أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - سليمان الشيخ: غريبٌ في المنافي، مُقيمٌ في ظلالِ الوطن














المزيد.....


سليمان الشيخ: غريبٌ في المنافي، مُقيمٌ في ظلالِ الوطن


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8250 - 2025 / 2 / 11 - 18:05
المحور: القضية الفلسطينية
    


هو ابنُ صفُّورية، الزهرةُ التي اقتُلِعَت من جذورها، واحترقت أوراقُها في ريحِ النكبة، وابنُ المخيَّمات التي لم تكن سوى كَفَنٍ من الخيامِ يلفُّ أملَ اللاجئين، وجرحٍ مفتوحٍ في ذاكرةِ وطنٍ يأبى النسيان.



في المنافي، حيثُ لا سماءَ تُخَيِّمُ على الحُلمِ، ولا أرضَ تحتضنُ الأمل، كان سليمان الشيخ يسير مثقلاً بجراح الوطن، غريباً في أرضٍ لم تكن يوماً أرضه، لكنه حملها في قلبه كما يحمل الليل أسراره.



كان شجرةً اقتُلِعَت من جذورها، لكن الريح لم تستطع أن تكسرَها، وكان نجماً هوى عن سماء الوطن، لكنه ظلَّ يضيءُ في ليل المنافي.

عاش كطائرٍ جريحٍ، يبحث عن عشِّه المفقود. حملَ فلسطين في عينيه، كما تحمل الأمُّ طفلها، يخشى أن يُسرَق منها، أو أن يضيعَ بين الدروب.



سليمان الشيخ، صوتُ المخيّم وأملُ اللاجئين، قاصٌّ لم يكتب بالحبر، بل بالدمع، ولم يَروِ الحِكايةَ، بل عاشها جرحاً لا يلتئم.

وُلد في صفّورية، البلدة التي كانت خضراءَ كالأمل، فأضحت رماداً كالألم. شُرِّد طفلاً، فوجد في المخيمات مهداً للمعاناة، وفي عيون المهجّرين مرايا للحزن والاشتياق.



كان الغريب الحاضر، والمقيم الراحل؛ فلا الغربةُ احتوته، ولا الوطنُ ضمَّه. عاش مشتّتاً بين أملٍ ضائع، وحُلمٍ صامد، بين الحنينِ القاتل، والوجعِ العابر.

كان قلبُه سفينةً تتلاطمها أمواجُ المنافي، تبحث عن شاطئٍ تستقر فيه، لكن الشاطئ ظلَّ بعيداً، والمركبُ عالقاً في بحر الترحال.



في كلماته، تنهيدةُ لاجئ، وصوتُ جُميزةٍ اقتُلِعَت، لكنها أبت الموت.

كتب ليقاوِم النسيان، كما يواجه البحر نحت الصخور، وكما يقاوم القلب مرارة الفقد. أمسك القلمَ كما يمسك الجريحُ ضمادَه، فكان الحرف أنيناً، وكان الورق جرحاً مفتوحاً.



كان شاعراً لا يكتب القصيدة، بل ينزفها، وأديباً لا يروي الحكاية، بل يعيشها في دمه وأضلعه. كانت كلماته كالأجراس، توقظ في ذاكرة اللاجئين الحنين، وتذكّرهم بأن الوطن لم يغب، وإن غابوا عنه قسراً.



رغم المنافي، لم يُغلق قلبه باباً للحُلم، ولم يُطفئ في روحه قنديل الأمل. ظل يحمل قضيته في كلماتٍ مبلّلةٍ بالشوق، موشُومةٌ بوجعِ الانتظارِ. كان يرى فلسطين في كل شيء: في دمعة طفلٍ يتشبّث بثوب أمّه خوفاً من الضياع، في زفرة مُسنٍّ يحدّق في الأفق كأنّه يبحث عن الماضي، في موجةٍ تصطدم بصخور يافا وكأنها تنادي المهاجرين: "عودوا!"



وحين أغمض عينيه للأبد، لم يكن قبرُه هناك، حيث كان القلب يحلم، بل في أرضٍ غريبةٍ لم يَرِدها مَثوىً أَخِيراً، لكنه نام قريرَ العين، فقد علم أن الوطن الذي سكنه سيظل يسكن كلماته، وأن كلماته ستظل تسكن ذاكرة اللاجئين.



