أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - ماهر حسن - المتباكون الزائفون في سوريا: وجوه النفاق. الجزء الرابع: قمع اللغة














المزيد.....


المتباكون الزائفون في سوريا: وجوه النفاق. الجزء الرابع: قمع اللغة


ماهر حسن

الحوار المتمدن-العدد: 8255 - 2025 / 2 / 16 - 09:58
المحور: القضية الكردية
    


كان التحدث بالكوردية، وهو فعل طبيعي وبسيط، يتحول إلى سبب للملاحقة والخوف، حيث يُنظر إليه كجريمة تستوجب العقاب. فقد عاش الكورد في حالة من التوتر المستمر، يخشون التعبير عن أنفسهم بلغتهم خوفاً من العواقب. هذا الخوف المستمر لم يكن نابعاً من قوانين مكتوبة فقط، بل من ممارسات قمعية صارمة تهدف إلى تكميم أفواه الكورد وفرض الصمت على هويتهم.

عندما نقارن ذلك بما يزعم البعض من فئات أخرى تعرضت للظلم على يد النظام السوري، نجد أن معاناتهم لم تكن بنفس الدرجة من الشمولية والقسوة. فالكورد لم يتعرضوا فقط للظلم السياسي أو الاجتماعي، بل كان القمع الممارس ضدهم موجهًا بشكل مباشر إلى هويتهم الثقافية واللغوية. في حين أن بعض الفئات الأخرى قد عانت من قمع سياسي بسبب مواقفها، فإن الكورد كانوا مستهدفين في وجودهم كأمة ذات هوية مستقلة وثقافة ولغة تختلف عن السائد.

على الرغم من أن الجميع قد عانى من التهميش أو القمع من قبل النظام السوري، إلا أن الفرق الجوهري يكمن في أن القمع الموجه ضد الكورد كان محاولة منهجية لتصفية هويتهم الثقافية وفرض اندماج قسري في هوية واحدة، بينما كانت معاناة الفئات الأخرى غالباً ناتجة عن صراعات سياسية 

حتى الأسماء الكوردية لم تكن تسلم من هذا الاستهداف. كانت السلطات تفرض تغيير الأسماء الكوردية إلى أسماء عربية في سجلات الأحوال المدنية، في محاولة لتدمير أية صلة بين الكورد وأرضهم. كان الشخص الكوردي الذي يحمل اسمًا غير عربي يتعرض للتهميش في الحياة العامة، ويُعتبر مهددًا للهوية السورية الموحدة التي فرضتها الدولة. وكانت محاولات أي شخص لكتابة أو نشر أي عمل أدبي أو فني بلغته الأم تُواجه بقمع عنيف، حيث كانت السلطات تُلاحقهم بتهم “التحريض على الانفصال” أو “تعكير صفو الأمن الوطني”.

لكن هذا القمع الثقافي لم يكن محصورًا في حقبة معينة بل استمر لسنوات طويلة، وما زال تأثيره واضحًا حتى اليوم. واليوم، يأتي بعض أولئك الذين كانوا محظوظين بالعيش في بيئة حرة يتحدثون بلغاتهم الأم في بيوتهم وفي المجتمع، ليقفوا في وجه من كانوا ضحايا لسياسة القمع تلك. هؤلاء الذين يزعمون اليوم أنهم قد عانوا من القمع والتمييز، كيف لهم أن ينسوا أنهم كانوا في واقع الأمر يعيشون في أجواء من الحرية الثقافية التي حُرم منها الكورد؟ كيف لهم أن يتحدثوا عن المظلومية، وهم الذين كان يُسمح لهم بالتحدث بلغاتهم بحرية، بينما كان الكورد يُمنعون حتى من الحديث بلغتهم داخل بيوتهم؟

التباكي الزائف من قبل هؤلاء يُظهر حجم الازدواجية في مواقفهم. كيف يمكن مقارنة معاناتهم بتلك التي عاشها الشعب الكوردي، الذي كان يواجه محاولات مستمرة لطمس هويته الثقافية؟ أولئك الذين عاشوا في أجواء حرية فكرية وثقافية، كيف لهم أن يفهموا معاناة الكورد الذين كان يُمنع عليهم مجرد التعبير عن وجودهم اللغوي والثقافي؟ إنَّ التماثل في المزاعم والتفكير في الظلم، وهو ليس ظلمًا بالأساس، ليس إلا تلاعبًا بالحقيقة ومحاولة للتنصل من مسؤوليات الماضي.

