أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - منذر خدام - العرب والعولمة( مدخل)















المزيد.....



العرب والعولمة( مدخل)


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 8250 - 2025 / 2 / 11 - 07:35
المحور: قضايا ثقافية
    


مدخل
العالم يدخل عصراً جديداً*
1
إن سؤال العولمة، هو سؤال العصر الراهن، العصر الذي يشهد تحولات كبرى في الحياة المادية والفكرية للناس، عصر يزداد فيه العالم ترابطا بصورة لم يعرفها من قبل، ويحصل ذلك بوتائر سريعة غير مألوفة، إنه عصر الثورة العلمية والتكنولوجية، عصر عولمة الرأسمالية.
وكأي ظاهرة جديدة لم تأخذ أبعادها الكاملة بعد، ولا صورتها الحقيقية، تحاول العولمة أن تنسج حقيقتها المعرفية، لذلك تختلف فيها الآراء وتتباين بصددها الأفكار ووجهات النظر، وتتمايز تجاهها المواقف بين مؤيد ومعارض.
هناك من ينظر إلى العولمة وكأنها ظاهرة حيادية لا علاقة لها بمصالح الناس وصراعاتهم مثلها في ذلك مثل التقدم التكنولوجي " كلاهما غير مرتبط بنظام اقتصادي اجتماعي معين"[1] ، وليست بالضرورة" ظاهرة رأسمالية لأنها ليست تعبيراً عن نمط معين في تطور علاقات الإنتاج، بقدر ما هي مرحلة عليا من تطور قوى الإنتاج" [2] ، لذلك لا يصح تحميل العولمة "وزر ما تستهدفه الرأسمالية من شرور وإفقار"[3]. وعلى أرضية حيادية العولمة يسهل على الخيال أن يجنح ليحلق منطلقا بها خارج الكرة الأرضية فيعايرها بمعايير الفيزياء فتكون عولمة بحق عند " اختراقها جاذبية الأرض حيث الفضاء الكوني فحرية الإنسان الحقيقية، التي تجسدها العولمة
* أنظر كتابنا" أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة"وزارة الثقافة السورية، دمشق 2004
1-البعاج، هشام " سيناريو أبستمولوجي حول العولمة ": أطروحات أساسية (المستقبل العربي، العدد 247،9/1999 مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ص 41)
2-المصدر ذاته، ص40
3- المصدر ذاته، ص41
تبدأ " عند لحظة تجاوزه لجاذبية الأرض، ففي هذه الجاذبية عبوديته وفي اختراقها حريته " [4]. وما دامت العولمة سوف تخرج الإنسان من عبودية الأرض إلى فضاءات الحرية الكونية فمن البديهي أن تتحول " هوية إنسان الأرض إلى هوية جديدة تماما هي الهوية الكونية، المجردة والمنسلخة تدريجيا عن تلك الولاءات والانتماءات التحتية "[5]
من جهة أخرى هناك مواقف من العولمة لا ترى فيها إلا نزوعا غربيا نحو الهيمنة. فالعولمة حسب عبد الإله بلقزيز هي " الدرجة العليا في علاقات الهيمنة والتبعية الإمبريالية "[6]. ويؤيده في ذلك السيد روبرت كيهان المدافع الأشد عن وجهة النظر الأمريكية من قضية العولمة، محاولا تقديم تفسير لذلك فيقول " إن الهيمنة تخلق الاستقرار بواسطة احترام مجموعة من قواعد اللعب "[7]. وبصورة أكثر تخصيصاً يربط بعض الباحثين ولادة العولمة بالمشروع " السياسي الأمريكي الجديد " [8]، فهي " تشير في جوهرها وحقيقة أمرها إلى أمركة العالم (العولمة = الأمركة) " وإن عملية أمركة العالم أو تغريبه لا تكون إلا باختراقه[9].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- البعاج، هشام " سيناريو أبستمولوجي حول العولمة "، مصدر سبق ذكره، ص45
5- المصدر السايق، ص45
6-بلقزيز، عبد الإله "العولمة والهوية الثقافية: عولمة الثقافة أم ثقافة العولمة؟( المستقبل العربي، العدد229،3/1998، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ، لبنان،ص 92)
7-الجميل، سيار " العولمة اختراق الغرب للقوميات الأسيوية- متغيرات النظام الدولي القادم: رؤية مستقبلية" ( المستقبل العربي، العدد217،3/1997، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ص55)
8-المصدر السابق،ص55
9-حسن،حمدي عبد الرحمن " العولمة وأثارها في النظام الاقليمي العربي: رؤية عربية" ( المستقبل العربي، العدد258،8/2000، مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت، لبنان، ص4-5)
فحسب محمد عابد الجابري العولمة "هي طموح، بل إرادة لاختراق "الآخر" وسلبه خصوصيته، وبالتالي لنفيه من العالم" [10].ولا يكون اختراق الآخر وبالتالي نفيه من العالم إلا بتفتيته وإحالته إلى وحدات وجوده الأولى من عشائرية وقبلية وعرقية ولغوية؛أي باختصار إلى كل ما هو سابق على الدولة القومية[11] . لذلك فإن العولمة تجسد "إرادة الهيمنة وبالتالي قمع وإقصاء للخصوصي.. إنها احتواء للعالم"[12].من هنا كانت الحاجة إلى تبرير أيديولوجي يكرس هذا النزوع الإمبريالي نحو الهيمنة وإقصاء الآخر. لذلك فإن العولمة "ليست مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي، بل هي أيضاً، وبالدرجة الأولى، أيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم"[13]. بين النظرة الأيديولوجية المتفائلة للعولمة والداعية إلى الانخراط فيها بفعالية خوفا من التهميش، لأن الدولة التي" تتأخر لهذا السبب أو ذاك عن مسايرة ركب العولمة، وتعاند في اجترار مقولاتها وأعذارها، تصبح بعدئذ عبئا حقيقيا وذيلا متورما لعالم معولم"[14]، لا تنفع معها إلا الجراحة فالعالم المعولم"يريد لبيئته أن تكون نظيفة وغير متسخة بتلك الأورام من جيوب ماضيه [15].
