|
الحزب الشيوعي ..... شيء عن علاقة الوعي بالواقع.
عارف معروف
الحوار المتمدن-العدد: 1793 - 2007 / 1 / 12 - 12:10
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
1- قلنا ان ثمة عالم " افتراضي " اقامه وعي زائف .و ان المشكلة تتعلق، في جانب كبيرمنها، بطبيعة الوعي او الادراك وسيلزمنا هذا الامر بتناول شيء عن علاقة الوعي بالواقع . التي تعتبر وجها آخر لعلاقة الذات بالموضوع ويمكن تمثيل عناصر هذه السلسلة ب( الذات – الوعي – الادراك- الفعل –الموضوع او الواقع) حيث تواجه الذات الواقع والتي هي الاخرى جزء منه ولكنها جزءه النامي ... الواعي ، فتعيه عن طريق انعكاسه عبر واسطة هي الادراك الذي يحدد نوع وطبيعة الوعي الذي يقوم على اساسه او ينتج عنه الفعل او الممارسة التي تؤثر في الموضوع بدورها فتنقل العلاقة بينه وبين الذات الى مستوى جديد .... وهكذا ) ان العناصرالوسيطة لهذه السلسلة التي تربط بين الذات والموضوع وهي الادراك فالوعي ثم الفعل والممارسة ... ذات اهمية حاسمة هي الاخرى ويمكن ان تنتج مفاعيل واختلالات خطيرة في مجريات هذه العملية . فبسبب طبيعة المعرفة وجدليتها وبسبب نسبية الحقائق لايمكن الوصول الى حالة وعي او ادراك مطابقة تماما للواقع الموضوعي ولكن يمكن الوصول الى حالة من الوعي او مقاربة صحيحة ضمن خطوطها العامة ويمكن على اساسها صياغة الفعل وتحديده بحيث نحصل على افضل نتائج ممكنة وتحقيق اكبر تاثير ممكن وتلافي الهدر او الخسارة – الاقتصاد في الجهد – فالوعي هو الذي يحدد ماهية المشكلة مثلا ليؤسس لطبيعة ووسائل الحل او الفعل فاذا كان الادراك مضطربا او مشوشا فسينتج وعيا مشوشا ومضطربا وسنحصل على نوع من التحديدات والتشخيصات مضطربا هو الاخر، فنقّدر ان المشكلة الاساسية التي ينبغي توجيه الفعالية وباكبر زخم وجهد ممكن نحوها هي العقدة (ا) مثلا في حين ان الواقع ، موضوعيا ، متازم في ( ب). ستكون النتيجة تفاقما للازمة وخسارة للجهد المتوفر بل ونقل الازمة الى مستويات جديدة تضعف القدرة كثيرا وتجعل الخسارة مركبة ، وككل شيء فان هذا الامر يحصل على اساس تفاعل منظومي بين منظومات منفتحة ، فتدخل في التفاعل وتفاقمه عوامل اخرى لم تكن محسوبة في البدء وهكذا .... 2 - ان الادراك يتوسط بين الوعي الذاتي والموضوع وهو يتاثر بكل منهما وهو يصوغ ويقدم للوعي جزئيات الموضوع او علاقاته متأثرا بآليات واسس متفاعلة نذكر منها: أ- الخبرة / حيث تشكل الخلفية التي يتفاعل معها الموضوع المدرك فتحدد اطر ادراكه واشكال صياغته ومضامينه لا كما هو حقا بل كما تراه هي استنادا الى المعطيات المتراكمة لديها . ب- الا فكار او الاحكام المسبقة / يرى الانسان لا ما يجب ان يراه بل ما " يريد " هو ان يراه ، وينتج ذلك الانتقائية وهي جزء من العادة . ت- العادة : آلية وقوالب صاغتها الخبرة وهي مصدر للطمأنينة ومواجهة الخوف اذ تكيّف الجديد و غير المألوف وتكسبه اثواب القديم وتقدمه بصيغ مالوفة للتمكن من ادراكه وتقبله دون وجل لكنها "تكيّف" الموضوع تكييفا ضارا. ث- العاطفة وتنبع عن العادة وهي ذات فعل اعاقة وتشويش للادراك. ج- الوسائل وتحدد الادراك بحيث تمكنه من الوصول الى موضوعاته بحرية مناسبة او بقدر من الاعاقة يزيد او ينقص . فانا وانت والاخرين لا نبصر لوحة معينه بنفس الطريقة ، ليس من ناحية الخبرة او المعرفة والثقافة او الفكرة المسبقة او العاطفة وانما لاسباب فيزيولوجية صرف فقد يكون بصري حادا وصحيحا وقد يوجد لدى غيري انحرافا في البصر او مرضا من امراض العين او قد يكون كفيفا بالمرة ، فيتاثر ادراك الموضوع البصري ابتداءا بالوسيلة قبل الوصول الى حكم بصدده مما يعد وظيفة الاليات الاخرى التي اسلفنا. اما طرائقه وعملياته، الادراك ، فمنها التعميم والنمذجة والتجريد ولها هي الاخرى مخاطرها رغم كونها وسائل لابد منها .