إن محاربة اللغة الكوردية لم تكن مجرد سياسة ثقافية، بل كانت جزءًا من مشروع واسع استهدف هوية الكورد بأكملها. هذا القمع لم يقتصر على سلبهم من وسائل التعبير، بل كان هدفه محو تاريخهم وأرضهم من الذاكرة الجماعية، حتى أن الكورد لم يكونوا قادرين على تعليم أطفالهم لغتهم أو إخبارهم عن تاريخهم. وفي المقابل، كان الآخرون يعيشون في سلام مع لغتهم وهويتهم دون أن يواجهوا أية معوقات أو تهديدات، ليأتي اليوم من يزعم أنه عانى من الظلم نفسه.

من يدعي اليوم أنه كان ضحية لهذا النظام، عليه أن يتذكر أن هناك فرقًا شاسعًا بين معاناته وبين معاناة الكورد الذين كان يُمنع عليهم حتى التعبير عن أنفسهم بلغتهم الأم. هذه المقارنة ليست عدلاً، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تساوي بين من كان يُحارب وجوده اللغوي والثقافي، ومن كان يعيش بحرية.



#ماهر_حسن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أبواق البعث إلى ورثة خطابه: حينما يصبح التشويه إرثًا مقدس ...
- المتباكون الزائفون في سوريا: وجوه النفاق. الجزء الثالث: التج ...
- المتباكون الزائفون في سوريا، وجوه منافقة. الجزء الثاني :الحز ...
- المتباكون الزائفون في سوريا، وجوه منافقة. الجزء الأول
- من أبواق البعث إلى ورثة خطابه: حينما يصبح التشويه إرثًا مقدس ...
- سوريا الجديدة، بين التعريب والتغيير
- الوطنية على طريقة ديك الحارة
- من القمع إلى التشويه، حرب الإعلام والمغالطات
- سوريا ليست دولة عربية ولا حكرًا على عرق واحد. الجزء الثاني
- سوريا ليست دولة عربية ولا حكرًا على عرق واحد. الجزء الأول
- سورية ما بعد الأسد - على أعتاب حرب جديد 
- مهرجو البلاط: أمراء الكراهية ضد الكورد- الجزء الثالث 
- مهرجو البلاط: أمراء الكراهية ضد الكورد- الجزء الثاني 
- مهرجو البلاط: أمراء الكراهية ضد الكورد- الجزء الأول
- الإعلام العربي وأجنداته الخفية: كيف يُقصى الكورد إعلامياً؟ ا ...
- الإعلام العربي وأجنداته الخفية: كيف يُقصى الكورد إعلامياً؟ ا ...
- الكورد في سوريا، من الضحية إلى المتهم. الجزء الثاني
- -الفيدرالية” في نظر خريجي معهد الوحدة الأبدية، شر مستطير(4)- ...
- -الفيدرالية” في نظر خريجي معهد الوحدة الأبدية، شر مستطير(3) ...
- -الفيدرالية” في نظر خريجي معهد الوحدة الأبدية، شر مستطير . ا ...


المزيد.....




- الصليب الأحمر يجدد دعوته لتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل -سر ...
- الجزائر: وحدات الجيش تعلن إحباط تهريب مخدرات وتوقيف مهاجرين ...
- إنفوجراف | أحكام الإعدام في مصر لشهر يناير 2025
- رئيس الأونروا يحذر من انهيار عملياتها بسبب القوانين الإسرائي ...
- الأمم المتحدة تطلق خطة لجمع 370.9 مليون دولار لدعم عودة اللا ...
- إسرائيل تنهي علاقات العمل مع الأونروا
- للمرة الثانية.. اعتقال إسرائيليين حاولوا العبور إلى لبنان
- باكستان تعتزم ترحيل اللاجئين الأفغان.. السفارة الأفغانية تعت ...
- الضفة الغربية.. حملة اعتقالات جديدة تطال 30 فلسطينيا
- الحكم بالإعدام على 5 أشقاء في جريمة هزت الصعيد في مصر


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - ماهر حسن - المتباكون الزائفون في سوريا: وجوه النفاق. الجزء الرابع: قمع اللغة