|
قراءة في كتاب المعلم حازم سليمان الحلي
محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8257 - 2025 / 2 / 18 - 13:41
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
أهداني الصديق العزيز المهندس عدنان الحسيني اصداره الجديد (المعلم حازم سليمان الحلي- سيرة وعطاء) الصادر عن مؤسسة الصادق الثقافية في أواخر عام 2024، وما يثير الاهتمام في هذا الكتاب هو عنوانه الذي اختاره المؤلف عن عزم وتصميم، فالمعروف عن صاحب السيرة أنه تربوي حاز على شهادة الدكتوراه بتقدير عال، ومارس التدريس الجامعي في العراق وخارجه، وعرف عنه شاعراً مميزاً، ولغوي ثبت، وخطيب بارع، وجمع من المعارف والعلوم ما يجعله في مقدمة الباحثين في المجالات البحثية المختلفة، وكلمة المعلم تصرف ذهن القارئ الى من يمارس التعليم في المدارس الابتدائية، ولكن المؤلف أعطى لهذه الكلمة بعدها المعرفي الواسع، فقد أعطي هذا اللقب لعدد من العلماء والفلاسفة الذين كان لهم الأثر الكبير في العلوم العقلية، فكان المعلم الأول أرسطو الذي عد في مقدمة الفلاسفة اليونانيين الذين خاضوا في مختلف العلوم ، وكانت لهم آثارهم المائزة في المجالات السياسية واللغوية والمنطقية والبلاغية وعلم الحيوان والأحياء وغيرها من أفانين المعرفة، وقد بوأتهم أفكارهم وآرائهم هذه الزعامة. وأطلق على الفيلسوف الاسلامي الفارابي لقب المعلم الثاني باعتباره في طلعة مؤسسي الفلسفة الاسلامية القديمة، ولاهتمامه الكبير بمؤلفات أرسطو، فكان مفسراً لهذه المؤلفات، وأضاف عليها تعليقاته وناقش مبانيها، وله السبق في دراستها والخروج بآراء جديدة كانت الطريق لبدايات الفلسفة الاسلامية القديمة، ولا زالت أفكاره مدار درس الفلاسفة المحدثين. وقد ظهر من بعدهم فلاسفة تمكنوا من تجاوز أفكارهم بما قدموا من آراء وتصورات في الفلسفة الحديثة التي خرجت عن اطارها النظري لتعتمد العلوم الحديثة ، والمكتشفات التي غيرت من الانماط السابقة في الدراسات الفلسفية. فأين الدكتور الحلي من هؤلاء، ولماذا أطلق عليه المؤلف هذا اللقب الكبير، هل هو محض الأعجاب والاكبار لمعلم تلقى عليه المؤلف أولى دروس المعرفة عندما كان طالباً، أم أن هناك جديداً دفع به لاختيار هذا العنوان. لقد نشأ الحلي في قرية أقل ما يقال فيها أنها أنجبت علماء وشعراء ممن يشار لهم بالبنان، وهو سليل هذه الأسرة العلمية الكبيرة، فكان له الدافع أن يخطوا خطاهم، ويتبع آثارهم، فكان له ما أراد، وما أن أصبح معلماً حتى سعى لرقي قريته والانطلاق بها لترتقي سلالم العلم، فأسست فيها مدرسة كان فيها المعلم الأول، وتمكن من ادارتها بما يمتلك من قدرات ومواهب، فخرج منها الشعراء والأدباء والأطباء والمهندسين، وكانت النواة الأولى لرقي المنطقة وتطورها بما أضفت من اشعاع على القرى المجاورة. ولطموحه في طلب العلم، وسعيه لإعادة مجد تالد كاد أن يخبوا، شد عزمه لإكمال دراسته العالية، فانتمى لكلية الفقه في النجف الأشرف لينهل من علمها ويتزود بزادها، فبرزت فيها مواهبه الأدبية، فكان غريد احتفالاتها ومهرجاناتها، والمشارك في نشاطاتها، فبرز بين أخدانه شاعرا مجيداً، وخطيباً لا مناص من مشاركته في كل حفل أو جمع، وتمكن بما يحمل من طموحات، وما يمتلك من امكانات أن يكون مميزاً بين الطلبة، فكان في مقدمة الطلبة الناجحين، فعمل في التدريس الثانوي، وما أن توفرت له الفرص حتى سعى لإكمال دراسته، والحصول على الشهادات العليا، فشد الرحال لقهرة المعز ليزود بزادها وينهل من علمها فحصل على الماجستير في