عبير خالد يحيي
الحوار المتمدن-العدد: 8254 - 2025 / 2 / 15 - 07:50
المحور:
حقوق الانسان
في صباح الرابع عشر من فبراير 2005، كانت بيروت تغتسل بأشعة شمس شتوية هادئة، كأنها لا تعلم أن صوتًا آخر، أشدّ صخبًا وأشدّ قسوة، سيفجّر صمتها. كان رفيق الحريري، رجل الإعمار والسياسة، يشق طريقه في موكبه المصفّح، متجهًا إلى مصيره المحتوم. لحظات قليلة فصلت بين وجوده وحضوره القوي، وبين انفجار هائل التهم كل شيء حوله، تاركًا المدينة تحت غبار الفاجعة.
صوت الموت يهزّ بيروت
عند فندق "سان جورج"، دوّى الانفجار كعاصفة غضب، محمّلاً في جوفه 1000 كيلوغرام من مادة "تي إن تي" المتفجرة، ليجعل من الشارع ساحة دمار لا تُمحى من الذاكرة. تحولت السيارات إلى كتل محطّمة، وارتفعت أعمدة الدخان كأنها تحمل أرواح القتلى إلى السماء. الحريري لم يكن وحده، فقد سقط معه 21 شخصًا آخرين، تاركين خلفهم مدينة مذهولة، تفتح عينيها على زمن جديد لا يشبه ما قبله.
من أطلق الشرارة؟
كانت أصابع الاتهام تسبق التحقيقات، تتجه نحو دمشق وحزب الله، فالرجل الذي ناضل لإنهاء الوجود السوري في لبنان كان قد أصبح عدوًا لمن لا يريد لهذا البلد أن يكون حرًا بقراره. اتهم البعض النظام السوري، خاصة أنه كان يواجه ضغوطًا دولية للخروج من لبنان، بينما وجّه آخرون اتهاماتهم إلى حزب الله، مستندين إلى تحقيقات المحكمة الدولية التي كشفت عن ضلوع أفراد من الحزب في العملية.
محكمة تبحث عن العدالة في غياب المتهمين
بعد سنوات من التحقيقات، وفي 2020، خرجت المحكمة الدولية بقرارها: إدانة سليم عياش، أحد عناصر حزب الله، بينما ظلّت أسئلة كثيرة بلا إجابات. لم يظهر المتهم، ولم تنفذ الأحكام، وكأنّ العدالة قررت أن تكون غائبة مثلما غاب الحريري.
زلزال سياسي يغيّر وجه لبنان
لم يكن الاغتيال مجرّد جريمة، بل كان زلزالًا قلب المشهد اللبناني. خرجت الجماهير إلى الشوارع في ما عُرف بـثورة الأرز، معلنةً رفضها للهيمنة السورية، ودافعةً الجيش السوري إلى الانسحاب في أبريل 2005، منهيةً حقبة استمرت 29 عامًا. لكن لبنان، الذي ظنّ البعض أنه تحرر، لم يلبث أن دخل في دوامة من الاغتيالات والاضطرابات، حيث تهاوت شخصيات سياسية وإعلامية واحدة تلو الأخرى، وكأنّ شبح الانفجار الأول لا يزال يطارد من تبقى.
الخاتمة: صدى لم ينطفئ بعد
تمرّ السنوات، ويبقى اغتيال رفيق الحريري جرحًا مفتوحًا في جسد لبنان. كانت تلك اللحظة أكثر من مجرّد تفجير، كانت إعلانًا لعصر جديد من الصراعات والتجاذبات، حيث لم يعد شيء كما كان. أما الحقيقة، فتظلّ عالقة بين السياسة والمصالح، تبحث عن من ينطق بها، أو ربما تنتظر انفجارًا آخر، يعيد كتابة المشهد من جديد.
#دعبيرخالديحيي
#اغتيال
#رفيق_الحريري
#المحكمة_الدولية
#سليم_عياش
الإسكندرية – مصر 14 فبراير 2025
#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