وبين النظرة الأيديولوجية المتشائمة للعولمة التي لا ترى فيها سوى نزوعا غربيا، وأمريكياً ،على وجه الخصوص، نحو الهيمنة وتهميش الآخر وإلغاءه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
10- الجابري، محمد عابد " العولمة والهوية الثقافية: عشر أطروحات" (المستقبل العربي، العدد 228،2/1998، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ، لبنان، ص 14-22)
11-يسين، السيد "نحو خريطة معرفية للعولمة" (التقرير الاستراتيجي العربي،1998،ج2،مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام،القاهرة، جمهورية مصر العربية،ص35)
12-الجابري، المصدر 10 نفسه، ص 17
13-المصدر السابق، ص 16.
14-البعاج، هشام " سناريو أبستومولوجي حول العولمة"، مصدر سبق ذكره، ص 48.
15- المرجع السابق، ص48.
ثمة ظاهرة موضوعية عرفت وشاعت تحت أسم "العولمة" آخذة في التكون على الصعيد العالمي تمثل في حقل الفكر إشكالية حقيقية. من جهة لأن الظاهرة ذاتها فاجأت المفكرين والمشتغلين في حقل الدراسات المستقبلية، فلم يمهد لها الفكر ولم تبشر بها الأيديولوجيا، بل هما يلهثان وراءها في حركة نموها وتصيرها المتسارعة.
ومن جهة ثانية لأن أغلب الدراسات التي عالجت العولمة، وتسنى لنا الإطلاع عليها، كانت تقف عند حدودها الخارجية لتسهب في وصفها وكأنها ظاهرة ناجزة ومنتهية، أو على الأقل لتسهب في وصف ما بدا من أثارها في مختلف الحقول الاجتماعية. لذلك فإن سؤال ما هي العولمة؟ لا يزال يبحث عن جواب.
2
من بين المفكرين العرب الذين كتبوا حول العولمة يعتبر صادق جلال العظم أفضل من قارب الظاهرة. العولمة حسب رأيه هي وصول نمط الإنتاج الرأسمالي منذ منتصف القرن العشرين إلى مستوى من التطور أصبحت فيه جميع دوائر رواج رأس المال عالمية بما في ذلك الدائرة الإنتاجية. فظاهرة العولمة التي نشهدها هي " بداية عولمة الإنتاج والرأسمال الإنتاجي وقوى الإنتاج الرأسمالية، وبالتالي علاقات الإنتاج الرأسمالية أيضا ونشرها في كل مكان. بهذا المعنى العولمة هي رسملة العالم على مستوى العمق بعد أن كانت رسملته على مستوى سطح النمط ومظاهره، هي حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء.."[16].
وبالفعل تمثل العولمة زمنا تطوريا رأسماليا، تجري خلاله مجموعة من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
16-العظم،صادق جلال "مفهوم العولمة" (ورقة بحثية،المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، تونس ، 1996 ، ص8) . أنظر أيضا السيد يسين" في مفهوم العولمة" ( المستقبل العربي، العدد 228،2/1998، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت لبنان)
العمليات المترابطة التي تشغل مساحة الكوكب بأثره فتوحده على أسس تفارقيه في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، متخطية الحدود القومية ومتجاوزة دور الدولة الوطنية، محركها الدافع هو الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة.
3
إن رأس المال لا ينمو لمجرد تكثيفه وتجميده للعمل في سلع وخدمات، بل لا بد من أن تنغلق دوائر رواجه. أي لا بد أن ينتقل رأس المال من شكله النقدي إلى شكله الإنتاجي إلى شكله البضاعي ومن ثم يعود إلى شكله النقدي ليكرر هذه السيرورة بصورة مستمرة. ولكي ينجز رأس المال دورانه الموسع عليه أن يوسع السوق وأن يخلق طلباً فعالاً عليه في شكله البضاعي. من الناحية التاريخية مرت عملية توسيع السوق الرأسمالية في ثلاث مراحل متميزة:
المرحلة الأولى تمتد منذ بداية صعود الرأسمالية في الحقل الاقتصادي في أواخر القرن الخامس عشر بداية القرن السادس عشر، وحتى تحقيق انتصارها السياسي الناجز عند منتصف القرن التاسع عشر. تتميز هذه المرحلة الطويلة نسبيا بتوحيد السوق الوطنية، وانتصار الرأسمالية التقليدية(الوطنية) وإزاحة البنى والعلاقات ما قبل الرأسمالية من المجتمع، وقيام الدولة القومية.