3- بحسب الماركسية فان الوعي ليس سوى انعكاس للواقع ، أي انه ليس كما ترى المثاليات معطى قبلي ، بل معطى تالي، ناتج عن و محدد بالواقع على اساس من علاقة تفاعلية ، والماركسية لاتعني الوعي الفردي، اساسا ، وانما تعني الوعي الاجتماعي والوعي الاجتماعي هو ايضا البنية الفكرية ، التي تنبثق عن وتنسجم مع البنية الاجتماعية والاقتصادية . لكنه ايضا بنية تاريخية أي انه مستودع لخبرات وبقايا ومفاهيم وافكار وممارسات وعادات وتقاليد تعود الى ازمنة مضت وبنى تاريخية زالت ولم تعد قائمة منذ زمن طويل ، وقد ينعكس هذا التداخل ليس عبر شخصية ووعي المجتمع بل ووعي وشخصية كل فرد من افراده بهذا القدر او ذاك فنرى اجيالا تاريخية متعدده تعيش في ان واحد وتنعكس في كل مستوى من مستويات الحياة اليومية بل وحتى ضمن اطار الشخصية الفردية الواحدة مما ينتج الكثير من الظاهرات الاجتماعية والسلوكية المثيرة !ويتبادرالى الذهن بفعل العادات او الاليات، الفكرية المتأصلة ، التي اشرنا الى بعضها ، نموذج يقوم على اساس بنية اجتماعية محددة يقابلها او يرتبط بها او ينبثق عنها بنية فكريه معينه ، محدده وثابته ، ويحصل هذا كثيرا بفعل الميل الى النمذجة التي تفيد عمليا في الدراسة والتبسيط لكنها لاتخدم الحقيقة. فالصورة المألوفة للذرة، مثلا ، هي صورة نواة من جسيمات ايجابية الشحنة واخرى متعادلة تدور حولها جسيمات سلبية الشحنة في مدارات دائرية منتظمة ، لكن هذه ، في الحقيقة ليست سوى صورة مبسطة تصلح لايضاح الفكرة للاطفال ، فالذرة ليست ابدا كذلك في واقعها الحي ، كذلك الامر بالنسبة للخلية الحية ، فالتلاميذ يعرفون الخلية الحية في صورة حجيرة شبه دائرية من السايتوبلازم تتوسطها نواة وتسبح في جوانبها جسيمات مولدة للطاقة او غير ذلك ، ولكن في حقيقة الامر ليست هذه صورة اية خلية حية في اية لحظة من اللحظات ، فالخلية الحية نفسها منظومة مفتوحة تؤثر وتتاثر مع العالم المحيط وتتداخل معه اشد التداخل وتتغير شكلا وموضوعا في كل وقت وهكذا الامر بالنسبة لكل مكونات العالم الذي نعيش سواءا تلك الغير متناهية في الصغر او غيرالمتناهية في الكبر لكن الوعي والمعرفة تلجأ الى النمذجة والتبسيط لاغراض عملية ليس الا. واذا كان الواقع منظومة مفتوحة فان الوعي، هو الاخر منظومة مفتوحة. والعالم الانساني بكل جوانبه يعيش في وحدة متنامية ، تلك الوحدة التي تزداد اطرادا ، خصوصا في القرون الاخيرة . ولذلك فان الوعي الانساني يتشكل هو الاخر في بنية فكرية واحدة تشكل وحدة متناقضات متفاعلة. ولذا فان ماركس حينما تصدى لدراسة المجتمع الراسمالي ، في اكثر نماذجه تطورا ونضجا و بعدا عن التشوش ، انذاك ، أي انكلترا اشار الى ان استنتاجاته تخص، على نحو ما ، مستقبل المانيا، لان " البلد الاكثر تطورا في الصناعة من شانه ان يبين لتلك البلاد التي تتبعه على صعيد الصناعة ، صورة مستقبلها الخاص " !! كما ان الراسمالية في تقدمها واكتساحها العالم ، بحسب البيان الشيوعي ، تصنع عالما على صورتها ومثالها ... لقد اصبح العالم اذن موحدا ، رغم انه غير متساوي، واصبح مايحدث في القلب او المركز يؤثر في الاطراف وبالعكس ولم تعد هذه الاطراف تستقبل وتهضم منتجات الصناعة والتجارة وانما منتجات الفكر وافرازات الوعي ان الوعي الانساني اصبح على نحو من الانحاء واحدا ، منظومة عالمية مفتوحة ، ولذلك فان مكوناته تؤثر وتتاثر ببعضها البعض اولا وتؤثر وتتاثر كذلك مع الواقع ، بمختلف مكوناته ومستوياته وعلى الصعيد الكوني. لكن ماركس نفسه سخر بمرارة من – الالمان –في حينه الذين " استحال التعبير النظري عن اكثر المجتمعات تطورا بين ايديهم الى مجموعة من العقائد الجامدة ، يؤولونها وفقا لاتجاه مجتمع متخلف ، الامر الذي كان ، طبعا ، تاويلا عكسيا يفتقر الى الاصالة " !! (انها كلمات نيرة كم تمنيت لو ختمت باحرف من نار على صفحات الادمغة المسطحة ) . فاذ تعكس السوريالية في الفن ، مثلا ، وضعا اجتماعيا او تعبر عن ازمة في الوعي اونقدا او كشفا او تجديدا في الوسائل في المجتمع الغربي . فان تاثيرها بعد اليوم لن يتوقف على فرنسا او اوروبا الغربية بل سيمتد بدرجات مختلفة من التاثير الى كل انحاء العالم وسيظهر من يعتمد طريقة السوريالية ووسائلها في التعبير في الهند او التبت او الجبايش في اهوار العراق بغض النظر عما اذا كان ثمة اساس تاريخي او اجتماعي او مستوى تطور اقتصادي مناسب ينتج ازمة او يحتم نقدا!