أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - عندما يسخر الجهل من المعرفة















المزيد.....


عندما يسخر الجهل من المعرفة


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8258 - 2025 / 2 / 19 - 14:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في مكان ما، على صفحة من صفحات هذا العالم الافتراضي، ظهر خبر عن اكتشاف علمي مثير قام عليه فريق "سلام لاب" البحثي التابع لجامعة المنصورة، بقيادة الدكتورة شروق الأشقر، وتحت إشراف مؤسسة الدكتور هشام سلام، هذا الاكتشاف كان عثور على بقايا ثدييات مفترسة منقرضة، عاشت في مصر قبل ثلاثين مليون عام. هذه المخلوقات القديمة، التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، لم تقتصر بقاياها على كونها مجرد حفريات صامتة، بل كانت بمثابة نوافذ مفتوحة على ماضٍ غارق في الغموض. شواهد تحكي قصة الأرض في عصورها السحيقة، وتمنحنا فهماً أعمق عن طبيعة الحياة والتطور على هذا الكوكب. هذه القطع الأثرية، التي تمثل عهوداً ماضية، تعيد رسم ملامح التاريخ الطبيعي وتساعد العلماء على تتبع خيوط التطور البيولوجي عبر الزمن.
لكن، وكما هي العادة حين يواجه العلم عقولًا لم تتعود النظر إلى الأفق، لم يكن الاستقبال على قدر الاكتشاف. فهناك من احتفى به، وهناك من رآه إنجازًا يضاف إلى سجل البحث العلمي المصري، معتبرين أن هذا الاكتشاف يرفع من مكانة مصر العلمية على الساحة الدولية. لكن في المقابل، كانت الجبهة الأخرى تعج بالسخرية، والإنكار، بل والعدوانية تجاه كل من يحاول أن يضيء شمعة في هذا الظلام الدامس. فالعلم، كما هو معروف، يواجه دائمًا تحديات من الأفكار المسبقة والجهل، والمقاومة من أولئك الذين يفضلون العيش في قواقعهم الضيقة. وبالرغم من ذلك، يظل الأمل قائمًا بأن تستمر الجهود العلمية في كشف أسرار الكون، غير عابئة بالتحديات والعقبات، فالبحث عن الحقيقة هو مسار لا ينتهي.
العقل الذي يرفض النور
إنها ليست المرة الأولى التي يظهر فيها مثل هذا الموقف، ولن تكون الأخيرة. هناك دائمًا فريق من الناس يقف عند أبواب العلم، لا ليحرسها، بل ليصدّها، لا ليبحث عن الحقيقة، بل ليحجبها. هؤلاء الذين يسخرون من الاكتشافات العلمية ليسوا في الحقيقة إلا سجناء عصور لم تعد موجودة، يرفضون الخروج من كهوفهم الذهنية، كأنهم يخشون أن تلسعهم شمس المعرفة.
منهم من يرى أن هذه الاكتشافات لا قيمة لها، كأن العلم يجب أن يُقاس بمدى خدمته الفورية لمائدتهم اليومية، ومنهم من يرفضها خوفًا من تصدّع موروثه الفكري، كأن الحقيقة يمكن أن تكون تهديدًا للإيمان، وليس تأكيدًا له. هؤلاء لم يفهموا أن العلم لا يطلب إذنًا من أحد، وأنه ليس ترفًا ولا تآمرًا، بل هو ببساطة محاولتنا المستمرة لفهم هذا الكون بكل ما فيه.
الهروب الكبير من مواجهة الأسئلة