أما المرحلة الثانية فتمتد من منتصف القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين. وتميزت هذه المرحلة بخروج الرأسمالية من الإطار الوطني إلى الإطار الدولي،على قاعدة تقسيم العمل الدولي بين الفروع، حيث تخصصت الدول الرأسمالية المتقدمة بالحلقة الإنتاجية من رواج رأس المال في حين أرغمت الدول المتخلفة على التخصص بقسم من الحلقة التبادلية وخصوصا في حلقة استيراد السلع الجاهزة وتصدير المواد الخام. خلال هذه المرحلة الموصوفة بمرحلة الإمبريالية تم تقسيم العالم حصصاً بين دول المتروبول وتم استعمارها ونهبها هذا من جهة، ومن جهة ثانية شهدت بالمقابل نمو حركات التحرر الوطني المناضلة في سبيل الاستقلال. خلال هذه المرحلة لم تسمح الدول الاستعمارية بنقل عوامل الإنتاج وخصوصا التكنولوجيا منها إلى البلدان المتخلفة. وحتى أن تصدير رأس المال توجه أساساً لإنتاج الخامات وتهيئة البيئة المناسبة لذلك. أما بالنسبة لقوة العمل فقد بقيت وطنية الانتماء والطابع تدور في الإطار الوطني.
المرحلة الثالثة، وهي المرحلة المعاصرة، التي بدأت مع انتهاء الحرب العالمية الثانية. تتميز هذه المرحلة على الصعيد السياسي بانتهاء عصر الاستعمار المباشر وتحول العالم إلى مناطق للنفوذ الاقتصادي والسياسي غير المباشر للدول الرأسمالية المتقدمة. وعلى الصعيد الاقتصادي تم الانتقال من قسمة العمل الدولي بين الفروع إلى قسمة العمل الدولي داخل الفروع، مما أتاح لرأس المال أن يوسع من دوائر رواجه لتشمل العالم كله، وبشكل خاص الانتقال بدائرة رواجه الإنتاجي من الإطار الوطني إلى الإطار العالمي. وحتى قوة العمل التي كانت وثيقة الصلة بإطارها الوطني خرجت إلى الدائرة العالمية بفضل الثورة العلمية والتكنولوجية الحديثة وانتشار الرأسمالية العالمية.
في إطار هذه المرحلة الجديدة من قسمة العمل الدولي تم تجزئة جميع حلقات دوران رأس المال وبشكل خاص الحلقة الإنتاجية فاحتفظت الدول المتقدمة لنفسها بالأقسام المسيطرة والمتحكمة منها مثل حلقة الابتكارات والتجديد وحلقة رأس المال المالي وبعض الأجزاء من الحلقات الإدارية والمعلوماتية. وبالمقابل فقد سمح بنقل التكنولوجيا إلى البلدان المتخلفة، بل نقلت صناعات بكاملها إليها، أو حلقات منها كانت حتى وقت قريب من المحظور نقلها.
يمكن تمييز المراحل السابقة أيضا من خلال تطور أدوات العمل. ففي المرحلة الأولى من تطور الرأسمالية سادت المانيفاكتورة بأدواتها البسيطة مع هيمنة العمل في التركيب العضوي لرأس المال.
أما في المرحلة الثانية فقد حصلت الثورة التقنية القائمة على أساس المحرك الانفجاري الداخلي وتغير التركيب العضوي لرأس المال لصالح هيمنة واضحة للجهد الجامد(وسائل الإنتاج)، وبالتالي زيادة إنتاجية العمل بصورة كبيرة جداً بالقياس إلى المرحلة الأولى. لكن نمو رأس المال خلال هذه المرحلة من تطور الرأسمالية كان لا يزال يعتمد على نمو الطبقة العاملة، ويتبادلان الاشتراط المتبادل.
أما المرحلة الثالثة فتتميز باختراع منظومات الإدارة الذاتية القائمة أساساً على ثورة المعلوماتية ومنظوماتها التقنية، الأمر الذي أدى إلى حصول تغيير جوهري في التركيب العضوي لرأس المال لصالح الجهد الجامد، وإزاحة كبيرة جدا للعمل الحي من جميع دوائر رواج رأس المال، بل من الدوائر الاجتماعية المختلفة. لقد تحول الفيض النسبي في قوة العمل الذي كان سائدا خلال المرحلة الثانية من تطور الرأسمالية إلى فيض سكاني مطلق خلال هذه المرحلة الجديدة .
من الواضح أننا إزاء عملية موضوعية تمثل مرحلة متقدمة من تطور الرأسمالية، محركها الجبار هو التقدم العلمي والتكنولوجي، تقودها المنافسة.
5
لم تترك العولمة مجالا من مجالات الحياة الاجتماعية على الكرة الأرضية إلا ودخلته بدرجات متفاوتة وتركت أثاراً ملموسة فيه.
