|
الفرد في مصيدة الإمنترنت والهاتف الخلوي
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 1793 - 2007 / 1 / 12 - 11:49
المحور:
المجتمع المدني
- مواطنين انجليز في استفتاء حول الموضوع لجريدة (London Lite) الشعبية ليوم الجمعة الثالث من نوفمبر 2006- * “ It would be nice to know how many more CCTV cameras they are going to put up before calling us the United Camera Kingdom” Foolsold, London “ If we don’t do something now about the invasion of our privacy then pretty soon we might find we have no liberty to protect.” Paul, Reading
(الشعب مصدر السلطات)، عبارة دخلت في الإرث السياسي للمجتمع المدني المعاصر، يقابلها عبارة (حماية الانسان وتحسين أوضاعه غاية كافة السياسات والإجراءات). وعلى قدر صحّة العبارة الأولى التي تروّس بها مقدمات القرارات والقوانين والمعاهدات والصفقات والأحكام القضائية المتعلقة بالسجن والطرد والاعدام، تصحّ العبارة الثانية في ارتباطها بالتجسس الالكتروني [Please note that CCTV camera in operation for your safety]. لقد كان فضح الاتحاد السوفياتي لبنود صفقة [سايكس بيكو] إثر ثورة اوكتوبر 1923 نصراً إعلامياً للشعوب المقهورة يومذاك، لم تعقبه أية فضيحة دولية في هذا الاطار. نمط الفضائح انتقل من صعيد الدول والصفقات، إلى الممارسات الداخلية والأشخاص. ففي هذه الفضائح يمكن تمويه مراكز المسؤولية وتزوير البيانات بين اللغط الاعلامي والموظفين الصغار. وكما أن فضائح الاغتيال السياسي في بلدان أوربية تنسب إلى موظفين صغار في السفارة يتم (تكبيشهم) فداء لبقاء - الرأس- أو اعتباره حادثاً شخصياً، مثل صور تعذيب السجناء في (غوانتانامو) أو (أبي غريب)، وتبرئة رجالات الحكومة من وزرها، فأن صفقات (تجارة) التجسس وبيع المعلومات عبر (أفراد) الدوائر الأمنية يسجل في خانة (الفساد الإداري) والتصرف الشخصي، الذي ينتهي بإقالة الشخص وفتح (تحقيق) إداري أو قضائي بالموضوع، لإسكات الاعلام والرأي العام. ان ربط السياسات (الأمنية) للبلدان بيافطة (الأمن القومي) كما وثقتها مضاعفات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأميركية، منح المؤسسة البوليسية في بدايات هذا القرن طراز (حماية وسلطة) المؤسسة العسكرية أيام الحروب العالمية في القرن الماضي. وكما كان شعار (كل شيء من أجل المعركة!) مسوغاً لتجاوزات الدولة وصمت (المواطن)، صار شعار (الأمن أولاً..) -القشة- التي تكسر ظهر المواطن، ومؤسسات المجتمع المدني الحرّة من أي اعتراض أو نشاط مناهض. * خدمة الكمبيوتر ومصيدة الأنترنت.. لا غنى للشخص أو العائلة اليوم عن جهاز كمبيوتر للدراسة أو العمل أو التسلية أو الاتصالات والتواصل مع الأصدقاء والأهل. بل هو يدخل في معظم مجالات الحياة المعاصرة. لكن الكمبيوتر ليس مجرد آلة صماء ، ويختلف عن الراديو والتلفزيون والثلاجة والغسالة والدراجة، بأنه لا يمكن استخدامه بدون برنامج. وتباع البرامج منفصلة عنه في السعر، وأحياناً غير مركّبة في الجهاز. ولا يمكن في هذه الحالة برمجة الجهاز من غير تسجيله لدى الشركة المنتجة للبرنامج. في حالات معينة يكون البرنامج مركّباً في الجهاز لمدة تجريبية، على أن يتم تسجيله خلال ثلاثين يوماً، وعند عدمه يتوقف عمل الجهاز مما يقتضي الاتصال بالجهة المعنية أو شخص مختص لإعادة برمجته، ولا مفرّ في هذه الحالة من الاتصال بالمجهّز وتسجيل تشغيل البرنامج عنده، بواسطة رقم الانتاج الملصق في مكان في قفا الجهاز أو في مقدمته، مع (code) برنامج التشغيل. وفي غير ذلك يعتبر تشغيل الجهاز