سلامٌ على رُوحٍ لم تُفارق فلسطين، وإن غادرتها الأقدامُ، وسلامٌ على جسدٍ دُفن في المنفى، لكن كلماته عادت إلى أرض الوطن، تحفر اسمه في ذاكرة الأجيال.



رحل أبو خلدون، لكن كلماته بقيت، شاهدةً على نكبةٍ لم تنتهِ، ووطنٍ لم يُنسَ، وحقٍّ لن يضيع! كان رجلاً حمل فلسطين بين ضلوعه، فلم يمت، بل صار جزءاً من ذاكرة الأجيال، يردّدون اسمه كما يردّدون أسماء القرى التي دُمِّرَت، والمنازل التي احترقت، والمفاتيح التي ما زالت تنتظر الأبواب.



سلامٌ عليكَ يا أبو خلدون، وعلى كلِّ لاجئٍ ينتظرُ الفجرَ الذي لم يأتِ... ولكنَّهُ سيأتِي!



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمود... أرهقهُ الانتظارُ وخذلهُ القدرُ
- حين لا يُمهلُ القدرُ الطُّيُورَ الأَصيلة.. وداعاً سليم فرحات
- الفنَّان شربل فارس: مِثالُ الإبداعِ وعِمَادُ الوطن
- حِينَ يَبكِي المَساءُ... على أَجنِحةِ الطُّيُورِ
- المقاومةُ قدرُ الأحرارِ: قاوِم حتى لو كنتَ أعزلَ
- علي عبدالله علي، أَبو عاطف: رجلٌ من ذهبٍ تاهت به الأَزمنةُ
- غزَّة: بين أَنقاضِ الصَّمتِ وخيباتِ الأَملِ
- غوَّار الطُّوشة: أَيقُونةُ الخداعِ والتّلوّن
- صُلحُ الحُديبيةِ: اتفاقيَّةُ الهدنةِ التي مهَّدت لفتحِ مكَّة
- أَطفالُ غزَّة: شهادةُ حُزنٍ على خيانةِ العالمِ!
- الفلسطينيُّون: أُسطُورةُ الصُّمُود وأَيقُونةُ التَّحرير!
- أطفالُ غزّةَ: بينَ الألمِ والصَّمتِ العالميِّ!
- رحلةٌ في عتمةِ اللَّيل
- في عتمةِ الانتظارِ: حكايةُ ليلٍ لا ينتهي!
- الإعصارُ الناريُّ في لوس أنجلوس: كارثةٌ بيئيةٌ ودعوةٌ للتفكّ ...
- الأرقامُ الهنديَّةُ والعربيَّةُ في تاريخِ الرِّيَاضِيَّاتِ
- الرِّياضيات في الحضارة الإِسلامِيَّة: من الجبر إلى الفلك!
- سليمان فرنجية: زعيمُ الوفاءِ ورمزُ الشجاعةِ والثباتِ!
- أم ناظم: دموعُ الانتظارِ وحلمٌ ماتَ في أحضانِ الغيابِ!
- ناقةُ صالح: معجزةٌ ربانيةٌ وعبرةٌ أبديةٌ


المزيد.....




- رجل مجهول بشارب رفيع.. اكتشاف صورة مخفية تحت تحفة فنية مشهور ...
- ترامب يُشيد ببوتين بسبب الإفراج عن فوغل ويؤكد: -خطوة مهمة لإ ...
- إسرائيل تتوعد حماس بـ-معارك عنيفة- وإنهاء اتفاق الهدنة في حا ...
- مدفيديف يؤكد على مفهوم -السلام من خلال القوة-
- سفن أمريكية تبحر عبر مضيق تايوان لأول مرة منذ تولي ترامب وال ...
- إستونيا تشهد قفزة قياسية في أسعار الكهرباء بعد انفصالها عن ا ...
- الصين تطلق صاروخ CZ-8A مع أقمار صناعية
- زاخاروفا: كلام زيلينسكي حول تبادل الأراضي -هذيان شخص مريض نف ...
- الحكومة الألمانية تبحث إرسال قوات شرطة إلى رفح
- -البالة- تغيّر وجه السوق السورية.. والصناعة المحلية على محك ...


المزيد.....

- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - سليمان الشيخ: غريبٌ في المنافي، مُقيمٌ في ظلالِ الوطن