بالنسبة لرأس المال فقد جعلت منه العولمة عالميا سواء من حيث انغلاق حلقات رواجه أو من حيث ملكيته أو أماكن توطنه، وهو بذلك قد تخطى جميع العوائق أمام حرية حركته وانتقاله. فحسب إحصائيات منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD ) هناك ما يقرب من أربعين ألف شركة تمتلك مصانع في ما يزيد على ثلاث دول. وتهيمن الشركات العابرة للقارات على ثلثي التجارة العالمية[17]. وفي إطار هذا الانتشار العالمي لرأس المال فإن العديد من الصناعات أصبحت تكمل دورة إنتاجها في أكثر من بلد. فعلى سبيل المثال فإن موديل السياراتPolo الذي تنتجه مؤسسة فولكس فاغن، وإن كان يجمع في مصانع المؤسسة في مدينة ولف بورغ Walf Burg ، يأتي ما يقرب من نصف معداته من الخارج..من تشيكيا، وإيطاليا، وإسبانيا، وفرنسا، وحتى المكسيك، والولايات المتحدة الأمريكية[18]. وتنتج تيوتا في ما وراء البحار أكثر مما تنتجه في اليابان. ويمكن أن تنهار صناعة السيارات الأمريكية لو تعين عليها الاستغناء عن مورديها اليابانيين[19].
من جهتها شركة باير ألمانية تحقق 80 بالمائة من مبيعاتها في الخارج ولا يزيد عدد الألمان لديها عن ثلث مجموع مستخدميها[20]. وإن ثلث أسهم شركة دايملر بنز و43 بالمائة من أسهم المصرف الألماني Deutsche Bank ملك للأجانب[21]. وتبلغ مبيعات شل أويل في أمريكا24.4 بالمائة من إجمالي مبيعات الشركة الأم.
كما أن مبيعات هوندا الأمريكية تمثل 42 بالمائة من مبيعات هوندا اليابانية. ومبيعات باير أمريكا تصل إلى 25.3 بالمائة من إجمالي مبيعات الشركة الأم. أما سيجرام الكندية فإن مبيعات الشركة التابعة لها في الولايات المتحدة تصل إلى 80 بالمائة من إجمالي مبيعات الشركة الأم [22].
وتشير الإحصاءات الدولية إلى أن عدد الشركات المتعددة الجنسية قد ارتفع من 11 ألف شركة تتحكم بـ 82 ألف شركة فرعية تزيد مساهمتها عن 25 بالمائة من حجم التجارة العالمية عام 1975، إلى 37.5 ألف شركة تتحكم بـ207 ألف شركة فرعية وتتعامل بأكثر من حجم التجارة العالمية في عام 1990[23].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
17- United Nation Conference on trade and development. World Investment Report,1995, New York, Genf
18- بيانات المؤسسة نفسها المنشورة في مجلة Focus ،عدد 45/1995.
19- Frank Furter Allgemeine Zeitung العدد الصادر بتاريخ 29/5/1995. أنظر أيضاً International Herald tribune الصادرة بتاريخ 29/2/1996.
20- فخ العولمة ، مرجع سبق ذكره، ص 233.
21- المرجع السابق، ص 235.
22 - فخ العولمة، مرجع سبق ذكره، ص 12
23- الأهرام 11/9/1998



ومع أن المبادلات التجارية والتدفقات الاستثمارية المباشرة كانت تنمو خلال الفترة 1975-1985 بنسب متقاربة، إلا أنه منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي أخذ تدفق الاستثمارات الخارجية يفوق نمو التجارة الدولية. لقد زادت التجارة الدولية خلال النصف الثاني من عقد الثمانينات من القرن الماضي بنسبة وسطية سنوية قدرها 9 بالمائة بينما زادت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة34 بالمائة علما أن التدفقات الاستثمارية الخارجية إلى البلدان النامية فاقت ذلك بكثير حيث وصلت خلال الفترة 1991-1996 إلى نحو 50 بالمائة[24]. فعلى سبيل المثال ازدادت الاستثمارات اليابانية من 17 مليار دولار في عام 1980 إلى 217 مليار دولار في عام 1990. وارتفعت الاستثمارات الأمريكية من 110 مليار دولار في عام 1980 إلى 206 مليار دولار في عام 1991 . وازداد حجم التعامل في البورصات المالية الدولية من 300 مليار دولار في عام 1980 إلى 1200 مليار دولار في عام1995[25]. بالإضافة إلى ذلك فقد نمت التدفقات المصرفية بصورة خيالية بحيث وصلت قيمتها إلى ثلاثين مثلاً لمجموع قيمة التجارة العالمية بالسلع. فإذا كان مجموع قيمة التجارة السلعية على مستوى العالم هو ثلاثة تريلون دولار، فإن كتلة الاستثمارات المصرفية في البورصات والأسهم والسندات، وفي النقود الإلكترونية، أو في بطاقات الائتمان، لا تقل عن 100 تريلون دولار[26].
24- International monetary fund(IMF). World Economic outlook( October 1997)Table no 7,p29.
25- الأهرام 11/9/1998
26-أمين، سمير " في مواجهة أزمة عصرنا"( مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، و سينا للنشر، القاهرة، 1997، ص 96)

ومن المعروف أن عنصر العمل كان من بين جميع عوامل الإنتاج الأكثر التصاقا بإطاره الوطني، إلا أنه فقد هذا الطابع في عصر العولمة وأصبح جزءا من الدوران العالمي لرأس المال. بالطبع لم يقتلعه رأس المال من وطنه بل جاء إليه على شكل مصانع ومؤسسات عالمية. وأكثر من ذلك أتاحت له ثورة المعلوماتية ومنظوماتها أن يمارس عملا في بلد آخر بدون أن يغادر وطنه، ولا حتى بيته. فهناك مدراء لمصانع في أمريكا و في اليابان وفي غيرها من البلدان يديرون منشآتهم وهم قاطنون في الهند. لم تعد هناك حاجة للحصول على تأشيرات سفر للعاملين الأجانب. وكما قال مدير شركة الكمبيوتر الأمريكية (ميكرو سيستمز ) جون جيج John Gag " بمستطاع كل فرد أن يعمل لدينا المدة التي تناسبه، إننا لا نحتاج إلى الحصول على تأشيرات سفر للعاملين لدينا من الأجانب…وإننا نتعاقد مع العاملين لدينا بواسطة الكمبيوتر، وهم يعملون لدينا بالكمبيوتر، ويطردون من العمل بواسطة الكمبيوتر"[27].
