أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محفوظ بجاوي - المدرسة الجزائرية : كيف شوهت الهوية الوطنية وضلّلت الأجيال؟














المزيد.....


المدرسة الجزائرية : كيف شوهت الهوية الوطنية وضلّلت الأجيال؟


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8257 - 2025 / 2 / 18 - 20:44
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


ما يؤلمني حقًا هو الوضع الذي وصل إليه الفرد الجزائري اليوم، حيث أصبح يتبنى أفكارًا غريبة عن هويته الثقافية، ويعيش في ظل تشوهات فكرية تجعله نسخة غير حقيقية من نفسه. صار العديد من الشباب سلفيين وهابيين أكثر من أتباع هذا الفكر في موطنه الأصلي، ومتعلقين بالعروبة أكثر من العرب أنفسهم، بل رفعوا راية فلسطين بشكل أكبر من الفلسطينيين، بينما الجزائري في وطنه أصبح غريبًا عن نفسه. كيف وصلنا إلى هذه الحالة؟ وأي مدرسة فكرية صنعت هذا الهجين المشوَّه؟

لقد بدأ هذا التحول منذ الحقبة الاستعمارية، حيث سعى الاستعمار الفرنسي إلى تدمير الأسس الثقافية والدينية للجزائريين. لم ينجح في ذلك كليًا، لكنه زرع بذور الاغتراب الثقافي، فبدأ الجزائري يشعر بأنه كيان ناقص يحتاج إلى هوية مستوردة كي يكون "مقبولًا". ومع رحيل الاستعمار، استمر التغريب بأشكال أخرى، حيث عملت النخب التي ورثت الدولة الوطنية على تكريس نموذج ثقافي لا يعكس الواقع الجزائري المتنوع. تم الترويج لهوية واحدة على حساب باقي مكونات الهوية الوطنية، فانقسم الجزائري بين انتماءات متضاربة، يعيش وهم الانتساب إلى ثقافات بعيدة عنه بينما يتجاهل تاريخه الحقيقي.

أسوأ ما حدث هو تغييب التاريخ الأمازيغي للجزائر، ومحاولة تصويره كأنه مجرد هامش في سردية كبرى تم فرضها قسرًا. تم مسح آلاف السنين من الحضارة لصالح روايات أحادية الجانب، جعلت الجزائري لا يعرف من يكون، بل في كثير من الأحيان، يشعر بالخجل من جذوره الحقيقية. المدرسة الجزائرية لم تكتفِ بتجاهل البعد الأمازيغي، بل عززت الشعور بالنقص لدى الجزائري، فصار يبحث عن هوية بديلة، سواء كانت مستوردة من الشرق الأوسط أو من الغرب.

لعب التعليم والإعلام الدور الأكبر في إعادة تشكيل العقل الجزائري، حيث تم تطويعه ليصبح قابلًا لأي خطاب خارجي دون تمحيص. لم يتعلم الجزائريون تاريخهم الحقيقي، بل درسوا تاريخًا بعيدًا عنهم في جزيرة العرب، بينما بُني وعيهم الديني على خطابات لا تعكس الخصوصية الثقافية الجزائرية. تم الترويج لفكر سلفي وهابي جعله ينفر من ثقافته الأصلية ويقدّس ثقافات لم يعشها يومًا. هذا الفراغ الهوياتي جعل الجزائري تائهًا، يتبنى أفكارًا متناقضة، يعيش ثقافة مستوردة، ويهاجم كل من يحاول تذكيره بجذوره.

وفي ظل هذا الفراغ، تسللت تيارات فكرية مختلفة، بعضها يتغذى على العروبة المتطرفة، وبعضها الآخر يتبنى أنماط تدين غريبة عن المجتمع الجزائري. وجد الشباب أنفسهم في حالة من الازدواجية، حيث يعيشون بين ثقافتين متضادتين: واحدة يتلقونها في المناهج الدراسية، وأخرى تفرضها العولمة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل. وهكذا، نشأ جيل يعاني من القطيعة مع تاريخه الحقيقي، ويبحث عن انتماء في أماكن لا تمت له بصلة.

