|
السلطة والمعارضة : الإسلام السياسي واللعبة الديمقراطية / 2
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1795 - 2007 / 1 / 14 - 07:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كان من اللافت ، في توصيفنا للحالة العراقية واللبنانية ، أنّ التنظيمات الحزبية ، المتنوعة ، المتبنية للفكر الإسلامي ، بشقيْه السني والشيعي ، قد وجدت نفسها مرغمة ( لو صحّ التعبير ) على قبول اللعبة الديمقراطية ـ كوسيلة للوصول إلى السلطة ؛ أو على الأقل ، للهيمنة على القرار السياسي في بلدانها . فالديمقراطية كمفهوم وبنية ـ وهذا ما سبق لنا تأكيده في الحلقة الأولى من المقال ـ كانت على الدوام نوعاً من " بدعة " في الذهنية المتحكمة بالعقل العربي ، غالباً . بدعة ، وفق التنظير نفسه ، مستوردة من الغرب وأضحت ، بحكم العادة ، " شراً " لا مناص من التعامل معه سلباً أو إيجاباً . لم تكن النظرة تلك ، الموصوفة ، وليدة التطورات السياسية الأخيرة ، العاصفة ، المتولدة عن إنهيار المنظومة الشيوعية ، كما إعتدنا على سماعه من جانب المحللين عرباً وأجانبَ . وبالرغم من حقيقة أن التطورات هذه ، إنما عجلت في دفع جماعات الإسلام السياسي إلى واجهة المشهد في شرقنا برمته ـ كبديل مفترض ، مزعوم : إذ لا يمكن للمطلع إلا ربط المشهد المستجدّ ، والمتمثل بإنبثاق ذلك البديل الموسوم ، مع خلفيته التاريخية الأقدم عهداً . فمنذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وحتى مطلع القرن الفائت ، كان ما يمكن اليوم نعته بـ " الأصولية " إنما هوَ مفهومٌ يعني تحديداً المواجهة مع تلك الحركة المتناهضة لدينا ، المعروفة بالحداثة ( أو " النهضة " ) ، والتي كانت بدورها نوعاً من الفكر الهجين ؛ بإشتغالها على تدجين العقيدة الإسلامية بتيارات فلسفية ، غربية ، نحَتْ عصرئذٍ لتبني إصلاح الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية ؛ من قبيل تحرير المرأة وتشريع الحياة الدستورية .. الخ . إن رواد النهضة في مشرقنا المسلم ـ كالطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده وقاسم أمين وغيرهم ـ قد نظروا في حينه إلى الغرب ، المسيحيّ ( والذي تسنى لبعضهم معرفته عن قرب ) كصرح حضاريّ ، كبير شامخ ، مقارنة بواقع بلدانهم المتخلفة ، المتقزمة : كان في ذهن أولئك الرواد " بعثَ " الأمة الإسلامية من رقادها ، وفقاً للنموذج الغربيّ ذاكَ وإعتماداً على منجزاته العلمية ، قبل كل شيء ؛ وفي آن معاً ـ كتحدّ لهيمنته ، نفسها ، السياسية والعسكرية على مقدراتنا ، في تلك الحقبة الكولونيالية .
ليسَ الفكر الأخواني ، المستند أساساً على تعاليم سيّد قطب ، سوى مظهراً لتلك " الإزدواجية " التي تحكمت في فكر أهل النهضة ، الموصوف آنفاً : أيْ تبني بعض جوانب الحداثة ، الغربية ، في سبيل مواجهة الهيمنة الغربية على مقدراتنا . ومع إنحسار الموجة النهضوية ، خصوصاً في المقامات الدينية ، كان من المفهوم إذاً ، أنّ شعبيّة الأخوان المسلمين ، المتعاظمة منذئذٍ ، إنما تعود إلى إزدهار ثقافة " المواجهة " تلك ، خصوصاً وأنّ أكثر دول المشرق كانت وقتها غير حرة في تقرير مصيرها . بيْدَ أنّ العهد الإستقلالي ، المصاقب عموماً لنهاية الحرب العالمية الثانية ، ما كان منه إلا أن أحبط آمال الطبقات الفقيرة والمتوسطة ، على السواء ؛ بشيوع مظاهر الفساد والبيروقراطية وكبت الحريات أو التضييق عليها . هنا أيضاً ، توجه إصبع الإتهام إلى الغرب الأوروبي ، والأمريكي لاحقاً ، بدعم أنظمتنا تلك ، الفاسدة ، بما قيل عن الرغبة في إعادة الهيمنة على المشرق ، إنما بوسائل إقتصادية لا عسكرية : وكان الفكر الأخواني ، بطبيعة الحال ، حاضراً في هذه المواجهة الجديدة مع الغرب ومع من رأى أنهم عملاؤه في السلطة ؛ كما في حالة الملك