محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8259 - 2025 / 2 / 20 - 15:37
المحور:
القضية الفلسطينية
لم يكن نمر فيّاض نمر (أبو فيّاض) مجرد اسمٍ في قائمة أبناء فلسطين، بل كان شعلةً متوهجةً لا تنطفئ، وذكرى لا تُمحى من ذاكرة من عرفوه. كان رجلاً من رجال الزمن الصعب، نسيجاً من المجد والكبرياء، عاش فلسطينيّاً ومات فلسطينيّاً، وبين الولادة والرحيل، كانت حكايةٌ من العطاء والصبر والتضحية.
هو نمر فيّاض نمر (أبو فيّاض)، من أبناء عشيرة عرب المواسي، بطن البطّاطخة. وُلِد في الوعرة السوداء، قضاء طبريا في فلسطين، عام 1927. نشأ في فلسطين، حيث الهوية والتراث، وحمل في قلبه كل أحلام الأرض التي سكنت روحه. شاءت الأقدار أن يُضطر إلى الهجرة مع عائلته بعد نكبة عام 1948، لينتقل إلى مخيم خان الشيح في سوريا، بعيداً عن وطنه وأرضه. ورغم المسافة التي فصلته عن فلسطين، بقيت فلسطين في قلبه.
رحل أبو فيّاض، لكنه لم يغب؛ فظل أثره حيّاً في مخيمه، تحكي الطرقات قصته وقوة إرادته. كان صوته يشبه زئير الأسود، وكلماته تتدفق كنهر عطاءٍ لا يجف. كان من الرجال الذين تركوا بصمة لا تُمحى، وبقيت كلماته تضيء العتمة وتبعث في النفوس نور الرجاء.
كان أبو فيّاض عاشقاً لفلسطين، يحلم بها في يقظته ومنامه، ويرى صورها في وجوه أبنائه ودروب المخيم، ويشعر بها في صمت الليالي وأنين الشهداء. حلم بالعودة، لكنه توفي وفي قلبه فلسطين، ولم يعُد إليها. ومع ذلك، كان موته بداية لحكاية تُروى من جديد عن رجال رفضوا الانكسار.
في بداية الأحداث الأليمة في سوريا، توفي أبو فيّاض في بلدة جديدة عرطوز، بعد تهجيره من مخيم خان الشيح. دُفن فيها في 11 سبتمبر 2015. ورغم الحزن، ظل اسمه حيّاً في القلوب، وكلماته خالدة في الأذهان.
التقيته ذات مساءٍ في صيف عام 1985، فكأنني التقيتُ التاريخ في رجل، وكأنني جلستُ إلى جبال فلسطين ووديانها، وكأنني استمعتُ إلى الأرض تحكي عن رجالها. كان ديوانه مجلساً للرجال، وحكاياته سفراً من البطولة، وكلماته دروساً في الكرامة والصمود. أجلسني في صدر المجلس، وجعلني أشعر أنني لستُ ضيفاً بل ابناً من أبنائه، أحمل ذات الحلم والأمل.
اليوم، بعد رحيله، تبكيه الحروف، وتحنّ إليه الذاكرة. يتردد اسمه بين الحزن والفخر، بين الألم والاعتزاز.
ليس كل من رحلوا غابوا؛ فبعضهم يبقون رغم الغياب، وبعضهم يموتون لكنهم لا يُفقدون.
كان أبو فيّاض من هؤلاء: عاش ليكون جزءاً من الحكاية، ورحل ليصبح أسطورة تُروى وذكرى لا تُنسى.
رحم الله نمر فيّاض نمر (أبو فيّاض)، وجعل ذكراه عطراً يفوح في الأرجاء، وسيرة تُروى عبر الأجيال.
فبعض الرجال لا يموتون، بل يخلدهم التاريخ.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