|
الفصل الثانى : التلاعب باستعمال الخطاب الالهى
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 8254 - 2025 / 2 / 15 - 23:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الفصل الثانى : التلاعب باستعمال الخطاب الالهى الباب الثانى : إجتهادهم الشيطانى فى تبديل الشريعة الاسلامية: كتاب:( شريعة الاسلام ): مقدمة : يصفون غيرهم من أهل الكتاب بالكفر، ويستخدمون الآيات القرآنية التى تتحدث فى تكفير بعض أهل الكتاب ضد جميع أهل الكتاب . ونقول : أولا : 1 ـ هناك نوعان من الخطاب فى القرآن الكريم:الأول هو الخطاب الالهى الخاص بالله تعالى والذى لا يجوز لنا استعماله فيما بيننا وإلا كنا قد تقمصنا دور الله تعالى. الثانى هو الخطاب المسموح لنا باستعماله. 2 ـ وقد يأتى الخطابان فى أية واحدة كقوله تعالى عن بعض بنى اسرائيل (وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ. فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ( 5 / 12 ـ ) خطاب الله تعالى هنا عن بنى اسرائيل حين يتحدث عن أخذه العهد عليهم وبنود ذلك العهد ، وكيف أخلفوا العهد فعاقبهم الله تعالى، وكيف أنه لا تزال منهم طائفة تتمسك بنفس السلوك فى عهد النبى. الى هنا ينتهى الخطاب الالهى. بعده يقول تعالى للنبى محمد (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) لم يقل له بأن يستعمل الخطاب الالهى ضدهم سيما وهم يتآمرون عليه طبقا لعادتهم فى نقض الميثاق الالهى. ولكن امره بالعفو والصفح والاحسان لهم. 3 ـ الخطاب الالهى 3 /1 : من الطبيعى أن يرد الله تعالى فى القرآن العزيز على الأقوال التى تخالف دين الله تعالى. هذا حق الله تعالى ليس فقط لأنه تعالى هو رب البشر وخالقهم وصاحب الدين الحق ولكن لأنه أيضاً تعامل مع البشر بمنطق العدل، فقد أعطاهم حرية الإيمان والكفر، وحرية إعلان الكفر وحرية العيب فى ذاته الإلهية العلية والتقول على الله تعالى، وفى مقابل ذلك فإن من حقه أن يصفهم بالكفر والعصيان وأن يرد على افتراءاتهم ، وينفى عن ذاته العلية اتخاذ الولد والشريك، وتلك قضايا تخصه جل وعلا، ومن حقه الرد عليها.. إلا أن عدل الله تعالى تجلى فى التعامل مع طوائف البشر. فحين يحكم بالكفر فإنه تعالى يضع حيثيات الاتهام وأسباب الوصف فيقول مثلاً ﴿لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ ﴿لّقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ﴾ (5 / 72، 73). فالحكم من الله ليس عاماً وإنما هو خاص بمن يقول ذلك القول. 3 / 2 : وفى نفس الوقت فإن الذى يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحاً من المؤمنين والاسرائيليين والنصارى والصابئين فهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يقول تعالى: ﴿إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَادُواْ وَالنّصَارَىَ وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (2 / 62).ويقول تعالى: ﴿إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَادُواْ وَالصّابِئُونَ وَالنّصَارَىَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (5 / 69). أى أن الله تعالى ليس منحازاً لأحد، فمن يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر ويعمل صالحا فهو من أولياء الله أصحاب الجنة، ومن يجعل لله ولداً أو يجعل إلهاً مع الله فإن الله تعالى يحكم عليه بالكفر..