محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8255 - 2025 / 2 / 16 - 09:53
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
قبل أيام أهداني صديقي العزيز عدنان الجزائري مجموعته الشعرية الأخيرة (لها ولهي) الصادرة عن دار الفرات للثقافة والاعلام في بابل -2025، وهذه المجموعة لا تخرج عن اطار مجاميعه السابقة في احتوائها على قصائد تباينت في رؤاها وأفكارها، وإن طغى عليها ما هو أثير على قلبه من قصائد وجدانية معبرة عن حب ووله يتماوج بين قوافيه، ويبرز نافراً بين مواضيعه ذلك الحب العاثر الذي تضاءلت فيه الأماني، وانحسرت الرغبات في تمنيات خجلا تبحث عما ضاع في ركام الأحداث.
والعنوان لوحده دعوة للتفكير في مراد الشاعر، الذي زاوج بين(لها) و(ولهي) فهي مزاوجة أوحت للقارئ بما أراد الشاعر في هذا العنوان، فعبر عن رغبة كامنة وشعور واضح بما في نفسه من (ولَهَ) ومحبة لهذه التي شغلت مناحي تفكيره، وجعلته يطوف في عوالمها، والفعل (ولَهَ) وَلْهًا ووَلَهًا ، فهو وَالِه ووَلْهانُ - وَلْهَانٌ وهي والهةٌ ووَلْهَى، والمفعول مولوه إليه، تعبير عن اشتدَّاد الحُزْنُ المودي الى الجنون، أو التحيَّر من شدَّة الوَجْد.
والجزائري من الشعراء الذين كتبوا الشعر الحر، وتأثروا بمدرسته الحديثة ، وأساليب السياب، أحد رواد هذا النوع من الشعر، ويمثل شعره امتدادًا لتقاليد الشعر الحر التي أعادت تشكيل الشعر العربي، بعيدًا عن القافية والوزن التقليديين، مستوحيةً من عمق التجربة الإنسانية وثراء اللغة العربية، العديد من الصور التي تحامى عنها الشعر العربي القديم.
ويمكن ملاحظة تأثير هذه المدرسة من خلال اختياره للموضوعات العميقة والمشحونة بالعاطفة، مثل الحنين، الألم، الوطن، والغربة، واستخدامه تراكيب لغوية مبتكرة وصورًا شعرية تحمل أبعادًا رمزية وغنية بالإيحاءات، وهو ما يعكس أسلوب السياب في المزج بين التجربة الشخصية والهم الإنساني العام.
ويتسم شعره بالثراء البلاغي واستخدام الصور الشعرية التي تمزج بين المجاز والاستعارة والتشبيه. فالاستعارة المبتكرة: حيث يجعل من الظواهر الطبيعية رمزًا لأحاسيس إنسانية معقدة، و التشبيه البليغ الذي يعكس الصراع بين الأمل واليأس، والتكرار والإيقاع الداخلي كأداة لتأكيد المشاعر وإضفاء طابع موسيقي على النص، مما يخلق انسجامًا مع روح الشعر الحر.
وتتنوع موضوعات شعره بين القضايا الوطنية، وبين المواضيع الإنسانية الأوسع، مثل الحب والفقد والغربة. ويعبر عن هذه المشاعر بأسلوب يعتمد على الرمزية والتكثيف، مما يجعل قصائده قابلة للتأويل المتعدد.
ولقد نجح في إثارة المشاعر لدى قارئيه من خلال تصويره المبدع للألم الإنساني بطريقة تتجاوز الحدود الثقافية والجغرافية. كما أن لغته المشحونة بالإيحاءات تجعل من قصائده مرآةً للتجارب الإنسانية المشتركة.
وهو مثال حي لاستمرارية تأثير رواد الشعر الحر في الأجيال اللاحقة، حيث استطاع أن يحمل شعلة التجديد الشعري بأسلوبه الخاص، فشعره يمثل تزاوجًا بين التراث والحداثة، وبين المشاعر الشخصية والهموم الإنسانية العامة، مما يجعله إضافة قيمة للمشهد الشعري العراقي.
وما لاحظته في شعره أنه لم يخرج عن اطار هذه المدرسة، ولم يتأثر بالمدارس الحديثة التي وجدت في قصيدة النثر طريقاً لإيصال رؤاها وأفكارها بطريقة تعتمد الرمز الذي يعبر عن الواقع بأسلوب يلفه الغموض وتغلفه الضبابية، ما يجعل القارئ يفكر كثيراً في ماهية الحدث، وما أراده الشاعر ليغرق في متاهات الظنون والتخيل والتأويل، فيكون لثقافة القارئ أثرها في معرفة ماهيته، والوصول لما يريده الشاعر في هذه المتاهة التي تغري بالتفكير، وتدعوا للتأمل، في رحلة البحث المعنى الذي يريده الشاعر أو يتصوره القارئ.
ومن مواطن الابداع التي لابد من الولوج اليها وبيانها، والتي تجلت واضحة في هذه المجموعة، قوله في قصيدة (رغبة) التي هي من التفعيلة نثره الشاعر تماشياً مع الحداثة، ولإبراز التوقفات التي يستعملها الشاعر لبيان المعنى ووضوح القصد والهدف :
لك.. ما ترغب مني..
وأعطني ضربة حظ
ليتني ابحث عني
لك دنيا تشتهيها
ولي العقبى... وآلام التمني
يا سميعاً .. صوت آهاتي
ورخات الأسى تحكي التجني
ربما يوماً توارى..