6
إن مفهوم الدولة الوطنية الذي كان سائدا في مرحلة الرأسمالية التقليدية، بدأت تجري عليه تغيرات جوهرية في مرحلة الرأسمالية العالمية. لقد بدأت عمليات العولمة الجارية تقوض أسس هذه الدولة وخصوصا سيادتها على إقليمها وشعبها، وأصبح رأس المال وطواغيته هم الحكام الفعليون للعالم. لقد عبر عن هذا الواقع بدقة وزير مالية أمريكا السابق روبرت روبن كما ورد في مقالة الصحفي الأمريكي توماس فريدمان في رده على مخاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا حيث قال: " أهم حقيقة حول العولمة هي أن أحدا لا يسيطر، أسواق المال تشبه الإنترنت، كل يوم تحكينا بدرجة أكثر إلتصاقا، ولا يوجد أحد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
27- فخ العولمة ، مرجع سبق ذكره، ص 24
في مركز السيطرة " وتابع الوزير تشخيصه للقوى الفعلية المسيطرة في العالم إذ قال " سوق العولمة عبارة عن قطيع إلكتروني من متاجرين مجهولين بالعملات والأسهم وسندات المشاركة، يجلسون وراء أجهزة الكمبيوتر وهؤلاء لا يعترفون بالظروف الخاصة (لأي دولة) وإنما يعترفون بقواعدهم وهي إلى حد بعيد متسقة. فهم يحددون نسبة الادخار التي يجب أن تحققها دولتك، ومستوى الفوائد، ونسبة عجز الموازنة للناتج المحلي الإجمالي، ومستوى عجز ميزان المدفوعات الجاري. فالقطيع الإلكتروني يرعى في 180 دولة، لذلك ليس لديه الوقت لأن ينظر إلى وضعك بالتفصيل " [28] .وحسبما يتوقع الإيطالي ريكاردو بيتريلا المختص بشؤون المستقبل ستكون السلطة " في أيدي مجموعة متحدة من رجالات أعمال دوليين وحكومات مدن همها الأول هو تعزيز القوة التنافسية لتلك المشاريع والمؤسسات العالمية المستوطنة في مدنها"[29].
في الظروف الجديدة تلعب بيوتات المال دور الشرطي لضبط انصياع الدول لقواعد العولمة. المسألة في غاية البساطة فإذا لم تلتزم الدولة المضيفة لرأس المال بالمعايير التي يمليها عليها فإنه يدفع الاستثمارات غير المباشرة والعديد من التوظيفات المتحركة للنزوح عن الدولة المتمردة مما يؤدي إلى انخفاض أسعار عملاتها، وأسعار أسهمها وسنداتها، وفي المحصلة يتسبب في انخفاض احتياطيات مصرفها المركزي، مما يضطرها إلى الاستقراض من صندوق النقد الدولي، وبالتالي الخضوع لشروطه التي هي بالضبط شروط ومعايير رأس المال المعولم. هذا ما حدث في المكسيك أواخر عام 1994 وما حدث في دول جنوب أسيا عام 1997[30] .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
28-Tomas Friedman,….Exvuse me Mohamed…New york Times,September 1997.
29-New Perspectives Quartery العدد الصادر في شتاء 1995، ص21
30- فخ العولمة، مصدر سبق ذكره، ص 102

وحتى أن مؤسسة تصنيف الدول بناء على ملاءتها المالية تقرر أحياناً مصير حكوماتها سياسيا من خلال بيان بسيط أو خبر يشير إلى تدني الملاءة المالية للدولة المعنية فتهرب منها بعدئذ الاستثمارات المالية المتحركة فتنخفض أسعار عملاتها وأسهمها وتنتشر البطالة..الخ. هذا ما حصل لأستراليا عام 1990، ولكندا عام 1995، وللسويد عام 1996. وكانت هذه الأخيرة قد أرغمت على التخلي عن برامجها الهادفة لتعزيز العدالة الاجتماعية فيها، مع أن ذلك هو إلزام دستوري[31]. لكن إي قيمة للنصوص الدستورية في ظروف العولمة؟ ففي ألمانيا التي ينص دستورها في المادة 14 على أن " الملكية مسؤولية اجتماعية " وينبغي لها " أن توجه لخدمة المصلحة العامة "، بحسب اعتراف الخبراء فإنها لم تعد قابلة للتحقيق[32]. إذاً، ثمة عملية جارية لتهديم أساسات الدولة الوطنية من جراء عولمة رأس المال، وقد بدأ التهديم يطال تلك الأساسات التي بدونها تعجز الدولة الوطنية عن القيام بوظيفتها العامة مثل التحكم بإقليمها، وجباية الضرائب منه، وصيانة بيئته ..الخ.
