|
الشاعر عبد الحسين الحيدري ونزعته في التمرد والانطلاق
محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8249 - 2025 / 2 / 10 - 09:51
المحور:
سيرة ذاتية
عبد الحسين الحيدري من الشعراء الذين ساهموا في إثراء الشعر العربي المعاصر في العراق وُلد في مدينة الحلة العراقية عام 1951، يعد الحيدري واحد من أبرز شعراء الحليين، وقد تميزت قصائده بالعمق الفكري والوجداني، بالإضافة إلى سلاستها اللغوية وقدرتها على التعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية. نشأ عبد الحسين الحيدري في بيئة ثقافية خصبة، حيث تأثر بالأدب العربي التقليدي من جهة، وبالتيارات الفكرية الحديثة من جهة أخرى. ورغم أن بداياته كانت متأثرة بالمدارس الشعرية الكلاسيكية، إلا أنه سرعان ما انتقل إلى تجربة شعرية جديدة تمزج بين الأصالة والمعاصرة، فانعكس ذلك على لغته وأسلوبه الشعري. وعاش في فترة تاريخية شهدت العديد من التحولات الاجتماعية والسياسية في العراق والعالم العربي، مما ساعد في تشكيل رؤيته الشعرية. وأسلوبه هو السهل الممتنع حيث أتسم شعره بلغة فصيحة واضحة، بعيدًا عن التعقيد والتكلف. فهو يجمع بين جمال التعبير وصدق العاطفة، مما يساهم في أن تصل قصائده إلى جمهور واسع من مختلف الفئات العمرية والتعليمية. وسعى للتجديد في الوزن والقافية رغماً عن تأثره بالموسيقى الشعرية الكلاسيكية، وكان يحرص على إضافة بعض التجديدات الفنية التي تواكب الحاضر. فكان يستخدم الأوزان التقليدية ولكن يكيفها لتتناسب مع المضمون العاطفي والسياسي لقصائده. كما يتميز شعره بعاطفة قوية، فهو يعبر عن مشاعر الحب، الفقد، والحزن، وكذلك الغضب والرفض، مستخدمًا لغة مرهفة تحاكي قلب القارئ وتستحضر صورًا وجدانية عميقة. ويكثر من استخدام الرمزية، حيث يختار مفردات وأمثلة تدل على مفاهيم أكبر من مجرد معانيها الحرفية، مثل الانكسار الاجتماعي أو السياسي، والتطلع إلى الحرية والعدالة. فقد ارتبط اسمه بالحداثة في الشعر العربي، وساهم في تحديث الإيقاع والقافية دون أن يفقد الشعر فاعليته العاطفية والتعبيرية. كما كان له دور في تطوير مفردات الشعر العربي الحديثة، وفتح المجال أمام الشعراء للابتكار والتجديد. ولقد حظي الحيدري بمكانة كبيرة بين شعراء جيله خلال فترة حياته، وما يميز شعره هو نزوعه إلى أكثر من مجرد التعبير عن الذات. فقد كان حريصًا على مزج الشعر بالهموم الإنسانية والوطنية، ونجد في شعره نقاشًا مستمرًا مع الواقع السياسي والاجتماعي، سيما ما يتعلق بالاستعمار، والظلم الاجتماعي، وتطلعات الشعوب نحو التحرر. وسعى في توظيفه المكثف للصور الرمزية وتوجهه إلى مشاعر وأفكار الأمة بأكثر من انشغاله بالذات الشخصية. وكان للتأثيرات السياسية والاجتماعية أثرها في شعره، فقد اتسم شعر الحيدري بالروح الوطنية والاشتراكية، فكان من المدافعين عن القضايا السياسية والاجتماعية. وقد تجلى ذلك في العديد من قصائده التي تندد بالظلم والفساد وتطالب بالحرية، وكانت كتاباته تعكس احتكاكه بالأحداث السياسية التي مرت بالعراق