لماذا يخاف البعض من مواجهة الحقائق العلمية؟ لماذا يجدون في كل اكتشاف جديد تهديدًا لا يمكن احتماله؟ في العمق، يكمن خوف قديم، خوف من السؤال أكثر مما هو خوف من الجواب. ربما لأن السؤال يحمل في طياته احتمالًا بأن تكون الإجابة غير مريحة، أو تتطلب منا إعادة النظر في مفاهيمنا واعتقاداتنا الراسخة. إن العلم، بطبيعته، يطرح أسئلة جديدة في كل يوم، أسئلة قد تبدو في بعض الأحيان كاشفة لنقاط ضعفنا وجهلنا، لكنه لا يفرض على أحد أن يجيب بنفس الطريقة التي اعتادها. إنه يقدم لنا أدوات ومناهج جديدة لفهم العالم من حولنا، ويمنحنا حرية الاستكشاف والتعلم.
إن الحقيقة أن هؤلاء الذين يرفضون الاكتشافات العلمية بدعوى الحفاظ على الإيمان هم في الحقيقة من يسيئون إلى الإيمان نفسه. فالرفض المتعنت للعلم ليس دليلًا على قوة الإيمان، بل هو إشارة إلى هشاشته. فالدين الذي يبني أسسه على الفهم العميق والتساؤل لا يمكن أن يتزعزع أمام دراسة حفريات أو اكتشاف علمي. بل على العكس، يمكن أن يكون العلم جسرًا نحو فهم أعمق وأشمل للإيمان. إن الحقيقة، بطبيعتها، ثابتة ولا تتغير، لكن تجاهلها أو إنكارها لا يجعلها تزول. فهل الحقيقة يمكن أن تتغير فقط لأن البعض يرفض الاعتراف بها؟ وهل الإيمان الحق يحتاج إلى حماية من معطيات العلم؟ إن الحوار البناء بين العلم والدين يمكن أن يقودنا إلى رؤية أوسع وأكثر تكاملاً للعالم، حيث يتعاون كل منهما لفهم الحقيقة الشاملة.
الصامدون أمام العاصفة
لكن، في مواجهة هذه العاصفة من السخرية والرفض، كان هناك من وقفوا بثبات. أناس لم يستسلموا للسباب، ولم ينزلقوا إلى مستنقع الشتائم المتبادلة، بل واجهوا الجهل بسلاح المعرفة، والعدوانية بسعة الصدر، والاستهزاء بالمنطق الهادئ. هؤلاء ليسوا مجرد أفراد يدافعون عن اكتشاف علمي، بل هم طليعة المستقبل، الذين يحاولون أن ينتشلوا العقل من غيبوبته، ويعيدوه إلى العصر الذي ينتمي إليه.
روشتة لإنقاذ العقل المغيّب
كيف يمكن إنقاذ هذا العقل المغيّب؟ كيف يمكن إعادته إلى مساره الطبيعي حيث يكون العلم قيمة عليا، لا مادة للسخرية؟ ببساطة شديدة لا توجد وصفة سحرية، لكن البداية تكمن في إرساء ثقافة السؤال والبحث، في جعل المعرفة جزءًا من حياتنا اليومية، في أن نفهم أن قبول الحقيقة لا يعني الخضوع، بل يعني القوة، وأن مواجهة الأسئلة ليست ضعفًا، بل هي الشجاعة بعينها.
إن الطريق إلى إنقاذ العقل المغيّب يبدأ من تدعيم الفضول والتساؤل، من تشجيع الناس على أن يكونوا محققين في حياتهم اليومية، يبحثون عن المعرفة بحماس وشغف. كما يجب أن نزرع في عقول الأجيال الناشئة أن العلم ليس مجرد مجموعة من المعلومات الجامدة، بل هو عملية مستمرة من الاكتشاف والتعلم. إن احترام الحقيقة والعلم هو المفتاح لبناء مجتمع قوي ومتماسك، مجتمع يتقبل التغيرات ويتفاعل معها بإيجابية، دون أن يفقد هويته أو قيمه.
هذا ليس مجرد مقال عن اكتشاف علمي، وليس مجرد دفاع عن علماء تعرضوا للسخرية، بل هو رسالة إلى كل من يريد أن يعيش هذا العصر بعقله لا بجسده فقط. فالعالم يتقدم بسرعة، ولا ينتظر من يصرّون على العيش في الماضي. إما أن نكون جزءًا من المسيرة، أو نبقى على الهامش، نمارس طقوس الرفض والإنكار، حتى نصحو ذات يوم فلا نجد مكاننا في هذا العالم الجديد.
