دعت اللجنة التحضيرية لاتحاد العاطلين في مدينة الناصرية الى تجمع للعاطلين في 3 حزيران المنصرم لمناقشة اوضاعهم وكيفية تشكيل الاتحاد واختيار ممثليهم وغيرها من الامور التي تخص العمال العاطلين، وقد حضر التجمع، وقبل ساعة من الموعد المقرر، بحدود ( 3 ) الاف عاطل. تحدث اليهم "احمد عبد الستار" مؤسس الاتحاد في الناصرية وسكرتير تنظيم الناصرية للحزب حول فكرة الاتحاد مناشدا اياهم انتخاب ممثلين عنهم، وقد خولوه بان يكون هو نفسه ممثلاً عنهم. سار المتظاهرون في مسيرة حاشدة هزت المدينة، شارك فيها ما لا يقل عن ( 7 ) الاف عاطل رافعين لافتات تؤكد على ضرورة استجابة سلطات التحالف لمطلب العاطلين في "العمل ام ضمان بطالة مناسب".. وفي خضم التظاهرة، انهال الحجر على المتظاهرين ومنظمي التظاهرة بالذات من قبل جماعة اسلامية جاء القسم الاكبر منها من خارج التظاهرة وقسمها الاخر من داخلها، وعلت، وهم يلطمون على صدورهم، هتافات مثل "ابد والله ما ننسى حسيناه!!" وغيرها، ومزقوا احدى اللافتات وكذلك نسخ من المذكرة الاحتجاجية التي كان ينوي العاطلون تسليمها الى قوات التحالف.
ان هذا الامر، امر هجمة الاسلاميين على اتحاد العاطلين، لهو عمل تخريبي مدان جملة وتفصيلا. انه ليس بهجمة على الاتحاد لان " الشيوعيين العماليين من يقفون وراء تنظيمه"، انه ليس بهجمة لان هناك لافتة كتب عليها " يدعم الحزب الشيوعي العمالي العراقي ويساند العاطلين في مطلبهم المتمثل بفرصة عمل ام ضمان بطالة" قد استفزت الحضور، وكان من الانسب تكتيكيا عدم رفعها ( !! ). انها ليست حركة "حفنة من الجهلة او شغب مراهقين متطرفين" ( !! ). ان هذه لا تعدوا ان تكون مبررات واهية ليست لها ادنى صلة بواقع الامور. انها مسالة سياسية اسلامية الطابع والاهداف. انها ليست هجمة على الحزب الشيوعي العمالي العراقي، بل انها هجمة على نفس ولوج الجماهير الميدان بالاساس. انها هجمة على حق الانسان في الالتفاف حول مطالبه وتوحيد صفه ونزوله الشارع من اجل تحقيقها. انها هجمة على حريات الجماهير وحقوقها، هجمة على حق ان يكون للجماهير دور في رسم معالم مستقبلها وغدها. انها الخوف من ان تكون للجماهير ولاءات غير ولاءات المرجعية والايات وغيرها. انها سعي للحيلولة دون انفضاض "الشارع" من حول "الشيوخ" و"السادة" الذين فرضوا انفسهم بالقسر والعنف المنظم على الجماهير نحو المطالب الحقيقة والملحة للجماهير. انها هجمة خوف. انهم يعلمون جيداً لو انتصر العمال العاطلون واتحادهم وفرضوا مطالبهم على السلطات الحاكمة، لن تبقى الارضية لحركاتهم السياسية، ستزول سحابات توهم الناس بهم، سيتهمشوا، سينزووا!
انها ليست هجمة على تظاهرة "شيوعية الطابع". ان ممارسة مجمل هذه التيارات تبين بطلان هذا الادعاءات. هل كان اصحاب محلات التسجيلات الموسيقية شيوعيين حتى يتلقوا يوميا التهديدات المكتوبة والشفاهية بتفجير محلاتهم اذا لم يكفوا عن بيع اشرطة الغناء والموسيقى؟! هل ان اصحاب محلات الكماليات شيوعيين حتى يهددوهم بالقتل ان لم يزيلوا صور الفتيات الملصقة على الشامبوات او رفع الملابس الداخلية للنساء من العرض؟! هل ان الاطفال الذين تصدر بحقهم اليوم الفتاوي حول "لاشرعية العاب الـ( play station ) والبليارد والاتاري بوصفها "مراكز فسق" و"فجور" و"خنث" هم شيوعيين ايضاً كي يحاربوا؟! هل ان النساء اللائي يحاربن بحجة عدم ارتدائهن للجواريب السود هن ايضاً شيوعيات كي يحاربن من قبل الاسلاميين؟!