فاروق وحاشيته . إن تبني جماعة الأخوان المسلمين ، في نسختها المصرية ، لما أضحى منعوتاً بـ " ثقافة المقاومة " قد وجدَ مبتدأً له في تلك المرحلة ، الموسومة ، بالشروع في تنظيم الفتية في خلايا مقاتلة ، عاملة في المدن وقنال السويس ضد الجند البريطانيين ، بشكل أساس . ولكن المشروع الإخواني ، لإقامة " سلطة الله على الأرض " ما أسرع أن تلاشى في مصر ، أولاً ، مع الإنقلاب العسكريّ في تموز 1952 ، الموصل طغمة الناصريين للحكم ، محملين بمشروع آخر ، مناقض للأول ؛ وهوَ مشروع القومية العربية . بالمقابل ، لم يتمكن العهد الجديد هذا من القضاء الفعليّ على جماعة الإخوان المصرية ، وعلى الرغم من القمع الشديد المسلط ضد منتسبيها ومناصريها : فالفكر الإخواني ، كان ثمة في " الأزهر الشريف " وغيره من الصروح الدينية ، قد أمسى من الترسّخ والثبات أنه شكل في حينه ، وحتى يومنا الحاضر ، التحدي الأكبر للسلطة السياسية وبوصفه القوة الروحية المعارضة المؤثرة ؛ القوة الفعالة أكثر من غيرها ، بما كان من مآثر الحكم الفرديّ ، ناصرياً كان أم ساداتياً أم مباركياً ، في محاربة التيارات العلمانية ، السياسية والفكرية ..
كانت قضية فلسطين ، طوال العقود الستة المتصرّمة ، هي اليافطة التي تصدّرتْ كل إستيلاء عسكريّ على سدّة السلطة في هذا البلد العربيّ أو ذاك . من جانبهم ، هرع أهلُ المشروع الإسلاميّ إلى الإستثمار في حقل تلك القضية ، المتخم بالجثث والدم ، سعياً إلى زيادة أرصدتهم ، الشعبية . لا غروَ إذاً ، أن يتقدم إسلاميو الإخوان وأضرابهم تلكَ الطوابير الداعية إلى المجاهدة من أجل تحرير القدس الشريف من اليهود ؛ وهمُ النافخون أصلاً في بوق " الحرب المقدسة " ضد الغرب ، الذي يُعدّونه تارة صليبياً واخرى ملحداً . ويبدو أنّ بعضاً من أفراد النواة ، الأولى ، لحركة " فتح " ، التي أسسها ياسر عرفات ، كان بهذه الدرجة أو تلك ، من المتعاطفين مع الفكر الإخواني . إلا أنّ ذلك الأمر ، للحقيقة ، ما كان له أن يتجاوز عتبة البدايات قط . فالحركة ، تطبّعتْ عموماً بخلق أبي عمار ، مؤسسها ؛ هذا الرجل الكاريزميّ ، الذي كان في آن واقعياً وبراغماتياً ، عرفَ في أغلب مراحل نضاله كيف يحافظ على قدمَيْه وسط حقول الألغام والأخطار . أكثر من معادلة ، إقليمية ومحلية ، أسهم في إنبثاق حركة فلسطينية اخرى ؛ أصولية هذه المرة : إنّ حركة المقاومة الإسلامية " حماس " ، قد تكون فعلاً من بقايا التجمعات الإخوانية ، المبعثرة ، في الأرض المحتلة . ولكننا ، بحسب شواهد عديدة ، نؤكد هنا على العامل الإقليمي ، الذي أتاح لهذه الحركة حظ النجاح في إستقطاب قسم كبير ، غالب ، من الشعب الفلسطيني ، خصوصاً في غزة والضفة الغربية . فمنذ فجر إنطلاقتها ، تحتمَ على منظمة التحرير الفلسطينية ، المتركنة أساساً في المنافي العربية ، أن ترى في شخص دكتاتور سورية البائد ، الأسد الأب ، خصماً لدوداً لقضيتها الوطنية ، لا يقلّ في الواقع عما كانه عدوّها الرئيس ، الإسرائيلي . غنيّ عن البحث هنا ، ما ألحقه ديكتاتورنا بتلك القضية من مآس ونكبات ومجازر ، علاوة على دأبه وإصراره على شق المنظمة وإحتوائها ومن ثمّ شلها نهائياً . الهدف الأخير ، ربما لاقى نجاحاً ملحوظاً ، تتوّج في عهد الوريث الأسديّ ، الإبن ، في إكتساح حركة " حماس " لصناديق الإنتخابات البرلمانية والبلدية ، الأخيرة ، وتشكيلها للحكومة . لن نكون متجنين هنا ، إذا ما أكدنا أنّ إسلاميي الحركة ، وهم على كراسي الحكم ، لم ينجزوا شيئاً مجدياً لشعبهم المنكوب ؛ اللهمّ إلا هذا الدرس ، البليغ ، المتعيّن على شعوبنا المشرقية ، عامة ، أن تتبلّغه : وهوَ خطر الأصولية ، المنعوتة بـ " الإسلام السياسيّ " على المجتمع ومكوناته وثقافاته ؛ سواءً بسواء ، أكانت في موقع المعارضة أم السلطة .
