باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم
(Basim Abdulla)
الحوار المتمدن-العدد: 8255 - 2025 / 2 / 16 - 04:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل يمكن ان يكون الكتاب المقدس ويسوع المسيح كلاهما الشخص نفسه كلمة الله؟ ام ان الكتاب المقدس كلمة الله لا علاقة لها بيسوع المسيح ام ان يسوع المسيح كلمة الله المتجسدة في الكتاب المقدس؟ تظهر عبارة "كلمة الله" كثيرًا في الكتاب المقدس وقد يكون لها معنى مختلف ومتناقض احيانا بحسب السياق والكلمة العبرية أو اليونانية المستخدمة، والترجمة التي تبعد غالباً المعنى المستهدف، يقول يوحنا " الكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " الكلمة هي لقب ليسوع المسيح. المصطلح المترجم "كلمة" هو logos، والذي يعني في الأساس "التعبير عن فكرة" او عقيدة يمكن اعتبار logos بمثابة الرسالة الكاملة من الله للإنسان كما وردت في أعمال الرسل 11 : ” فسمع الرسل والاخوة الذين كانوا في اليهودية ان الامم ايضا قبلوا كلمة الله، في تسالونيكي 2 تظهر طبيعتين لرسالة يسوع، يتناقض فيها بولس بين دور يسوع الرسالي، ومجده الإلهي ” نشكر الله كل حين لأجلكم .. ان الله اختاركم من البدء للخلاص ” تتناقض مع ” ربنا نفسه يسوع المسيح والله ابونا الذي احبنا واعطانا عزاء ابدي ..” واضح التناقض الشديد في الدور الرسالي وفي فهم طبيعة يسوع البشرية ازاء علاقة يسوع بالأب الذي ارسله، لهذا نرى عبارة logos غير مفهومة في المعنى اليوناني عبر التراجم العبرية، وعندما دخل جسد يسوع المسيح في التفسير اللاهوتي اتخذ كلمة Logos المعنى الحرفي للعقيدة، كما ورد في رسالة بولس لأهل كولوسي 1 : ” ففيه سر الله ان يحل بكل ملئه ” لكن في الاصحاح نفسه ” نشكر الله وابا ربنا يسوع المسيح كل حين ” طبيعتان في التعليم اللاهوتي لرسالة يسوع لم تتناسب مع فكرة logos في التراث الوثني اليوناني. تظهر عدة مرات في سفر يوحنا الطبيعة المتناقضة في الاصحاح 17: ” وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ ” لم تظهر الطبيعة اللاهوتية حالة logos لكنها ظهرت الاصحاح الاول ” في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله ” عبارة لفكرة لاهوتية تتعلق بالمعنى المشاع لكلمة Logos في الفلسفة اليوانية عند هيرقليدس القانون الكلي للكون، وقد اكد الرواقيون ذات المعنى ان العقل او المبدأ الكوني Logos والفعال للكون هو سرمدي وفعال لكل شي من خلال المادة، لكنها فكرة تجريدية في العقيدة الفلسفية، لا علاقة لها بالطبيعة البشرية.
لقد احاط سوء فهم الترجمة في معنى ” الكلمة ” بين كونها معنى تجريدي او لاهوتي في اطار الطبيعة البشرية، هذا التناقض قد وقع فيه بولس وكل الذين كتبوا الاناجيل الاربعة، ففي ترجمة العالم الجديد تم تفسير معنى ” الكلمة ” بشكلها المقصود في التراث اليوناني اللاهوتي ” الكلمة كان عند الله وكان الكلمة إلها ً” التي تشير الى الصفة الكلي القدرة وهي عند فيلون اليهودي القوة الباطنة للأشياء لكنها ليست خالق، هي الوسيط بين الله والناس، هي قدرة ” إلهية ” وليس الله نفسه. وقد اظهرت Logos في اسفار العهد القديم كما في سفر الحكمة لسليمان هي عند الله وقريبة منه، وفي هذه الكلمة نجى شعب اسرائيل لكنها تتخذ معنى مغاير في العهد الجديد كما بدأ في انجيل يوحنا استبدل الصفة بالموصوف فجعل الكلمة ” Logos ” تتخذ الطبيعة اللاهوتية ليسوع المسيح فتكون في ذاته. فهي معنى مختلف عن سفر الحكمة لسليمان ذلك ان الكلمة عند يوحنا اتخذت جسداً وحلّ بين الناس، أظهر يسوع ارتباطاً بين كلمة الله المكتوبة وبينه، حيث إنه هو موضوع الكلمة المكتوبة كما ورد في يوحنا 5 : "ادرسوا الكتب بعناية لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية هذه هي الكتب التي تشهد لي" فهذه استفاضة للاستدلال على قدسية اللوغوس، وقد اختلفت في استدلالها عن كلمة "rhema". تشير كلمة "rhema" إلى الكلمات الفعلية المنطوقة المكتوبة لله اي التي ينطقها الإنسان ويقصد بها الله ولا يقصد ذاته كما ورد في عبرانيين : 6 ” وَذَاقُوا كَلِمَةَ اللهِ الصَّالِحَةَ وَقُوَّاتِ الدَّهْرِ الآتِي ” عندما كان الشيطان يجرب يسوع، أجاب في متي 4 : "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله" فهي الكلمة rhema الناطقة عن الله وليس الله نفسه، فالله لا يُجَرب، بحسب القرينة في رسالة يعقوب الاولى : ” لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا ” فيسوع نطق بطبيعته البشرية الى الله المستقل، وهي حالة لا علاقة لها بالطبيعة الإلهية ” Logos ” فلو كان يسوع هو الله حقاً او هو الكلمة المُتجسّدة في الذات الإلهية لم يجربه الشيطان. أظهر يسوع أننا بحاجة إلى كلمات الله المسجلة الفعلية للتغلب على هجمات الشيطان.
