محمد فتحي خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8257 - 2025 / 2 / 18 - 23:06
المحور:
القضية الكردية
مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، كان للكورد، كغيرهم من مكونات الشعب السوري، تطلعات مشروعة نحو الحرية والعدالة والحقوق القومية. إلا أن تطورات الصراع السوري، وتعدد الفاعلين الإقليميين والدوليين، وتحولات موازين القوى، جعلت الكورد عرضة لسلسلة من الانتهاكات التي تنوعت بين القمع السياسي، والاعتداءات العسكرية، والتهميش الاقتصادي، والاستهداف الديمغرافي، في ظل صراع مستمر لم يفرّق بين المكونات السورية، لكنه كان أكثر وطأة على المكونات التي لا تمتلك قوة إقليمية داعمة لها.
القمع السياسي والاستبعاد من المشهد السوري
عندما انطلقت الثورة، شارك الكورد في الحراك الشعبي، مطالبين بإسقاط النظام والاعتراف بحقوقهم القومية المشروعة. غير أن النظام السوري لم يتوانَ عن ممارسة سياسته التقليدية في التعامل مع الكورد، فبعد أن أبدى بعض المرونة من خلال منح الجنسية لنحو 300 ألف مكتوم القيد من الكورد، سرعان ما عاد إلى سياسته الأمنية القمعية. فقد استمرت الاعتقالات السياسية، وتعرض الناشطون الكورد، خاصة أولئك الذين انخرطوا في الحراك الثوري أو طالبوا بحقوق الكورد، للملاحقة والاعتقال التعسفي.
كما تم استبعاد الكورد من التمثيل الفعلي في المعارضة السورية الرسمية، حيث عانى المجلس الوطني السوري لاحقًا من انقسامات بين تيارات إسلامية وقومية عربية لم تكن تتقبل الشراكة الحقيقية مع الكورد، مما دفع بعض الأحزاب الكوردية إلى انتهاج سياسة مستقلة عن المعارضة التقليدية، رغم بقاء العديد من النشطاء الكورد ضمن صفوف المعارضة.
الاعتداءات العسكرية والانتهاكات الميدانية
مع تزايد الصراع العسكري، تحولت مناطق الكورد في شمال وشمال شرق سوريا إلى ساحة صراع بين قوى متعددة، حيث كانت القوات الكوردية، المتمثلة بوحدات حماية الشعب (YPG) ومن ثم قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، أحد أبرز الفاعلين على الأرض. إلا أن ذلك جعل المناطق الكوردية عرضة لهجمات عسكرية متكررة من أطراف مختلفة، أبرزها:
1. النظام السوري: رغم أن النظام اضطر إلى الانسحاب من معظم المناطق الكوردية عام 2012، إلا أنه لم يتوقف عن محاولات استعادة السيطرة الأمنية عليها، سواء من خلال الاعتقالات أو التضييق الاقتصادي وقطع الخدمات. كما دخلت قواته لاحقًا في صدامات عسكرية مع القوات الكوردية، لا سيما في الحسكة والقامشلي.
2. تنظيم داعش: كانت المناطق الكوردية في مقدمة الجبهات التي واجهت إرهاب تنظيم داعش، حيث تعرض الكورد لإبادة جماعية في بعض المناطق مثل كوباني وسنجار (التي كانت تحت سيطرة الإيزيديين الكورد). قام داعش بارتكاب مجازر مروعة، وفرض تهجيرًا قسريًا، وأسر آلاف النساء الإيزيديات وبيعهن في سوق الرقّ، مما اعتُبر جريمة ضد الإنسانية.
3. تركيا والفصائل المدعومة منها: منذ عام 2016، شنت تركيا عدة عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية بحجة “محاربة الإرهاب”، لكنها استهدفت بشكل أساسي المناطق الكوردية. أدت عمليات “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام” إلى سيطرة القوات التركية والفصائل السورية المدعومة منها على مناطق كوردية مثل عفرين، رأس العين (سري كانيه)، وتل أبيض، مما تسبب في تهجير واسع النطاق للسكان الكورد، ووقوع انتهاكات جسيمة شملت القتل، الاعتقال، والتطهير العرقي.
التهجير والتغيير الديمغرافي
أحد أخطر الانتهاكات التي تعرض لها الكورد كان التغيير الديمغرافي الممنهج، خاصة في عفرين ورأس العين وتل أبيض. بعد سيطرة الفصائل المدعومة من تركيا على هذه المناطق، تم تهجير عشرات الآلاف من الكورد، وتم الاستيلاء على ممتلكاتهم من قبل المقاتلين وعائلاتهم، أو إعادة توطين نازحين من مناطق أخرى ضمن سياسة تغيير التركيبة السكانية. كما مُنع العديد من الكورد من العودة إلى ديارهم، في ظل تقارير توثق انتهاكات مثل الخطف، التعذيب، والاغتيالات التي طالت المدنيين الكورد.
التهميش الاقتصادي والحصار المفروض على المناطق الكوردية
بالإضافة إلى العنف المباشر، تعرضت المناطق الكوردية لحصار اقتصادي وسياسي من عدة جهات. فمن جهة، فرض النظام السوري قيودًا على التجارة وإمدادات الوقود والسلع، مما زاد من معاناة السكان. ومن جهة أخرى، أغلقت تركيا المعابر الحدودية مع المناطق الكوردية، وفرضت إجراءات تمنع تدفق البضائع والمساعدات الإنسانية، مما تسبب في أزمة اقتصادية خانقة.
الانتهاكات ضد الحريات العامة
في ظل تعقيد المشهد الكوردي السوري، برزت انتهاكات أخرى تتعلق بالحريات العامة وحقوق الإنسان، حيث تعرضت بعض الأحزاب السياسية الكوردية المعارضة للإدارة الذاتية إلى التضييق، وتم تسجيل حالات اعتقالات واستدعاءات لناشطين سياسيين وإعلاميين. كما اتُّهمت قوى الإدارة الذاتية بفرض سياسات معينة في التعليم والتجنيد الإجباري، مما أثار اعتراضات لدى بعض الأوساط الكوردية المحلية
الكورد بين التحديات الداخلية والتدخلات الخارجية
تعكس هذه الانتهاكات حقيقة معقدة مفادها أن الكورد في سوريا لم يكونوا مجرد طرف في النزاع، بل تحولوا إلى ضحية لصراعات إقليمية ودولية استخدمت قضيتهم كورقة تفاوض بين القوى المتصارعة. وبينما استطاع الكورد تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية في بعض الفترات، إلا أن التحديات التي يواجهونها ما زالت قائمة، خاصة مع استمرار التهديدات التركية، وغياب أي حل سياسي يضمن حقوقهم.
إن القضية الكوردية في سوريا لا يمكن اختزالها في معادلة عسكرية أو سياسية، بل هي جزء من إشكالية أعمق تتعلق ببناء سوريا ديمقراطية تعددية تحترم حقوق جميع مكوناتها. وما لم يتم الوصول إلى تسوية شاملة تضمن الاعتراف بالحقوق الكوردية ضمن إطار وطني سوري، فإن معاناة الكورد ستستمر، في ظل صراع لا يبدو أن نهايته قريبة.
#محمد_فتحي_خليل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