|
مشروع قانون جديد لقطاع النفط العراقي
عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 1794 - 2007 / 1 / 13 - 10:30
المحور:
الادارة و الاقتصاد
كان واضحاً منذ البداية أن غزو/ احتلال العراق ارتبط بمسألة النفط أكثر من أي شيء آخر. ففي وقت مبكر من عام 1970 بلغ إنتاج النفط في الولايات المتحدة أدناه وأخذت المشاكل الاقتصادية ذات العلاقة تطفو على السطح. عالجت الولايات المتحدة أزمتها بعقد اتفاقية مع السعودية تعهدت بموجبها ضمان حماية السعودية مقابل إعادة السعودية لأغلب دولاراتها النفطية إلى الاقتصاد الأمريكي. وفي العشرين سنة التالية تدفقت بلايين الدولارات النفطية السعودية لتغذية الاقتصاد الأمريكي في شكل عقود خدمية طويلة الأمد: إنشاءات، شراء أسلحة وغيرها من التعاقدات، علاوة على توظيف الكثير منها في الوول ستريت Wall Street. يُضاف إلى ذلك أن عمليات اكتشاف واستغلال حقول نفط بحر الشمال فعلت الكثير باتجاه النمو الاقتصادي للولايات المتحدة والمملكة المتحدة على مدى العشرين عاماً الماضية. ولكن مع بداية إدارة بوش أخذ إنتاج بحر الشمال بالانخفاض السريع بشكل واضح.. وهذه المشكلة جسّدت تهديداً اقتصادياً، بخاصة للمملكة المتحدة.. وربما أن مستشاري الرئيس بوش قد ذكروا أن مستقبل الاقتصاد الأمريكي يرتبط بنجاح طويل الأمد (المقصود بالنجاح هنا إعادة تشغيل الدولار البترولي العراقي في الاقتصاد الأمريكي)، وذلك في ظروف نشوء حالة اقتصادية حذرة نتيجة سرعة تصاعد العجز في ميزانية الولايات المتحدة وحساباتها الجارية بشكل خارج عن السيطرة. وهكذا فإن الهدف الأكثر أهمية لغزو/ احتلال العراق تمثّل في ضمان إجراءات إعادة الدولار النفطي العراقي للاقتصاد الأمريكي، كما حصل مع السعودية. ما جعل الوضع أكثر خطورة هو أن الشركات الغربية الكبرى أصبحت تواجه مشكلة تعويض احتياطياتها النفطية في السنوات التالية- مما خلقت مخاوف تهديد أسهمها/ وجودها في الوول ستريت- وفي ظروف وجدت نفسها خارجة تماماً من المنطقة الغنية بإنتاج النفط وبالاحتياطي- أعضاء أوبك- بعد أن نجحت في السيطرة على نفطها وتأهيل شركاتها النفطية الوطنية. يمتلك العراق ثاني أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم- خمس مرات أكبر من كميات الاحتياطي المتاحة في الولايات المتحدة (الاحتياطي النفطي المؤكد في العراق 112 بليون برميل. تقديرات الخبراء أن العراق يمتلك مكامن نفطية بحدود 300-450 بليون برميل1!) أصبح من الواضح لأي مراقب متخصص أن إنتاج النفط العراقي كان مهيئاً للزيادة بشكل كبير في المستقبل القريب. (كلفة إنتاج برميل النفط العراقي في المتوسط هي الأكثر انخفاضاً في العالم.. وجود 80 حقل نفطي، في حين أن الإنتاج قاصر على 15 حقل فقط.. علاوة على ضخامة الاحتياطي وطول فترة النفاد النفطي2!) وفي ظروف احتمال بدء حصول التناقص في الإنتاج النفطي السعودي (وربما بدأ فعلاً بالتناقص حالياً)، كان المتوقع أن يصبح العراق بشكل مؤكد خلال عقد أو نحو ذلك البلد الأول المصدر للنفط في العالم. ومن الواضح أن الولايات المتحدة وبريطانيا لاحظتا أن العراق خوخة (فاكهة) ناضجة مهيأة للقطف عند غزوهما للعراق عام 2003. فشلت الدولة المحتلة في قمع المتمردين (المقاومة)، وأصبح استمرار الاحتلال غير مقبول سياسياً في غياب حصول حدث آخر مشابه لهجمات سبتمبر/ أيلول 2001! وفي ظروف تواجد هذه الثروة الهائلة فمن غير المحتمل أن تتخلى الولايات المتحدة عن السيطرة على الموارد النفطية العراقية. تكشف الأحداث الأخيرة أن لعبة السيطرة على نفط العراق قد بدأت. وأن المناورات الأمريكية مع حكومة الاحتلال في بغداد أخذت طريقها كمدخل لإصدار قانون جديد للهيدروكربونات من قبل البرلمان العراقي. ويوفر هذا القانون الجديد للشركات الغربية اتفاقات طويلة الأمد مربحة جداً يتجاوز ضعف الربح المعياري للاتفاقات النفطية