أسامة خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 8255 - 2025 / 2 / 16 - 12:04
المحور:
القضية الفلسطينية
كاتب فلسطيني
لا شك أن فكرة ترامب بالدعوة لتهجير سكان غزة إلى دول مجاورة «مصر والأردن»، تهديد خطير للأمن القومي العربي، وقد كرر الرئيس الأميركي عزمه على الاستيلاء على غزة، كأنها عقار قابل للبيع والشراء والتطوير والاستثمار واستغلال أهمية المكان، بتحويله إلى ريفييرا الشرق الأوسط، ناكراً على سكانه الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير فوق أرض وطنهم، ودون الأخذ بعين الاعتبار القوانين الدولية التي تدين وتجرم التطهير العرقي.
أثارت دعوات التهجير مخاوف جدية لدى الحكام العرب، أيقظتهم من غفوتهم، وأخرجتهم من صمتهم، ووضعتهم في موقف جدي وخطير، يدفعهم لتوحيد الجهود لمواجهة التحدي التاريخي المتعلق بمصير الأمة ومستقبلها، واتخاذ موقف موحد وحاسم وسريع، إذ ليست قضية فلسطين وحدها المستهدفة، في ظل العربدة الإسرائيلية في المنطقة، واتضاح أطماعها بضم الأراضي الفلسطينية والتوسع في الدول المجاورة، بدعم وتشجيع أميركي تحت مسمى إسرائيل تبدو صغيرة كرأس قلم على الطاولة.
في سوريا سيطرت إسرائيل على كامل المنطقة العازلة، وقامت بإنشاء تحصينات في 9 مواقع، أهمها الموقع العسكري في جبل الشيخ الاستراتيجي، وتوغلت في الجنوب السوري في منطقة تمتد من حوض اليرموك بريف درعا الغربي إلى جبل الشيخ، واقتربت بـنحو «25» كيلومتراً من العاصمة السورية.
ويخرق الجيش الإسرائيلي في لبنان الاتفاق «1701»، ويخطط للبقاء في مناطق محددة في الجنوب اللبناني، بعد إزالته خمس علامات محددة على الخط الأزرق.
السعودية ومصر والأردن مطلوب منها فتح حدودها لاستقبال موجات من التهجير الجماعي، وتخصيص جزء من أراضيها لتوطين الفلسطينيين، فهي مهددة بنزوح طوفان بشري إليها، من قطاع غزة، يتوقع أن يتبعه تهجير من الضفة أيضاً، فلسطين ليست وحدها في دائرة النار، تداعيات الحرب على غزة، وتهجير سكانها، سيكون لها امتداداتها الإقليمية والدولية. ولم يعد كافياً ولا شافياً أن تنعقد قمة عربية تقليدية، تطلق بياناً قد تكرر مراراً متضمناً مبادرة عربية على الورق، دون استراتيجية واحدة تهتم بالعمل على التحشيد الدولي لها، والمتابعة الدائمة، واتخاذ إجراءات تجبر اسرائيل على الرضوخ لمتطلبات السلام العادل، فلدى العرب قدرة على الفعل ورسم مستقبل الإقليم، والجماهير العربية تنتظر من القمة شيئاً مختلفاً عن مخرجات القمم السابقة، وإلا فمخطط التهجير سيتحول إلى واقع لا مفر منه، كما يقول وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو إن الولايات المتحدة منفتحة على أية اقتراحات عربية تكون جيدة، وخطة ترامب إلى الآن هي الوحيدة المقترحة، ومنح روبيو البلدان العربية فرصة لبلورة خطة بشأن غزة شريطة ألا تبقي على حكم حماس للقطاع، هذا يعني إن لم يكن هناك بديل عربي عملي فإن فكرة ترامب لن تبقى فكرة، وستتحول إلى خطة حقيقة قابلة للتنفيذ، لكن مصر أعلنت أنها ستقدم رؤية شاملة لإعادة إعمار غزة، تضمن بقاء الفلسطينيين في أرضهم، وهي تبلور تصوراً لخطة تمتد 5 سنوات تبدأها بما سمته التعافي المبكر.