وذلك هو ما يخص الله تعالى، فهو صاحب الدين وهو صاحب ومالك يوم الدين وهو الذى يرد على البشر إن أحسنوا فى العقيدة أو أساءوا فيها. 4 ـ والله تعالى يأمر بأن يكون الجدال مع أهل الكتاب بالتى هى أحسن، يقول تعالى: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوَاْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوَاْ آمَنّا بِالّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـَهُنَا وَإِلَـَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (العنكبوت 46). فالجدال مع أهل الكتاب ممنوع إلا إذا كان بالتى هى أحسن. أى كان نقاشاً موضوعياً بالحجة دون إساءة، أما "الذين ظلموا" فلا جدال معهم حتى لا يتطور الأمر إلى إساءة متبادلة، والله تعالى نهى عن الجدال الذى ينتهى إلى إساءة ويقول: ﴿وَلاَ تَسُبّواْ الّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيّنّا لِكُلّ أُمّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمّ إِلَىَ رَبّهِمْ مّرْجِعُهُمْ فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام 108). وعن الظالمين- أو بمفهومنا المتعصبين- يقول تعالى للنبى محمد : ﴿وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ. اللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (الحج 68، 69). أى أنه لا مجال للجدال العقيم مع المتعصب، والأفضل الإعراض عنه ، ويقول الله تعالى فى حال المؤمنين مع المتعصبين المتحفزين الظالمين ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ اللّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ (القصص 55).وبالمناسبة فتلك الآية الكريمة نزلت فى حال مؤمنى أهل الكتاب ونزلت مثلاً لكل مؤمن فى الحوار أو الجدال بالتى هى أحسن وتحاشى الجدل مع المتعصبين. ولذلك فإن الجدال بالتى هى أحسن هو سمة الحوار بين المؤمنين بالقرآن ومؤمنى أهل الكتاب وذلك معنى قوله تعالى ﴿وَلاَ تُجَادِلُوَاْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ﴾. 5 ـ وحتى لا يقع المسلم فى اتهام أهل الكتاب بالكفر فإن القرآن يفرض صيغة محددة للحوار فيقول تعالى : ﴿وَقُولُوَاْ آمَنّا بِالّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـَهُنَا وَإِلَـَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ أى نؤمن معاً بالله الواحد ونؤمن بما أنزل إليكم وما أنزل إلينا، ونحن له مسلمون، ولم يقل مثلاً "وأنتم كافرون" . ولم يأت الأمر مثلاً بأن يستشهد المؤمن فى حواره مع أهل الكتاب بما قاله رب العزة عن أولئك الذين قالوا إن الله تعالى ثالث ثلاثة أو أن الله هو المسيح ابن مريم.. لأن ذلك هو قول الله تعالى ذاته فى الرد عليهم، أما نحن فما علينا إلا أن نحاور بالتى هى أحسن ونرجئ الحكم فى العقائد إلى يوم الدين يوم الحساب أمام الله تعالى.. 6 ـ وقد تحدثت سورة آل عمران عن ميلاد عيسى عليه السلام وبعثته ثم قالت: ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذّكْرِ الْحَكِيمِ. إِنّ مَثَلَ عِيسَىَ عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ. الْحَقّ مِن رّبّكَ فَلاَ تَكُنْ مّن الْمُمْتَرِينَ﴾ (3 / 58: 60). وبعد ذلك التوضيح عن بشرية المسيح عليه السلام ورسالته فماذا يكون موقف النبى إذا جاءه أهل الكتاب يجادلونه؟ هل يتهمهم بالكفر؟ هل يرميهم بالضلال؟ هل يتوعدهم بالجحيم؟. تعالوا بنا نقرأ الآية التالية لنعرف الإجابة فى تلك السورة المدنية التى نزلت فى عصر قوة المسلمين وشوكتهم ﴿فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ (آل عمران 61).أى من جادلك فى طبيعة المسيح من بعد ما جاءك فيه من العلم أى بالقرآن فادعهم إلى المباهلة، أى الاحتكام إلى الله تعالى فى الدنيا، بأن يخرج الفريقان ومعهم الأبناء والنساء ويبتهلون إلى الله تعالى أن يلعن الكاذب منهما.. لم يقل القرآن للنبى إذا جادلوك فاحكم عليهم بالضلال والكفر ودخول الجحيم.. ولكن ابتهل إلى الله لكى تكون اللعنة من نصيب الكاذب من الفريقين، ومن الطبيعى أن كل فريق يعتقد الصدق فى نفسه..أى أنه تصعيد وتأجيل للحكم إلى رب العزة لأنه وحده هو الذى يحكم بالكفر أو بالإيمان على عباده البشر، أما النبى فلا يملك أن يحكم بكفر أحد. 7 ـ والقرآن فى دعوته لأهل الكتاب يضع أسلوب الحوار الراقى الذى يجب على المسلمين اتباعه، ويقول تعالى للنبى قال تعالى: ﴿قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران 64).فهذا هو الخطاب الراقى لأهل الكتاب أن ندعوهم إلى كلمة سواء نلتزم بها سوياً، أن نعبد الله وحده دون شريك وألا نتخذ كهنوتاً وأرباباً من البشر، فإن رفضوا فلا نتهمهم بالكفر ولا نتحدث بأسمهم أو باسم الله ولكن نتحدث باسمنا فقط، فنقول لهم اشهدوا إذن بأننا أسلمنا لله وحده..لم يقل: فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون وأنتم كافرون. 8 ـ والملاحظ أن خطاب الله تعالى للبشر ـ فى تكفير من يقع فى الشرك والكفر ـ لم يأت فيه أبدا للنبى كلمة ( قل ). أى أنه خطاب خاص بالله تعالى يوجهه مباشرة ـ دون واسطة ـ لمن وصف الله تعالى بما لا يليق بجلاله . أما الخطاب المسموح لنا باستعماله فقد وردت فيه كلمة ( قل ), وكل ( الأقوال ) التى أمر الله تعالى المسلمين بقولها لأهل الكتاب وغيرهم تفيض بالعدل والوعظ وحسن الخطاب بلا تكفير أو تحقير. والخلاصة أن الله تعالى هو وحده صاحب الحق فى أن يقول عن بعض أهل الكتاب ﴿لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾. وهو وحده تعالى صاحب الحق أن يقول عن أهل الكتاب ﴿لَيْسُواْ سَوَآءً مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَآءَ اللّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـَئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ (آل عمران 113، 114). الله وحده هو الذى ﴿يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصّدُورُ﴾ وهو الأعلم بحقيقة الإيمان عند الأفراد والطوائف والأمم، والله تعالى يقول ﴿وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مّن بَعْضٍ﴾ (النساء 25). أما نحن البشر فإذا كنا ندعى الإيمان حقاً فيجب أن نلتزم بأوامر الله تعالى فى أن نقول للناس حسنا ﴿وقولوا للناس حسنا﴾ (البقرة 83). ثانيا : نتائج مترتبة على تكفيرهم أهل الكتاب ا ـ ولأننا خصوم فى العقائد فلا يصح أن يكون الخصم حكما وقاضيا على خصمه، ولكن يجب ارجاع الفصل فى الموضوع الى القاضى الأعظم جل وعلا وهو صاحب الشأن فيما اختلف الناس فيه هل هو واحد لا شريك له أم له شركاء وولد وزوجة . وموعد المحاكمة هو يوم الحساب ، وفيه سيفصل الله تعالى بين أولئك الذين اختصموا