منافياً لحقوق الحماية الدولية ويمكن للجهات الرسمية مصادرة الجهاز في حملات مداهمة أو تبليغ سرّي. وفي بعض البلدان تمّ مصادرة آلاف الأجهزة لاستخدامها برامج غير مرخّصة. عبر تسجيل الجهاز لدى الجهة المعنية يتطلب تثبيت إسم الشخص وتاريخ تولده وعنوانه ورقم هاتفه، تستطيع الاطلاع على كل العمليات الجارية داخل الجهاز. و لدى تسجيل عنوان إلكتروني [e.mail] لدى إحدى الشركات الالكترونية، تجد الاشارة الصريحة، التي تقتضي الاطلاع على سلسلة توصياتها وأنظمة عملها والموافقة عليها بالمصادقة [o.k] ليتحقق ذلك. ويتطلب تزويد الشركة بجملة معلومات وبيانات شخصية لقاء الموافقة. عبر ذلك تتمتع الشركة الأصلية بإمكانية الاطلاع على المعلومات والعمليات الجارية في صفحة الشخص أو بريده الالكتروني. ولا يمكن تحديد حجم اتصالاتها وارتباطاتها في هذا المجال. الجديد هنا، أن الشخص الذي يراقبك لا يجلس معك في نفس الحجرة، ولا يجعلك تشعر بأنك تحت المراقبة. مع بدء تصفح الشبكة، تظهر جداول تحذير أمنية لا يمكن تجاوزها، وعدم القبول يعيق ظهور الصفحة المطلوبة. ان الجوهر هنا، ان كل ما تفعله ممكن الاطلاع عليه، ويعني عندها قبول الشخص الضمني بذلك، مما يبطل أي ادعاء قانوني بالمقاضاة حول المسّ بحقوقه الشخصية. * الهاتف الخلوي (الجوال).. يطلق عليه الانجليز الموبايل [Mobile]، بينما يدعى في بلاد أوربا الأخرى [Handy]. وهو يضاهي من حيث التقنية الألكترونية والاستعمالية مذياع الترانسستور [Transistor]، لدى شيوعه عقب الحرب العالمية الثانية وما حقق من نقلة نوعية في حضارة الاتصالات. لقد تضاعف انتاج واستهلاك الترانسستور بعد الخمسينيات بما ساهم في تقريب الأواصر الثقافية (ثقافة االمعلومات) بين أجزاء العالم المتقاصية. ومع تضاعف كمية انتاج الأجهزة وانتشارها في جنوب العالم وشرقه، استمرت متناهية في الصغر، فتجاوزت أحجام (كتب) الجيب، بالإضافة إلى انخفاض أسعارها وشعبيتها. ولكنّ هذا التناهي في الحجم والتسعيرة ، وضع نهاية لها أيضاً ، عبر ظهور أجيال وأجهزة جديدة، شكلت تعويضاً عن خدمات المذياع (الفقيرة)، مثل أشرطة وأجهزة التسجيل (كاسيت)، وتطور التلفزة و أجهزة عرض الصورة والصوت [Video] وانتشارها. وإذا كان الترانسستور (المحمول) قد انتهى في صورة (الهاتف) المحمول الذي يتمتع اليوم بخدمات تقنية لنقل الصوت والصورة وتبادل الايعازات الصورية والصوتية عبر الأثير، فأن أجهزة التلفزة والفيديو قد انعكست في تقنيات الكمبيوتر وخدمات الأنترنت ذات الشاشة المتناهية في الصغر والسعة والإمكانيات على صعيد واحد. هذا التطور التكنولوجي الإلكتروني السريع لم يحقق عادات استهلاكية وطفرات في الاقتصاد والتجارة، وانما حدّ من استخدام المذياع [Radio] والتلفزة [Television] بشكل فظيع. وإذا كان من النادر وجود جهاز مذياع لدى قطاعات كبيرة من السكان، لا سيما الشباب، فأن أجهزة التلفزة التي تعاني من منافسة انتحارية مع خدمات الأنترنت، ستشهد انسحاباً فجائيا خلال العقد المقبل، يتحول معه إلى جزء من تراث الأنتيكا [Antica]. وليس من المستبعد هنا، أن مؤسسات الدولة التي بدأت بخصخصة [privatization] مؤسسات الإذاعة والتلفزة في العقدين الماضيين، سوف تلجأ لحماية هذه التقنيات من الانقراض النهائي من الاستعمال، عبر إجراءات وسياسات معينة. * حجم توزيع أجهزة الموبايل والأنترنت في دول الاتحاد الأوربي.. البلد حجم السكان موبايل انترنت ألمانيا 82,398 78% 47% أسبانيا 40,217 92% 15% ايطاليا 57,998 102% 34% بلجيكا 10,289 79% 33% بلغاريا 7,537 33% 20% برتغال 10,102 90% 19% بريطانيا 60,094 84% 42% بولنده 38,662 45% 23% تشيكيا 10,249 96% 29% تركيا 68,109 34% 7% دنمارك 5,384 89% 51% رومانيا 22,271 23% 8% سلوفاكيا 5,430 68% 26% سويد 8,878 89% 57% فرنسا 60,180 70% 37% فنلنده 5,190 90% 51% نمسا 8,188 88% 46% هنغاريا 10,045 68% 23% هولنده 16,150 77% 51% يونان 10,665 78% 15% ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصدر: The Europe Diary, 2005/2006