خلف أسوار المتاهات خيال
رف في ليل بلا فجر يغني
غض قيثار بلحن فاض حزنا
وسقى شكي وظني
حائراً ابقى بلا جدوى غريباً
ضاع ما بينك في صمت وبيني
فانتشى العاذل جذلانا
على مأساتنا من غير مَن
وفي قصيدته الأخرى (من .. ومن؟؟) التي نحى فيها منحى الشعر الحر برؤاه وأفكاره وتصوراته التي أبرزتها تلك المرحلة، في محاولتها للخروج عن النمط التقليدي السائد، والتمرد على السيادة الشعرية القائمة على عمود الشعر، ووحدة القافية، والهندسة القديمة للقصيدة العربية:
من.. الهاك عني
أ تباطؤ النجوم في لمعانها
حين اغتسلت بالماء
ام نجمة خافت ضوؤها
حين كان القمر مغشياً
على وجه الغيم
أمست السماء داكنة ظلمتها
وحفيف الشجر غارق في سكونه
والصمت.. أطبق على الكون
فلا حراك في اروقة الروح
والطير غاف
وذي الاحلام موصدة ابوابها
وأخير فالشاعر الجميل عدنان الجزائري ولد في ناحية المدحتية سنة 1942، نشأ فيها ودرس في مدارسها وبعد اجتيازه الدراسة الاعدادية سنة 1962م دخل الدورة التربوية ذات السنة الواحدة وتخرج فيها عام ١٩٦٤م وعيَن معلما في مدرسة الوحدة الابتدائية - الهاشمية في ١٩٦٥١٩م وفي عام ١٩٧١م واصل الدراسة في الجامعة المستنصرية -كلية الآداب- قسم اللغة العربية وتخرج فيها عام ١٩٧٦م بعدها نقل إلى التعليم الثانوي مدرسا، وقدم طلبا للإحالة على التقاعد حسب رغبته في 2-9-1992م عن خدمة بلغت ثماني وعشرين عاما، وفي عام ١٩٩٥م عمل في ( ليبيا) مدرساً للغة العربية لمدة سبع سنوات وبعد عودته إلى العراق عمل مدرسا للغة العربية في الثانويات الأهلية من ٢٠١٣ حتى الآن .
ولقد نشر أول قصيدة في مجلة الأجيال التي تصدرها نقابة المعلمين في العراق المركز العام بغداد عام ١٩٧٣م وكان مشاركا فاعلا في كل المهرجانات الشعرية والخطابية التي تقيمها اللجنة الثقافية في كلية الآداب مع نخبة من شعراء الجامعة المستنصرية ومنهم الشعراء ( يحيى السماوي وعلي جعفر العلاق وصبري مسلم ومحمد حسن الوادي ) وغيرهم، شارك في ندوة عشتار في بابل عام ١٩٧٢م وفي كل مهرجانات بابل للثقافات والفنون و مهرجان المربد الشعري عام ٢٠١٦م وغيرها من الأماسي والمهرجانات.
نشرت نصوصه في الصحف والمجلات التالية( جريدة طريق الشعب ، جريدة أخبار القبة - ليبيا - جريدة الفيحاء - مجلة الشرارة بعدة اعداد وإصدارات وكذلك موقع ( هاف بوست عراقي – هولندا).
- عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين فرع بابل عام ٢٠٠٨م .
- عضو المجلس العراقي للسلم والتضامن.
وصدرت له المجاميع الشعرية: اشواق في الغربة، اغاني القمر، عزف على اوتار القلب، ما تلاه النبض، فنجان العرافة، ركام الذكريات، انين الصمت، ترنيمات، ظمأ الحروف، وهذه المجموعة.
وصدر عن أعماله دراسات عديدة منها:
- شعر عدنان الجزائري دراسة اسلوبية - الطالب رأفت عدنان الجزائري - رسالة ماجستير من جامعة ( ٱراك _ إيران ) عام ٢٠٢٢م.
- جمالية اللغة في شعر عدنان الجزائري _ ديوان اغاني القمر - الطالبة نهضت حسيني شكوة – رسالة ماجستير- جامعة العلامة الطباطبائي في طهران بإيران - عام ٢٠٢٢م.
- الصورة الفنية في شعر عدنان الجزائري - الطالب ( سعد محمد محمود ) رسالة ماجستير من جامعة ( ٱراك _ إيران) - عام ٢٠٢٣م .
- المسكوت عنه في شعر عدنان الجزائري – الطالب(احمد مگصد موسى) رسالة ماجستير- من جامعة الأديان - إيران - عام ٢٠٢٣م .
- وحصلت الدكتورة ( دجلة صبار منذور) على ترقية إلى أستاذ مساعد عن بحثها (عتبة مرجعية التناص القراني في سعر عدنان الجزائري - ديوان فنجان الغرافة مثالا.
- وقدم طالب الدكتوراه - زاهد حميد عبيد (سيمينر) إلى كلية العلوم الإسلامية بعنوان ( اثر القران الكريم في شعر عدنان الجزائري .
-وبنفس العنوان نشر الشاعر العراقي المغترب في هولندا الاستاذ (عبد الستار نور علي) بحثاً.
- ومن بحوث التخرج في جامعة بابل فقد قدمت الطالبة ( نور الهدى حيدر عبيس العوادي) بحثا بعنوان (صورة الوطن في شعر عدنان الجزائري ، وكذلك الطالب (محمد عبد الله شهاب) بحثا إلى قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة بابل بعنوان (السرد في فنجان العرافة) للشاعر عدنان الجزائري بإشراف الدكتورة دجله صبار منذور .
#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