علوم اللغة العربية، وأكتسب من القاهرة قدراته البحثية، وما أن عاد حتى تلقفته جامعة بغداد لينال منها الدكتوراه، ومارس التدريس في كليته الأولى ليكون زميلاً لأساتذته الذين نهل منهم علومه الأولى، فكان نعم الطالب ونعم الأستاذ. وكان لموهبته الخطابية أثرها في بروز وشيوع اسمه، سيما وانه شاعر أمتلك ناصية الشعر بما ورث عن أسرة شاعرة كان لها مكانها بين الأسر الشاعرة، يضاف لها ما أمتلك من خزين معرفي كان له خير معين في التجلي والبروز، وقد استمعت له يوماً وهو يخطب في أحد المجالس، فكان يتلاعب بمشاعر السامعين، ولو قيض له ممارسة الخطابة لكن في طليعة خطباء المنابر بما يمتلك من قابليات ومؤهلات تثير المشاعر، وتحرك الضمائر. ولعل من مآثره التي لا تنسى، أنه كان في طليعة العاملين لتحريك الجو الأدبي في الحلة، فقد كان في طليعة المؤسسين لندوة عشتار الأدبية في الحلة، تلك الجمعية التي تمكنت من بعث النشاط الثقافي المدينة، وأبرزت كثير من المواهب الكامنة لدى أبناءها ، ولولاها لما ظهرت تلك المواهب، فقد كان لهذه الجمعية أثرها الكبير في بعث النشاط الثقافي ليس في الحلة فحسب، بل في منطقة الفرات الأوسط، واستقطبت في أماسيها قادة الأدب وأساتذة الجيل، وكان لمهرجاناتها المتعددة الأثر الكبير في الحركة الأدبية، وشيوع النشاط الثقافي وبناء الأسس الثابتة لنهضة أدبية ما كان لها أن تكون لولا جهود هذه الثلة الطيبة من أبناء الحلة. يضاف لقدراته الشعرية وموهبته الخطابية وحسه اللغوي ما ترك من آثار علمية رائدة، فقد سعى لإحياء تراث الحلة، فكان باكورة نشاطه تحقيق ديوان السيد مرزة الحلي، وأصدر كتيباً صغيراً عن أطوار المعجم العربي، تلاه بكتابه القيم عن الشريف الرضي وجهوده اللغوية، وأصدر كتابه الآخر عن القراءات القرآنية بين المستشرقين والنحاة، وهو مناقشة علمية لآراء لمستشرقين ورؤيتهم للقراءات القرآنية، وما خرج به النحاة عن هذه القراءات، وصدر له ديوان اطلالة الفجر الذي ضم بعض أشعاره، ولعل اعتزازه بتراث أسرته كان الدافع وراء دراسته لشعر السيد حيدر الحلي شيخ شعراء عصره ، والمبرز بين أقرانه من الشعراء، وكتابه الأصفهاني المؤرخ الأدبي دراسة مستفيضة لجهود الأصفهاني في التاريخ الأدبي وما لآثاره من أهمية بالغة في الحفاظ على كثير من النصوص الأدبية التي لولا جهوده لضاعت بين ما ضاع من تراثنا القديم. ولفرط عنايته بالتراث العربي فقد صدر له كتاب آخر بعنوان( النبي وآله في الشعر العربي) وهو كتاب اختار فيه قصائد من غرر الشعر العربي التي تناولت في موضوعتها النبي وعترته الأطهار، ومن أهم اصداراته كتابه الموسوم (الحلة وأثرها العلمي والأدبي) تناول فيه تأثير الحلة العلمي والأدبي والأعلام الذين أثروا في المشهد العلمي والأدبي في المدينة، وتأثيرها على المدن الأخرى، وما لها من مكانة أدبية كبرى بين الحواضر العلمية، أما كتابه موسيقى الشعر العربي فقد تناول فيه موسيقى الشعر وايقاعه وأعاريضه، وما لموسيقى الشعر من تأثير على نمو الذائقة الشعرية وارهاف الذوق. أما كتابه أثر المحتسب في الدراسات النحوية، فهو من الكتب المهمة التي تدل على طول باعه في البحث والتنقير، وقدراته العلمية في دراسة النحو العربي، وتأثير القراءات القرآنية ، والكتاب بحجمه الكبير خير دليل على المام المحقق بالدراسات النحوية، وقدراته على الانغمار في هذا البحر الكبير والخروج بنتائج مهمة تبرز بشكل جلي امكاناته على التحليل والاستنباط. وندوة عشتار كما بينا في مقدمة العرض من الندوات المهمة