فى ربهم ( 22 / 19 ـ ). الا إن فقهاء الأديان الأرضية للمسلمين تعالوا بأنفسهم واستنكفوا أن يكونوا خصوما لمن يختلف معهم فى العقيدة والدين. أى جعلوا أنفسهم من البداية فى موقع القاضى الأعظم رب العزة جل وعلا ، واستعملوا الخطاب الخاص بالله تعالى يوجهونه ضد اهل الكتاب, وهم بذلك رفعوا أنفسهم الى مرتبة الألوهية حين استعملوا حقا لله وحده لم يعطه لخاتم الأنبياء. ومن المنتظر ممن يؤسس دينا أرضيا أن يجعل نفسه الاها مع الله تعالى إما بصراحة أو بصورة ضمنية. ولهذا فأنه يقيم يوما للقيامة فى هذه الدنيا حين يعاقب مقدما من يعتبرهم كفارا دون أن يترك لهم حرية الاختيار التى كفلها شرع الله تعالى لكل العصاة ـ وأولهم أولئك المفترون على الله تعالى كذبا ـ اذن فالتأليه الضمنى لانفسهم هو النتيجة الأولى لاستعمالهم الخطاب الالهى فى مخاطبة المختلف معهم فى الدين. ب ـ ولكن النتائج الباقية لاستعمالهم خطاب الله تعالى كان ضحيتها القرآن نفسه وأهل الكتاب أيضا. فقد تجاهلوا الآيات القرآنية التى تتحدث عن : 1 ـ تقسيم البشر جميعا الى ثلاثة أقسام حسب العمل والايمان. وأن كل انسان سيعرف موقعه فى هذا التصنيف الثلاثى ( السابقون ـ أصحاب اليمين ـ الضالون ) عند الموت ويوم القيامة. وهذا بالطبع ينطبق على أهل الكتاب وغيرهم.( 56 /1 : 46 ـ 83 : 96 ) 2 ـ وتجاهلوا الآيات التى تقسم أهل الكتاب بنفس التقسيم الثلاثى وتجاهلوا الآيات التى تمدح أصحاب الطبقة العليا من مؤمنى أهل الكتاب سواء فى عهد موسى أو فى عهد عيسى أو عهد محمد ، وتأكيد القرآن أن وجود طائفة مؤمنة من هذه الطبقة أمر ثابت أى مستمر ( 5 / 59 ، 66 ) ( 3 / 110 ـ 113 ـ 199 ) ( 4 / 153 ـ ، 162 ) وتقسم المسلمين نفس التقسيم ( 35 / 32 ) وأن هذا التقسيم ينطبق على أصحاب النبى محمد الذين أحاطوا به فى المدينة ( 9 / 84 ـ ، 97 ـ ، 100 ـ 107 ـ ). 3 ـ. وللقرآن الكريم مصطلحاته الخاصة بأهل الكتاب وطوائفهم, منها (اهل الكتاب ـ الذين أوتوا الكتاب ـ الذين هادوا ـ النصارى ـ اليهود ـ بنواسرائيل ـ قوم موسى). وفيما يخص أتباع موسى قبل محمد وفى عصره فأن القرآن الكريم يستخدم مصطلحات (الذين هادوا ـ بنواسرائيل ـ قوم موسى) فى الحديث عن النواحى الايجابية والسلبية معا. أما حين يتحدث عن الطائفة الضالة فقط منهم فانه يستعمل مصطلح (اليهود).وبمراجعة هذا المصطلح (اليهود) فى السياق القرآنى نجده يتحدث عن طائفة تخالف المتعارف عليه فى الديانة الاسرائيلية، إذ كانوا يعبدون ما يسمى بعزير يجعلونه ابن الله ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيراـ أى يماثلون النصارى القائلين بالوهية المسيح والمتأثرين معا بالديانة الفرعونية القديمة حسبما أشار اليه القرآن الكريم ( 9 / 30 ـ ) وفى تأثرهم بالعبادة الفرعونية تكلم القرآن عن جذور هذه الطائفة العقيدية فى عهد موسى حين عبدوا العجل الذهبى وطلبوا من موسى عبادة اله فرعونى عندما مروا على معبد فى سيناء ( 7 / 138 ـ ، 148 ـ ، 152 ) ( 2 /89 ـ 92 ـ ). هؤلاء اليهود كانوا على وفاق عقيدى وتحالف سياسى مع النصارى المسيحيين ـ على خلاف المتعارف عليه. والواضح أنه لا يوجد اليوم فى الديانة الاسرائيلية تلك الملامح العقيدية فى تأليه وعبادة عزير والتشابه العقيدى مع المسيحيين. ثالثا : 1 ـ أمر عمر بن الخطاب باخلاء الجزيرة العربية من كل أهل