فلسطين وقضيتها تهز جماهير الأمة وتحركها، وتنبهها إلى ما يخطط لها على أيدي متطرفين في البيت الأبيض وفي الكابينيت. ودولة فلسطين هي من طلبت عقد قمة عربية، والقمة لا تعني فلسطين وحدها مع أنها القضية الأساسية، ولا تعني الإقليم فقط، فالرد الحاسم يعني كندا والدانمارك ومحكمة العدل الدولية وكل من طالته طموحات وعقوبات وتهديدات ترامب في هذا العالم المستباح أمريكياً، وإذ تتناول القمة التطورات المستجدة والخطيرة للقضية الفلسطينية، وتعمل على حلها، ستكون خطوات في مسار سلام عالمي يفشل المشاريع الاستعمارية، لذا ستجد قرارات القمة ردوداً عالمية تلتف حولها في مواجهة الطغيان الأميركي والاستهتار الإسرائيلي بالقيم والأعراف والقوانين الدولية، ويجب على العرب الاستفادة من هذه الحالة الرافضة لمخططات وصفقات ترامب.
تسبق القمة العربية المرتقبة تصريحات وتحركات توحي بأنها لن تكون مجرد لقاء عابر يخرج ببيان غير مجد، فبعد التشاور والتنسيق من جانب مصر وعلى أعلى المستويات مع الدول العربية، قالت الخارجية المصرية في بيان إن مصر تستضيف القمة العربية الطارئة يوم 27 شباط/ فبراير2025 بالقاهرة، وذلك بعد التنسيق مع مملكة البحرين الرئيس الحالي للقمة العربية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية. وأكد بيان الخارجية المصرية «ضرورة السعي نحو التوصل لحل سياسي دائم وعادل للقضية الفلسطينية من خلال المسار العملي الوحيد، والذي يتمثل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لمقررات الشرعية الدولية».
وشهدت الاتصالات التي قامت بها مصر «التأكيد على ثوابت الموقف العربي، إزاء القضية الفلسطينية، الرافض لأي إجراءات تستهدف تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، أو تشجيع نقل الفلسطينيين إلى دول أخرى خارج الأراضي الفلسطينية، على ضوء ما تمثله هذه التصورات والأفكار من انتهاك صارخ للقانون الدولي، وتعدٍّ على الحقوق الفلسطينية، وتهديد للأمن والاستقرار في المنطقة، وتقويض لفرص السلام والتعايش بين شعوبها».
المتحدَّث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، جمال رشدي، قال إن «القمة تستهدف بناء موقف عربي موحَّد ضد محاولات تهجير الفلسطينيين»، وأضاف أن «المواقف العربية كانت واضحة وصريحة في هذا الشأن، وكل دولة أعلنت رفضها، لكن كان لا بد من صياغة موقف موحَّد على أعلى مستوى من خلال هذه القمة». وتوقَّع رشدي «حضوراً قوياً وكبيراً» في «قمة القاهرة» الطارئة، «يعكس إلحاح الموقف وخطورته، وما يُشكِّله من تحدٍّ للقضية الفلسطينية، والمنطقة العربية كلها». وقال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي إن جامعة الدول العربية تقوم بتعبئة موقف عربي ودولي لقيام الدولة الفلسطينية.
