|
المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (الحلقة الرابعة عشر)
مسعد عربيد
الحوار المتمدن-العدد: 8249 - 2025 / 2 / 10 - 08:26
المحور:
القضية الفلسطينية
الفكر الاستيطان الصهيوني التسلسل الزمني (كرونولوجيا) للفكرة والمخططات
تأريخ المشروع الاستيطاني
(1)
بوضوح دون غشاوة، يأخذنا مشهد الحرب الإبادية الذي نعيشه في فلسطين المحتلة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلى بدايات الصراع العربي - الصهيوني وإرهاصاته التي تجسَّدت في محاولات الاستيطان اليهودي في فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر وقبل تأسيس الحركة الصهيونية (1897).
قد لا يُجمع المؤرخون على تأريخ بداية المشروع الاستيطاني الصهيوني: فهل بدأ مع بدايات الغزوة الصهيونية وبناء المستوطنات الأولى في أواخر القرن التاسع عشر؟ أو مع تأسيس الحركة الصهيونية (المنظمة الصهيونية العالمية) عام 1897؟ أو مع وعد بلفور عام 1917؟ أو غيرها؟
نعتقد أن اعتماد عام 1882 بدايةً للمشروع الصهيوني الاستيطاني يُعدُّ تأريخًا موضوعيًا؛ فهو يتزامن مع بداية تنظيم الغزوة الصهيونية وإنشاء المستوطنات اليهودية المبكرة في فلسطين، ما يجعل عمر هذا المشروع 143 عامًا. وهو ما تؤكده قراءة تطورات هذا المشروع منذ بزوغه، مرورًا بتأسيس الكيان الصهيوني عام 1948، وصولًا إلى يومنا هذا وما نشهده في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني ومحاولات اقتلاعه وتهجيره من قطاع غزّة والضفة الغربية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
يمكننا القول، بصفة عامة وكما ذكرنا في أكثر من مكان، إن القيادات والتيارات الصهيونية التي تبنت مشروع استيطان فلسطين، على ما بينها من الخلافات والتباينات في الآراء والمواقف والمخططات، التقت على الأهداف الإستراتيجية التالية:
أ) الاستيلاء على أرض فلسطين واستيطانها من أجل إقامة دولة لليهود دون غيرهم؛ ب) اقتلاع عرب فلسطين من بلادهم بهدف إخلاء البلاد من سكّانها، وإحلال المستوطنين الصهاينة محلَّهم؛ ج) أمّا تحقيق هذين الهدفين فيتطلب تدمير المقومات المادية والاجتماعية للكيان الفلسطيني.
وقد كانت هذه الخطوط الإستراتيجية العامة المرجعية الرئيسة لتنفيذ مخططات المشروع الاستيطاني في فلسطين. ولا شك في أن المراحل والتطورات التي مرّ بها هذا المشروع، على المستويات المحلية والعربية والدولية، أملتْ على القيادات الصهيونية تغييرات تكتيكية في تعاملها مع مخططات هذا المشروع. ولكن ما يهمنا قوله هنا، إنه يتعذر عرض الأفكار والتيارات والمخططات الاستيطانية الصهيونية، على تباينها في بعض التفاصيل التكتيكية والآنية، دون رؤية هذه الإستراتيجيا العامة الواصلة بين الإنجازات التي راكمها هذا المشروع في مراحله المختلفة.
(2)
تجدر الملاحظة أن ما وَسَم هذا المشروع الاستيطاني هو تقدمه في مسيرته ومراحله المختلفة بخطوات ثابتة، وتراكم إنجازاته على أرض الواقع. فهذا ما تؤكده وقائع التاريخ، ولكن كي لا نقع في فخ الأوهام والمبالغة في قدرات العدو الصهيوني والإمبريالي "الذي لا يُقهر"، نورد فيما يلي بعض الملاحظات النقدية:
ا) إن المقاومة الفلسطينية لاستيطان فلسطين واحتلالها، لم تكلّْ ولم تتوقف في العقود المديدة؛ وصمود شعبنا الأسطوري في غزّة والضفة الغربية خير دليل على ذلك.