* مظاهر خارجية وغايات خفية.. هذا الانتشار الواسع والمتصاعد لهاته الخدمتين، يكشف مساحة الاتصالات الخاضعة للمراقبة، وحجم السكان الخاضعين للمتابعة. وفي حال بنك الجينات الذي يغطي نسب متفاوتة من تقسيمات السكان داخل بريطانيا، تسعى الدوائر المعنية تطويرها لتشمل الجميع، فأن الرقابة الالكترونية عبر استهلاك الأجهزة التقنية والالكترونية الحديثة، تضمن سيطرة أوسع من الناحية الدمغرافية ناهيك عن مميزات عملية أخرى مثل زهد التكلفة واستمرار عملية الرقابة مدى الحياة (!). وكما ورد في الفصل السابق حول كامرات التجسس الصوتي والصوري في الأماكن العامة، فهو يعني الحديث التي لا يتم عبر استخدام الهاتف النقال أو الأنترنت. * أليس للفرد أن يتساءل عن مغزى التطور السريع والرخيص في هذه المجالات، دون غيرها. هل التكنولوجيا الرأسمالية، التي انطلقت يداً بيد مع الثورة الصناعية وحركة الاستعمار الحديث في القرن السابع عشر، تتبع الجمعيات الخيرية والمنظمات الانسانية كالصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية والكاريتاس لمساعدة المعوزين والمضطهدين وفقراء الأمم، لتبذل لهم نعمة الموبايل والأنترنت بأسعار رمزية قياساً إلى أسعار الأدوية وبعض الأغذية الأكثر ضرورة ولزوماً لحياة البشر. سيما وأن الأزمة التي تهدد المستقبل تتعلق بالأمن الغذائي [شحة الغذاء] وليس [شحة الاتصالات]. يقول خبراء الاعلام والاتصالات [Media & Communication]، أن المعنى الحقيقي لانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية [1939- 1945] ما كان ليكتمل بدون (ثورة) الترانسستور. بمعنى أن حرص الحلفاء [الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والاتحاد السوفيتي وفرنسا] على النصر المعنوي - الاعلامي- لم يكن أقلّ من حرصها على تحقيق النصر العسكري الميداني. لقد أدى انتشار الأخبار السيئة في صفوف المحور إلى انكسار المعنويات القتالية وتقديم هدايا سحرية لقوات العدو. بل أن صدى انتصار الحلفاء في أفريقيا وآسيا كان أكبر منه داخل أوربا - ميدان المعارك الرئيسية. لقد حوّلت هذه الأجهزة الصغيرة العالم كلّه ساحة لنشر أخبار المعارك وصدى الانتصارات، فكان الصدى الاعلامي لهزيمة المحور [ألمانيا وايطاليا واليابان] في أفريقيا وآسيا نصراً سياسياًً هيّأ لمرحلة جديدة من النفوذ والتبعية السياسية والاقتصادية في النصف الثاني من القرن العشرين. حسب هذا المستوى من التفسير، ما كان لأحداث انفجارات نيويورك [2001] هذا الفعل النفسي والدولي بدون خدمات النقل الفضائي المصور للحدث. لقد انتقد كثيرون طريقة عرض قناة [BBC] للنبأ وما تركه من آثار نفسية هستيرية ومدمرة على نفوس النساء والأطفال والشيوخ والمرضى. فالتهويل والمبالغة والانتشار، هو الذي حوّل الحدث (المحلي) إلى حدث (عالمي) وهيّأ الرأي العام العالمي لمرحلة ما بعد سبتمبر، التي ما كان يمكن أن تمرّ بلا عقاب أو نتائج سياسية وعسكرية مباشرة. واليوم، بعد أن حدث ما حدث، والشرق الأوسط (الكبير) يتمرغ في وحل (التخبّط) الأميركي، لا أحد يعنّ له دراسة أصل الظاهرة وعوامل تضخيمها بدل معالجتها وتقليل آثارها التدميرية. لا أحد، يعنّ له تأمل الدور الذي لعبته شبكة الأنترنت حتى الآن، في خدمة أهداف الحرب (على الإرهاب) بالمفهوم الأميركي الهونتننغتوني. ما هو السرّ وراء التناسل الجرذي للمواقع الإلكترونية الناقلة للأحداث بما فيها تلك المناوئة (ظاهرياً) للأميركان، سواء في حرب أفغانستان أو حروب العراق. وما هي الفائدة المنعكسة على العرب أو العراق من خدمات الشبكة والمواقع تلك. قد تختلف الآراء كالعادة في الأمر. ولكن عملياً، حجم الهزيمة (الاعلامية) والتشرذم الاعلامي في صفوف العرب والعراقيين، أكبر من حجم الهزيمة العسكرية والتشرذم السياسي في الميدان. على هذا الصعيد، يمكن تلمس الدور الذي لعبه جهاز الموبايل الصغير في إثارة الزوبعة الاعلامية لحادث الثلاثين من ديسمبر في حفرة مركز استخبارات الكاظمية (العراق) على صعيد الرأي العام الاقليمي والدولي. ان أهمية ما يحدث اليوم في أي مكان من العالم، ليست في حجمه وآثاره المباشرة، وانما في مدى انتشاره الاعلامي ومضاعفاته غير المباشرة. ان كثيراً من المنظمات والجمعيات والواجهات والأحزاب و(الطوائف)، لها وجود (إعلامي) إلكتروني أكثر مما هو كيان حقيقي قائم على الأرض. والعكس صحيح أكثر، أي أن جمعية أو جماعة، بدون تأثير (إعلامي) غير قادرة على الحياة والتواصل. من أوائل الخدمات التي (غزت) العراق عقب الاحتلال هي خدمة الهاتف النقال، ومع تعذر وصول أو استمرار كثير من خدمات البناء وتعمير البنية التحتية، استمرت شركات الهواتف النقالة بجدارة كشركات وحيدة في ظل الفوضى الأمنية. * النتائج المستخلصة.. إذا كانت بداية الترانسستور والكمبيوتر، اتسمت بخدمة الأغراض العسكرية والحربية، فأن غاية خدمات الأنترنت والهاتف الخلوي تصبّ في خدمة الأغراض الأمنية (البوليسية)، وتسهيل عمليات التجسس الشخصي واختراق حياة الأفراد الخاصة. من الأنظمة المستعملة في سجون بعض البلدان المتقدمة، جواز قضاء السجناء أوقات محددة أو أعطال دورية خارج مبنى السجن، وبدون مرافقة البوليس، بعد ربط جهاز صغير في رسغ أو قدم السجين، له اتصال مباشر بإدارة البوليس حول مكان وجوده وحركته. ولا بدّ أن كل صاحب هاتف نقال، استلم تلك الرسائل الألكترونية من شركة الاتصالات الخاصة لهاتفه وهي تهنئه لدخوله أجواء البلد الفلاني وتدله إلى امتيازات أسعار الاتصال المدعومة لكل دقيقة، أو اسم الشركة الزميلة التي يمكنه الاتصال بها للاستعلام حول خدماتها. ان شركة الاتصالات (الهاتفية) المرتبطة بشبكة دولية مقرات أغلبها في الولايات المتحدة الأميركية، لا تحدد فقط تنقل صاحب (الهاتف) من بلد إلى آخر [Roaming] ، وانما ترصد حركته من مدينة إلى أخرى ومن بقعة لأخرى داخل المدينة، وتميز وجوده في العراء أو داخل مبنى إلكتروني أو بناء من عدة طوابق أو داخل سيارة، وهي أمور لا يمكن أن تعنّ للفرد أو تخطر في خيال شاعر. إذا كان ذلك على صعيد تحديد (إحداثيات المكان) بالمفهوم العسكري، فماذا عن التنصت لاتصالاته الهاتفية وأحاديثه المتنوعة والتي يمكن لأي كاتب قصة مبتدئ أو كاتب (ضبط) أن يحصل بجمعها وتوثيقها على أكثر من رواية تجمع بين خصائص الدراما والكوميديا والغزل والجريمة واللغز والأدب المكشوف. ناهيك عن تبادل الأخبار والتعليقات السياسية والدينية والفكرية حسب طبقات المتحادثين والمتواصلين. قبل عامين، أعلنت الدائرة الفدرالية في ألمانيا أن الأقراص المتوفرة حتى الآن، تتيح لها إمكانية الاحتفاظ بالاتصالات الهاتفية والالكترونية في عموم ألمانيا لمدة ثلاث سنوات، وأنها تبحث في إمكانيات تطوير قدرات الخزن. وثمة تعاون دولي بين الدول المتقدمة والمتحالفة