انها هجمة من اجل اسلمة المجتمع بالقسر والعنف، بالتفجير، بلجم الحريات وغيرها. انها مساعي مخطط لها، لها اناسها وعقولها المدبرة، ليست عفوية، هدفها المصادرة السافرة للحريات والحقوق السياسية والمدنية للجماهير. انها سعي من اجل دفع المجتمع نحو الاستكانة وترك امور المجتمع تحت رحمة "المراجع". انها ليست مجابهة حزبية صرف. انها مجابهة حول تحديد امور المجتمع وتنظيمه، حول رفاهه وسعادته، حول حقوقه وحرياته، حول الحاضر والمستقبل، حول وضع ومصير الاجيال القادمة.
لقد منح العمال العاطلون صوتهم لـ"الشيوعيين العماليين"، وقد سلموا امر تمثيلهم لاناس هذه الحركة. ان كل الدعايات التي روجها مناهضوا الشيوعية العمالية من يمينييها السافرين الى اشقائهم في الحزب الشيوعي العراقي لم تقف حائل دون التفاف الجماهير حول حركة من بنات يد الشيوعية العمالية وكوادرها. ان دلل ذلك على شيء فانه يدلل على ان العمال العاطلين يتبعون ممثليهم الواقعيين ويمنحون ثقتهم للمدافعين الحقيقيين عن مصالحهم دون ان يأبهوا كثيراً بالدعايات المغرضة. انها مسالة عملية وواقعية ترتبط بحاجات الناس ومصالحها ومطامحها قبل ان ترتبط بما يقوله اعداء الشيوعية عن الشيوعية العمالية. ان الجماهير تجد وراء راسمي افق تحررها وسبيل خلاصها.
ان الدعاية القائمة المناهضة للشيوعية حول "ان الجماهير تنفض حين تسمع بالشيوعية" ليست سوى دعاية سياسية مغرضة. ليس في هذه الدعاية أي شيء واقعي. انها لاتعبر عن واقع حال. انها ليست "راي الجماهير"، بل راي مدسوس لغرسه في اذهان الجماهير. انها دعاية لاطراف سياسية معينة هدفها ابعاد الجماهير عن الشيوعية، تخويف الجماهير من الشيوعية التي يدرك اعدائها جيدا قدرتها على التعبير الدقيق عن مطالب الجماهير وحاجاتها وسبل تحقيقها. انها دعاية هلع من تدخل الشيوعية، لااكثر. انها "دعاية حرب" من اجل رسم مصير المجتمع بعيداً عن الشيوعية والتحرر والمساواة. وكما تثبت التجربة اليومية، وبالملموس، سواء في الناصرية او في شتى بقاع العالم، ان الابتعاد عن الشيوعية هو الابتعاد عن المساواة والتحرر. ان اقصائها هو اقصاء المساواة والتحرر. وعلى العكس من ذلك، ان الاقتراب من الدين والاسلام السياسي هو الابتعاد عن التحرر والمساواة. ان هذه مسالة حياتية معاشة قبل ان تكون نتاج نظريات وعقائد وايديولوجيا.
لقد سيقت اتهامات كثيرة ودعايات مغرضة منها "قيام الحزب الشيوعي العمالي بالتسجيل القسري للعاطلين في صفوف الحزب" ( !! ) وان "الحزب يوعد العاطلين بالحصول على عمل شرط الانضمام لصفوف الحزب" ( !! ) وغيرها. انها دعايات مبتذلة ومنحطة وغير سياسية. انها دلالة صريحة على مدى الافلاس والانحطاط السياسي لاصحابها. انها اهانة بحق العمال العاطلين انفسهم قبل ان تكون اساءة لنا. انها تصوير يعكس مدى استخفاف اصحابه باذهان العاطلين كما لو انهم اناس "قليلوا الفهم"، "مغفلين" ومن السهل خداعهم. انه تصوير دوني للعمال العاطلين. ان العمال العاطلين هم اكثر وعياً وادراكاً من هذا. لقد اطلع العاطلون على استمارات الانضمام للاتحاد والتي تؤكد على كون الاتحاد منظمة جماهيرية ليست حزبية (ليس بمعنى عدم قبول العاطلين المنتمين الى احزاب سياسية، بل ان بوسع كل انسان عاطل عن العمل الانضمام الى الاتحاد بغض النظر عن انتماءه السياسي او العقائدي او غيره)، وان اهدافه محددة اما "الحصول على عمل او نيل ضمان بطالة مناسب"، وعلى " ان ينتخب العاطلين ممثليهم بصورة حرة ومباشرة ومن خلال التجمع العام للعاطلين" وعلى ان "هؤلاء الممثلين يمكن عزلهم متى ما اخفقوا في تمثيل العمال العاطلين ومصالحهم"، كما اكدنا مراراً على ان نيل هذا المطلب مرهون بتكاتف وتوحد ارادة العاطلين واصرارهم وعزمهم وتصميمهم وعلى السياسة والافق الراديكالي الذي يسيرهم.