إن عبارة "كلمة الله" تعني أكثر من الكلمات المطبوعة على صفحات الكتاب المقدس. الله هو متواصل وكان يتحدث إلى عالم البشر منذ البداية. إنه يتكلم من خلال خليقته كما ورد في مزمور 19: ” اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ ” ومن خلال الروح القدس كما ورد في يوحنا 16 : ” رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِه ” من خلال تلك التحولات اللاهوتية مختلفة المصدر امكننا ان نستنتج ان التعبير عن مقاصد الله تنوعت في الإخبار عنه من خلال السعي لسماعه بطريقة يتحدث بها كما تحدث بها انبياء سبقوا يسوع المسيح، إن إحدى السمات المميزة لبشرية يسوع المسيح كانت اعتماده على الكتاب المقدس. فعندما واجه تجربة الشيطان في البرية، استشهد ثلاث مرات بسفر التثنية للرد على حيل العدو عندما بدأ خدمته كما ورد في لوقا 4 ” مَكْتُوبٌ: أَنْ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ ” وفي اشعياء 61 : ” رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ” وفي موعظته الاكثر شهرة في متي 5 : لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ ” فسّر بالفعل ما تعنيه الوصايا العشر. وحتى كلماته على الصليب تعكس اعتماده على الكتاب المقدس. ولكن أي كتاب مقدس استخدمه يسوع؟ هل كان لديه نسخة مطبوعة مجلدة بالجلد؟ تفحص هذه المقالة القصيرة الكتاب المقدس الذي استخدمه يسوع، كيف كان يبدو وما هي الكتب التي احتواها.
ذلك الاستشهاد بالكتاب المقدس استحضار الذات في الدفاع عن الرسالة، كانت النصوص المبكرة تُنسَخ على ألواح طينية باستخدام قلم ثم تُخبَز وكانت هناك طريقة أخرى لحفظ الكتابة وهي على ورق البردي. فقد أخذ المصريون قصب البردي، وجردوه، وضغطوه معًا في أوراق، وصنعوا ورق البردي وكتبوا على ورق البردي. والوثائق البردية كثيرة جدًا لدرجة أن العديد منها لم يتم فهرستها، اضاقة الى ترجمتها. في زمن المسيح، سجلت وثائق ورق البردي كل شيء من الوصايا إلى قوائم التسوق. وكانت المادة الثالثة، الرق، عبارة عن جلود الحيوانات المدبوغة التي تُفرك بسلاسة ثم تُكتب عليها. وهناك العديد من النسخ الموجودة من الكتاب المقدس على الرق. وقد تم إعداد هذه النسخ للاستخدام إما عن طريق لفها في لفائف أو عن طريق خياطة الأوراق معاً في مخطوطات. المخطوطة هي السلف للكتاب الحديث، بهذا يكون يسوع المسيح قد اتبع النهج اليهودي في التعاليم التي سبقته في شريعة موسى. تظهر هذه الحقائق ان نصوص العهد الجديد كلها لا علاقة لها بألوهية يسوع الكائن البشري، انما تغلغلت تعاليم العهد القديم في خدمته اللاهوتية، من هنا نرى ان كامل نصوص العهد الجديد والقديم بحسب التفاسير التي قيل انها موحى بها انما اهتدى اصحابها الى وحي ايمانهم الرسالي وليس الى كمال وجووهم الروحاني، اجتهاد عميق للإحساس المتدين، هكذا مثلت كلمة الكتاب المقدس الأسلوب السردي للوعظ والإيمان. بحلول زمن المسيح، كانت المعابد اليهودية في مختلف أنحاء إسرائيل وفي كل مكان ذهب إليه اليهود وأقاموا فيه معابد يهودية احتوت على نسخ العديد من كتب الكتاب المقدس، وكانت المعابد اليهودية في البلدان الأخرى تستخدم النسخة اليونانية السبعينية، في حين كانت المعابد اليهودية في إسرائيل تستخدم النسخ العبرية أو الآرامية. وتثبت مخطوطات البحر الميت أن كتب العهد القديم تم العثور على نسخ من جميع الكتب باستثناء أستير في الكهوف، كانت تُنسخ وتُستخدم قبل المسيح بمائتي عام على الأقل.