ب) إن تقدم هذا المشروع في مراحله المختلفة كان نتاجًا لمثابرة الحركة الصهيونية وقياداتها، وتجنيدها للقوى الصهيونية واليهودية ومواردها وإمكاناتها الهائلة في جلب اليهود من بقاع العالم المختلفة واستيطانهم في فلسطين. وفي هذا السياق، كان مؤتمر "بازل" التأسيسي للمنظمة الصهيونية العالمية (بازل، سويسرا، آب/ أغسطس 1897) حدثًا مفصليًا ومركزيًا في خلق الآلية التنفيذية والتنظيمية للمشروع الاستيطاني الصهيوني.
ج) ولكن هذا لا ينفي، ولا يقلل من الدور الرئيس والحاسم للقوى الاستعمارية الغربية (خصوصًا البريطانية والفرنسية) في دعم الحركة الصهيونية منذ نشوء مشروع استيطان فلسطين، مرورًا باتفاقيات سايكس - بيكو (أيار/ مايو 1916)، ووعد بلفور (تشرين الثاني/ نوفمبر 1917)، والاستعمار البريطاني لفلسطين لمدة ثلاثة عقود (1918-1948)، ولاحقًا إلقاء الحركة الصهيونية بثقلها في حضن الإمبريالية الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية. كل هذه التطورات مهّدت لخلق الواقع المادي والظروف الموضوعية لقيام الكيان الصهيوني، وكوَّنت بالتدرج محطات مفصلية في تنامي الوجود الصهيوني في فلسطين، وسهلت الغزوة الصهيونية لأرضها. وعليه، يمكننا القول إن دراسة تجربة الاستيطان الصهيوني لا تضئ على ركائز الفكر الاستيطاني الصهيوني وآليات عمله فحسب، بل تؤكد، بما لا يدع مجالًا للشك، الدور الحاسم للقوى الإمبريالية في تنفيذ هذا المشروع على أرض الواقع وإقامة الكيان الصهيوني.
د) وهذا يعنى أن القوى الإمبريالية الرأسمالية هي العدو الرئيس للشعب العربي في فلسطين والأمة العربية، وأن الكيان كان، ولا يزال، قاعدة إمبريالية لحماية المصالح الإمبريالية وهيمنتها على بلادنا، بل إن حرب الإبادة في غزّة (منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023) وهرولة الغرب الإمبريالي إلى إنقاذه ومساندته بكل وسائل الدعم العسكرية والسياسية، أثبتت أن هذه القاعدة أصبحت "محمية" إمبريالية عاجزة عن الصمود ولو لأيام دون الدعم الإمبريالي الغربي (خصوصًا الأميركي) ( ).
ه) أدركت القيادات الصهيونية وأسيادها من القوى الإمبريالية الغربية مركزية العلاقة العضوية والتحالفية بينهم، ودورها في تأسيس الكيان الصهيوني. وقد استثمرت الحركة الصهيونية هذه العلاقة ببراغماتية في رسم المخططات والبرامج العملية للاستيطان، وفي الحفاظ على بقاء الكيان "محميةً" لحماية مصالح الغرب الرأسمالي. وهذا ما أكده "طوفان الأقصى" في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
الاستيطان الصهيوني و"حماية" قناة السويس
تشير وقائع التاريخ إلى أن فكرة المشروع الاستيطاني في فلسطين لم تنتظر تأسيس الحركة الصهيونية، وأن الدول الاستعمارية الكبرى في ذلك العصر قد سبقتها في سعيها إلى استعمار فلسطين. وكانت فرنسا من أولى الدول الاستعمارية التي تبنت مبكرًا فكرة توطين اليهود في فلسطين، وسعى نابليون بونابرت إلى إقامة دولة لليهود في فلسطين منذ حملته على مصر وحصار عكا (1798 – 1801). وفي القرن التاسع عشر، حاولت فرنسا اتخاذ اليهود أداةً تستغلها لتحقيق سياستها الاستعمارية في المشرق العربي والوطن العربي بوجه عام، وبدأت دعوات فرنسية من أجل توطين اليهود في فلسطين، تظهر متزامنة مع افتتاح قنصلية فرنسية في القدس عام 1843. غير أن فرنسا شُغِلت لاحقًا بمشاكلها الداخلية وحملاتها التوسعية في مناطق مختلفة من العالم ما أدى إلى تراجع مسعاها إلى إنشاء كيان يهودي في فلسطين.