لقد لاحظنا في ظروف الرأسمالية التقليدية أن دور الدولة كان أساسيا في الحفاظ على إقليمها السياسي ضد المتدخلين من الخارج وكان لمفهوم الاستقلال الوطني دلالة واقعية. أما في ظروف العولمة فقد أخذت الدول التي طردت المستعمر من أراضيها فيما مضى، تتنافس في استجدائه للعودة إليها، من خلال عودة رؤوس أمواله، واستثماراته، وتقديم كل التسهيلات لذلك، وإن ما كان غير مرغوب به أصبح ضيفا عزيزا بل رب البيت المحترم. وبالفعل تشهد المرحلة الراهنة من تطور الرأسمالية منافسة حامية بين الدول لجذب الاستثمارات إليها من خلال خلق ما يسمى بالمناخات الملائمة للاستثمار مثل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
31- المرجع السابق، ص 135
32- المرجع السابق، ص 234
تخفيض الضرائب أو تقليص الإنفاق الحكومي وحتى التضحية بالعدالة الاجتماعية التي كانت تفاخر بها دول عديدة[33]. بل أخذ رأس المال يملي شروطه خصوصا ما يتعلق منها بالبنية التحتية الضرورية للاستثمار. لقد حصلت شركة سامسونغ الكورية من الخزينة البريطانية على مائة مليون دولار لقاء بناء مصنع لها في شمال إنكلترا بكلفة مليار دولار. وتحمل دافعوا الضرائب في فرنسا وفي باقي الدول الأوربية ربع تكاليف المعمل الذي بنته شركة مرسيدس بنز في منطقة لورين Lorraine . وفي ولاية ألاباما الأمريكية لم تتحمل الشركة نفسها سوى (55) بالمائة من نفقات بناء مصنعها الذي شيدته هناك في عام 1993[34].
7
ربما كان أخطر تحدي تواجهه الدولة الوطنية هو التحدي الذي تواجهه في ثقافتها، فعندما يفقد مواطنو دولة ما خصوصيتهم الثقافية وهويتهم الوطنية يتحولون إلى مجرد قطيع هائم في عالم اللاإنتماء والغربة. في الحقل الثقافي يتحدد مصير الدولة الوطنية إلى حد بعيد، كما أن نجاح العولمة في اختراقها للخصوصيات الوطنية يتوقف إلى درجة كبيرة على مدى اختراقها للثقافات الوطنية. فالثقافة الوطنية بما هي " مركب متجانس من الذكريات والتصورات والقيم والرموز والتعبيرات والإبداعات والتطلعات " حسب محمد عابد الجابري، فهي التي تحفظ لكل أمة أو جماعة بشرية هويتها الحضارية، لأنها "المعبر الأصيل عن (خصوصيتها) التاريخية"[35] . ومع أن للثقافة جذور عميقة في تاريخ تكوين الأمم والشعوب إلا أنها مع ذلك ليست معطى جاهزاً ونهائيا، بل هي تصير وتطور مع الزمن. وفي سياق تصير الثقافة وتطورها تحاول العولمة تحقيق الاختراق، وأول ما تفعله هو محاولة إلغاء تجانس هذا المركب
33- فخ العولمة، مرجع سبق ذكره، ص 123
34- المرجع السابق، ص 357
35- الجابري، محمد عابد، حول مفهوم العولمة، مرجع سبق ذكره، ص 14
الذي يكون الثقافة الوطنية. في هذا المجال يلعب الإعلام المعولم دورا حاسماً في صوغ العقول والتحكم بها. وكما يقول هربرت شيلر في كتابه " المتلاعبون بالعقول " فإن " التحكم بالمعلومات وطريقة تداولها ونشرها يتم توظيفها لتحقيق الأثر المطلوب في مواقف الإنسان وسلوكه"[36]وكما يعتقد دعاة العولمة فإن" الإعلام يصنع الأحلام والأحلام تحدد الأفعال " [37].
لقد استطاع الإعلام بفضل التكنولوجيات المتقدمة أن يتخطى الحدود الوطنية ويجعل الناس يهتمون بقضايا عديدة لم تكن تشغل بالهم أو ليست وليدة بيئتهم الثقافية وخصوصيتهم التاريخية. من هذه القضايا مثلا الانشغال بما يشكل الذوق الاستهلاكي وتقمص الشخصية الغربية في مظاهر السلوك والحياة. لقد أصبح ما يسمى بصرعات "الموضة" منتج ثقافي يحاول دعاة العولمة تسويقه باعتباره من أخطر ما يهدد الثقافة الوطنية التي ينظر إليها دعاة العولمة على أنها " السبب الرئيس للانقسام بين الشعوب " [38]. فهناك موضة في كل حقل من حقول الثقافة، في الفكر والفنون والآداب، كما هناك موضة في كل حقل من حقول الإنتاج المادي، في المآكل والملبس والسيارة وحتى في النوم والزواج ..الخ. لقد تحولت الموضة إلى عامل هام من عوامل توسيع السوق وتنمية الأذواق وصرف الانتباه عن القضايا الوطنية والمحلية وعن القضايا العالمية أيضاً. لذلك يجري الحديث في الوقت الراهن عن خلق ما يسمى بالبيئة الثقافية للعولمة، فالسرعة في تقبل العولمة يتوقف إلى حد بعيد على " إزالة التوترات بين القيم الثقافية المحلية والقيم الثقافية التي تنادي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
36- شيلر،هربرت أ" المتلاعبون بالعقول " ترجمة عبد السلام رضوان(سلسلة كتب عالم المعرفة، الكتاب243ط2،المجلس الوطني للثقافة والفنون والأداب، الكويت، 1999، ص7.
