سيناريوهات التوازن المفقود بين الأرض والسكان فى مصر

فتحى سيد فرج

الحوار المتمدن-العدد: 1793 - 2007 / 1 / 12 - 12:07
المحور: الادارة و الاقتصاد
    

تتسع الفجوة بين معدلات التزايد السكانى الذى يؤدى إلى ارتفاع الكثافة السكانية والتكدس العمرانى فى حيز ضئيل من مساحة مصر ، وبين الموارد المتاحة خاصة الأرض والمياه التى تنمو بنسب حثيثة ، أو تظل فى حالة ثبات نسبى ، والأغلب أنها تعانى من تدهور وفاقد يتزايد عاما بعد عام بما يهدد استمرار الحياة فى بر مصر فى الأمد المنظور .
فمعدلات التزايد السكانى فى مصر تفوق المتوسط العالمى ، ومما يفاقم هذا التزايد أن أكثر من 98 % من السكان وأنشطتهم الاقتصادية تتكدس فى 3.5 % من مساحة مصر ، وتصل الكثافات العمرانية فى القاهرة وبعض عواصم المحافظات إلى نسب غير مسبوقة فى التاريخ البشرى ، وقل أن توجد بهذا الشكل فى أماكن أخرى من العالم .
هذا بينما الموارد المتاحة من الأرض خاصة المساحة المزروعة والتى تمد السكان باحتياجاتهم الغذائية إضافة إلى ما تدره من دخل قومى فى حالة تصدير منتجاتها ، يدعى البعض أنها تنمو من خلال التوسع الأفقى وتزيد غلتها بالتوسع الرأسى والتكثيف الزراعى ، وهناك من يؤكد أنها فى حالة ثبات نسبى بحكم تعادل المفقود منها مع مقدار التوسع فيها ، والغالبية من خبراء الأراضى ترى أن نسبة الفقد والتدهور تفوق مقدار التوسع الأفقى بما يهدد بتناقص هذه المساحة خاصة خلال العقود الأخيرة .
والأمر أشد قسوة وخطورة بشأن الموارد المائية التى تعتبر العنصر الحاكم فى التنمية والتوسع العمرانى بأشكاله المختلفة ، فأنها تتعرض لنسب أعلى من الفقد والتدهور على الصعيد الداخلى ، وعلى الصعيد الخارجى إلى تهديدات محتملة بالنقص من جراء المتغيرات فى برامج وسياسات دول حوض النيل ، أو بفعل التغيرات الطبيعية والمناخية .
ويمكن وضع تصورات أو رصد احتمالات مستقبلية لهذه الاختلالات والتعارضات ، بين التزايد السكانى فى الحيز المعمور من مصر ، وبين الموارد المتاحة من الأرض والمياه فى ثلاث سيناريوهات ، ليس من قبيل الفروض النظرية ، ولكن من خلال التوقعات والبيانات المحسوبة على أسس علمية وعملية تعبر عن مجريات الواقع فى الأمد المنظور ، أى خلال السنوات المتبقية من القرن الأول للألفية الثالثة .
· السيناريو المتشائم أو الكارثى : فى حالة ثبات الأوضاع السياسية والاجتماعية ، واستمرار التعامل مع المشاكل المزمنة بنفس القدر من الاستهانة ، فأن الفجوة بين التكدس السكانى ، وارتفاع معدلات الفقد والتدهور فى الموارد ستتسع بشكل قد يؤدى إلى كوارث ، وهو الاحتمال الغالب الذى حذر ومازال يحذر منه العلماء والمختصين .
· السيناريو المتفائل : فى حالة الوصول إلى درجة من التوافق السياسى ، أو الإصلاح الديمقراطى تسمح بتبنى الرؤى والتصورات المطروحة للخروج من الحيز الضيق فى الوادى والدلتا ، ودراستها بأساليب علمية وبشكل جدى ، وطرحها للنقاش العام وتهيئة الرأى العام لقبولها ، واختيار بدائل أكثر ملائمة مع طبيعة الخروج إلى الصحراء وتعميرها بما يحافظ على استمرار التوازن البيئى بها ، فأن الأمر قد يتغير ويمكن معالجة الفجوة بين الموارد والسكان فى مصر ، وهذا السيناريو ضعيف الاحتمال حتى الآن ، لعدم وضوح الرؤيا لدى فئات وكيانات سياسية فى السلطة أو خارجها ، تمكنها من تبنى وتنفيذ استراتيجيات علمية مخططة .
· سيناريوهات التطورات والتغيرات الطارئة : قد تحدث تغيرات سياسة واقتصادية واجتماعية بديلة وفقا لمجريات التطورات العالمية والإقليمية والمحلية ، أو فى الأسس والنظريات العلمية والتقنية ، أو فى مجال الطبيعة والمناخ ، تؤدى إلى انقلاب موازين القوى وتعيد بناء أسس وقواعد جديدة وأنظمة وسياسات بديلة ، واستقراء وقائع التاريخ يوضح تسارع التغيرات فى العقود الأخيرة ، كما أن التنبؤات والدراسات العلمية تؤكد حدوث مثل هذه الاحتمالات والتوقعات . ولكن هذا قد يكون خارج اهتمام المؤتمر ، وهو مجال للتخصصات الدقيقة فى العلوم المختلفة .
لذا سوف نركز فى هذه الورقة على السيناريو الأول والثانى باعتبارهما فى صلب اهتمام هذا المؤتمر ، وذلك من خلال عرض تطور بيانات السكان ، والموارد – الأرض . والمياه – لتوضيح مقدار التعارض و اختلال التوازن بينها ، مع بيان تأثير ذلك على فئات المجتمع المصرى خاصة الفئات الفقيرة والمهمشة التى تتعرض لتأثيرات أكثر حدة ، تجعلها أكثر هشاشة وفقرا فى حالة استمرار هذه الاختلالات .

#فتحى_سيد_فرج (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات