|
كاسحات الجليد و اهميتها في الصراع الدولي للسيطرة على الموارد
فارس آل سلمان
الحوار المتمدن-العدد: 8251 - 2025 / 2 / 12 - 10:37
المحور:
الادارة و الاقتصاد
تعد سفن كسح الجليد فئة خاصة من السفن التي تقوم بتكسير طبقة الجليد بسمك يصل الى 3 متر ، وهي مصممة للتحرك والتنقل في المياه المغطاة بالجليد لفتح ممرات مائية لسير السفن الأخرى. بمعنى اخر تجعل المسارات البحرية المغلقة بالجليد متاحة للابحار. و تمتاز ببدن مزدوج و قوي جدا يتحمل ضغط الجليد و الارتطام بالجليد باستمرار، و لها القدرة على الدفع عبر المياه المتجمدة. تستخدم كاسحات الجليد في البحار المتجمدة، غالبا في المحيط المتجمد الشمالي و القارة القطبية الجنوبية حيث تتشكل طبقات سميكة من الجليد على سطح الماء، الأمر الذي يجعل من المستحيل إبحار السفن . فتقوم الكاسحات بكسر الغطاء الجليدي الامر الذي يسمح للسفن الأخرى بالإبحار في المنطقة.
أول سفينة لكسح الجليد بمحرك بخاري كانت The City Ice Boat No. 1 والتي تم بناؤها في فيلاديلفيا ودخلت الخدمة سنة 1837. ومن ثم تم تطوير هذه السفن لتعمل بمحرك ديزل. و نتيجة لتطور التقنيات تم تصنيع وتشغيل كاسحات جليد تعمل بالطاقة النووية.
أول كاسحة جليد نووية تدعى Soviet ship Lenin تابعة للاتحاد السوفيتي و دخلت الخدمة في عام 1989. ويوجد حالياً العديد من كاسحات الجليد التي تعمل بالطاقة النووية في المياه الأوروبية.
إن بناء كاسحات الجليد عملية مكلفة جداً، ولكن الاستخدام والكفاءة الجيدة التي توفرها الكاسحات كبيرة. ولانها تساعد على بقاء الممرات والقنوات الملاحية مفتوحة في البحار المغطاة بالجليد، فان ذلك يجعلها قطعة استثنائية تعمل في القطب المتجمد وروسيا وكندا.
تستهلك كاسحات الجليد العاملة بالديزل في مناطق مثل المياه المتجمدة الروسية التي تكون فيها سماكة الجليد حوالي 3 أمتار، أكثر من 100 طن من الوقود يومياً، وهي كمية كبيرة حتى في حال الأعمال ذات العائدية المرتفعة مثل استخراج النفط. بينما تستهلك الكاسحات التي تعمل بالطاقة النووية أقل من ذلك بكثير من اليورانيوم تحت نفس الظروف، هذا ما يجعلها أفضل من خيار الوقود الاحفوري، ويلغي الحاجة لاعادة التزود بالوقود، لذلك تكون الكاسحات النووية مطلوبة في المناطق المغطاة بالجليد فضلا عن كونها خيار ذو جدوى اقتصادية على المدى البعيد.
تعد روسيا واحدة من الدول القليلة التي استفادت من الاحتباس الحراري العالمي. اذ اصبحت مساحات شاسعة من أراضيها ومياهها قابلة للاستيطان ولاستغلال الموارد الطبيعية. وهذا دفع الحكومة الروسية لتشجيع مواطنيها لهجرة داخلية من المناطق الأكثر دفئا في الداخل الروسي الى هذه المناطق التي انحسر عنها الجليد والشروع ببناء مستوطنات بشرية واستثمار الموارد المتاحة هناك. و لتنفيذ ذلك، عززت روسيا أسطولها من كاسحات الجليد النووية. بهدف فتح طرق بحرية جديدة في القطب الشمالي لنقل أسرع للموارد، وخاصة الهيدروكربونات. كما سارعت باستغلال الهيدروكربونات والموارد الطبيعية الأخرى، وبالتالي زيادة نفوذها الجيوسياسي في المنطقة.
قسم من كاسحات الجليد الروسية تخدم لدى قيادة خفر السواحل لذلك تقوم بعمل مزدوج فهي سفينة دورية وكاسحة جليد. تم تجهيز كاسحات الجليد القتالية بمدفع بقطر 76ملم نوع ( AK-176 ) بالإضافة إلى ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة من طراز و عدد من المدافع الرشاشة الثقيلة. Igla أو Verba و من الممكن وضع حاويات في منطقة الشحن تحتوي على صواريخ.
