أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - عبد الله كلَّم: الحنين الذي لم يُعانقه الوطن!














المزيد.....


عبد الله كلَّم: الحنين الذي لم يُعانقه الوطن!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8257 - 2025 / 2 / 18 - 13:57
المحور: القضية الفلسطينية
    


أيها الراحلُ، قد مضيتَ كما يمضي القمرُ هارباً من عيون العاشقين، وكما يختفي الندى عن خدود الورود مع أول خيوط الفجر، وكما ترحل النوارس حين يضيق البحرُ بحزنه. رحلتَ وتركتَ خلفكَ ظلّاً تائهاً بين أشجار الزيتون، وصوتاً شجيّاً يتردّدُ في وادي القرن، ودمعةً حبيسةً في عيون جالين، قريتكَ التي ضمَّتكَ طفلاً بين أضلاعها، واحتَوتكَ شابّاً بأحلامك، ثم ودَّعتكَ شيخاً غريباً، منهكَ الروحِ وإن كان الجسدُ لا يزالُ هناك.



كان الحزنُ صديقك، فهل كنت وفيّاً له، أم هو الذي ما أنصفكَ؟ هل كنت تعانقه، أم أنه كان يطوّقُ روحك كالطيفِ الباكي؟ منذُ الطفولةِ وأنت تكتبُ وصيّة الألمِ على جبينِ الحياةِ، تنحني لواقعها حيناً، ثم تنتفضُ عليه، كزيتونةٍ عجوزٍ يتقاذفُها الريحُ، لكنها تأبى الانكسار. بكيتَ أمَّكَ عليا الجمعة صبيّاً، فغدوت يتيماً يخطو بين الأقدارِ كما يخطو الليلُ على وجهِ العتمة، ثم أتى الفراقُ مرةً أخرى حين اختطفتك يدُ الزمنِ من أخيك فهد، ذاك الذي لم يمهلهُ الاحتلالُ البريطانيُّ ليودّعكَ. فعرفتَ معنى الغيابِ مبكّراً، وعرفت أن الأرض وحدها من تبقى حين يتهاوى الجميعُ في هاويةِ الذكرى.



كم حلمتَ بفلسطين، حلمتَ بها كما يحلمُ الطيرُ بجناحيه، كما تحلمُ الأرضُ بالمطر، كما يحلمُ المسافرُ بالوطن. كنتَ تنظرُ إلى الجنوبِ كأنك ترى في الأفقِ باباً مفتوحاً للعودةِ، لكنّ البابَ ظلَّ موصداً، والمفتاحَ ضاعَ بينَ أصابعِ الزمنِ الغادر. كم بكيتَ ولم يسمعكَ أحد، وكم ناجيتَ فلسطين بصمتٍ، لكنها لم تجبكَ. كنتَ كلَّ مساءٍ ترصفُ الأقمارَ في سماءِ الغربةِ كأنها قناديلُ الطريقِ، لكنها لم تُنِر دربَ الرجوع. كنتَ تعانقُ السنونو العائدَ إلى أوطانه، كأنّكَ تستعيرُ منه جناحيه، لكنّكَ ظللتَ هناك، غريباً عن الدارِ وإن كنتَ الأقربَ إليها.



أيها العائدُ إلى الترابِ، هل سكنتَ فيه كما سكنكَ الحنينُ؟ هل هدأت روحكَ بعدما أتعبها السفرُ الذي لم يكن؟ هل عانقَ جسدُكَ الأرضَ التي أحبَّها، أم أنَّ شوقكَ امتدَّ حتى في الموتِ فلم تجد فيه سكينةً؟ أي لوعةٍ كانت تسكنكَ، وأي قلبٍ كنتَ تحمله؟ كنتَ تحيا جسداً في المنفى، لكنَّ روحكَ كانت تمتدُّ إلى هناك، حيثُ الأرضُ التي أنبتتك، والتربةُ التي زرعتَ فيها حلمَ العودةِ ولم تحصده.



يا أبا علي، كيف يمضي الذين حملوا أوطانهم في صدورهم؟ كيف تغيبُ الشموعُ التي كانت تتوهجُ بالحنينِ؟ كيف تخفتُ الأغنيةُ التي لم تُغنَّ بعد؟

رحلتَ يا عبد الله كما يرحلُ المساءُ خجلاً من فجرٍ لا يأتي، كما يذوبُ الثلجُ فوق قمةِ الجرمقِ دون أن يبلغَ الجبالَ سلامُك الأخير.

كنتَ كالمطرِ الذي وعدَ الأرضَ بالهطولِ، لكنه توقفَ عند أولِ الغيمِ، وكنتَ كالنهرِ الذي عرفَ طريقَه إلى البحرِ، لكنه لم يصله أبداً.