37-فخ العولمة، مرجع سبق ذكره، ص 47
38- مصطفى عمر، أحمد " إعلام العولمة وتأثيره في المستهلك " ( المستقبل العربي، العدد256،6/2000، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ص 78.

بها العولمة "[39]. وأن عناصر هذه البيئة الثقافية " أصبحت منتجا يتم تصنيعه في معامل أديسون أفنيو واستوديوهات هوليود ولاس فيغاس بالكلمة والصورة "[40]. لقد أصبحت الكلمة المنطوقة والصورة المرئية أهم أدوات العولمة الثقافية ، بفضلها تم تجاوز نخبوية الكلمة المقروءة وجديتها ،وتعميم ثقافة الصورة بما فيها من سطحية. لقد تحولت الصورة في عصر العولمة إلى " سلطة رمزية على صعيد الإدراك الثقافي العام … أصبحت المصدر الجديد الأقوى لإنتاج القيم والرموز وصناعتها وتشكيل الوعي والوجدان والذوق "[41].فمن خلال تعويد الناس على مشاهدة أنماط معينة من الثقافة والتحكم بالمادة الثقافية وتوجيهها يمكن السيطرة على عقول الناس واستعداداتهم الشعورية " فالحالة الشعورية لسكان بلد ما لها دورها الملموس في تحديد سلوكهم الاجتماعي ونهجهم الثقافي "[42].
إن منطق العولمة السائد يزعم أن العديد من أنماط التفكير وأنساق القيم العائدة إلى مرحلة الرأسمالية التقليدية وما قبلها تتسم بالجمود والانغلاق ورفض الاندماج، وبالتالي فهي تشكل عقبات كبيرة أمام رسملة العالم لا بد من إزاحتها. لكن واقع الحال لا يشير إلى استبدال هذه الأنماط من التفكير وأنساق القيم التي يعتبرها دعاة العولمة عقبة أمام اندماج العالم، بقيم أخرى عالمية الطابع إنسانية المحتوى. بل على العكس تماما تحاول العولمة تكريس معايير ثقافية جديدة " تكرس قيم النفعية والفردانية والأنانية والمنزع المادي الغرائزي المجرد من أي محتوى إنساني "[43]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
39-روشكييف، دافيد " في مديح الإمبريالية الثقافية "، ترجمة أحمد خضر( الثقافة العاملية، العدد 85، تشرين الثاني/ كانون الأول 1997، ص26.
40-بلقزيز، عبد الإله" العولمة والهوية الثقافية "، مرجع سبق ذكره، ص11
41- المرجع السابق، ص 96
42-فخ العولمة، مرجع سبق ذكره ، ص 206
43- بلقزيز، عب الإله" العولمة والهوية الثقافية" مرجع سبق ذكره، ص96
وفي ظل غياب ثقافة عالمية حقيقية، وهذه لن تكون إلا من خلال احترام ثقافات سائر المجتمعات والتفاعل معها، سوف يسود بلا شك " الصراخ والزعيق الأمريكي بمفرده في العالم" [44]، كما تنبأ العالم الأمريكي كورت روي ستون Curt Roy Ston. و أنه لمما يدعو إلى السخرية أن " صار العطش يرتبط على نحو مباشر بالحاجة إلى الكوكاكولا" [45]، كما يقول الناقد الاجتماعي إيفان إليتش.
8
إن عمليات العولمة المتسارعة آخذة في دمج العالم على قاعدة تفارقية من التناقضات والصراعات. ففي جهة من العالم تتراكم الثروات وتتحسن
باطراد مؤشرات الحياة لفئة من الناس، وفي الجهة الأخرى ينمو التخلف والفقر ويستعر الصراع الاجتماعي مع أنه يبدو مسدود الأفق تلجمه العمليات الاندماجية الجارية على الصعيد العالمي. لقد بدأت ملامح تلك المرحلة التي تحدث عنها ماركس قبل قرن ونيف من الزمن بالتميز
والوضوح، حيث يتحول العالم من جراء اشتغال القوانين العامة للرأسمالية وحركتها الداخلية إلى عالم تسود فيه القطبية الحادة ، في مكان منه تتجمع ثروات كبيرة وفيض هائل من الإنتاج، وفي مكان آخر يتراكم البؤس والتخلف. فحسب مصادر الأمم المتحدة فإن 20 بالمائة من دول العالم تستحوذ على 84.7 بالمائة من الناتج الإجمالي العالمي، وعلى 84.2بالمائة من التجارة الدولية، ويمتلك سكانها 85.5 بالمائة من مجموع مدخرات العالم[46].
وحسب التقرير المتعلق بالموارد العالمية فإن الجزء الأعظم من العالم قد تحول إلى عالم بؤس، عالم غني ببضع مدن كبرى فقط وبأحياء فقر وجوع هي الأخرى كبرى أيضاً ويسكنها مليارات من البشر لا يسدون رمقهم إلا
44-فخ العولمة / مرجع سبق ذكره، ص49
45- المرجع السابق، ص 49
46 - تقرير الأمم المتحدة عن التنمية في العالم الصادر في عام 1994. أنظر أيضا التقرير الصادر عن معغهد التنمية الاجدتماعية التابع لمنظمة الأمم المتحدة، State of Disarray,1995
بالكاد[47]. إن دولة الرفاهية التي كانت تباهي بها الرأسمالية التقليدية في أوربا وفي البلدان المتقدمة الأخرى قد " غدت تهديدا للمستقبل " حسب الصحيفة الألمانية "فرانكفورتر ألجيماينه"، وبالتالي فإن " شيئاً من اللامساواة الاجتماعية قد أضحى أمراً لا مناص منه " [48].