يبلغ طول الساحل الروسي الشمالي نحو 24 ألف كيلومتر تقريبا على طول المحيط المتجمد الشمالي والمياه فوق الدائرة القطبية الشمالية، ويمثل الساحل الروسي 53% من ساحل المحيط المتجمد الشمالي، ويطل على مجموعة من البحار، وهي بحر بارنتس، وبحر كارا، وبحر لابتيف، وبحر سيبيريا الشرقي، وبحر تشوكوتشي، والبحر الأبيض.
ويشتمل الساحل الشمالي للاتحاد الروسي على العديد من الموانئ، يقع بعضها على جسر القطب الشمالي، الذي يربط روسيا بأميركا الشمالية والشرق الأقصى، ويمتاز ميناء مورنانسك فقط بخلوه من الجليد طوال العام، في حين تعتمد الموانئ الأخرى على كاسحات الجليد في الشتاء، أو يقتصر عملها على شهور الصيف، كما أن العديد من هذه الموانيء يتطلب الوصول لها عبور نهر طويل يربط باينها وبين البحر.
ركزت روسيا جهودها لتنمية وجودها في الدائرة القطبية الشمالية فأنشأت 14 مطار، وست قواعد عسكرية، وأعادت ترميم 16 ميناء مطل على المياه العميقة، و10 مراكز حدودية في جميع أنحاء القطب الشمالي. ويضم الأسطول الروسي في القطب الشمالي 1020 سفينة، منها 51 كاسحة جليد. و تتمركز الترسانة النووية الروسية داخل أسطولها الشمالي الذي يقع مقره الرئيسي في سيفيرومورسك، وهي مدينة تقع داخل الدائرة القطبية الشمالية.
وخلال السنوات الخمس الماضية، كثفت روسيا من نشاطها هناك من خلال زيادة عدد المفاعلات النووية المدنية والعسكرية اذ ارتفع العدد من 62 إلى 81 مفاعلاً (الزيادة 30%) ، وبحلول عام 2035، من المتوقع أن يكون هناك 118 مفاعلاً.
يضم المحيط المتجمد الشمالي 30 % من احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي موزعة على 61 حقل غاز، في مقدمتها 43 حقلًا لروسيا، و11 للولايات المتحدة، و6 لكندا، وواحد للنرويج، بالإضافة إلى كميات قياسية من الموارد والعناصر النادرة التي تحتاج إليها قطاعات الصناعات الحديثة، وترافق ذلك مع ذوبان الجليد في 2.5 مليون كم، وهو ما فتح الطريق- لأول مرة في تاريخ البشرية- لخطوط ملاحية لـ”طريق الشمال”، الذي يربط شمال آسيا بشمال أوربا وأمريكا الشمالية، كل هذه العوامل شكلت محفزات جديدة للصراع على تلك الموارد. كما أن طبيعة القطب الشمالي تقوم على المكون المائي والثلوج، وليس التربة، وهو ما يجعل نحو 85 % من القطب الشمالي “بلا مالك” من الجانب القانوني، حيث تطالب بعض الدول بتطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لأعالي البحار، التي تعني أن لكل دولة 12 ميلًا بحريًّا من حدودها، بالإضافة إلى 200 ميل بحري “كمنطقة اقتصادية خالصة” أمام سواحل الدول المتشاطئة الخمس، وهي روسيا، وكندا، والولايات المتحدة، والنرويج، والدنمارك، وهو ما يجعل مساحات شاسعة تصل إلى نحو 24 مليون كم من إجمالي 28 مليون كم مناطق يمكن التنازع عليها.
هنا تلعب كاسحات الجليد و خصوصا العاملة بالطاقة النووية دورا جوهريا بتكريس النفوذ فهي لا تحتاج لاعادة التزود بالوقود كتلك العاملة بالديزل فضلا عن كونها مصدرا للطاقة الكهربائية تزود بها الموانيء و المستوطنات التعدينية و المراكز البحثية.
تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الخامسة من حيث عدد كاسحات الجليد في قائمة الدول المتنافسة على ثروات القطب الشمالي. ولدى الولايات المتحدة خمسة سفن كاسحة للجليد، وثلاثة تعتزم بناءها بقيمة 36 مليار دولار. مقابل 46 كاسحة جليد لدى روسيا، و11 قيد البناء، وأربعة تخطط موسكو لبنائها مستقبلا. منها 12 كاسحة تعمل بالطاقة النووية.
للولايات المتحدة قاعدة مهمة واحدة، وهي قاعدة بيتوفيك الفضائية في جزيرة جرينلاند، بالإضافة إلى قاعدتين إضافيتين جنوب الدائرة القطبية الشمالية في ألاسكا. و تمتلك الولايات المتحدة 5 كاسحات جليد اثنتان منها فقط صالحة لدعم العمليات طويلة الامد، وهناك تباين صارخ في الوجود العسكري بين موسكو وواشنطن في القطب الشمالي.
