أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - وفاء فرحات - حكايات الجنوب















المزيد.....


حكايات الجنوب


وفاء فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 8250 - 2025 / 2 / 11 - 00:35
المحور: سيرة ذاتية
    


____________
(وفاء فرحات )

1- حين يصير الوداع أغنية على شفاه الأرض
__________________________

ركامٌ هنا.. ودمعٌ هناك،
جدرانٌ كانت تحضن الأحلام،
صارت أطلالًا تشهق بصمت،
تنادي أسماءً لن تعود.
أين الضحكات التي سكنت الأزقة؟
أين الخطى التي رقصت فوق الطرقات؟
صار كل شيء رمادًا،
حتى الذاكرة تبكي تحت الأنقاض.
يا مدينةً خذلها الزمان،
كم من قلبٍ دفن تحت حطامها؟
كم من أمٍّ تنتظر،
ولا أحد يعود؟
حين يصير الوداع أغنية على شفاه الأرض

____________________

2- بيوت من خوف
____________

في زمن الحرب، لم تكن البيوت جدرانًا وأبوابًا فقط، بل صارت قلاعًا من الرجاء المكسور. كل شخص له قصة تبدأ بسؤال: "أين سنكون بأمان؟"
امرأة تجمع بقايا ذكرياتها في حقيبة صغيرة، تنسى وشاحها لكنها لا تنسى أوراق أولادها. رجل يركض خلف شاحنة محمّلة بأناس غرباء، صاروا فجأة عائلته لأنهم يشاركونه الخوف نفسه. طفل يسأل أمه: "هل سيعرف البيت الجديد اسمي؟" لا يعرف أن البيوت لا تتذكر، فقط القلوب هي التي تحفظ.
في زحام البحث عن مأوى، ينشغل الناس بتأمين السقف والجدران، وينسون أن الأمان ليس في المكان، بل في من يظل بجانبك حين تنهار كل الأماكن. الحرب تسرق كل شيء إلا الذكريات، وتعلمك درسًا قاسيًا:
ليس كل بيت آمن هو بيت، وليس كل بيت يُسمى وطن.
_________________


3- مفتاح بلا باب
__________

كان بيتي هناك، شامخًا كشجرة زيتون، يروي حكايات جدي ويُغني أغاني أمي في المساء. كانت الجدران تحفظ همساتنا، وكان الباب يفتح على وطنٍ من دفء. لكنهم جاؤوا… جاؤوا بأسلحتهم، بأوامرهم، بجرافاتهم التي لا تفهم معنى الانتماء. هدموا البيت… سَوّوا جدرانه بالأرض، ظنّوا أنهم محوا الذاكرة.
وقفتُ على الركام، حفرتُ بين الأنقاض، وجدتُه… مفتاحي. لم يُكسر، لم يضِع، لم يخذلني. حملته بيدي، عانقته كما يُعانَق وطنٌ مصلوب، وكأنه كان ينتظرني ليقول: أنا هنا، والبيت عائدٌ يوماً… حتى لو
طال الغياب
حال كل الذين فقدوا بيوتهم وما اكثرهم



__________________________

4 – حكايات من الجنوب
________________

في شوارع امتلأت بصورهم، في بيوت ما زالت أبوابها تفتح لهم رغم الغياب، في قلوب الأمهات التي لم تخبُ نارها لحظة، هناك يسكن الشهداء. ليسوا مجرد أسماء تمرّ في نشرات الأخبار، بل أرواح حفرت وصاياها على جدران الزمن، وتركت في كل زقاق قصة بطولة لا تنتهي.
"كان يضيء البيت بضحكته.." تقول أم محمد، وهي تقلب قميصه الذي ما زالت رائحته عالقة فيه. "في آخر مرة خرج فيها، أوصاني أن أطهو له طعامه المفضل. قال: سأعود سريعًا، لم أكن أعلم أن العودة ستكون ملفوفة بالكفن." تسكت، تكتم وجعها في صدرها، ثم تتابع: "لكنه عاد.. عاد شهيدًا، رافعًا رأسه، وأنا رفعت رأسي معه."
في زاوية أخرى، يجلس أبٌ، يحمل بين يديه آخر رسالة أرسلها له ابنه: "لا تقلق، أنا بخير.. والأرض بخير". يمسح نظارته، يعيد قراءة الكلمات مرارًا، كأنها دواءٌ لألمه. "كان يحلم أن يصبح طبيبًا، لكنه صار طبيبًا من نوع آخر، يداوي جراح الوطن بروحه."
أما الأطفال الذين انتظروا آباءهم ليحملوهم على الأكتاف، فقد حملوا أسماءهم بدلًا من ذلك. "كان أبي يقول لي: سأشتري لك دراجة جديدة عندما تتحرر الأرض"، تقول الطفلة ليان وهي تحتضن صورة والدها، "لكنني اليوم أكبر، وأفهم.. لم يكن أبي يودّعني، بل كان يعلّمني أن الوطن هو الحلم الأكبر."
في حضرة الشهداء، يبكي الحزن خجلًا، وتبتسم السماء فخرًا. هؤلاء الذين رحلوا، لم يرحلوا حقًا. هم في العيون التي لم تنم، في الأمهات اللاتي لم ينحنين، في صوت الأرض حين تنادي أبناءها للعودة، في كل طفل يحمل اسمًا لشهيد ويكبر ليكمل الحكاية.
وللشهداء نقول:
نمتم، لكن أسماءكم لم تنم،
رحلتم، لكن أرواحكم تضيء الطرقات،
ودّعتمونا، لكنكم أوصيتم الأرض بنا،
وسنحفظ الوصية

... ... ....