كل شيء في عالم اليوم تحول إلى ضده. فبدلا من استخدام قدرات الإنسان الإنتاجية المتنامية في إشباع حاجاته ، تستخدم لإفقاره مادياً وروحياً، وبدلاً من أن يتسامى الإنسان أخلاقياً وروحياً بفضل إمكانياته الثقافية والمعرفية،ينحط إلى أبشع حالات الدناءة والتكبر والاستهتار بمصيره.
عالم اليوم يعبر عن نفسه في مجال تخريب البيئة ، وفي مجال تكديس
وتطوير الأسلحة النووية، وفي مجال تراكم الديون العالمية ونمو ما يسمى
بالرأسمال الوهمي، وفي المجاعات المتكررة والحروب الأهلية ..الخ ، حتى كدنا نألفها كأشياء طبيعية في حياتنا.
لقد خلقت عمليات التكامل والاندماج الجارية عالميا مجموعة من الاشتراطات بين البنى المختلفة المكونة للنظام الرأسمالي العالمي، ترتب عليها أثار عميقة ليس فقط في مجال الاقتصاد ، بل في مجال السياسة والثقافة والفكر والأيديولوجيا..الخ. من الصعوبة في الوقت الراهن الفصل بين العوامل الخارجية والعوامل الداخلية للتطور الوطني، وأن مقولة أولوية العوامل الداخلية على العوامل الخارجية بدأت تفقد أهميتها. مع ذلك لا يجوز إغفال الفروقات الجوهرية بين العوامل الداخلية والعوامل الخارجية المتعلقة بتطور البلدان المتخلفة وتلك المتعلقة بالبلدان المتقدمة، فالعلاقة اللاتوازنية بين الموقع الذي تحتله البلدان المتخلفة وذاك الذي تحتله البلدان المتقدمة تتحكم به هذه الأخيرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
47- world Resources 1996/1997 ,The Urban Environment, Washinton ,D.C.p3
48-صحيفة Frankfurter Allgemeine العددان الصادران في 29/1/1996 و30/4/1996.
بتكثيف نقول أن الصراع الاجتماعي الطبقي سواء من ناحية مهامه الملموسة أو ذات الطابع المستقبلي ( المشروع الأيديولوجي )، أو أدواته وأساليبه لا يمكنه الاعتماد على العوامل الداخلية فقط، بل لا بد له من أن يأخذ بعين الاعتبار وبنفس القدر من الأهمية استطالة العوامل الخارجية في الداخل الوطني. من هذه الزاوية نستبق فنقول أن الصراع ضد الآثار السلبية لعملية العولمة يكتسب طابعا وطنياً أكثر فأكثر.



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب والعولمة(مقدمة)
- في المنهج-دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل الحادي عشر)
- في المنهج-دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل الهاشر)
- في المنهج-دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل التاسع)
- في المنهج-دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل الثامن)
- في المنهج-دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل ااسابع)
- في المنهج-دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل السادس)
- في المنهج-دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل الخامس)
- في المنهج-دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل الرابع)
- في المنهج= دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل الرابع)
- في المنهج-دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل الثالث)
- في المنهج-دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل الثاني)
- في المنهج. دراسة نقدية في الفكر الماركسي ( الفصل الأول: منطق ...
- في المنهج. دراسة نقدية في الفكر الماركسي
- لمجتمع المدني ودوره في الأزمة السورية
- لمحة من تاريخ القضاء الدولي
- طوفان الأقصى والقضية الفلسطينية
- هل تنسحب القوات الأمريكية من سورية؟
- الديمقراطية ليس خيارا شعبيا في سورية
- السقوط الحر لطموحات اردوغان الجيوسياسية


المزيد.....




- ترامب: سنتوصل إلى اتفاق مع مصر.. والملك عبدالله: هناك رد عرب ...
- العاهل الأردني لترامب بشأن خطته: علي أن أعمل ما فيه مصلحة بل ...
- بعد -جحيم- ترامب - نتنياهو يهدد ومخاوف من انهيار اتفاق غزة
- وصول 190 مهاجرا إلى فنزويلا بعد ترحيلهم من الولايات المتحدة ...
- نائب هولندي يكشف شرط إنهاء الصراع في أوكرانيا
- مصر بوجه ترامب.. زمن الدبلوماسية الخشنة
- عبد الله الثاني يبلغ ترامب بموقف الأردن من خطة تهجير أهالي ق ...
- سوريا: عودة سكان تدمر إلى مدينتهم التاريخة وسط الدمار والإهم ...
- في لقاء بالبيت الأبيض... العاهل الأردني يؤكد أن -العرب سيأتو ...
- 3 ملايين إسرائيلي يعانون من اضطرابات نفسية بعد هجوم 7 أكتوبر ...


المزيد.....

- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - منذر خدام - العرب والعولمة( مدخل)