وتستثمر الولايات المتحدة في النفط والغاز الطبيعي في القطب الشمالي، حيث يعد حقل نفط خليج برودو في ألاسكا الأبرز في أمريكا الشمالية. وبالعقد الأول من القرن الـ21، كان الحقل ينتج حوالي 8% من النفط المحلي في أمريكا.
اما الصين فطالبت باحقيتها بمنطقة القطب الشمالي و يرجع اهتمامها للعام 2013 حيث ارسلت سفينة سفينة يبلغ وزنها 19 ألف طن انطلقت من ميناء من داليان إلى روتردام، حيث أبحرت من خلال الممرّ الشماليّ الشرقي وقلّصت الوقت الطبيعي للرحلة بمقدار تسعة أيام.
يقدّر الخبراء الصينيون أنّه خلال سبع سنوات سيمرّ 5 إلى 7 % من حجم التجارة الدولية لثاني اقتصاد في العالم عبر القطب الشماليّ. وتأمل بكين في أن يكون الطريق المختصر أيضًا مفيدًا لتنمية موانئها في شمال شرق البلاد.
و تسعى الصين، أوّل دولة مستهلكة للطاقة في العالم، للحصول على حصة من الإحتياطي الكبير من النفط و الغاز في القطب الشماليّ. و نجحت الصين بعد حملة دبلوماسيّة دامت سنوات، من أن تصبح عضوًا مراقبًا دائمًا في مجلس القطب الشماليّ، حيث حصلت في أيار من العام 2014 على وضع دولة مراقبة في مجلس القطب الشماليّ، المنتدى الحكومي للتعاون. وتسعى إلى أداء نشاطٍ واسع النطاق، بما في ذلك الأبحاث العلمية.
فرضت الجغرافيا خوانق على بحر الصين فالجزء الأكبر من تجارتها يمر عبر خوانق لا تخضع لسيطرتها، منها مضيق ملقا الستراتيجي و الذي تحيط به إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، وجميعها حليفة للولايات المتحدة. لذلك تسعى الصين لتطوير قوتها البحرية والتواجد في مقدمة الدول الساعية لتنمية منطقة القطب الشمالي لتأمين ممرات تجارية بديلة.
#فارس_آل_سلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اوربا و الصراع من اجل البقاء ...
-
الاقتصاد الأوروبي في 2025..
-
لماذا يطالب ترامب بضم قناة بنما و كندا وغرينلاند ... صراع وج
...
-
هل ينهار اقتصاد اوربا...؟ و ما هو مستقبل الصناعة الأوروبية
-
الحرب الامريكية - الصينية القادمة ....لكن بحروب الوكالة مع و
...
-
محاولة تصفية الشركات العراقية المملوكة للدولة
-
صناعة التفاهه و النفايات الفكرية
-
الصراع النفطي الخليجي و اتفاقية اقامة منطقة تجارة حرة بين حك
...
-
الصناديق السيادية و دورها في التنمية الوطنية
-
تقييم الاطار العام لخطة التنمية الوطنية العراقية 2018-2022
-
الثورة الصناعية الرابعة ... و تحديات الوجود
-
التنافسية.....و دور الحكومات
-
الحوكمة ... الطريق لتحقيق النجاح
-
ترامب ... الهيمنة و الحرب الاميركية المنسية
-
البعد الاقتصادي و الامن الوطني
-
تاريخ العراق يعيد نفسه
-
افكار حول تحديد هوية الاقتصاد العراقي
المزيد.....
-
انطلاق أعمال الدورة 115 للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة
...
-
السعودية.. اتفاقية لبناء منصة حفر بحرية -المملكة 3 -
-
تراجع أسعار النفط عالميا
-
مؤشر بورصة موسكو يصعد إلى أعلى مستوى في 7 أشهر
-
“اعرفها الآن” 7 مزايا الاقامة الذهبية في الامارات وخطوات الح
...
-
إمدادات الغاز الروسي عبر -السيل التركي- إلى أوروبا تسجل رقما
...
-
الروبل يواصل صعوده أمام الدولار ويبلغ أعلى مستوى منذ سبتمبر
...
-
ماكرون ومودي في مدينة مارسيليا لتوطيد العلاقات الاقتصادية بي
...
-
اليابان تطلب إعفاء من الرسوم الأميركية على الصلب والألمنيوم
...
-
-تابي- ترفع قيمتها إلى 3.3 مليار دولار قبل طرح عام أولي
المزيد.....
-
دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|