|
التيار الإسلامي ومشكلة التراكم الرأسمالي
سامر سليمان
الحوار المتمدن-العدد: 1793 - 2007 / 1 / 12 - 12:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في كتابه "الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية" قال عالم الاجتماعي الألماني ماكس فيبر أن الرأسمالية نتاج لتطور وانتشار المذهب البروتستانتي. فقد صالحت البروتستانتية بين المسيحية والثروة. لقد حملت المسيحية الأولى ميلاً معادياً للثروة. وكما يقول النص المقدس "لا يستطيع العبد أن يخدم سيدين معاً، الرب والمال". كانت خدمة الرب هي الخيار المفضل للمسيحيين الأوائل. ولكن بارتباط الكاثوليكية بالسلطة وبتبني الدولة الرومانية للمسيحية، أجتهد الكثير من رجال الدين للتوفيق بين خدمة الرب والمال معاًً. وعندما كان بعضهم يفشل كان يقتصر في النهاية على خدمة سيد واحد وهو المال، الأمر الذي أحدث شرخاً كبيراً بين الخطاب الرسمي للكنيسة الكاثوليكية وممارستها الفعلية. لقد صالحت البروتستانتية بين الثروة والإيمان، بل وذهبت إلى تمجيد الثروة باعتبارها من علامات رضا الرب الذي يرزق عبده الصالح بالثروة الوفيرة. هكذا يرى فيبر أن البروتستانتية فتحت الطريق للتطور الرأسمالي، لأنها رفعت من على كاهل الرأسماليين عذاب الضمير من مراكمة الثروة، ولأنها وضعت العمل من أجل تراكم الثروة في قلب حياة المؤمن. فالنموذج المثالي لهذا المؤمن هو من يعمل بدأب من أجل الثروة. وحينما تأتي لا ينفقها، بل يقطر على نفسه أشد التقطير من أجل إعادة استثماراها من جديد، ودواليك. لماذا وضعت البروتستانتية العمل في قلب حياة المؤمن؟ يجيب فيبر لأن الذوبان في العمل هو الدواء الشافي للقلق والشك الذي يدخل منه الشيطان. وبهذا المعنى لعبت البروتستانتية دوراً تقدمياً في المجتمعات الأوروبية، لأنها ساعدت على خلق مجتمع العمل والادخار والاستثمار الذي قامت عليه الديمقراطية فيما بعد. لا شك أن البروتستانتية ساهمت في تطور الرأسمالية، هذا برغم تشدد الكثير من تياراتها، خاصة الكالفينية، ومحاربتها لمتع الحياة، وإصرارها على فرض نمط صارم ومتقشف في الدنيا. لذلك فإن المستشرقين المهمومين برصد انتقال المجتمعات الإسلامية إلى الرأسمالية يفتشون دوماً عن إسلام بروتستانتي. ولكن يبدو أن مسار تطور الفكر الإسلامي يختلف. فالإسلام لم يكن من الأصل ضد الثروة من حيث المبدأ، لذلك لم يكن "المصلحون" هنا معنيين بالتأليف بين قلب المؤمن والتراكم الرأسمالي، فالممارسة الإسلامية تقوم في الأصل على التوازن بين المادة والروح. لا شك أن محاولات التشبيه بين البروتستانتية وما يسمى بظاهرة "الإحياء الإسلامي" يشوبها الكثير من التعسف. نرى ذلك في كتابات الباحث الأمريكي هنري كلمنت المحتفي بتجربة البنوك الإسلامية باعتبارها خطوة هامة على طريق التأليف بين الرأسمالية والممارسة الإسلامية. لم تؤد "الصحوة الإسلامية" إلى خلق رأسمالية صناعية صاعدة. فالتيار الإسلامي الواسع لم يضع قيمة العمل في قلب اهتماماته. بل أنه في الممارسة العملية أزاح مفاهيم دينية شعبية تضع العمل في مرتبة تقديس لا تقل عن العبادة: "العمل عبادة". فدرجة التدين التي ارتفعت بشكل ملحوظ ترافقت مع انهيار قيم