|
أما آن لهذا الفساد أن ينتهي؟
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 8259 - 2025 / 2 / 20 - 17:42
المحور:
الفساد الإداري والمالي
صرخة عاجز. لم يكن متوقعا ولا حتى مقبولا من السيد نزار بركة، أمين عام حزب يشكل أحد أضلاع التحالف الحكومي، أن يصرخ صرخة العاجز عن التصدي إلى "جشع" الجشعين و"استباحتهم أموال المغاربة". صرخة توحي لعموم المواطنين أن معركة محاربة الفساد باتت خاسرة، ولم تعد للحكومة من وسيلة سوى مخاطبة "الجشعين" بخطاب أخلاقوي على لسان السيد بركة “أريد أن أقول لهؤلاء اليوم ونحن في شهر شعبان: اتقوا الله في المغاربة، وبراكة عليكم من أكل أموال المغاربة، قلصوا هوامش ربحكم”. فالمواطنون لا ينتظرون صرخات التشكّي من الجهاز التنفيذي، بل يريدون إجراءات حازمة لحماية قدرتهم الشرائية من التدهور بسبب الغلاء الفاحش الذي لم يقتصر على اللحوم والدواجن والبيض، وإنما شمل كل المواد الغذائية. المال السايب يُعلّم السرقة. إن المعطيات التي كشف عنها رئيس الهيئة محمد البشير الراشدي، خلال تقديم الخطوط العريضة للتقرير السنوي للهيئة برسم 2023، تبين حجم الفساد الذي ينخر الدولة والمجتمع من خلال التهامه ما بين 3,5% إلى 6% من الناتج الداخلي الخام، أي بما يفوق 50 مليار درهم ككلفة سنوية. وهذا مبلغ مهم كفيل بتوفير الخدمات الأساسية وفرص الشغل لشريحة مهمة من المواطنين الذين يعانون البطالة والهشاشة وانعدام الخدمات الطبية. إنه إنذار خطير أطلقه السيد الراشدي عسى الحكومة أن تسارع إلى اتخاذ الإجراءات الصارمة ضد الفاسدين والمحتكرين وناهبي المال العام. وطالما ظل ساريا قرار "عفا الله عما سلف" الذي اتخذه رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بنكيران، وسار على نهجه خلفُه سعد الدين العثماني، فإن إستراتيجية محاربة الفساد لن تحقق أهدافها. ولعل الرتب التي احتلها المغرب في مؤشر الفساد تعكس استفحاله بتواطؤ مكشوف من الحكومات، خاصة تلك التي قادت البلاد، منذ 2011، والتي توفرت لها كل الوسائل الدستورية والقانونية والسياسية لمحاربة الفساد دون جدوى. ذلك أن تهافت الأحزاب على المكاسب والمناصب أفقدها الحس الوطني في اختيار مرشحيها للانتخابات؛ مما جعلها تفتح المجال أمام لوبيات الفساد وتجار المخدرات وناهبي المال العام، بمن فيهم أولئك الذين صدرت في حقهم أحكام قضائية أو لازالت قضاياهم معروضة أمام المحاكم. ولعل نسبة البرلمانيين المتابعين بتهم الفساد، وتبذير المال العام، وخيانة الأمانة، والمتاجرة في المخدرات، والنصب والتزوير والاستيلاء على ممتلكات الدولة وممتلكات المواطنين (12%) وكذا رؤساء المجالس الترابية المتورطين في نهب وتبذير المال العام (20%) كفيلة بتأكيد، ليس فقط اختراق الأحزاب والمؤسسات، بل بتواطؤ الأحزاب مع الفاسدين. ترسانة قانونية ودستورية معطَّلة. يتوفر المغرب على ترسانة قانونية ودستورية مهمة لمحاربة الفساد، فضلا عن آليات وبرامج حكومية أهمها: اللجنـة الوطنيـة لتخليـق الحيـاة العامـة سـنة 1999، وبرنامجـي عمـل الحكومـة لسـنتي 2005 و2010، ثـم الاستراتيجية الوطنيـة لمكافحة الفسـاد سنة 2015، ثم الصيغة المحيّنة للاستراتيجية لسنة 2018. فضلا عن مؤسسات الحكامة بما في ذلك الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومؤسسة الوسيط ومجلس المنافسة؛ وأخيرا الرؤية الإستراتيجية التي تهدف إلى «توطيد النزاهة والحد من الفساد بالمغرب بشكل ملموس في أفق2025». وبالعودة إلى الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في صيغتها المحيّنة لسنة 2018 نجدها وضعت لها هدفين: أ ـ جعل الفساد في منحى تنازلي بشكل ملموس وبصفة مستمرة وتعزيز ثقة المواطنين. ب ـ تحسين نزاهة مناخ الأعمال وتموقع المغرب دولياً. وحددت ثلاث مراحل لتنفيذ هذه الاستراتيجية على مدى عرش سنوات 2016 - 2025 : مرحلة الانطلاقة بني 2016 و 2018، تم خلالها تحديد بعض المشاريع التي يسهل على المواطنين تتبعها، وتحضير القاعدة القانونية للمشاريع اللاحقة، وذلك من أجل الدفع بدينامية الاستراتيجية الوطنية؛ مرحلة التوسيع من 2019 إلى 2021، وتسعى إلى التغيير الجدري في العلاقة مع الفساد داخل المجتمع بشكل عام؛ مرحلة النضج من 2022 إلى 2025، وترتكز على التغييرات التي ستحدثها المرحلتان السابقتان وعلى التحضير لدورة جديدة من الاستراتيجية العشرية. نحن أمام إستراتيجية امتدت على مدى عقد من الزمن دون أن تحدّ من تفشي الفساد واستشرائه. الجدير بالملاحظة والانتقاد هو أن برامج الاستراتيجية، رغم تبنيها برنامج "تقوية المتابعة والزجر" من خلال:" توسيع وتجويد آليات الإبلاغ والنشر في مجال مكافحة الفساد؛ دعم وتأهيل الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد؛ مراجعة الإطار القانوني المتعلق بمكافحة الفساد"، إلا أن الحكومات لم تضع محاربة الفساد على رأس أولوياتها؛ ومن ثم لم تعمل على إضفاء الإلزامية على مساطر محاربة الفساد بالنسبة للجهات والمؤسسات المعنية به. الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات الفساد في المغرب، حيث احتل، سنة 2024، الرتبة 99 عالميا بـ 37 نقطة، مسجلا بذلك تراجعا بدرجة واحدة عن 2023، إذ حصل على 38 نقطة من 100، متقهقرا بـ4 دراجات، عما كان عليه الوضع في سنة 2022 حيث حل في المرتبة 94. وبسبع درجات عما كان عليه سنة 2021 التي احتل فيها الرتبة 87. بينما سنة 2020 فقد احتل المرتبة 86، أما في سنة 2019 فكانت رتبته 80، فيما ظلت سنة 2018 استثنائية باحتلاله الرتبة 73. أما عام 2017 فقد احتل الرتبة 81. وتجدر الإشارة إلى أن السنة الأولى من اعتماد الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2016، احتل المغرب المرتبة 90 متقهقرا بدرجتين عن سنة 2015. وكان من المفروض أن يحتل المغرب، بعد اعتماده هذه الترسانة الدستورية (ربط المسؤولية بالمحاسبة) والقانونية أن يرتقى، كما كان مرتقبا، من النقطة العددية 36/100 إلى 60/100 في أفق سنة 2025، لا أن يتقهقر إلى الرتبة 99، وكأن الدولة استسلمت للفاسدين. الأمر الذي يطرح السؤال حول جدوى الإستراتيجيات والقوانين ومؤسسات الرقابة. البحيْرة سايْبة والربّاع مات. إن فشل الحكومة في محاربة الفساد يسيء إلى مؤسسات الدولة وسمعة المغرب دوليا، كما يُفقد الأحزاب مصداقيتها ودورها في تأطير المواطنين وإشاعة روح المواطنة. وفوق كل هذا يعطّل الدستور ويتجاهل تشديد جلالة الملك على ضرورة مواجهة الفساد والفاسدين في أكثر من مناسبة، ومنها خطاب العرش 2016(أدعو الأحزاب لتقديم مرشحين، تتوفر فيهم شروط الكفاءة والنزاهة، وروح المسؤولية والحرص على خدمة المواطن.. فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع: الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين. والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة). وحتى المجهود الذي يقوم به المجلس الأعلى للحسابات يتم تجاهله من طرف الحكومة والبرلمان. وسبق للرئيس السابق للمجلس، السيد إدريس جطو، أن تساءل أمام البرلمانيين "عن مآل التقارير التي تُرسل للحكومة وإلى وزير المالية والوزير المكلف بالقطاع الذي تمت مراقبته". والخطير في الأمر أن الحكومة ترفض أن تكون محاربة الفساد مسؤولية المجتمع بتجريد المجتمع المدني من تقديم ملفات الفساد إلى القضاء من خلال مشروع المسطرة الجنائية في المادة 3، الذي ينص على أنه لا يمكن تحريك الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في جرائم المال العام الا بناء على طلب من رئيس النيابة العامة بعد ان تحال عليه تقارير المجلس الأعلى للحسابات أو المفتشية العامة للداخلية أو الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة وإما المفتشيات العامة لباقي الإدارات. إنه توجه حكومي لحماية الفساد وتحصين الفاسدين، بدليل أن الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، زينب العدوي، أكدت في عرضها أمام البرلمان الأربعاء 15 يناير 2025، أن "الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات (أحال)، خلال الفترة ما بين سنة 2022 إلى متم شهر شتنبر ،2024 ستة عشر (16( ملفا على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض قصد اتخاذ المتعين بشأنها. ويتعلق الأمر بقرائن أفعال ذات صبغة جنائية مرتبطة بمجالي تنفيذ الصفقات والتعمير أو متعلقة بمنافع شخصية غير مبررة أو بالإدلاء بشواهد مرجعية للولوج لطلبيات عمومية تتضمن معطيات غير صحيحة". وهذا يعني أن ليس كل الملفات التي ينجزها المجلس الأعلى للحسابات تحال على القضاء.
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعديل مدونة الأسرة يكشف عداء جماعة ياسين للنظام وللنساء.
-
التكفير والتحريض على الكراهية أخطر منابع الإرهاب وجب تجريمهم
...
-
سوريا بعد طوفان الأقصى الذي جرف نظامَها.
-
جراندو -الشيطان الذي ينهى عن المنكر-.
-
للخيانة عنوان يا سي بنكيرن.
-
الفقيه الريسوني الذي لم يُنصف المرأة إطلاقا.
-
ما لم يتذكّره توفيق بوعشرين.
-
مناورات البيجيدي للالتفاف على تعديلات مدونة الأسرة.
-
عن أهمية تعديل مدونة الأسرة في هذه الظروف، - حوار لفائدة جري
...
-
اجتهادات مجلس العلماء دون انتظارات الملك والنساء.
-
هل تؤمن جماعة العدل والإحسان بحقوق الإنسان حتى تحتمي بها؟
-
وقاحة عزيز غالي.
-
هل يتعظ القومجيون؟
-
بوعلام صنصال يفضح سماسرة حقوق الإنسان.
-
النضال الارتزاقي.
-
الصحافة لا تضمن الحصانة.
-
أما آن لملف الصحراء أن يُغلق؟
-
فرنسا: من التردد والضبابية إلى الوضوح والاعتراف.
-
إلى جماعة العدل والإحسان: المتاجرة بمآسي غزة لم تعد مربحة.
-
لا منزلة بين الوطنية والعمالة.
المزيد.....
-
كونان أوبراين في إعلان ترويجي مرح لحفل جوائز الأوسكار
-
-جيمس بوند- يواجه تغييراً إداريًا ودانيال كريغ يعلق
-
نتانياهو يزور مخيم طولكرم مع تكثيف إسرائيل عمليتها العسكرية
...
-
أوكرانيا: إحياء الذكرى السنوية الثالثة للغزو الروسي
-
من نفذ تفجيرات الحافلات في إسرائيل؟ وهل تبنتها القسام عبر تل
...
-
اليوم العالمي للغة الأم: ألسنة تصارع للبقاء في عالم متغير
-
تحليل: هل يتكرر سيناريو عرب أمريكا في الانتخابات الألمانية؟
...
-
بشرط واحد .. ميونيخ توافق على استضافة ربع نهائي دوري الأمم ا
...
-
مستشار الأمن القومي الأمريكي: النزاع في أوكرانيا سينتهي -قري
...
-
نتنياهو من طولكرم: أمرت بمهاجمة معاقل الإرهابيين في الضفة ال
...
المزيد.....
-
The Political Economy of Corruption in Iran
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|