إن العقل المغيّب يحتاج إلى نور العلم ليتحرر من قيود الجهل والخرافات، يحتاج إلى شجاعة المواجهة والاعتراف بالحقيقة، حتى يستعيد مكانته ودوره في بناء المستقبل. لأن الحقيقة، مهما كانت صعبة ومعقدة، هي السبيل الوحيد لتحقيق التقدم والازدهار. ويجب أن نتذكر دائمًا أن العلم ليس عدوًا للإيمان، بل هو رفيقه وصديقه، وأن البحث عن الحقيقة هو أسمى جهد وأرقى عمل في الوجود.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر… حائط الصد الأخير في وجه مخطط التهجير
- ترامب ومكتب الإيمان: بين صعود الأصولية والصدام المحتمل
- حادث السويد الدامي: الإرهاب لا لون له ولا حدود
- التناغم الأمريكي-الإسرائيلي بين التصريحات والرموز: قراءة في ...
- الإعلام بين الإنصاف والتحريف - قراءة في تصريحات مارسيل كولر
- إيمانويل كانط: فيلسوف النور الذي رسم حدود العقل والإنسان
- الجنون في الحكم: من الحاكم بأمر الله إلى ترامب … بين الطبع و ...
- مرموش..لماذا يدعم المصريون أبطالهم عالميًا؟ قراءة نفسية واجت ...
- في غياهب الغيبوبة العقلية: من يستفيد من تغييب الوعي؟
- هل يستطيع ترامب تنفيذ تصريحاته حول المثليين .. حدود السلطة ت ...
- بين ابتلاء العقل وابتلاء الواقع: قراءة في حريقين… وعقلين
- في عالم متغير: نحو نظام عالمي جديد بين التحديات والطموحات
- العقل العربي بين قيود الماضي وأحلام المستقبل
- الحضارة الغربية بين القيم والانتقادات: رؤية متوازنة
- من هزيمة المغول إلى كسر أوهام الشرق الأوسط الجديد: مصر مقبرة ...
- المستقبل في ظل الاعتماد على الروبوتات: العالم بين الابتكار و ...
- لماذا ينتظر العقل الجمعي العربي والإسلامي انهيار الحضارة الغ ...
- العقل الديني واستغلال الكوارث: بين الادعاء والحقيقة
- مجدي يعقوب: أيقونة الإنسانية والعلم في مسار نحو نوبل وجامعة ...
- الأسرى في ظلال الكهف: رحلة العقل من القيود إلى النور


المزيد.....




- كوريا الجنوبية والصراع الهادئ بين البوذية والمسيحية
- النخالة: المقاومة كانت تقاتل صفا واحدا لاسيما حماس والجهاد ا ...
- النخالة: السيد حسن هو شهيد فلسطين والاسلام والقدس وهو في قلو ...
- يهودي يطعن إسرائيلية بالقدس ويهتف -مسيحية-
- رئيس الاركان الايرانية اللواء باقري يستقبل أمين عام الجهاد ا ...
- قائد حرس الثورة الاسلامية يستقبل أمين عام حركة الجهاد الاسلا ...
- الاحتلال يفجر منازل في سلفيت ونابلس وإحدى آلياته تصدم مركبة ...
- بابا الفاتيكان يغادر سرير المستشفى
- تثبيت تردد قناة طيور الجنة شهر رمضان 2025 بأحلى أغاني لطفلك ...
- الرئيس الايراني بزشكيان يستقبل أمين عام حركة الجهاد الاسلامي ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - عندما يسخر الجهل من المعرفة