يا من كنت الحلم المؤجَّل، والحكاية التي لم تكتمل، والأغنية التي لم تجد مقامَها، كيف مضيتَ وتركتَ خلفكَ وطناً لا يزالُ معلقاً بين الرجاءِ والتيه؟ كيف غادرتَ وفي قلبكَ عطشٌ للعودةِ لم تروهِ كلُّ أنهارِ العالم؟ كنتَ كطائرٍ جريحٍ يبحثُ عن عشه، لكنَّ العشَّ ظلَّ بعيداً، كزهرةٍ اقتلعتها الريحُ قبل أن تفُوحَ رائحتُها، كقنديلٍ كان يحترقُ ليضيءَ الدربَ لغيره، لكنه لم يرَ النورَ الذي حلمَ به يوماً.



وداعاً يا عبد الله، وداعاً أيها العاشقُ لفلسطين، وداعاً أيها الزيتونُ الذي لم ينحنِ للريحِ، ولكنّه انحنى للفراق الأخير. وداعاً أيها العائدُ إلى الأرضِ التي لم تخنكَ يوماً، وداعاً يا من تركتَ خلفكَ الحنينَ مشتعلاً، والعودةَ التي لم تتحقَّق، والدمعةَ التي لم تجفَّ بعد.



نم قريرَ العينِ، فقد كنتَ في الحياةِ جسراً إلى الوطنِ، وفي الموتِ ذاكرةً لا تموت.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسطين التي سلبها الزَّمنُ... ذكرياتٌ لا تمُوتُ
- فلسطين... الأَرضُ التي لا تقبلُ المُساومةَ ولا تنحني للغُزاة ...
- سليمان الشيخ: غريبٌ في المنافي، مُقيمٌ في ظلالِ الوطن
- محمود... أرهقهُ الانتظارُ وخذلهُ القدرُ
- حين لا يُمهلُ القدرُ الطُّيُورَ الأَصيلة.. وداعاً سليم فرحات
- الفنَّان شربل فارس: مِثالُ الإبداعِ وعِمَادُ الوطن
- حِينَ يَبكِي المَساءُ... على أَجنِحةِ الطُّيُورِ
- المقاومةُ قدرُ الأحرارِ: قاوِم حتى لو كنتَ أعزلَ
- علي عبدالله علي، أَبو عاطف: رجلٌ من ذهبٍ تاهت به الأَزمنةُ
- غزَّة: بين أَنقاضِ الصَّمتِ وخيباتِ الأَملِ
- غوَّار الطُّوشة: أَيقُونةُ الخداعِ والتّلوّن
- صُلحُ الحُديبيةِ: اتفاقيَّةُ الهدنةِ التي مهَّدت لفتحِ مكَّة
- أَطفالُ غزَّة: شهادةُ حُزنٍ على خيانةِ العالمِ!
- الفلسطينيُّون: أُسطُورةُ الصُّمُود وأَيقُونةُ التَّحرير!
- أطفالُ غزّةَ: بينَ الألمِ والصَّمتِ العالميِّ!
- رحلةٌ في عتمةِ اللَّيل
- في عتمةِ الانتظارِ: حكايةُ ليلٍ لا ينتهي!
- الإعصارُ الناريُّ في لوس أنجلوس: كارثةٌ بيئيةٌ ودعوةٌ للتفكّ ...
- الأرقامُ الهنديَّةُ والعربيَّةُ في تاريخِ الرِّيَاضِيَّاتِ
- الرِّياضيات في الحضارة الإِسلامِيَّة: من الجبر إلى الفلك!


المزيد.....




- مستشار الأمن القومي الأمريكي: رسالتنا لزيلينسكي يجب أن تكون ...
- بوتين يعرب لبن سلمان عن شكر روسيا للسعودية على تهيئة الظروف ...
- -كرفانات- من مصر والأردن تصل إلى غزة
- مقبرة تحتمس الثاني بمصر: أسرار جديدة وأسطورة قديمة تفتح الأب ...
- إسرائيل تؤكد تسلمها جثامين أربع رهائن في غزة، وبدء دخول المس ...
- محكمة إسبانية تقضي بتغريم روبياليس في قضية -القبُلة الفموية- ...
- فيديو يثير الجدل: هل يتحوّل أحمد الشرع إلى ديكتاتور جديد؟
- تبون يدشن أضخم محطة لتحلية مياه البحر في الجزائر
- فرنسا تسلم قاعدة عسكرية في ساحل العاج للسلطات المحلية
- نائب الرئيس الأمريكي: الجيش الروسي يتفوق على الأوكراني والمس ...


المزيد.....

- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - عبد الله كلَّم: الحنين الذي لم يُعانقه الوطن!