السماوية في نجاعتها القديمة وفق مناهج تاريخية محددة، فان هذا لا يعني بالضرورة انكارا لله، او كفرا به. بل احيانا ينطلق من خلال ايمان محدد به، مفاده ان الله الذي ليس كمثله شي، كما يقول القرآن، لا يمكن ان يتوقف البحث في صوره وانبعاثها في النفس الانسانية بالصيغة التي طرحت قبل خمسة عشر قرنا او عشرين او ثلاثة وثلاثين. فالانسان الذي تطور في كل شي، والذي تجاوز الاساليب البدائية في الخير والشر لا يمكن ان يتجمد في اطار تصور واحد عن الله، لانه بذلك سيسئ الى الذات الخيرة التي تسكن كل مكان.
كيف لاحد ان يقيد تصوير الله، وصورته في ذهن كل انسان او قلبه تختلف عن صورته في ذهن الاخر، كل مسلم وكل مسيحي وكل يهودي... لديه صورة عن الله، قد تجمع بينها بعض الاساسيات، ولكن تختلف في التفاصيل. لذلك البعض يقتل باسم الله، والبعض يعفو بنفس الاسم، البعض يخاف بذكر الله والبعض يتشجع، البعض يدعو الى السلم والبعض يدعو الى الحرب، البعض يقيد حرية الفكر والبعض يراه مطلقا، كل ذلك باسم الله. ان الصورة هي التي تدعو الى ذلك، وليس الله، فالله لا يدعو الى المتناقضات.
لذلك، يبدو اتهام بعض الفلاسفة بالكفر بالله، رغم ايمانهم، اتهام اوسع شمولا للفلسفة والفكر والتصوف والعلم، فهو يشمل الاسلاميين والمسيحيين واليهود... لانهم لا يؤمنون الا بالصورة.
نحن، فعلا، بحاجة الى دراسة عميقة للفوارق بين الدين والايمان. فالايمان بالله امر يختلف جذريا عن الدين الخاضع للتغيير والاندثار والمعرض للتاريخية، في حين ان الايمان هو معطى فردي يرتبط بالخلفيات وتراكم التصورات.
ان خطورة انكار الله تكمن في دعوة الانسان لانتزاع صورة يهديئ بها من روعه، وهو في النتيجة انكار يوقع الفكر في متاهات تجاوز العلية في روح الوجود. وهو في الوقت ذاته تهميش للفكر النقدي، واعطاء الدينيين هدية كبرى، تبقيهم لوحدهم في خط التصور الالهي. واندفاع لا محدود باتجاه نقطة لا تلتقي وطبيعة الانسان الباحث دوما عن غيب يشعر به ولو للحظة واحدة.
عذرا.. فكانت لم يكن كافرا، رغم عزوفه عن التصورات الدينية، وعذرا فالانبياء لم يكونوا الا انعكاسا لشكل من اشكال الايمان وليسوا اصحاب الكلمة الاخيرة حول موجود اعلى من ان يوضع في بوتقة تاريخية تحددت قبل قرون.


بغداد
12-1-2007



#عمار_السواد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قلبي معك يا مدينة الفقراء
- انه الشعر.. استبد بنا فجلعنا كلمات فاغرة!!
- الشهيد صدام حسين
- احمرار الصورة وانقطاع الصوت
- علاقات هامسة.. فوضى الجنس السري في مجتمع التحريم
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! .. الحلقة الأخيرة: في ال ...
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! ..الحلقة السادسة.. الدول ...
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! ..الحلقة الخامسة
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! ..الحلقة الرابعة
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم..الحلقة الثالثة
- جميعهم لوث التاريخ والقيم!.. الحلقة الثانية
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم!.. الحلقة الاولى
- شروع بالقتل..شبكة الاعلام بانتظار العلاج او الموت
- ارتدادات الاعلام العراقي..عودة وزير الاعلام
- تبعيث الليبرالية.. قراءة في بوادر خطاب ليبرالي مقلق
- شيعة العراق بين ايران وامريكا والعرب.. العودة الى العام 91


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عمار السواد - هو الهنا كما هو الهكم...