في هذا المجال. وبهذه الخدمات تم الوصول إلى أكثر من حالة في ملابسات عمليات الارهاب داخل ألمانيا وأسبانيا وايطاليا، ويتم الكشف بين مدة وأخرى عن جماعات جديدة من شبكات الارهاب أو الدعارة أو المخدرات الدولية. في مكان سابق، تمت الاشارة إلى بنوك الجينات في الدولة العصرية والفايلات الجينية [Genfiles] في دوائر الداخلية لكل شخص. وهنا يمكن الحديث عن ملفات إتصالية [communication files] لكل شخص توثق جميع اتصالاته الصوتية (mobile, chat) وصورية [email, message] على مدى فترة معينة، إن لم تتطور الامكانات لقدرات خزن لسنوات طويلة، بالعشرات أو المئات، بحيث يمكن لأجيال لاحقة الاستفادة من المعلومات الواردة في بعضها، وربما يستشف من بعضها نبوءات أو معجزات تحدث بعد قرون، كما استشف البشر من نصوص وحفريات العهود القديمة. طالما غضب بعض أفراد الأجيال السابقة وهم يكتشفون أن أحد عمال الهواتف البريدية يتنصتّ على محادثاته الهاتفية مع صديق أو صديقة، أو أن دارة البريد تلجأ للاطلاع على مضامين رسائله السياسية أو - الغرامية- بعد أن تفتحها بطريقة (البخار)؛ لكن أبناء اليوم يندر أن يغضبوا أو يهتموا لوجود جهة تسجل محادثاتهم او تراجع رسائلهم الالكترونية، أو أن الشبكة ترفض خدمة توصيل رسائل معينة، أو انقطاع خدمة الشبكة أثناء قيامه بعملية منافية لشروط الخدمة أو الحماية الدولية. ان المعادلة في هذه الحال، غير متوازنة الطرفين. بين الدولة والفرد، أو بين الشركة (الدولية) والمستهلك. ولا يرى كثيرون، - راضين أو مكرَهين- ، ضيراً في التنصت ومراقبة اتصالاتهم، طالما أن الغرض من ذلك لحمايته وخدمته الشخصية، من الشرّ المتربّص به، أو بالمجتمع المدني الحديث جراء صراع الثقافات. في حقيقة الأمر، وكما أشير في فصل سابق، أن الفرد (العالمي) اليوم لا يعرف المدى التي تصل إليه معلوماته ولا الأشخاص الذين يتداولون فيها ويعرفون عنه أشياء لا يعتقد أو يذكر أنه يعرفها. الفرد اليوم هو فرد (عالمي) رغماً عنه، وأنه بقدر مواكبته واستهلاكه لخدمات تقنيات الاتصال الحديثة يزداد شهرة وعالمية على أولئك الأقل تداولاً للخدمات الاتصالية أو يتعاملون بها بالكاد. وهذه هي احدى صور القرية (العالمية)، أو حصيلة الأحلام العولمية لمثقفي السبعينيات وهم يتحدثون عن يوم يكون العالم فيه [مجرد قرية صغيرة]، وأن الثورة المقبلة هي ثورة إتصالات ومعلومات. لا أحد توقع بالتأكيد أن الاتصالات ستخدم التجسس على الحريات الفردية، ومرثاة الرفاه الاجتماعي والمجتمع المثقف وعالم الأمن والإخاء والمساواة.
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصائد عن الألمانية
-
- صفحات من كتاب الأنثى-
-
نزعات وجودية في الأدب العراقي
-
غوته.. عاشق الشرق والنساء
-
سميثا
-
لماذا نعيش في عالم سيء؟
-
جدليةُ النسيانِ والذكرى في شعر مهدي النفري ..
-
سياسات التهجير والتطهير العرقي والتوزيع الطائفي في العراق
-
جدلية الاغتراب والوهم بين صلاح نيازي وابن زريق
-
رغم أني جملة كتبتها السماء-
-
المنظور الاجتماعي في قصص صبيحة شبر : امراة سيئة السمعة
المزيد.....
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
-
مفوضية اللاجئين: من المتوقع عودة مليون سوري إلى بلادهم في ال
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: مستقبل سوريا يقرره الشعب السوري
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: نطالب بانهاء الاحتلال للاراضي ال
...
-
جدل في لبنان حول منشورات تنتقد قناة محلية وتساؤلات عن حرية ا
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|