العمل، وبالذات العمل الجماعي، وعن مستوى غير مقبول من اللامبالاة تجاه الشأن العام. إن قبول حقيقة تواجد التيار الإسلامي وتقبل حقه في العمل السلمي لا يتعارض مع ضرورة مصارحته بالحقيقة المجردة، وهي أن كشف حساب مجمل تأثيره على المجتمع لم يكن ايجابياً، مهما خلصت نوايا معظم أعضاءه. فحينما تضرب انفلوانزا الطيور مصر، وحين تصبح البلاد على شفا وباء يهدد بحصد الآلاف بل والملايين، هذا في الوقت الذي تنخرط فيه قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى في الصراع ضد أعداء وهميين مثل رسام عنصري تافه في الدانمرك، هنا يجب أن نتوقف للمراجعة. أتذكر جملة مأثورة سمعتها في أوائل التسعينات للمستشار الراحل مأمون الهضيبي، ما معناه أن المهمة الأساسية للإخوان المسلمين هو قيادة الناس للجنة. وهو الأمر الذي أتذكر أنه أحدث ارتباكاً وسط الندوة التي كان يحاضر بها الهضيبي. لأن الحاضرين لم يكن بمقدورهم تقييم أداء الإخوان في هذا الصدد. لقد تطور خطاب الإخوان كثيراً الأمر الذي يسهل التعامل معه. ففي مواجهة اتهامهم بتوظيف الدين في السياسة قال العديد منهم، "ولماذا لا تستخدمون أنتم أيضاً الدين؟" وهي إجابة غريبة، لأنها بمثابة "ورونا شطارتكم بقى". الإجابة الأخرى التي يقدمها العديد من الإخوان هي أنه لا تغيير اجتماعي بدون استخدام القوة الجبارة للدين كدافع معنوي، سواء ضد الفساد أو ضد الإدمان أو ضد الظلم، الخ. وهنا لا يسعنا إلا أن ندعو الإخوان أن ينزلوا بأنفسهم إلى الشوارع وأماكن العمل والأسواق، لكي يقيسوا بأنفسهم التأثير الحي لدعوتهم، ولكي يلمسوا إلى أي مدى تجسدت في تفاني في الإنتاج، وفي حس بالتضامن مع الفئات المحرومة. مشكلة التيار الإسلامي لا تكمن فقط في أنه يصدر للمجتمع فهماً متشدداً للدين يوسع من دائرة المحرمات، فهذا ما فعلته الكالفينية في أوروبا وأمريكا. لكنها على الأقل ساهمت في عملية التراكم الرأسمالي التي انتشلتهم من العصور الوسطى. التيار الإسلامي يحتاج إلى ثورة في داخله تنتصر لتأويل تحرري وتقدمي للدين. فهل من بشائر لهذه الثورة؟
#سامر_سليمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليسار ومشكلة التنظيم، وداعاً للينينية.. هل من جديد؟
-
الرأسمالية المصرية.. هل هي طبقة منتجة للديمقراطية
-
من -الدين لله والوطن للجميع- إلى -الدين لله والدولة للجميع،
...
-
حوار مع روح -مولانا- كارل ماركس عن الرأسمالية والديمقراطية و
...
-
حول الإخوان واليسار والعلمانيين
-
خيرنا أنفعنا للناس
-
النوبة والسد العالي والعنصرية في مصر!
-
أزمة اليسار المصري، فتش عن الدولة الناصرية
-
الاقتصاد السياسي للمستقبل
-
العلمانية والتحالف مع الإسلاميين
-
علنا لا ننسى شهداء اليسار اللبناني
-
الديمقراطية بين الإيمان بها والمصلحة فيها
-
على ماذا يختلف اللبنانيون؟
-
من الكافر في الصراع اللبناني؟
-
القومية والديمقرطية في مصر والعالم العربي
-
أوهام التحديث بالاستبداد
-
في الرابطة بين القضية القومية والقضية الطبقية
-
في تشريح الصراع الاجتماعي والسياسي في مصر
-
دعوة للحوار
-
نحو رؤية يسارية للمسألة الديمقراطية
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|