والمنطقة العربية. وكان لشعر الحيدري تأثير كبير على الشباب الذين استساغوا تمرده على الواقع الاجتماعي، وانفتاحه الذي يرضي ما في نفوسهم من نزعة للتحرر والانطلاق، فالتف حوله عدد كبير منهم منبهرين بما يحمل من روح نزاعة للخروج من القواقع التي تفرضها العادات والتقاليد البالية، فكان محل احترامهم ومحبتهم رغم اعتزاله وتمرده على هذا الواقع، وانصرافه لحياة منفتحة لا تحدها حدود أو قيود، وبذلك خلف تأثيراً فيهم لما يمتلك من فكر متوثب وقدرة على التأثير بما يطرح من آراء تنسجم والروح الشبابية للجيل المعاصر. لقد استطاع الحيدري رغم انزوائه واعتكافه، أن يحتل مكانة مائزة بين معاصريه من الشعراء، وأن يترك بصمته الواضحة، من خلال قدرته الفائقة على دمج الأصالة بالحداثة، وعلى التعبير عن الهموم الإنسانية والعاطفية، ولا يزال شعره يلقى تقديرًا واسعًا، ويظل ذا قيمة كبيرة في دراسة الشعر العربي الحديث. ولكثرة معجبيه والمهتمين بشعره، قاموا بطبع مجموعتين شعريتين ضمتا بعضاً من قصائده، التي تعطي صورة عن شعره، ومعظم هذه القصائد كتبت خلال تسعينيات القرن الماضي، وهي تعبير عن الحالة الاجتماعية لتلك الفترة والظروف التي أحاطت بالعراقيين، وما تحت يدي من شعره هو نتاج تلك الفترة، ويمكن من خلاله اعطاء صورة عن شعره وموضوعاته وأطره الفنية، وربما له قصائد أخرى جديدة قد يتسنى لنا دراستها في مقالة قادمة، ومن شعره المعبر قصيدة (شتات) التي كتبها عام 1992 وهي تصوير حي لمأساة شعب عانى من حصار جائر، شحنها بكل رؤاه وتصوراته عن هذه المعاناة التي أغرقت الناس بظروف معاشية صعبة، ولا هم لهم إلا تدبير قوتهم، وتوفير ما يعينهم في البقاء على قيد الحياة، يقول فيها: أيُّ حُلم يبعثرُ ريش النعاس عن جناحِ شروقي مَن يفلُّ لسان النحاس عن ترانيم بوقي !؟ في الوهاد الوسيع كزيتونةٍ كنتُ أحصي شواهدَ ... رفقتيَ الغابرين بأوهامهم وفتوحاتهم ومزاميرهم وتوردهم في اليباس ولذلك لم أستطعْ أن اعددَ في صفحة الرمل طغراء نوقي ! ولم ألمحْ امرأةً تتمرى بساقيةٍ وهي تنبشُ في عشبها عن فتات ... أهذي التي تلبس الآن اجمل أثوابها ... وتبخّرُ مرآتها .. والتي الغت الاحمر المتواصل عن معدةٍ شجها الجوع في الحندقوق ؟! وقصيدة الجسر القديم التي كتبها في العام ذاته، صورة ناطقة عن حال الانسان العراقي الذي عانى من حروب، وضياع في لجة من الخوف والترقب لما تأتي به الأيام من مآسي، وما يخفي المستقبل من مفاجأة، قد تودي بالكثير من الآمال التي تداعب خيال الانسان الحالم بالخلاص من واقعه المر، وظروفه الداكنة، ومآسي الحرب التي زج فيها العراقيون، واكتووا بنارها، وأصابهم الكثير من شرارها، وهم يرقبون بفيض من صبر نهاية لهذه المأساة المرة : نتخاصم بعضاَ من الوقتِ ... نغفلُ عن حسكٍ في الهبوبْ ولكننا نتراشقُ بالقبلاتِ أخيراً ... ونقفلُ ... مرحلتين الى فجرِنا ... هكذا نتأصلُ في السرِّ ... بانتظارِ القطارِ الاخيرِ إلى الحربِ ... نلبسُ جزماتِنا ... ونشدُّ على خصرِنا ... ونؤدي التحايا لمن يستحقْ هكذا في القطارِ الاخيرِ الذي غادرَ الماءَ ... نقتسمُ الليلَ والخبزَ والشايَ والطعناتِ ... نلملمُ أيّامَنا ونكوّرُها صُرَّةً نتوسدُها في المحطاتِ ... نأتي بما جمعتْ يدُنا من صفير ... ونرشقُه في ظلامِ القرى وحينَ تضيقُ بنا العرباتُ ... نبدِّدُ قضبانَها ... فتمدِّدُ احلامَنا في التوابيتِ ... كمْ شاكستنا الليالي ... وكمْ علمتنا الحروبْ ؟ ولكنّها الذاكرة : ستحفظُ كمْ واحدة بَقيتْ من لُفافاتِنا في الجيوبْ ! ومن شعره العمودي قصيدته (رحيل صوب الشمس) الفائزة بجائزة الادب عام ١٩٧١، التي تمثل مرحلة مبكرة من مشواره الشعري، وصورة معبرة عما يعتمل في داخله من دوامات الحزن، والبرم بواقع تلوح بين ثناياه المرارة والكآبة والعزلة، والشعور بالأسى والحزن، وهو ما واكب مسيرته الشعرية التي راكمت من شعور بالغبن، والشكوى المنغرسة في أعماقه نتيجة شعور نفسي طاغ بما يكابده من شظف العيش، ومرارة الحياة، ومعاكسة الظروف التي وضعت في طريقه العراقيل، وضياع آماله في غد جميل بسام: وداعـــــا فــــاصـــل الــــــخــــدر فهـــذا مـــوسم المـــطر وداعـــا يـــا مــراثـــي الحزن يـــا دوامــــة الضـــجــــرِ وداعـــــا ان هــــذا الــجـــيـــل يحمــل بــيرق الســـهر ويحــمل بــيــرق الطـــوفــان صــوب منابــت الخـطر ويبذل فهو عشب الصخر وهو النسغ في الشجر ويلمح في سمات الجــرح يلمـــح غــــرة الظـفر فيعــزف لحـــنه المـعهـــود يا سحــب الدما انهمري
#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدكتور عبد العظيم السلطاني وآراؤه النقديةم
-
كناية الديالكتيك نزهة ثانية في المعرفة
-
لقد قصدها يوما
-
قطف الثمر في التاريخ والتراث والفكر
-
نبيل الربيعي باحثا ومقاليا
-
دار الظالم خراب
-
سجلت ضد مجهول
-
كلاوات حجي علي
-
كلها سوده مصخمة
-
ينرادلها هلهولة
-
سالفة الاخرس
-
لمن تقرع الأجراس
-
وزير بالمزاد
-
خَل يموت الحصان من أكل الشعير
-
عازف الناي سفاح عبد الكريم
-
سيد ويهودي راضعين من ديس
-
قراءة في سونيتة الغجر
-
بدون تربية
-
رفقا بالقوارير
-
-رد لا تتهده بحلك آفه-
المزيد.....
-
-مواجهة بين القيم والسلطة-.. بسام كوسا ومحمود نصر بمسلسل -ال
...
-
إسرائيل ترفع تأهب الجيش بعد تأجيل حماس إطلاق سراح الرهائن..
...
-
الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات تفجير في بلدتي يارون وعيترون جن
...
-
قائد عسكري سوري: ضبطنا عددا كبيرا من مستودعات ومعامل المخدرا
...
-
-سجن لمخالفة سير.. فوجد نفسه بغزة
-
ترقب للقاء ترامب مع ملك الأردن، مع رفض المملكة مقترح -التهجي
...
-
أبو عبيدة: تأجيل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين يوم السبت ا
...
-
أكثر خطورة من الكوكايين والماريجوانا.. ماذا تعرفون عن الفنت
...
-
احتجاجات في البوسنة للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن ضحايا الفي
...
-
تعقيب إضافي للرفيق يوسف بيزيد، على جواب السيد وزير التعليم ا
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|