تحت أزيز الطائرات وصوت القصف المدوي، تبدأ رحلة البحث عن مأوى يشبه النجاة أكثر مما يشبه البيت. رحلة لا تحمل في طياتها رفاهية الاختيار بقدر ما تحمل ثقل الخوف والاضطرار. هنا قصص أناسٍ لم يكونوا يبحثون عن منازل فاخرة، بل عن جدران صامدة تحمي أرواحهم
... ... ...

(قصة أم يوسف )
كانت أم يوسف تحمل طفلها الرضيع على ذراعٍ، وتمسك بيد ابنتها الصغيرة في الأخرى. خرجت من منزلها المتهدم، تسير على الطرق المليئة بالغبار والركام. لم تكن تعرف أين تذهب، سوى أن قدميها تقودانها نحو المجهول. سألت المارة، طرقت أبواب الغرباء، وفي كل مرة كان الجواب: "لا مكان آمن هنا." استقرت أخيرًا في قبو مدرسة مهجورة، حيث البرد والرطوبة أقل فتكًا من القذائف
... ... ...

(عادل وعائلته)
عادل كان يرفض مغادرة منزله رغم تصاعد القصف. لكنه في ليلةٍ فقد صوته بين صرخات أطفاله بعد أن سقط صاروخ على مقربة من شرفتهم. جمع ما تبقى من أغراضٍ، حمل والده المسن على عربة حديدية، وانطلقوا في رحلةٍ بين أطلال المدينة. كلما وصلوا إلى مكانٍ ظنوه آمنًا، لاحقهم الخوف من جديد. انتهى بهم المطاف في خيمةٍ على حافة المدينة، بين مئات العائلات التي تشاركهم نفس المصير
... ... ...
(ليلى ومفتاح بيتها)

ليلى كانت تحمل مفتاح منزلها في عنقها، كأنها تحمل جزءًا من روحها. خرجت من حيّها المدمر مع جارتها العجوز، وكلتاهما تنظران خلفهما بين الحين والآخر، وكأنهما تأملان أن يتراجع هذا الكابوس. بحثتا عن ملجأ، ولكن حتى البيوت التي صمدت بدت خاوية من الأمان. سكنت ليلى في منزل غريب، جدرانه مليئة بتشققات الحرب، لكن قلبها ظل معلقًا بمفتاح بيتها القديم

... ... ...

(سامر والنافذة المفتوحة)

سامر، شابٌ لم يترك منزله إلا بعدما فقد جيرانه واحدًا تلو الآخر. كان يتنقل من مبنى إلى آخر، يطرق الأبواب ويبحث عن نافذة تُطل على شيء غير الدمار. لم يجد سوى غرفة صغيرة في مبنى شبه مهدم، نوافذها بلا زجاج، وجدرانها تنزف من شدة القصف. ومع ذلك شعر بالأمان هناك أكثر من شعوره بالخوف من الخارج
... ... ...

(سعاد والدرس الأخير)

سعاد كانت معلمة، هجرت صفوف طلابها لتبحث عن مكان تختبئ فيه مع أطفالها. كل منزل تدخله كان درسًا جديدًا عن هشاشة الحياة. في بيت قديم، وجدت زاوية ضيقة بين جدارين، علمت أطفالها كيف يتحول الخوف إلى صمت، وكيف يمكن للدموع أن تكون وسادة أحيانًا.
هذه ليست مجرد قصص عن بيوت، بل عن أرواح تبحث عن ظل أمان في عالمٍ تلاشت فيه المعاني البسيطة لكلمة "منزل".
إنها قصص حقيقية وواقعية سمعتها من أصحابها سجلتها ولكن طبعا بأسماء مستعارة .
_________
برعشيت / جنوب لبنان
10 فبراير 2025



#وفاء_فرحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصائد
- عناق المطر


المزيد.....




- -اتهموه بسرقتهم-.. فيديو لأشخاص في مصر يضربون آخر -حتى الموت ...
- اندلاع احتجاجات عنيفة في إسرائيل بعد تهديد حماس بتأجيل إطلاق ...
- كيف أشعلت اليابان شرارة حب ترامب للرسوم الجمركية الذي دام 40 ...
- السفير الروسي في بغداد يفسر سبب إجلاء مئات الخبراء الروس من ...
- إسقاط 40 مسيرة أوكرانية فوق عدة مناطق روسية وتضرر منشأة صناع ...
- قراصنة صوماليون يستولون على قارب صيد يمني قبالة القرن الإفري ...
- أعراض نوبة الصرع
- الفوضى في واشنطن لن ترحمكم
- من الجو.. شاهد اللحظات الأولى لانهمار شلال في سلطنة عُمان
- حمد بن جاسم يعلق على خطة ترامب بشأن غزة ودعوة نتنياهو لـ-إقا ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - وفاء فرحات - حكايات الجنوب