قلنا أنّ النظام الأسدي ، في عهدَيْه الجمهوري والملكي (!) ، قد حقق حلمه في إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية ، ومن ثمّ إفقادها سلطتها ، الوطنية . لا ننكر بطبيعة الحال ، أنّ فساداً مستطيراً ، قد أثخن جسد تلك السلطة بفعل الزعامات والولاءات . على أنّ إنتقال السلطة هذه إلى أيدي حركة " حماس " ، قد أعاد الوضع السياسي الفلسطيني ، إلى الوراء ، عقوداً مريرة من الأعوام ؛ إلى النقطة نفسها ، التي كانت فيها منظمة التحرير ، الممثلة الوحيدة الشرعية للشعب الفلسطيني ، موصومة من لدن الغرب بـ " الإرهاب " : هوَ ذا العامل ، الإقليمي ، يطل برأسه مجدداً من كوة القضية الفلسطينية . فلأعوام طوال ، كان الأسد الأب يطرح نفسه ، ونظامه ، قدّام ذلك الغرب ( وإسرائيل بالتالي ) ، بوصفه كابحاً لجماح التطرف الفلسطيني ، وخصوصاً في لبنان ؛ البلد المحوّل بحوْل إستراتيجيته ، الخبيثة ، إلى مزرعة للنهب والسلب والإبتزاز ، لقاء الوصاية عليه ـ كشرطيّ إقليميّ . إيران ، أيضاً ، لم تكن ببعيدة عن اللعبة الأسدية ، الموصوفة ، خصوصاً في المرحلة التي أعقبت غزو العراق ، وخشية حكامها من اللحاق بمصير صدّام ونظامه ، وما كان من محاولتهم إرهاب الأمريكيين والأوروبيين بقنبلة ذرية " إسلامية " . وإذ أضحتْ طهران كما لو أنها " بنكٌ إسلاميّ " ، نظيف الأموال ـ كذا ، للحركات المتطرفة في العراق ولبنان وفلسطين ، فإنما لكي تسهم أموالها تلك في إشعال حرائق الحرب الأهلية في كل من البلدان المذكورة . بالتالي ، وبحسب تفكير الملالي الإيرانيين وحلفائهم البعثيين السوريين ، يتمّ خلط أوراق القضيتين ، النووية والحريرية ، حيال المجتمع الدولي ويُصار من ثمّ إلى إستدعاء خدماتهم ـ كشرطة إقليمية !
للحديث صلة ..
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيطانُ بازوليني 1 / 2
-
نفوق الوحش ونفاق الإنسان
-
نوتوريوس : هيتشكوك وتأسيس الأدب السينمائي
-
حكاية باموك : إسمٌ بينَ الوردةِ والأحمَر / 3
-
حكاية باموك : إسمٌ بينَ الوردةِ والأحمَر / 2
-
السلطة والمعارضة : الإسلام السياسي واللعبة الديمقراطية
-
النبي ؛ هل كانَ جبرانُ نبأً كاذباً ؟
-
الهولوكوست اليهودي والهلوَسة الإسلاموية
-
سياحات : دمشق بأقلام الرحّالة 2 / 2
-
نادية : نهاية زمن الرومانسية
-
العتبات الممنوعة
-
العصابة البعثية والتفجير الطائفي
-
سياحَات : دمشق بأقلام الرحّالة 1 / 2
-
جرائم أجاثا كريستي ، اللبنانية
-
الحزب الإلهي وأولى ثمار الحرب الأهلية
-
ناصر 56 : الأسطورة والواقع
-
رحلاتٌ إلى مَوطن الجرْمان 3 / 3
-
النظامُ القرداحيّ والقرون اللبنانيّة
-
رحلاتٌ إلى مَوطن الجرْمان 2 / 3
-
صدّام ؛ صورٌ شخصيّة للطاغيَة
المزيد.....
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما
...
-
قائد الثورة الاسلامية: لا يكفي صدور احكام اعتقال قيادات الكي
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ينبغي صدور أحكام الاعدام ضد قيادات ال
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|