التي كان لها تأثيرها الكبير في بعث الروح الأدبي في مدينة الحلة، ودوره فيها، وكتابه(أضواء على ندوة عشتار) من المراجع المهمة عن هذه الندوة التي شكلت انعطافه خطيرة في المشهد الأدبي الحلي، وكانت مصدر اشعاع على منطقة الفرات الأوسط، ويمكن المقارنة بينها وبين (جمعية الرابطة العلمية الأدبية) في النجف التي انشأت في عام 1932م وكان لها تأثيرها في بعث الشعر العربي والخروج من الشرنقة القديمة وتطويره في اللغة والأساليب. وكتابه (أول حماة الاسلام أبو طالب ولاميته) تناول فيه مسيرة (ابو طالب) وتأثيره على البعثة النبوية، وما له من مواقف في هذا المجال، مؤكداً اسلامه على عكس ما يقال عنه، وقد أورد رأيه في قصيدته اللامية ومكانتها بين القصائد المشهورة، دراسا لها نقدياً وبلاغياً، مؤكدا على شاعرية أبي طالب ودفاعه المجيد عن الاسلام. اما كتابه الموسوم( علي مع الحق والحق مع علي) فهو جزء من الجهود التي بذلها الحلي في تبيان المواقف الاسلامية المختلفة ودراسة رجال الاسلام وفق منهجه الرامي الى اثبات حق آل البيت في قيادة العالم الاسلامي. وكتابه الآخر الذي جمع فيه ما قيل في في الجهاد الليبي لشعراء العراق وهو جهد توثيقي يظهر مدى اطلاعه على التراث العراقي وسعيه لدراسته وتوثيقه. ولصاحب السيرة ديوان شعر لا زال مخطوطاً، ومقالات وبحوث كثيرة نشرت في المجلات العراقية والعربية، ومحاضرات ودراسات في مختلف الفنون العربية، تدل على طول باعه في البحث والتأليف، وما له من أثر على المستوى الأكاديمي من خلال تدريسه في الجامعات العراقية والعربية بعد هجرته من العراق. وقد ألم المؤلف الفاضل بسيرة المؤلف وجهوده الفكرية في مختلف الجوانب يدفعه الى ذلك صلة القرابة والمدينية والاهتمام بدراسة الاعلام الذين تركوا آثار لا تنسى في الفكر العربي، وهو محض وفاء لتربوي كان له تأثيره الكبير في بناء جيل متسلح بالعلم( ).
#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عدنان الجزائري الواله الغارق بالحنين
-
مشاهدات للدكتور عبد الرضا عوض
-
نقد الفكر والممارسة الدينية لدى المسلمين
-
باسم عبد الحميد حمودي وأثره في تدوين الموروث الشعبي العراقي
-
الشيخ البهائي وكتابه الكشكول: بين الزهد والتناقضات الأدبية
-
الشاعر عبد الحسين الحيدري ونزعته في التمرد والانطلاق
-
الدكتور عبد العظيم السلطاني وآراؤه النقديةم
-
كناية الديالكتيك نزهة ثانية في المعرفة
-
لقد قصدها يوما
-
قطف الثمر في التاريخ والتراث والفكر
-
نبيل الربيعي باحثا ومقاليا
-
دار الظالم خراب
-
سجلت ضد مجهول
-
كلاوات حجي علي
-
كلها سوده مصخمة
-
ينرادلها هلهولة
-
سالفة الاخرس
-
لمن تقرع الأجراس
-
وزير بالمزاد
-
خَل يموت الحصان من أكل الشعير
المزيد.....
-
-أراد حث الدول على خطة بديلة-.. ويتكوف: هذه دوافع ترامب في ط
...
-
قلق أوروبي من المحادثات الأمريكية-الروسية في الرياض.. ما أسب
...
-
ساحل العاج تستعيد السيطرة على آخر القواعد الفرنسية في البلاد
...
-
إلغاء مؤتمر صحفي مع كيلوج - نقطة اللاعودة بين ترامب وزيلينسك
...
-
إسقاط 28 مسيرة أوكرانية في عدة مناطق روسية
-
سوريا.. مقتل 8 مدنيين في انفجار ذخائر من مخلفات الحرب في بلد
...
-
وجبة إفطار مثالية لعقل الشباب!
-
نائب الرئيس الأمريكي: الهجرة غير الشرعية تهدد أوروبا ويجب وق
...
-
دعوة إسرائيلية لاستئجار أراض مصرية لتنفيذ مخطط التهجير.. وخب
...
-
ما سر -الثقب الأسود- في المحيط الهادئ؟
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|