، ان ذلك يستند الى وحدة اطاروتفاعل الفكر العالمي ، لكن اندريه بروتون او سلفادور دالي يمثلون جانب الاصالة في هذه الظاهرة في حين يمثل الرسام فلان في الهند او الفنان عبد الرضا في الجبايش استجابة وتاثر خارج السياق ، انهما لن يكونا بعد اليوم بحاجة الى اعادة تمثيل المسار التاريخي الذي انتج بروتون او دالي، لن يعودا بحاجة الى " ضرورة تاريخية ،" لمنحهما الشرعية، فثمة شرعية واقعية مستمدة من وحدة الفكر والوعي البشري ، لكنهما في نفس الوقت لن يكونا مثلهما حقا وفعلا وانما سيكونان شيئا هجينا في افضل الاحوال او زائفا في اسوءها! لقد عولج هذا الامر مليا من قبل الكثيرين من مختصي الاجتماع او المؤرخين او المفكرين وسمي مرة الازدواجية ومرة الاغتراب واخرى الاستلاب وثانية التناشز وهكذا....ويحصل هذا الامر على صعيد العلم ، وان كانت المفارقة التي ينتجها اقل ماساوية وكذلك على صعيد التكنولوجيا ، رغم انها اكثر الاطر مرونة وقدرة على التسوية لانها تخص الوسائل لا الافكار ! 4- ان البنية الفكرية لبلد من البلدان المتخلفه ، المحيطية( يفضل ان نسميها الهجينه او المشوهة ولذلك اسبابه الضرورية طبعا) هي بنية هجينه بامتياز ، وهي تعكس مستويات تاريخية متعددة وتزاوج بين اطر فكرية مختلفة ، وينعكس هذا الامر في نوع واطر وحدود ووسائل الوعي الفردي والاجتماعي وتعابيره ، الامر الذي تشكل الازدواجية والانشقاق بين الفكرة والممارسة ، الكلمة والمعنى ، الادعاء والسلوك الحقيقي احد اهم واخطرامراضه الملازمة التي تنبع ،بالضرورة عن بنيته الهجينه ومستوياته المتداخلة . 5- يشكل الواقع الموضوعي واستجاباته دور المصحح والمصوب للممارسه والمقوم للوعي ، فهو الذي سيزكي هذا الفعل او ذاك عبر النتائج التي سيتمخض عنها الواقع ، ولذلك يقال عن الفكرة الفلانية ان الحياة زكتها في حين نرى ان الفكرة الفاشلة والممارسة المنبثقة عنها تنتج مفاعيل عكسية او ضارة او غير مطلوبة الامر الذي يعكس ان الواقع لم يستجب لها كما حسبت مما يستدعي تجاوزها كممارسة وتقويمها او تصحيحها كفكرة . ان الواقع ونتائجه هو المرآة الحقيقية التي تعكس مدى صحة وانسجام فكرة او نظرية ما او الممارسة التي تنبع عنها او تدعي الصلة بها ( لاتعكس الممارسة الفكرة او النظرية بالضرورة او بمجرد ادعاء الصلة فقد تكون مناقضة في حقيقة الامر وذات نتائج متعاكسة مع منطق وهدف الفكرة او النظرية) . ان ماتقدم مجرد غيض من فيض يجب مراعاته واخذه بنظر الاعتبار في نقد المسار السياسي الذي نحن بصدد نقده .
#عارف_معروف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحزب الشيوعي العراقي .......سنوات التألق ومنحنى التراجع وال
...
-
الحزب الشيوعي العراقي .. انعدام اللون والرائحة والطعم..... 2
-
! الحزب الشيوعي العراقي ......... انعدام اللون والطعم والرائ
...
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق ........افق الحرب الاهل
...
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق ........11
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق......... 10
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........9
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........8
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........7
-
! جورج حاوي : يا انصار العقل ... اتحدوا
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........6
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........5
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .......4
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق ........3
-
من اجل العمل المشترك لقوى اليسار والتقدم والديمقراطية
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق .........2
-
المضمون الاجتماعي للطائفية في العراق ...........1
-
هل الماركسية علم ام عقيدة ؟
-
صور صدام ... اية لعبة هذه المرة؟!
-
في البديهيات..... تجربة امريكا الديمقراطية في العراق!
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|