لم تكن هذه الأزمة وليدة الصدفة، بل جاءت نتيجة مشروع طويل الأمد لتشكيل الإنسان الجزائري وفق نموذج يخدم أجندات معينة. لم يكن الهدف فقط محو الهوية الأمازيغية، بل أيضًا تحويل الجزائري إلى مستهلك للأيديولوجيات المستوردة، سواء كانت قومية أو دينية أو حتى ثقافية. أصبح الجزائري أكثر تأثرًا بالمسلسلات التركية والخليجية من تأثره بواقعه، وأكثر انبهارًا برموز ثقافية بعيدة عنه من اهتمامه برموزه الوطنية.

إن استعادة الهوية الوطنية تبدأ بالاعتراف بالتعدد الثقافي واللغوي الذي يميز الجزائر، وإعادة الاعتبار لكل مكونات الشخصية الجزائرية دون تهميش أو إقصاء. لا يمكن بناء مجتمع قوي ومتجانس دون التصالح مع التاريخ الحقيقي، والاعتزاز بالتراث الذي شكّل الجزائر عبر العصور.

اليوم، نحن بحاجة إلى ثورة فكرية تعيد الجزائري إلى ذاته، تجعله يدرك أنه ليس بحاجة إلى استعارة هوية أخرى كي يكون فخورًا بنفسه. نحن بحاجة إلى إعادة الاعتبار للغاتنا، لثقافاتنا، ولتاريخنا، دون مركبات نقص أو شعور بالدونية. الجزائري لم يكن يومًا تابعًا، ولن يكون كذلك، لكن عليه أن يستعيد وعيه أولًا، ويعرف من يكون حقًا.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العبودية الاختيارية... لماذا يتأقلم البعض مع القمع؟
- الجزائر بين الماضي والحاضر، ضرورة الإصلاح والنهضة الفكرية
- التربية السليمة للأبناء : بين التوجيه والحرية
- ملحمة ساقية سيدي يوسف : عندما امتزج الدم الجزائري والتونسي ف ...
- الفكر السلفي والوهابي : عانق أمام التقدم الفكري والتحرر في ا ...
- مامعنى أن تكون يساريًا ؟
- حين يصبح الجهل مقدسًا...لابد من التمرد ، لأن الحقيقة لا تخشى ...
- رسالة اعتذار وحب لعائلتي
- نور العقل في مواجهة ظلام الجهل والتطرف
- إضراب التلاميذ في الجزائر: صرخة من أجل حقوق مستقبلية وأزمة ا ...
- التعليم في الجزائر : أزمة التطهير وتهديدات المستقبل
- حب الجد لأحفاده الأعزاء :عاطفة صادقة تعيدني إلى شبابي
- تربية الأطفال بين الخوف من الموت وفهم الحياة: أثر الترهيب وا ...
- الهوية بين الصدق والزيف: أثر الأكاذيب على الأجيال القادمة
- التخطيط السليم للإنجاب: مسؤولية ووعي لمستقبل مشرق
- في شيخوخة الوالدين : قلوب كبيرة تحتاج إلى لمسات حب بسيطة.
- التدين المظهري في الجزائر : كيف أضاع المجتمع بوصلة التقدم؟
- الصراع الداخلي بين الحب والقيود : تأثير الخوف من التعبير عن ...
- الصحة النفسية في ظل التحديات الحديثة
- بحث الإنسان عن غايته: بين الحرية الفردية والوجود الكوني


المزيد.....




- -أراد حث الدول على خطة بديلة-.. ويتكوف: هذه دوافع ترامب في ط ...
- قلق أوروبي من المحادثات الأمريكية-الروسية في الرياض.. ما أسب ...
- ساحل العاج تستعيد السيطرة على آخر القواعد الفرنسية في البلاد ...
- إلغاء مؤتمر صحفي مع كيلوج - نقطة اللاعودة بين ترامب وزيلينسك ...
- إسقاط 28 مسيرة أوكرانية في عدة مناطق روسية
- سوريا.. مقتل 8 مدنيين في انفجار ذخائر من مخلفات الحرب في بلد ...
- وجبة إفطار مثالية لعقل الشباب!
- نائب الرئيس الأمريكي: الهجرة غير الشرعية تهدد أوروبا ويجب وق ...
- دعوة إسرائيلية لاستئجار أراض مصرية لتنفيذ مخطط التهجير.. وخب ...
- ما سر -الثقب الأسود- في المحيط الهادئ؟


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محفوظ بجاوي - المدرسة الجزائرية : كيف شوهت الهوية الوطنية وضلّلت الأجيال؟