لسنا ببعثيين جدد!! ان التسجيل القسري في صفوف الحزب ليس له ادنى صلة بتقليدنا السياسي. على خلاف ذلك، ان جزء من تقاليدهم هو رفض مداواة طفلة وعلاجها بسبب عدم ارتدائها الحجاب!! هل ثمة حزب سياسي بقدر الحزب الشيوعي العمالي دافع عن الحرية السياسية غير المقيدة وغير المشروطة وعن حرية المرء التامة في الراي والتعبير والعقيدة وغيرها؟!
لقد رج تشكيل اتحاد العاطلين وتظاهرته المجتمع قاطبة مما جعله حديث الساعة. بيد ان من اهم المواقف اثارة للانتباه هو موقف الحزب الشيوعي العراقي. لقد اتخذ هذا الحزب موقفاً يمينياً، انتهازياً ورجعياً سافراً. ليس في هذا أي شيء غريب وغير متوقع. لقد اصدر الحزب المذكور فوراً بياناً تحدث فيها عن "انه ليس مسؤولاً عن ما جرى للعاطلين" ( !! ). انه، وبدل ادانته لموقف الجهات الاسلامية التي شنت هجمة على مسيرة العاطلين باعتباره انتهاك صارخ لحق فئة بالتظاهر ( ناهيك عن كونها فئة مليونية تمثل 60% الايدي العاملة ! )، كان يسعى لاقناع اشقاءه في اليمين بانه ليس طرف في هذه المسالة، أي انه لم يكن طرف في التظاهرة! لقد اتخذ، وكعادته، موقف تبرئة النفس امام اليمين. انه، ولشدة رجعيته ومناهضته للجماهير، لم ينطق باي كلمة حول: لماذا تظاهر العمال العاطلون؟! من اجل نشر الفوضى ام من اجل تحقيق مطاليبهم العادلة؟! "ليس مسؤولاً عن ماجرى للعاطلين" تعني، بلغة سياسية صريحة، انه ليس مسؤولاً عن تنظيم العاطلين ولا عن توحيدهم ولاتظاهرهم من اجل احقاق حقوقهم. لقد غدت هذه الامور مثلبة في قاموس هؤلاء السادة. لقد تحول فخر تنظيم العاطلين الى عار في قاموس هذا الحزب. لقد تبدلت الادوار في اذهان سادة الحزب الشيوعي بجعلهم "الضحية" مجرماً و المجرم ضحية!! لقد تهربوا من اصل المسالة: من هم اطراف الصراع؟! وماذا قام كل منهما كي تصل الامور الى ما وصلت اليه؟! ومن منهما صاحب حق؟! من هو "المعتدي"، ومن هو "المعتدى عليه"؟! العامل العاطل واتحاده المتظاهر من اجل حقوقه ام الغوغائيون الاسلاميون الذين انهالوا بالحجر على المتظاهرين في انتهاك سافر لابسط الحقوق في التجمع والتنظيم والتظاهر؟! لقد سعى الحزب دوماً ان ينقذ رقبته ( ولم يفلح في ذلك طيل تاريخه!) عبر اتخاذ موقف الجلوس بين كرسيين. ولكن، على النقيض مما يسعى سادة الحزب الى تركه في اذهان الجماهير من انطباع بان موقفه دلالة على الحيادية والتعقل السياسي، فان الجلوس بين كرسيين هو الاصطفاف في خندق الغوغاء الاسلاميين. انه، ولجبنه وانتهازيته المتأصلة، عاجز عن اتخاذ موقف صريح وواضح من القضية. انه موقف تبرئة النفس والذمة من "الجرم"، جرم التنظيم والتظاهر.
ختاماً، لقد دللت هذه التظاهرة، وباجلى الاشكال، للمجتمع اين تقف اطراف الصراع وماذا تنشد في ممارستها السياسية اليومية. لقد انسلت حقيقة ان الشيوعية العمالية تعني رص الصفوف، التنظيم، التظاهر، و..من اجل تامين الحقوق الفورية للعاطلين والعوائل المشردة ومن اجل حياة افضل لجماهير العراق وان الجماعات الاسلامية لاتنشد سوى مسلسل مصادرة الحريات السياسية والحقوق المدنية ومناهضتها لرفاه الجماهير وحقوقها.