مع الشروع في عملية حفر قناة السويس الذي استغرق عشر سنوات (1859-1869)، سعى المسؤولون البريطانيون والفرنسيون ومعهم بعض الساسة والمفكرين اليهود إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين تكون قاعدةً إمبريالية لحماية قناة السويس من أي تهديدات ( ). وكانت حماية قناة السويس ومصالح القوى الاستعمارية الغربية، الحجة التي طرحها عام 1862 الصهيوني اليهودي الفرنسي- الألماني موزس (موشى) هس (1812 – 1875) Moses Hess. وكرر طرحها من بعده مؤسس المنظمة الصهيونية العالمية ثيودور هرتسل الذي جاء إلى مصر في عام 1903، للتفاوض على استيطان اليهود في المنطقة الواقعة بين نهر النيل وقناة السويس. أمّا رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ديفيد لويد جورج (1863- 1945)، الذي تبوأ المنصب بين عامي 1916 و1922، فقد أكّد أن السيطرة البريطانية على فلسطين ضرورية إستراتيجيًا للدفاع عن قناة السويس. وهو الأمر الذي أكده أيضًا وزير المستعمرات البريطاني آنذاك المسيحي الصهيوني جوزيف تشامبرلين لثيودور هرتسل، عندما عرض عليه سيناء والعريش للاستيطان الصهيوني. ومنذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948 عُهدت إليه مهمة المساعدة في حماية قناة السويس ومنابع النفط العربي لخدمة المصالح الإمبريالية ( ).
#مسعد_عربيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (ا
...
-
المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير … والإبادة، (الح
...
-
المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير … والإبادة، (الح
...
-
المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير … والإبادة، (الح
...
-
المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (ا
...
-
المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (ا
...
-
المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (ا
...
-
المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (ا
...
-
المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، بح
...
-
المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، بح
...
-
المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، بح
...
-
المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، بح
...
-
المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (ا
...
-
السوفييت وتقسيم فلسطين: إضاءات على كارثة تاريخية وأيديولوجية
...
-
السوفييت وتقسيم فلسطين: إضاءات على كارثة تاريخية وأيديولوجية
...
-
السوفييت وتقسيم فلسطين: إضاءات على كارثة تاريخية وأيديولوجية
...
-
السوفييت وتقسيم فلسطين: إضاءات على كارثة تاريخية وأيديولوجية
...
-
السوفييت وتقسيم فلسطين: إضاءات على كارثة تاريخية وأيديولوجية
...
-
السوفييت وتقسيم فلسطين: إضاءات على كارثة تاريخية وأيديولوجية
...
-
السوفييت وتقسيم فلسطين: إضاءات على كارثة تاريخية وأيديولوجية
...
المزيد.....
-
القبض على إيد شيران في الهند بعد عزفه في الشارع دون إذن
-
تونس.. وفاة طفل جراء انفجار -جسم مشبوه- في منطقة تابعة لمحاف
...
-
نيبينزيا: موسكو لطالما صرحت عن دعم USAID للمتطرفين
-
الرئيس الجزائري يقدم وساما لوزير السكن محمد طارق بلعريبي…فما
...
-
ترامب: لن أرحل الأمير هاري بسبب ميغان
-
الشرع: آلاف المتطوعين ينضمون إلى الجيش السوري الجديد بعد الإ
...
-
الرفيقة نزهة مقداد، تسائل السيد وزير التعليم العالي والبحث ا
...
-
الجيش الإسرائيلي يخرق اتفاق وقف إطلاق النار ويطلق مسيّرات في
...
-
الوفد الإسرائيلي يعود فجأة من محادثات وقف إطلاق النار في قطر
...
-
-عقب إعلان أبو عبيدة-.. وزير الدفاع الإسرائيلي يوعز للجيش با
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|