أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود عباس - تيه بين العدم والخلود














المزيد.....


تيه بين العدم والخلود


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8251 - 2025 / 2 / 12 - 23:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين عبر الوجود خيوط الوهم. غرقتُ في شعاب الزمن، حاملًا مقبرتي في ذاكرتي، أبحث عن مكان يحتضنها والكفن، تهت بين سطور الأوهام حتى وجدت نفسي على شاطئ اللا شعور، أبحث عن انعكاسي فلم أجد سوى الفراغ. كنت كظلٍّ يراقب ذاته، لكنه لا يراها. نظرت إلى خيالي، وكان عدمًا. في تلك اللحظة أدركتُ أنني مجرد خيط في نسيج الزمن، صورةٌ لذاتٍ تنحدر نحو العدم، وذرة تائهة في محيط اللامتناهي.
فسألت نفسي: هل نحن وهمٌ يعبُر نحو اللا شيء؟ أم أن العدم ليس إلا وجهًا آخر للوجود؟
نظرت في الطرف الآخر من الزمن العابر، اجتازني خيالٌ كوميضٍ خاطف، تبعته أطيافٌ أخرى، كأنها أرواحٌ مهاجرةٌ نحو أفق مجهول. تلاقَت خيوط أفكارنا، كأنها نسيج من نور يعبر حدود المستقبل. سألت نفسي، وهم كانوا جزءًا مني: إلى أين أنتم ذاهبون؟ كنت أعلم في عمق لا شعوري، بإحساس غامض ينبض في داخلي، أنهم أحبّتي الذين غادروا، تاركين خلفهم آهات الفقد ومساحات الأسى. هامت على النفس ثِقلُ رحيلهم، فطفا على الخيال كلُّ ما لم نُنجزه معاً، واحاديثنا التي لم تنتهي، والأسئلة التي لم نسألهم عنها، فتناقشنا على كلّ ما أخطأنا فيه، حتى بات الندم مرآةً للحاضر والغياب.
لطالما تساءلت: هل العدم نفيٌ للوجود، أم امتدادٌ له في صورة أخرى؟ فتذكرت مفهوم الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر عندما اعتبر أن وجودنا محكوم دائمًا بفكرة الموت، فالحياة ليست سوى مقدمة طويلة للفناء، والوعي بالعدم هو ما يجعل الوجود ذا معنى، ونيتشه كيف ثار على فكرة العدم كحتمية، معتبرًا أن القوة الحقيقية تكمن في تجاوز العدم بخلق معنى يتحدى الفناء، فعدت إلى ذاتي لأسأل وبأسى، أين نقف نحن؟ هل نحن كائنات تتشبث بوهم الخلود؟ أم أن الخلود مجرد سعي يائس للهروب من الحقيقة المطلقة؟
فطفت على ذاكرتي كلمات الحلاج:
"أنا من أهوى، ومن أهوى أنا
نحن روحانِ حللنا بدنا"
ولكن ماذا لو لم يكن الجسد سوى قيد، والعدم تحررًا من كل شكل؟ ماذا لو كان الموت ولادةً أخرى كما قال جلال الدين الرومي:
"عندما أموت، لا تقل إنني رحلت،
بل قل إنني أتيتُ إلى الحياة"
في تلك الرحلة بين الفكر والخيال والزمن، جاءني الرد من على شاطئ العدم، كصدى بعيد يحمله طيف الأخت الناعمة(حياة) لاهثةً بصمت الكلمات، جاوبتني بنبرةٍ من سكينة عجيبة: "نحن ذاهبون إلى ضيافة الوالد، ذاك الذي يسكن في الطرف الآخر من اللا بُعد، في مكان يتلاشى فيه مفهوم الزمن. نحن سعداء، نقطع المسافات، أو ننتقل حيث انعدام الزمنٍ، في واقع بلا أبعاد." هل العدم إذاً هو نفيٌ للمكان والزمان، أم حالة من التجلي اللامرئي؟ كما قالها ابن عربي متحدثا عن العدم كونه مرآةً للوجود، حيث لا فناء حقيقي، بل تحول دائم، تمامًا كما قال بوذا:
"كل شيء يتحول، لا شيء يفنى، لا أحد يبقى."
في لحظة التأمل تلك، تساءلت: هل نحن ذاهبون إلى العدم أم إلى الأبدية؟ هل الصراع الذي نعيشه هو مع الحياة نفسها، أم مع حقيقة أزلية بين العدم والخلود؟ الحياة ليست سوى مرآة للصراع الأعظم، صراع العقل والروح أمام الحيرة الكبرى. العدم يرعبنا لأنه يهدد بطمس كل ما نحن عليه، كل ما عرفناه وأحببناه، بينما الأبدية تثير فينا رهبةً أخرى، لأنها تتطلب منا استيعاب البقاء إلى ما لا نهاية، كما قال دوستويفسكي بمفهوم مماثل:
"إن السر الحقيقي للحياة ليس في العيش، بل في سبب العيش."
فما هو السبب إن كانت النهاية محتومة؟ وما الذي يجعلنا نتمسك بالحياة رغم عبثيتها؟ هل يكمن المعنى في التحدي ذاته، في صنع شيء خالد، في ترك أثرٍ لا يمحوه الزمن؟ أدركتُ أن حياتنا ليست سوى تدريب على هذه الجدلية الأزلية. في كل لحظة نعيشها، هناك مواجهة بين الفناء والخلود، بين ما نراه ينتهي وما نأمل أن يبقى. لعل الصراع مع الحياة ليس إلا انعكاسًا لصراع أعمق، صراع يختبر إدراكنا للزمن والمعنى. هل نحن نعيش مرحلة ما قبل العدم؟ أم نحن كائنات عابرة بين العدمين، قدوم من العدم إلى العدم؟
جميعنا، في شعورنا ولا شعورنا، نبحث عن طمأنينة تغلق هذه الفجوة، عن إجابة لا تأتي، عن يقين لا يُنال. ونحن ندرك أن الإجابة ليست هناك، بل هنا، في طريقتنا في مواجهة الحياة نفسها، في شجاعتنا لخلق معنى رغم اللا يقين، في سعينا المستمر لترك أثر يعبر الزمن. في هذا البرزخ من التفكير، حاولت أن أقنع ذاتي على أن العدم ليس ظلامًا مطلقًا، بل احتمالٌ آخر للوجود، ربما في صورة لا نفهمها بعد. كما قال فرانز كافكا:
"من قال إننا ولدنا مرة واحدة فقط؟"
أو كما قالها جلال الدين الرومي:
لا تحزن إذا انفصلت عن محبوب،
فكل الأشياء تفارق لتعود بشكل أجمل."
وهنا ظهرت الرهبة من المجهول، ربما نموت لنحيا، وربما نحيا لنموت، وبينهما، نحن مجرد عابرين على خيط الوهم، بين العدم والخلود، وربما من الخلود إلى العدم، فقد ولدت من العدم منذ ولادة الخلية الأولى في الكون، لذا كان لا بد الهروب من رهبة إلى أخرى، وهي أننا نمر في مرحلة زمنية شبه عدم، فنحن قادمون من العدم راحلون إلى العدم.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
21/1/202