المتاحة عموماً، وأيضاً تمنع الحكومة العراقية مستقبلاً من تأميم الصناعة النفطية، كما في امتلاك معظم الدول النفطية الأعضاء في أوبك لمواردها هذه من خلال شركاتها النفطية الوطنية المستقلة، (حيث كان العراق يقف على رأسها في المنظمة بعد أن نجح في تأميم نفطه بداية السبعينات وبناء شركته النفطية الوطنية المستقلة منتصف الستينات3!) أما مَنْ اطّلع لغايته على مشروع القانون، وحسب Independent "ثلاث خارج المجموعة لها فرصة أكبر في تفحص مشروع القانون من معظم العراقيين،" حسب Mr Muttit "أُرسلت مسودة القانون إلى الحكومة الأمريكية وشركات النفط الرئيسة في يوليو/ تموز وإلى صندوق النقد الدولي في سبتمبر/ أيلول. "قابلت في الشهر الماضي مجموعة من 20 برلمانياً عراقياً في الأردن، وسألتهم كم عدد من اطلع على مشروع القانون؟ الجواب: واحد فقط!" بكلمات أكثر وضوحاً، كُتبتْ مسودة القانون من قبل ولمصلحة الشركات النفطية الغربية الرئيسة. مع ملاحظة نقطة مهمة أخرى وهي أن القانون المقترح يوفر ضمانات ضد الاحتمالات المستقبلية للتغييرات السياسية في حالة مجيء حكومة عراقية لا تذعن للمصالح الأجنبية. كذلك يمكن أن يتعرض الحق السيادي للعراق في إدارة موارده الطبيعية إلى التهديد من خلال فقرة شرطية في مسودة القانون تنص على أن أي خلاف مع الشركة الأجنبية يجب أن يتم حلّه نهائياً من خلال تحكيم دولي وليس تحكيماً عراقياً. بكلمات أخرى، إذا حاول العراق تأميم صناعته النفطية وطرد شركات النفط الأجنبية خلال الثلاثين سنة القادمة فإن المحكم الدولي سيصدر حكماً ببطلان هذا التأميم وتكون للولايات المتحدة ذريعة لغزو/ احتلال البلاد مرة أخرى. إن قانون الهيدروكربونات هو مجرد خطوة أولى تخطط لها الولايات المتحدة. ستحتاج حقول وأنابيب النفط بالطبع إلى "الحماية" من المتمردين (المقاومة) التي دُفعت لأجلها من أرصدة العراق بلايين الدولارات لشركات المرتزقة الأمريكية/ البريطانية لتوفير مثل هذه الحماية في ظل الاحتلال مثل شركة Blackwater. وأيضاً ستحتاج الحكومة العراقية إلى "إرشاد" guidance لاستثمار عوائدها النفطية، وسيتم منح شركتي Bechtel (و) Haliburton بلايين أخرى من الدولارات النفطية لإعادة بناء ما دمّرته الولايات المتحدة سواء عند غزوها وأثناء احتلالها للبلاد أو أثناء فترة المقاطعة. وعندما يتم كل ذلك، تعود بلايين الدولارات النفطية العراقية المتبقية إلى دورة الاقتصاد الأمريكي والبريطاني.. بطبيعة الحال، تبقى هناك أسئلة عديدة تنتظر الإجابة.. هل سيتجه البرلمان العراقي فعلاً إلى تمرير مشروع قانون النفط المقترح؟.. إذا كانت الإجابة نعم. هل سيقف الشعب العراقي متفرجاً؟ (مع العلم أن أغلبية ضخمة من الشعب العراقي يعارضون الوجود الأمريكي الطويل الأمد في العراق.) يظهر أن الصدريين يشكلون مجموعة برلمانية رئيسة key group وهم في الأصل جزء من ائتلاف (الأغلبية) المؤيدة من السيستاني. سبق وقاطعوا جلسات البرلمان. وهناك شائعات بأنهم يفكرون في ترك هذا الائتلاف وتشكيل ائتلاف آخر بالانضمام إلى برلمانيين من الطائفة الأخرى (الأقلية). أدت هذه الشائعات إلى قلق عظيم في كل من واشنطن وإيران. ويلاحظ وجود قواسم مشتركة بين الصدريين وبين طائفة (الأقلية): تأييد إقامة حكومة مركزية قوية.. معارضة استمرار وجود القوات الأجنبية في العراق.. ومن ثم فإن تحالفاً من هذا القبيل سيشكل كارثة للمحافظين الجدد صانعي السياسة الأمريكية. إن المنافس القوي للصدريين يتمثل في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية. ولكل مليشياته المسلّحة. ويظهر أن المجلس الأعلى أكثر إذعاناً في هذه المرحلة لأجندة الغرب مقارنة بالصدريين. لم يتخذ المجلس موقفاً علنياً من مشروع القانون الجديد للنفط. لكن من غير المحتمل أن تبادر الولايات المتحدة إلى تقديم المشروع في هذه المرحلة دون دعم قوي من المجلس الأعلى. هل للولايات المتحدة عدد كاف من المؤيدين في البرلمان العراقي لضمان تمرير هذا القانون؟ الحقيقة المعروفة هي توقع استخدام الرشاوى والابتزاز الواسعة الانتشار حالياً لشراء أكبر عدد من أصوات أعضاء البرلمان لصالح مشروع القانون. ولكن هل يمكن أن تخفف الولايات المتحدة ضغطها على إيران مقابل استخدام الأخيرة نفوذها لدى طائفة (الأغلبية) لتمرير مشروع القانون؟ ربما تم ترتيب التنفيذ السريع لحكم الإعدام على الرئيس العراقي السابق لإرضاء الصدريين وإعادتهم إلى البرلمان، ليس بسبب احتمال تأييدهم لمشروع القانون، بل لإظهار أعلى قدر من (الشرعية) للقانون المقترح بوجودهم. يلاحظ عدم إصدار الصدر أي تصريح رسمي بشأن موقفه من القانون المقترح. لكن تاريخه، باعتباره شديد الوطنية العراقية، يجعل من المحتمل أن يقف معارضاً قوياً لمشروع القانون. وفي هذه الحالة، هل سيشتد انزعاج الصدريين بشأن قانون النفط المقترح إلى حدود ترك ائتلاف (الأغلبية) والانضمام إلى بقية أحزاب (الأقلية)؟ وإذا فعلوها، هل سيوفرون عدداً كافياً من الأصوات لإسقاط المشروع؟ وإذا تحقق تمرير المشروع بنجاح هل ستنضم جماعة الصدر، وعلى نحو فعال، إلى المتمردين (المقاومة)؟ وهل أن هذا التهديد المحتمل كان سبباً لإدارة بوش إرسال قوات إضافية إلى العراق في هذا الوقت!؟ وأخيراً، إذا انفجرت منطقة الجنوب العراقي في سياق انتفاضة مسلّحة، هل ستكون الولايات المتحدة قادرة على توفير الإمدادات لقواتها بشكل كاف باستخدام قوافل عسكرية مرافقة في الطريق خاصة عندما يكون قد حلّ موعد العواصف الرملية في الربيع؟ إن الأشهر القليلة القادمة ستكون مثيرة وذا شأن!! مممممممممممممممممممممممممـ نشرت هذه المقالة في حدود نهاية الأسبوع الأول من هذا الشهر.. أنظر: http://www.strategytalk.org/phpBB2/files/reserves_and_production_mapping_106.gif 1،2،3: لمزيد من التفصيل، أنظر، عبدالوهاب حميد رشيد: 1- مسألة معارضة الخصخصة (ترجمة)، الحوار المتمدن، العدد 1134- 11 مارس/آذار 2005. 2- تطورات الثروة النفطية في العراق/ حوار صحفي، سعوديات نت- 25 يونيو/ حزيران 2005. 3- التحول الديمقراطي في العراق: المواريث التاريخية والأسس الثقافية والمحددات الخارجية، ف4/ 3- الثروة النفطية- ص. 213-224، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، يوليو/ تموز 2006.
ترجمة: عبدالوهاب حميد رشيد
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعاظم قوافل هجرة وتهجير العراقيين
-
نمر من ورق؟ ربما تواجه إيران انحداراً اقتصادياً حاداً
-
الأمريكيون يريدون خروجاً سريعاً من العراق لكن القادة المنتخب
...
-
تصاعد قياسي للقتلى المدنيين في العراق
-
أكراد العراق يتحولون ضد حلفائهم الأمريكان
-
ماذا عن القتلة الآخرين في العالم المدعمين أمريكياً والقتلة ا
...
-
الولايات المتحدة تفتح جبهة قتال أخرى في العالم الإسلامي
-
108000 عراقي هربوا من منازلهم الشهر الماضي
-
2007: عام سيئ آخر للعراق
-
ذروة عشر أساطير بشأن العراق*
-
تحليل: تهريب النفط العراقي*
-
تطورات البرنامج النووي الإيراني
-
حرب العراق قتلت من الأمريكيين عدداً أكبر من قتلى 11 سبتمبر*
-
تقرير: مشروع أمريكي سري للإطاحة بالنظام السوري*
-
لم أصنع في حياتي أبداً هذا العدد الكبير من التوابيت*
-
اليورانيوم المنضب وراء تصاعد انتشار السرطان في العراق*
-
إسرائيل تتهيأ لشن الحرب ضد حزب الله وسوريا*
-
بيئة محاكمة صدام: مأساة لظلم الغزاة*
-
استقالة رامسفيلد طريقة متأخرة جداً*
-
آثام بوش تنقلب عليه*
المزيد.....
-
السعودية: إنتاج المملكة من المياه يعادل إنتاج العالم من البت
...
-
وول ستريت جورنال: قوة الدولار تزيد الضغوط على الصين واقتصادا
...
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
-
أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|