ويتواصل التحشيد ضد فكرة ترامب، حيث حصلت القاهرة على موافقة أولية لعقد اجتماع وزاري طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي بعد القمة العربية المرتقبة. وقد ذكرت الخارجية المصرية في بيان أن «وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أجرى اتصالات هاتفية بعدد من وزراء خارجية الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، ومن ضمنها السعودية وباكستان وإيران والأردن، وذلك لبحث التطورات على صعيد القضية الفلسطينية وقد شهدت تلك الاتصالات توافقاً على عقد اجتماع وزاري طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي بعد القمة العربية الطارئة المقرر عقدها في القاهرة يوم ٢٧ فبراير، وذلك للتأكيد على ثوابت الموقف الفلسطيني والعربي والإسلامي بشأن القضية الفلسطينية والتمسك بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وعلى رأسها حقه في تقرير المصير والعيش في وطنه وعلى أرضه.
ورداً على الدول التي رفضت خطة ترامب، ومتهماً مصر بمنع مغادرة الفلسطينيين لقطاع غزة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: «إذا كانت تلك البلدان تعتبر قطاع غزة سجناً مفتوحاً، فلماذا يريدون إبقاءهم (الفلسطينيين) بالسجن... لقد حولت مصر غزة إلى سجن مفتوح وحان الوقت لتمنحهم فرصة المغادرة.
وفي مقابلة مع القناة 14 الإسرائيلية دعا إلى إقامة دولة فلسطينية في السعودية، قائلا إن «لديها ما يكفي من الأراضي لتوفير دولة للفلسطينيين».
دول عربية ومنظمة التعاون الإسلامي رفضت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي دعا فيها إلى إقامة دولة فلسطينية على الأراضي السعودية واعتبرتها عنصرية ومنفلتة، مؤكدة أن أمن المملكة خط أحمر.
وردت السعودية على تصريح نتنياهو في بيان رسمي قوي صادر عن وزارة الخارجية حول تهجير الفلسطينيين، جاء فيه أن المملكة « تؤكد رفضها القاطع لمثل هذه التصريحات التي تستهدف صرف النظر عن الجرائم المتتالية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأشقاء الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك ما يتعرضون له من تطهير عرقي .. وتشير المملكة إلى أن هذه العقلية المتطرفة المحتلة لا تستوعب ما تعنيه الأرض الفلسطينية لشعب فلسطين الشقيق وارتباطه الوجداني والتاريخي والقانوني بهذه الأرض، وتؤكد أن الشعب الفلسطيني الشقيق صاحب حق في أرضه، وليسوا دخلاء عليها أو مهاجرين إليها يمكن طردهم متى شاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.
وأن أصحاب هذه الأفكار المتطرفة هم الذين منعوا قبول إسرائيل للسلام، من خلال رفض التعايش السلمي، ورفض مبادرات السلام التي تبنتها الدول العربية، وممارسة الظلم بشكل ممنهج تجاه الشعب الفلسطيني لمدة تزيد على (75) عاماً ».
ستسبق انعقاد القمة العربية أواخر شباط زيارات ومباحثات هامة عربية عربية، وعربية أميركية، يمكن أن تؤثر على مسار القمة وقراراتها، وأهم هذه التحركات النشطة هذه الأيام، زيارة ملك الأردن عبدالله الثاني إلى واشنطن، وتباحث مع ترامب، والتقى مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز، حيث دارت مباحثاته حول الوضع في غزة، وموقفه من خطة ترامب لنقل الفلسطينيين من غزة، رافضاً التهجير مبيناً أن هناك خطة لإعمار غزة من دون تهجير للشعب الفلسطيني، مؤكداً من جديد على مواقف الأردن الثابتة تجاه القضية الفلسطينية في تحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين.
وأيضاً زيارة وزير خارجية مصر الدكتور بدر عبد العاطي إلى الولايات المتحدة، لإجراء مباحثات مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو وكبار المسؤولين في الكونجرس والأمن القومي لبحث تطورات القضية الفلسطينية.
بالمقابل وزير الخارجية الأميركي روبيو بدأ جولته في الشرق الأوسط أمس السبت 15 شباط/ فبراير بزيارة «إسرائيل» ولقاء نتنياهو للبحث في بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، وخطة ترامب.
#أسامة_خليفة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