الكتاب. وقام أولئك اليهود بعملية خداع كبرى إذ أسلموا وصاروا بما يزعمونه من العلم بالتوراة معلمين أوائل للمسلمين. وكان منهم عبد الله بن سلام ووهب بن منبه، وكان أخطرهم كعب الأحبار وابن سبأ. عبد الله بن سبأ هو الذى اخترع التشيع والذى اشعل الثورة على عثمان وساعد فى اشعال الحرب الأهلية بعد قتله، وكعب الأحبار هو أستاذ أبى هريرة أكبر رواة الحديث وكعب هو مصدر الاسرائيليات فى الفكر السنى والمخترع الأول لفكرة الشفاعة والرائد الأول فى الدين السنى، وهو الذى تآمر على قتل عمر بن الخطاب. ومعروف تاثير ما يسمى ( بالاسرائيليات ) فى تراث السنة والتشيع. 2 ـ المرجح أن هؤلاء هم اليهود ـ أو النسبة الكبرى منهم ـ أسلمت لتكيد للمسلمين بعد طول عداء للاسلام والمسلمين. وجاء فقهاء الأديان الأرضية للمسلمين فيما بعد ليطلقوا مصطلح اليهود على كل أتباع التوراة متجاهلين المصطلحات الأخرى مثل (الذين هادوا ـ بنو اسرائيل ـ (أهل الكتاب ـ قوم موسى )لكى ينطبق الهجوم القرآنى على تلك الفئة الضالة التى أطلق عليها القرآن ( اليهود ) على كل الاسرائيليين والذين هادوا ، ويتم نسيان الحديث الالهى الايجابى عنهم. شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور ) https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن ( عالم الغيب والشهادة / مؤمنو اهل الكتاب)
-
عن ( عبادة المحمديين للأولياء )
-
الفصل الأول : إحتكارهم الاسلام وهم ألدُّ أعدائه
-
( عن التوبة والغفران وجهنم مغناطيس العُصاة )
-
عن ( الشكوى لغيرالله /كأنها جان / التفث )
-
الفصل الثالث : الاجتهاد الشيطانى فى قتل النساء والأطفال جهاد
...
-
سؤالان يُحزنان
-
عن ( عبادة الجاهليين للملائكة / عقوبة قطع الطريق / هل الضحك
...
-
عن ( عبد الرحمن يوسف القرضاوى / الصاحب والجار )
-
الفصل الثالث : الاجتهاد الشيطانى الفقهى فى قتل المسالمين وجع
...
-
عن ( اليأس والقنوط / الشكوى لغير الله جل وعلا مذلة )
-
عن ( الغيظ / خنزير برى صيدا فى الحرم / فوائد البنوك / متعة ا
...
-
عن ( الاستهزاء بالنبى / الرزق الحسن..متى ؟ / بالآخرة يوقنون
...
-
الفصل الثانى:الاجتهاد الشيطانى فى قتل المسالمين فعليا وجعله
...
-
عن ( إستمتاع الجن والإنس ببعضهم / ليس النبى معصوما / التطرف
...
-
عن ( نفر ورهط / الجان وسماع القرآن / التنافس فى مساجد الضرار
...
-
عن ( صرف تصريف / التبرؤ ليس من الشخص بل من عمله / الاعتدال ف
...
-
الفصل الأول : لمحة عامة عن الاجتهاد فى ( شريعة الاسلام ):
-
المصير راجعون ترجعون
-
عن ( المُلك والملكوت )
المزيد.....
-
مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
-
شيخ الأزهر يدعو لوضع -دستور أهل القبلة-
-
الفاتيكان يلغي ارتباطات البابا فرنسيس الأسبوع المقبل
-
الفاتيكان يعلن إصابة البابا فرنسيس بالتهاب رئوي ثنائي
-
حرس الثورة الاسلامية يفكك خلايا للتجسس لصالح أميركا واسرائيل
...
-
حاخام كبير يدعو اليهود السوريين المنتشرين في العالم للعودة إ
...
-
مداهمة منزل خطيب المسجد الاقصى الشيخ عكرمة صبري
-
حاخام كبير يوجه رسالة من قلب دمشق ويدعو اليهود السوريين المن
...
-
ماذا حلّ بأقدم كنيس يهودي في العالم؟
-
المشرعون الفرنسيون يناقشون حظر الملابس الدينية -ظاهريًا- في
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|