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تُدار الحرب ضد الكورد بوجوهٍ بلهاء وألسنة مأجورة؟
- قراءة في انسحاب المجلس الوطني الكوردي من الائتلاف السوري
- تنازل المجلس الوطني الكوردي عن مطلب الفيدرالية، تراجعٌ سياسي ...
- لماذا نشرت قناة NBC الخبر الكاذب حول احتمالية سحب إدارة ترام ...
- الولايات المتحدة لن تسحب قواتها من سوريا، دعاية مضللة بغايات ...
- الإعلام السوري من التواطؤ إلى التحريض، لماذا كل هذا الحقد عل ...
- الإعلام السوري من التواطؤ إلى التحريض، لماذا كل هذا الحقد عل ...
- خطب الكراهية في ساحة الأمويين
- في سوريا المنتصر لا يجادل بل يفرض قدره
- سوريا من قبضة الأسد إلى مخالب الإرهاب
- حين يحارب الكورد الإرهاب وتصنعه تركيا من جديد!
- احذروا صُنّاع الكراهية ووجوه الحقد التي تلوّث مستقبل سوريا
- القطب المنافس لأمريكا في عهد ترامب - 3/3
- القطب المنافس لأمريكا في عهد ترامب 2/3
- القطب المنافس لأمريكا في عهد ترامب- 2/3
- القطب المنافس لأمريكا في عهد ترامب - 1/3
- تداعيات الصراع التركي الأمريكي على مستقبل القضية الكوردية
- (بافي طيار) رمز الحب والحياة في ذاكرة الكورد وكوردستان
- الكورد ما بين الثقة والاستراتيجية
- سوريا الجديدة بين إرث الماضي وخطر التطرف القادم


المزيد.....




- مصر.. أمين الفتوى يوضح حكم الاحتفال بـ-عيد الحب-
- حماس: نطالب بوضع خطة عمل عربية وإسلامية لمنع مخططات التهجير ...
- الشيخ عيسى قاسم: الاسلام لا يرضى لأي شعب ان تضيع حقوقه
- الحوثي: يجب الاستفادة من الاجماع العربي والاسلامي لرفض الخطة ...
- الحوثي: يجب ان يكون هناك موقف عربي واسلامي قوي مقابل لغة الط ...
- الاحتلال يخطر بهدم منزلين غرب سلفيت
- الذكرى السادسة والأربعين للثورة الإسلامية في إيران
- خطر على الحريات الدينية في أمريكا  
- احتفالية انتصار الثورة الاسلامية في السفارة الايرانية في تون ...
- ثبتها الآن تردد قناة طيور الجنة 2025 على مختلف الأقمار الصنا ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود عباس - تيه بين العدم والخلود