لهذا يمكن الجزم بشكل قاطع ان ما كتبه اصحاب الاناجيل مثلت افكارهم اللاهوتية وايمانهم برسالة يسوع المسيح، كمعلم وواعظ ديني، فقد مثلت كلمتهم، كانت الحقيقة الأساسية لكتب العهد القديم انها من وحي الإيمان التعبدي، ان القادة الدينيين ادركوا ان الله تكلم اليهم من خلال الكتاب، هكذا حال الاناجيل المسيحية ادرك اصحابها انهم مثلوا كلمة الله في شخص المسيح بأنه الأبن المولود المرسل، رغم تخبطهم في غموض مفاهيم Logos اليونانية. لم تكن أقدم الشرائع اليهودية تحتوي على الأسفار غير القانونية. كان اليهود يشيرون إلى الكتب المقدسة بالطريقة التي حفظتها بها الكتاب المقدس العبري، "الناموس والأنبياء والكتب" كما ورد في لوقا 24 : ” ثم ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ” لقد آمن بالكتاب المقدس واستخدمه وعرف الكتب التي تنتمي إلى ذلك الكتاب المقدس. ان قبول المسيح والرسل لهذا القانون واقراره في العهد الجديد امر واضح نستدل منه ان ما قيل في العهد الجديد تفسير انشائي للمعنى الوعظي للرسالة التي قدمها المسيح، فالكتاب المقدس كله في قسميه القديم والجديد اشارات وعظية ايمانية وقصص ايحائية لتعميق الإيمان، لقد آمن يسوع المسيح بالعهد القديم الذي يستخدمه المؤمنون اليوم هو ذات الكتاب الذي دافع عنه بولس بنشاطه التبشيري هو ذات الكتاب كذلك الذي استخدمه يسوع فهو الكتاب الوحيد لرسم طريق الإيمان، للعالم المسيحي ولكنائسه فالعهد القديم هو العهد الجديد المخفي والعهد الجديد هو العهد القديم المعلن. لقد كان يسوع المسيح يهودياً بارعاً في ايمانه، لم تلتصق برسالته عقيدة التجسد، والفداء، شكلاً كاملاً لا مكان لألوهية يسوع، لم تكن كلمته إلهية المصدر وقد ” اعتبر موسى والأنبياء والرسل جميعهم اعتبروا ان اقوالهم انما هي اقوال الله، فالانبياء ... قال يسوع نفسه : ” تعليمي ليس لي بل للذي ارسلني ” قدّم يسوع ذات المُرْسِل ” الله ” مستقلاً عن ذاته، مما يدلل ان يسوع لم يكن كلمة الله المتجسدة، هذا التعليم في الكتاب المقدس مثله يسوع ارثاً دينياً دعا الى كلمة الله، العصر الذي عاش فيه يسوع بعيداً عن تراث الوثنية والتفسيرات اللاهوتية لفلاسفة الأغريق، ذلك ان تعاليم يسوع بعد رحيله حل فيها اللاهوت في الناسوت، تلك التعاليم التي ابعدت المسيحية عن تاريخها الرٍسالي.
المصادر العربية والاجنبية
1 - الكتاب المقدس
2 - دائرة المعارف الكتابية ، حرف الكاف ” الكتاب المقدس ” .
2- Mark F. Rooker, “The Transmission and Textual Criticism of the Old Testament,” Chapter 7, in The World and the Word: An Introduction to the Old Testament, Eugene H. Merrill, Mark F. Rooker, and Michael A. Grisanti (Nashville: B & H Academic, 2011), 109.
3- Michael A. Grisanti, “The Text of the Old Testament,” in The World and the Word: An Introduction to the Old Testament, Eugene H. Merrill, Mark F. Rooker, and Michael A. Grisanti (Nashville: B & H Academic, 2011), 75.
4- R. Laird Harris, The Inspiration and Canon of the Bible: An Exegetical and Historical Study (Grand Rapids: Zondervan, 1957), 62. Harris, 154.
#باسم_عبدالله (هاشتاغ)
Basim_Abdulla#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